يعود تاريخ العملة الجزائرية إلى العهد العثماني، حيث ضرب حكام أيالة الجزائر عملتهم الخاصة، بعد تأسيس دار السكة قرب قصر الداي، والتي نُقلت بعد ذلك إلى القصبة سنة 1817، بحسب ما تؤكده مصادر تاريخية وعلى رأسها دراسات المؤرخ نصر الدين سعيدوني.
يشير الباحث هواري قبايلي، في مقال بعنوان “العملة الجزائرية في أواخر العهد العثماني ودولة الأمير عبد القادر”، نشره بمجلة “عصور”، أعداد 2008- 2009، إلى أن أهم ما ميز العملة في أيالة الجزائر خلُوها من صور الحكام والشعارات والرموز، إضافة الى شكلها المستدير، وتعددت قيمتها من عملات ذهبية، فضية، برونزية، ونحاسية.
وبحسب الدراسة، شُح المعادن في الجزائر لأسباب عدة منها عدم وجود مناجم كبرى، وانقطاع ذهب السودان منذ القرن السابع عشر، بعد تزايد نشاطات البرتغال في غرب إفريقيا، كلها عوامل اضطرت حكام الجزائر الأتراك إلى دعم دار السكة مباشرة من المعادن الثمينة المكدسة في خزينة الدولة،
ويوضح الأكاديمي أن الأتراك في الجزائر أرادوا استغلال التطورات النقدية والمالية، التي كانت تمر بها أوروبا، لصالحهم وذلك بفتحهم الباب على مصراعيه أمام تدفق العملات الأوروبية والأجنبية في السوق الجزائرية، هذا ما ساعد على توفير النقود الضرورية في التعاملات التجارية.
ويشير الباحث إلى “أن هذه العملات تم الحصول عليها بشتى الطرق سواء بفضل نشاطات الشركات الأجنبية الإتاوات، الهدايا، وإجراءات عتق الأسرى المسيحيين، إضافة إلى العلاقات المميزة العثمانية الإسبانية، الشئ الذي سمح بهيمنة العملات الإسبانية بكثرة على السوق الجزائرية، علما أن العملات الإسبانية استطاعت غزو السوق المالية العالمية آنذاك، “، يضيف صاحب الدراسة.
ومن أشهر العملات المتداولة في الجزائر، أثناء التواجد العثماني: الدبلون وهو الدينار أو ما يعادله ذهبا، الدوكة وكانت تعادل دينار ذهبا، الكورونة التي اشتهرت بكثرة وكانت من الفضة الخالصة، الدورو الإسباني، الريال، ثم تأتي بعد ذلك من حيث الأهمية العملات التونسية نظرا للعلاقات التجارية الكبيرة عبر الحدود ما بين الجزائر وتونس.
وأهم هذه النقود الدرهم الناصري، الريال الفضي، إضافة إلى رواج عملة الزياني الذهبي، وهو من بقايا العملة الزيانية، كما تم تداول النقود المغربية في الغرب الجزائري، وذلك نظرا للنشاط التجاري المتزايد عبر محور تلمسان – فاس، ومن أهمها البندقي العشراوي، نصف البندقي العشراوي المثقال الموزونة، الفلس، الريال، الدرهم، إضافة إلى العملات التركية العثمانية.
في العملات الذهبية نجد السكة أو السلطاني، نصف السلطاني، ربع السلطاني، العملات الفضية، ريال بوجو، زوج بوجو، دورو الجزائر، العائمة، ربع بوجو، ثمن بوجو، موزونة، زوج موزونة، الأسبر الفضي، العملات النحاسية، الخروبة ريال، درهم صغير، زوج دراهم صغار، الأسبر النحاسي، الفلس.
عقوبة الإعدام لمزوري العملة
ويشير المقال، إلى أن ما ميز العملة الجزائرية في تلك الفترة من أواخر العهد العثماني عدم استقرارها وصعوبة تحديد قيمتها بسبب تذبذب الأحوال الإقتصادية والسياسية في البلاد ساعد على ذلك ندرة المعادن الثمينة، ما سبب في تدني القدرة الشرائية، وزيادة رواج أعمال تزوير العملة، خاصة في بلاد القبائل رغم عقوبة الإعدام حرقا التي كانت تطال المزورين، والعقوبات الجماعية ضد القبيلة، التي يثبت تورط أحد أبنائها في عمليات التزوير بعدما يكون محل بحث ولم تستطع الدولة الوصول إليه.
ويؤكد الباحث قبايلي، أن “كل هذه العوامل تسببت في ركود الاقتصاد وعودة المعاملات بالمقايضة البائدة، في وقت تطورت فيه المعاملات الاقتصادية في أوروبا، هذه الظروف أسهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الجزائر وزاد الهوة بين الحكام الأتراك المستبدين، وغير المبالين بشؤون العامة، وبقية الشعب، الذي فقد الثقة في هؤلاء الحكام، الذين اختزلوا واجباتهم اتجاه العامة في جمع الضرائب وبطريقة سادها الكثير من التعسف والظلم.”
النظام المالي والنقدي في دولة الأمير عبد القادر
وتناولت الدراسة أيضا النظام المالي والنقدي في دولة الأمير عبد القادر، الذي كثيرا بتأسيس اقتصاد دولته الفتية وفق أسس سليمة صحيحة عبر إعادة تفعيل الحياة الاقتصادية، وإعادة الثقة للتعاملات الاقتصادية والتجارية وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للمحتل، كما سعى إلى زيادة مداخيل وموارد الخزينة للقيام بأعباء الدولة وتمويل المجهود الحربي، وألغى الضرائب غير الشرعية مثل اللزمة، الغرامة، والعوائد، وعوضها بضريبتي العشور والزكاة، وألغى أعمال السخرة، والمصادرة التعسفية والتغريم بغير وجه حق.
وألغى الأمير، أيضا، كل الامتيازات التي كان يتمتع بها الكراغلة، وأرغمهم على المساهمة في المجهود الحربي بمشاركتهم في المعونة، وهي ضريبة استثنائية خاصة بالمجهود الحربي، يمكن إلزام الحاكم الرعية بدفعها في زمن الحرب وقد استحدثت في 1839.
وأسس الأمير عبد القادر، نظاما نقديا خاصا به، ولم يتأتى ذلك الا بضرب السكة وإصدار العملة كرمز من رموز الدولة، ولوضع حد للفوضى المالية والنقدية، حيث جاءت العملة بحلة جميلة بها نقوش لآيات قرآنية منتقاة، حيث كانت تدعو للجهاد وتحث على الصبر، بهدف توحيد النظام النقدي في الجزائر. وأسس دارا لضرب السكة في تقدامت، التي تبعد عن مدينة تيارت حاليا، بحوالي 13 كيلومتر، من الجهة الشمالية الغربية، وعين السي قدور بن محمد بن رويلة، أمين سر خليفة مليانة، الذي سيصبح مستشار له فيما بعد متكلفا بالسكة.
وقد انقسمت هذه العملة الى محمدية ونصفية، كتب في مجملها عبارات “لا إله إلا الله “، وفي الوجه الاخر عبارة “ضرب من طرف السلطان الحاج عبد القادر “، وفي قطعة أخرى “حسبي الله ونعم الوكيل “، وفي الوجه الآخر “عبد القادر أمير تقدامت” او ” عبد القادر بن محي الدين ضرب في تقدامت سنة 1256ه. وكانت القطع الفضية نادرة كتب على ظهرها الآية الكريمة ” ربنا افرغ علينا صبرا وتوفانا مسلمين “، وفي أخرى “إن الدين عند الله الإسلام “، وقد تكرر الشكل الأخير مع اختلاف القطر والأوزان والمعدن،
ويصف الباحث قبايلي، شكل العملة الأميرية، وهي عبارة عن دورو بومدفع يساوي أربعة ريال، والريال يساوي ثلاثة أرباع، والربع يساوي ثمانية محمدية، وهي عملة الأمير والمحمدية تساوي اثنين نصفية، وكان الريال العملة المفضلة له بما انها كانت أكثر العملات تداولا وشهرة، يضيف الأكاديمي.