يروي الفدائي بالعاصمة طاهر الحسين، المدعو الطاهر شامنوف، لـ”الشعب”، أحداثا سبقت إضراب الثمانية أيام التاريخي، وما وقع من تفجيرات وإعتقالات، قبل تاريخ الـ28 جانفي 1957.
الفدائي طاهر الحسين، من مواليد العاصمة ببلكور، انتقل رفقة عائلته في 1947 للعيش في المدنية.، كلو سالامبي سابقا، من بين الشباب الجزائريين الذي كان شاهدا على اضراب الثمانية أيام بالعاصمة، وشارك مع رفقائه في الكفاح بالمنطقة الرابعة التاريخية.
سكان الأحياء الشعبية إلتفوا حول الإضراب
تحدث المجاهد طاهر الحسين، عن مساهمته رفقة مجموعة من شباب حي بلكور وكلو صالامبي سابقا، المدنية حاليا، في تنفيذ تعليمات مسؤوليهم القاضية بمراقبة اصحاب الدكاكين والمحلات، الذين استجابوا الإضراب، والذين تخلفوا عن المشاركة فيه، ونقل الأخبار لمسؤولي جبهة التحرير الوطني.
ويشير طاهر الحسين الى أنه كان من بين مسؤوليهم بالعاصمة حسين كوار، ومحي الدين تومي، هذا الأخير شهيد دون قبر.
ويوضح الفدائي أن الإجتماع حول التحضير للإضراب عقد في حي تليملي عند عمارة رشيد، أين ناقشوا مدة الإضراب وهناك من إقترح شهرا، لكن هذا الاقتراح رفض لأن أغلب الجزائريين ليسوا موظفين دائمين، بل عمال بسطاء يعملون بأجرة يومية. فرد عليهم عمارة رشيد، بأنه تسلم قسيمات وحوالات مالية للمنطقة المستقلة، تُقدم لأصحاب الدكاكين لمنح العائلات الجزائرية المواد الغذائية مجانا، وصاحب المحل الذي يرفض قبول وصل البيع، يشتكى به ويعاقب لأنه لم يحترم قرار جبهة التحرير الوطني، بحسب شهادة طاهر الحسين.
وقامت الفنانات مثل المطربة فضيلة الجزائرية، قوسم، عويشة، بتوعية النساء الجزائريات في المنازل، حول أهمية الإضراب تضامنا مع الثورة التحريرية ولإيصال صوت معاناة الجزائريين إلى أروقة الأمم المتحدة.
دوريات الاحتلال وإقتحام منازل وقمع
يؤكد المجاهد الحسين، أن الإضراب سبقته حملات اعتقالات وتفجيرات بالعاصمة، حيث أن روبير لاكوست، الذي كان وزيرا مقيما بالجزائر أعطى كل الصلاحيات للجنرال جاك ماسو، لقمع الجزائريين والقضاء على المناضلين الذين كان يطلق عليهم ارهابيين ولابد من استئصالهم.
يروي هذا الفدائي، أنه يوم السبت 26 جانفي 1957، انفجرت ثلاثة قنابل الأولى في بالمكان المسمى اوتوماتيك، قرب الجامعة المركزية، التي أصبحت فيما بعد طالب عبد الرحمان، نفذتها الفدائية زهية خرف الله، ودانيال مين، ابنة جاكلين قروج.
خلفت العملية ثلاث قتلى، والقنبلة الثانية، نفذتها جميلة بوعزة، والقنبلة الثالثة وضعتها فضيلة آتيا، التي كانت تعمل في الحكومة الفرنسية العامة، وكل هذه القنابل نفذت بأماكن متقاربة في العاصمة.
يقول محدثنا: ” لوحظ يوم الأحد 27 جانفي 1957، حركة غير عادية للشرطة الفرنسية، كنت جالسا في حي المدنية، أستمع لحديث بعض المناضلين الذين كانوا يتساءلون عن الإضراب، الذي حددت مدته ثمانية أيام، وما مصير العاطلين عن العمل، وخاصة ان معظم سكان المدنية يشتغلون في ميناء الجزائر حمالين، فكان جوابهم ان هناك من يتكفل بتأمين الغذاء لعائلاتهم”. ويضيف: ” طلب منا مراقبة الدكاكين التي تفتح أبوابها يوم الإضراب لأن قيادة جبهة التحرير الوطني اعطت أمر بأنه يوم 28 جانفي ينظم اضراب شامل وإغلاق كل المحلات ولا شئ يباع، كنا نسجل أسماء أصحاب الدكاكين، الذين لم يمتثلوا لقرار جبهة التحرير الوطني وفتحوا محلاتهم، ونخبر مسؤولينا، انذاك لم يكن لدينا تكوين سياسي، كنا صغار في السن.”
ويروي الفدائي، أنه يوم 27 جانفي1957 ، شاهد طوابير من المواطنين يتهافتون على شراء ما يلزمهم من المواد الغذائية، وتخزينها طيلة ثمانية أيام من الإضراب، حيث نفذت المواد الغذائية من المحلات.
ويشير المجاهد، إلى أنه، لاحظ محل أحد التونسيين المقيمين بالجزائر والذي يدعى التونسي، كان يبيع السفنح أو ” الخفاف”، ومعتادا على فتح دكانه باكرا، لكنه يوم الإضراب أغلق دكانه، ما عدى بعض الاوروبيين، الذين فتحوا محلاتهم، في حين المخابز، التابعة الجزائريين مغلقة، فيضطرون للشراء من عند الأوروبيين.
يصف محدثنا، يوم 28 جانفي 1957 الذي صادف يوم الاثنين، بأنه كان يوما جميلا والطقس مشمسا.
يقول محدثنا، أنه يوم الإضراب شاهد لأول مرة قوات القبعات الخضر، تابعين للفرقة الأولى للمظليين، كانوا متمركزين في فيلا سوزيني، على رأسهم العقيد بروتي، الذي كان يشرف على المدنية، بلكور، واول ماي، ودوريات لجنود العدو مصاحبة بالكلاب المدربة لتخويف الجزائريين، وأخرى تقتحم المنازل لإرغام المواطنين لفتح محلاتهم. كما أن هناك من ألقي عليهم القبض قبل الـ28 جانفي.
ويضيف الفدائي، أنه من بين التجار، الذين إقتادهم جنود المظليين الفرنسيين، بقوة وإرغامه على فتح دكانه بعد تهديده بالذبح، عندما رفض فتحه تضامنا مع القضية الجزائرية المواطن التونسي، الذي كان يقطن بحي الناظور، غير بعيد عن مقر المتحف الوطني للمجاهد حاليا.
وبحسب شهادة محدثنا، فإن مسؤولوا جبهة التحرير الوطني شكروا هذا المواطن التونسي لمساندته لإخوانه الجزائريين، في حين بعض العملاء لم يمتثلوا لأوامر جبهة التحرير الوطني.
ومما حدث في ذلك اليوم يقول طاهر الحسين، أن عمال النظافة لم يعملوا، فقام جنود الاحتلال الفرنسي بإحضار مدير مدرسة جزائري، وطلبوا منه رفع القمامة، ولم يحترموا منزلته العلمية، وقالوا له “نحن لا نفرق بين العامل ومدير مدرسة، عليك برفع القمامة”.
ويروي الفدائي، أن هناك من وضع لافتة على باب دكانه مكتوب عليها “مصطفى توفي”، لهذا لم يفتح دكانه اليوم، كي لا يتعرض لعقاب الإدارة الإستعمارية.
يقول: ” يوم الإضراب كان كل الجزائريين من تجار وعمال ومواطنين صامدون أمام الآلة الإستعمارية، وتعرضت محلات الجزائريين للسرقة، لكن هناك بعض الأوروبين قاموا بحراسة دكاكين الجزائريين وتعاطفوا معنا”.
ويضيف المجاهد طاهر الحسين، أن جنود الجيش الفرنسي إعتدوا على الجزائريين بالضرب واخذوهم في شاحنات، نحو الملعب البلدي 20 اوت في البرد القارس، حيث كانوا يطلقون على الأحياء التي يقطنها الجزائريون بأنها احياء معفنة، كإهانة لهم، ووقعت انفجارات كثيرة بعد الإضراب.
ويؤكد محدثنا أن الاضراب كان سلميا، لم يحمل فيه المناضلون السلاح، ومن هنا أطلقت تسمية معركة الجزائر، من طرف احد الصحفيين الفرنسيين الذي أراد تصوير الجيش الفرنسي على أنه جيش عظيم تمكن من القضاء على قادة الثورة، في حين أن المعركة تقودها دولة تدعي التحضر ضد شعب أعزل .
فقدنا قادة حقيقيين
وتأسف المجاهد الحسين، عن أنه بعد هذا الإضراب التاريخي خسرت الثورة الجزائرية العديد من القادة، على رأسهم الشهيد العربي بن مهيدي، وبقيت المنطقة المستقلة بدون مسؤول، وفر كل من كريم بلقاسم وبن خذة، الأول إلى المغرب وبن خذة توجه الى تونس، وشنت الإدارة الإستعمارية حملة اعتقالات واسعة وقمع لا مثيل له ضد الجزائريين.
يقول:” في العاصمة كانت قيادة حقيقية، مسؤولينا كانوا عباقرة”.
ويؤكد محدثنا، أنه هناك الكثير من زملائه المناضلين مفقودين في اضراب الثمانية أيام، منهم المناضل محمد بن جلول، هناك من قتلهم المظليون ذبحا، وهناك من اخذوا الى المعسكرات بعين وسارة.
يروي طاهر الحسين، أن المظليون أخذوا أولاد إحدى جاراته بحي المدنية، إلى المحتشدات بعين وسارة، ومن حسن حظها أنه بعد استرجاع السيادة الوطنية عاد ثلاثتهم، فكانت فرحتها كبيرة.
في حين هناك عائلات فقدت العديد من افرادها استشهدوا منهم الأخوة مدني، الذين سمي حي المدنية باسمهم، اكبرهم ولد في 1914 اسمه عثمان، وبمناسبة ذكرى 11 ديسمبر 1960، اطلق الرئيس الراحل احمد بن بلة، اسم المدنية على كلوصالومبي، سابقا، تخليدا للأخوة الثلاثة الذين استشهدوا في الولاية الرابعة التاريخية، يقول هذا الفدائي.
وعن رد فعل الصحافة الاستعمارية، يشير المجاهد الحسين، إلى أن معظم الصحف الاستعمارية شكرت جنود المظليين على قمعهم للجزائريين وإلقاء القبض على العديد من المناضلين، وأطلقت عليها إسم معركة الجزائر .
دور المرأة الفدائية
ويشيد محدثنا، بنضال النساء الفدائيات بالعاصمة، اللائي قدمن الكثير مثلا المجاهدة المرحومة جوهر أكرور، وضعت قنبلة مع الشهيد رحال، يوم الأحد 10 فيفري 1957 في الملعب البلدي 20 اوت، وباية حسين وضعت قنبلة في حي الأبيار، وقنبلة أخرى وضعتها زهرة ظريف في ميلك بار، بتاريخ 30 سبتمبر 1956.
والقنبلة الثانية وضعتها سامية لخضاري ابنة القاضي بجامع كتشاوة، رفقة والدتها، والقنبلة الثالثة اخذتها جميلة بوحيرد، لكن لم تنفجر واكتشف أمرها من طرف أحد العمال الفرنسيين.
ويشير إلى أن بعض الأوربيين أصدقاء الثورة الجزائرية ، مثل آني ستينار، علموا المناضلين الجزائريين صناعة القنابل التقليدية.