أفضت الاجتماعات واللقاءات الأخيرة للحكومة، إلى بروز دور ريادي للجزائر في توثيق تكامل استراتيجي وحيوي مرتقب مع الدول الإفريقية، وانطلق هذا الدور بقوة في بناء مشاريع ضخمة للبنى التحتية لجعل الشراكات الثنائية ذات كفاءة عالية، تنعكس إقليميا على سلاسل القيمة، وتعزّز جهود الاستدامة التنموية لمواكبة احتياجات القارة السمراء الحاملة لطموحات شعوب تكتنز الموردين الطبيعي والبشري، وتتطلّع لمستقبل مزدهر.
في هذه المرحلة، تحتاج دول القارة السمراء إلى المزيد من التنسيق والتكامل لتبرز كقوة اقتصادية لها مكانتها في المنظومة الاقتصادية العالمية، عبر توطين شراكات صناعية وطاقوية، من المقرر أن تلعب فيها الجزائر أكبر بلد بالقارة، دورا مركزيا بالنظر إلى المستوى الرفيع الذي بلغته في تمويل القارة الأوروبية بالطاقة، وانتعاش صناعتها المحققة لتنافسية عالية في أسواق خارجية، ويمكنها أن تحول هذا الزخم الاقتصادي من تجارب وخبرات إلى العديد من دول القارة الإفريقية.
كل المؤشرات وجميع التحركات تؤكّد أنّ الجزائر وإفريقيا أمام فرص جديدة في مرحلة هامة وشديدة الحساسية يشكّل فيها التحول بوابة رئيسية للانفتاح على النمو المتناسب مع القدرات المتوفرة والموافق للإرادات القائمة وتطلعات الشعوب.
وكشفت أشغال القمّة 34 لرؤساء دول وحكومات الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء الأخيرة التي ترأّسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الدور القيادي للجزائر من خلال الدعم والمرافعة لغد أفضل لإفريقيا، في وقت يتطلّع فيه الجميع إلى المزيد من التعاون البيني والكثير من الإصلاحات على مستوى الحوكمة والبنى التحتية، وترسيخ الشمول والتنمية المستدامة والتجارة البينية، وجعل التنمية واقعا ملموسا ينعكس على حياة واقتصاديات الشعوب الإفريقية.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
الخبير لخضر مدني: مساهمة الجزائر ببنك التّصدير الإفريقي تخدم أولويات التّنمية في القارّة
قدّم الخبير الاقتصادي لخضر مدني عرضا واقعيا يبرز موقع الجزائر المتميز والمناسب لتحقيق تكامل اقتصادي في شقيه الصناعي والطاقوي مع بلدان القارة الإفريقية الواحدة المحتاجة في هذا الظرف الحاسم إلى التنسيق المكثف وبناء المسارات المثمرة تنمويا، والحرص على تبادل الخبرات وإنجاح منطقة التجارة الحرة لتنويع نطاق التجارة البينية، والتخفيف من آثار القيود الجمركية المكلفة، وبما أن الجزائر تحظى بمكانة خاصة وتقدير مستمر، فإن الوقت مناسب لترجمة الرؤى والإرادات إلى تعاون مشترك وثروة تتقاسمها دول القارة الإفريقية من خلال تثمين القدرات الإفريقية، وتعزيز الخبرات وتعميمها من بلد إلى آخر.
خلال خوضه في الحديث عن التكامل الاقتصادي الجزائري ونظيره الإفريقي الحاسم والتاريخي، تطرّق الخبير وأستاذ العلوم الاقتصادية لخضر مدني إلى كيفية تحقيق التكامل الصناعي والطاقوي الجزائري الإفريقي أو التكامل الاقتصادي الثنائي مع دول القارة السمراء؟ وكيف تساهم الجزائر فيه؟
في البداية، أكّد الخبير على ضرورة التطرق إلى قضايا إستراتجية كبرى، معتبرا أنّ المدخل الاستراتيجي يتمثل في إنجاح أجندة إفريقيا لسنة 2063، وهي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والازدهار بالقارة الإفريقية والقائمة على عدة مشاريع كبرى وعددها 14 مشروعا، أمّا بالنسبة للجزائر، فإنّ أمامها مساران لبلوغ هذا التكامل، يتجسد الأول من خلال إنجاح التكامل عبر الإطار المؤسساتي الذي وضعه الاتحاد الإفريقي بعد مبادرة نيباد «الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا»، علما أنّ الجزائر كانت مساهمة رئيسية فيها عام 2001، وتحولت في سنة 2018 إلى وكالة التنمية للاتحاد الإفريقي.
ولم يخف الخبير أنّ الجزائر من خلال هذه الوكالة، يمكن إنجاح مشاريعها وتمويلها، ويعتبر مساهمة كبيرة في تحقيق التكامل الإقليمي الاقتصادي بإفريقيا، وكذا العمل على تعزيز جميع الجهود في هذا المسار.
وحقّقت الجزائر في هذا المسار – حسب تقدير الخبير – بعض المشاريع الإستراتيجية الكبرى، من بينها ما يرتبط بتطوير البنية التحتية في إفريقيا أو مشروع «بيدا»، ويتضمّن الطّريق العابر للصحراء، كما ينتظر كذلك استكمال دراسة الجدوى وإزالة كل العقبات أمام هذا المشروع الخاص بخط أنبوب الغاز «الجزائر – نيجيريا والنيجر».
وذكر الخبير أنّ هذا المشروع يحمل جميع مؤشرات النجاح بعد انطلاق الاجتماع الوزاري للجنة التوجيهية لمشروع أنبوب الغاز وتجديد دراسة الجدوى، ويعتقد – في سياق متصل – أنّ كل ما تم إنجازه يعتبر مساهمة كبيرة في تحريك هذا الملف الاستراتيجي بالنسبة للجزائر وإفريقيا، وكذا تطوير المشروع الطاقوي الإفريقي، إلى جانب المشاريع الأخرى المهمة، وتتعلق بقضية الألياف البصرية، بالنسبة لكل من الجزائر ونيجر ومالي والتشاد ونجيريا، وستحرص الجزائر على متابعة هذه المشاريع الإستراتجية، ورصد كل العقبات التي يمكن أن تعترضها لإزالتها، ووضع المشاريع حيز التنفيذ، بالإضافة إلى التفكير في الربط بالسكك الحديدية، ربما مع موريتانيا في المرحلة الأولى.
إنجاح مشاريع التّكامل التّجاري
بخصوص الآفاق المستقبلية المنتظرة، تطرّق الخبير إلى خطوط النقل الجوي بين الجزائر ومختلف الدول الإفريقية، والتفكير في خط شحن جوي للسلع.
وبالمقابل، ينتظر توسيع تواجد بنوك جزائرية في باقي الدول الإفريقية. وتطرّق الخبير إلى المسار الثاني، المتمثل في إنجاح مشاريع التكامل التجاري، في إطار المنطقة القارية الإفريقية للتجارة الحرة «زليكاف»، وهذه المنطقة في حالة اكتمالها – تقول التقديرات – ستنعكس على النمو الاقتصادي وترفعه بنسبة 7 بالمائة، وتساهم بزيادة النمو الداخلي الخام لإفريقيا في آفاق عام 2035.
وفي هذا الإطار، ثمّن الخبير مدني تعزيز مساهمة الجزائر في بنك التصدير «أفريز بنك»، على اعتبار أنّ هذا البنك سيقوّي تواجد الجزائر في توجيه قرارات البنك، بما يخدم الأولويات التنموية الإفريقية، وراهن الخبير على أهمية مضاعفة الحضور في مختلف التظاهرات الاقتصادية والتجارية الإفريقية العامة والقطاعية، وتشجيع استضافة هذه الأنشطة في الجزائر بمختلف أنواعها سواء كانت متخصصة أو عامة، بما يساهم في دعم التكامل الإقليمي الإفريقي المرحب به في الجزائر.
إلى جانب الاستثمارات الطّاقوية، تناول الخبير دور الوكالة الجزائرية للتضامن الدولي، وأوضح أنّه سيجسّد عبر مجموعة من المشاريع، ولم يخف أنه من الأفضل أن تكون المؤسسات العمومية والخاصة الجزائرية، حاضرة أو مشاركة في تنفيذ هذه المشاريع، في ظل حيازة عدة وكالات في الجزائر في سلسلة من القطاعات على خبرات فنية متراكمة، يمكن إشراكها في تقديم الدعم التقني للدول، في إطار التعاون مع الدول الإفريقية سواء في إطار الاتحاد الإفريقي أو في إطار العلاقات الثنائية لتعزيز الحضور وتقديم المساعدة التقنية لبعض الدول مساهمة في تطويرها التنموي، وكذا في مجال المورد البشري وتطوير المساعدة، وتوسيع مجال تكوين المورد البشري لمختلف الدول الإفريقية وخاصة دول الجوار، من بينها على المستوى الجامعي أو التقني، كما على مستوى مؤسسات التكوين المهني، وكل ما يتطلبه ذلك من إبرام اتفاقيات وتوسيع المنح وما إلى غير ذلك.
اقتصاد صناعي متين
وقدّم الخبير الاقتصادي لخضر مدني قراءة متمعّنة في فرص التكامل الجزائري الإفريقي، ووقف بالتفصيل على القطاعات المرشحة للتعاون، مبرزا – على سبيل المثال – نموذج السنغال، حيث سلّط الضوء على الواقع التنموي على المديين الطويل والقصير، باعتبار أن السنغال تعد من البلدان الإفريقية الكبيرة المكتنزة للفرص الاستثمارية الكبيرة والمنفتحة عليها. وفي المدى القصير، يرى الدكتور مدني أن السنغال تعيش تحديات النمو والتضخم والعجز المالي والدين العام، وخلال الفترة 2020 – 2023، قال إن الاقتصاد السنغالي سجل 6.5 بالمائة نسبة نمو بعد الجائحة، ثم تباطأ إلى 4 بالمائة، وعقب ذلك سجل 4.1 بالمائة في سنتي 2022 و2023، ومن المتوقع أن يتواصل إلى 4.5 بالمائة في 2024.
للإشارة، كان يفترض للنمو بالسنغال أن يصل إلى 8.3 بالمائة، فقد كان يرتقب بداية إنتاج النفط والغاز، ولكن تأخر، وفي الوقت الحالي يتوقّع – مع انطلاقه – أن تسجّل سنة 2025 نقلة في مجال النمو الاقتصادي للسنغال، وكما أنه متوقع بدء وصول إيرادت النفط والغاز واستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتعتبر توقعات جد متفائلة، يقول محدثنا.
وعلى المدى الطويل، وضعت السنغال رؤية طموحة للتحول الاقتصادي والصناعي في آفاق 2025، وهذه الإستراتجية طويلة المدى تهدف للوصول إلى اقتصاد صناعي متين ومندمج في سلاسل القيمة العالمية، وتتجاوز تحديات الاعتماد على الخارج، وعلى المديونية المرتفعة والقطاع الخاص المحدود.
بناء 8 مراكز اقتصادية
وأفاد الخبير مدني أنّ ما يمكن استقاؤه في المرحلة الأولى لهذه الإستراتجية 2024 و2029، بالإضافة إلى الإصلاحات المؤسساتية في مجال المالية العامة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية، هدف رئيسي يتمثل في تحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وكل هذا المستهدف يعد مدخلا مهما جدا بالنسبة للجزائر من أجل بناء شراكات استثمارية مع السنغال، والمرحلة الثانية متوسطة المدى، وضعت السنغال مجموعة من القطاعات الإستراتجية، تعمل عليها والمتمثلة في قطاع الطاقات المتجددة وخدمات اللوجستية. وفي المجال الصناعي تستهدف أن تعظّم القيمة المضافة الداخلية، بمعنى أنها تركز على تعزيز معالجة المواد الأولية على المستوى المحلي، وهذا ما يشكل مدخلا مهما لبعض الصناعات الجزائرية للوصول، وعقد شراكات في هذا المجال.ويعتقد الخبير أنّ الفرص تكمن في ثلاثة مسارات رئيسية، يتمثل المسار الأول في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومنها الجزائرية، في هذه القطاعات ذات الأولوية، وخاصة في الصناعات التحويلية مثل البتروكيماويات والأغذية والمنسوجات والتقنيات الرقمية والقطاعات الأخرى مثل الدواء سواء بالنسبة للمتعامل العمومي شركة صيدال أو الخواص ومواد البناء والسيراميك والخزف والاسمنت والبلاستيك، وكذا إعادة التدوير والمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية والتعليب، إلى جانب منتجات ومشاريع الري والتقنيات الزراعية، وكل هذه المجالات يمكن المشاركة فيها.
وبالنسبة للمسار الثاني المتعلق بافتكاك مشاريع الصفقات العمومية، سيتم في المرحلة المقبلة إحداث تطور كبير في البنية التحتية بالسنغال، وأول مستهدف في هذه الإستراتجية بناء 8 مراكز اقتصادية خارج داكار، التي تسيطر على 53 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى مشاريع الإسكان ومشاريع الطاقة والربط بالكهرباء والغاز، كلّها ستعرض في مجال الصفقات الدولية والمحلية، ويمكن أن يكون للشركات الجزائرية نصيب منها.
أما المدخل أو المسار الثالث للمساهمة، فهو يتعلق بالتمويل، فبعدما قامت الجزائر بفتح البنك الجزائري بداكار، يمكن من خلال هذا المدخل مرافقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، خاصة أن السنغال تحتاج في المرحلة الأولى إلى غاية آفاق 2028، إلى تمويل يصل إلى 28 مليار أورو، و62 بالمائة يتم ضمانها من خلال الميزانية العامة و14 بالمائة عبر التمويلات الخاصة و23 بالمائة من خلال شراكات عامة وخاصة، وستطرح السنغال البحث عن تمويلات إقليمية دولية، ويمكن للبنك الجزائري السنغالي أن يكون له دور في هذا المجال، وهذا يتعلق بالمسارات.
فرص الجزائر للاستثمار في السنغال
واصل الخبير مدني في استعراض الفرص الثمينة، ومزايا التركيز على جملة من الاستثمارات الإفريقية بالسنغال، موضحا أن السنغال خصّصت أكثر من 1 مليار أورو لمشروع إنشاء شبكة غازية داخلية، إضافة إلى مشاريع التعدين، خاصة في مجال الذهب والفوسفات، ويمكن كذلك عقد شراكات في هذا الإطار.
أما في مجال التجارة الخارجية، فيرى الخبير مدني أنه عند دراسة بنية التجارة الخارجية للسنغال، نجد حجم التبادل في مجال الصادرات يقدّر تقريبا بنحو 4.9 مليار أورو في 2023، مؤكّدا على أنّ أكبر العملاء بالنسبة للسنغال في مجال الزبائن، نجد دولة مالي بنسبة 23 بالمائة، سويسرا بنسبة 12 بالمائة والهند بحوالي 10 بالمائة.
وبخصوص الواردات، ذكر مدني أنّها شهدت تحوّلا في هيكل المبادلات التجارية بالسنغال، حيث بلغت الواردات 11 مليار أورو، وتتصدر قائمة أهم الموردين فرنسا بنسبة 12 بالمائة والصين بنسبة 10.9 بالمائة ونيجيريا بحوالي 8.6 بالمائة، وبعد ذلك تأتي روسيا في المرتبة الرابعة.
للإشارة، حسنت روسيا مكانتها من الرتبة 17 كمورد للسنغال في 2019 إلى المرتبة الرابعة في عام 2023، في ظل جهد مبذول من طرف نيجيريا في هذا المجال، والدول الإفريقية الأخرى تشكّل تقريبا 20 بالمائة، وتحتل الصّدارة كل من مالي وموريتانيا وساحل العاج.
بخصوص هيكل الواردات، أشار الخبير إلى أنه يشكّل تقريبا 70 بالمائة، تتمثّل في منتجات مصنّعة، و30 بالمائة منتجات بترولية من نيجيريا أساسا، وكذلك المنتجات الغذائية الأساسية. وبخصوص المبادلات الجزائرية مع السنغال فإنّها تناهز 20 مليون دولار، ولكن فرص تنويعها ورفعها لا تزال متاحة.
وحول الآفاق القادمة، قال الخبير إنّ الدخل الإجمالي الداخلي الخام للسنغال سيزيد، وسيتعزّز كذلك الدخل الفردي والطلب سيزيد، وتعد فرصة جوهرية للجزائر في ظل وجود فرص تحسين لوجستي مثل الخط البحري والانتقال عبر موريتانيا على المدى المتوسط.
بغداد مندوش: “سوناطراك” تدعم سيطـرة إفريقيـا على مواردهـــا
الإثنين 17 فيفري 2025
سوناطراك تدعم سيطرة إفريقيا على مواردها
عرف المشهد القاري الإفريقي نشاطا دبلوماسيا واقتصاديا قويا، تجسّد في سلسلة الإنجازات الدبلوماسية التي حققتها القارة الإفريقية على مستوى الهيئات والمحافل الدولية. مكاسب عزّزها التوافق القاري حول ضرورة التعاون جنوب – جنوب من أجل استثمار أمثل لمقدرات القارة الافريقية، خاصة وأن إعلان الجزائر المنبثق عن قمة الدول المصدرة للغاز، الذي انعقد بالعاصمة الجزائر بمارس 2023، كان قد أقرّ بضرورة سيادة الدول على ثرواتها ومقدراتها، وهو الاتجاه الذي أشارت إليه دوما بوصلة الدبلوماسية الجزائرية.
ثمّن الخبير الدولي في شؤون الطاقة بغداد مندوش، المسار الطاقوي الستيني للدولة الجزائرية الذي تعزّز بإرادة سياسية تجلت في تعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والقاضية بزيادة الاستثمارات الطاقوية في ظل الفرص المطروحة عالميا وخاصة على المستوى القاري. فقد سجّلت السوق الطاقوية تعطّشا لهذا المورد الحيوي الذي هندست معادلته الإنتاجية والتجارية الخارطة الجيو-إستراتيجية العالمية، وأوضح المتحدث أنّ الجزائر وطيلة هذا المسار، كانت حريصة على تحقيق التكامل الطاقوي مع دول القارة الإفريقية، وهو المسعى الذي يتوافق تماما والعقيدة الدبلوماسية الجزائرية المساندة بمواقف ثابتة، لا مشروطة لكل ما هو إفريقي من استقرار أمني، وتحرّر اقتصادي ونهضة تنموية.
إفريقيا.. مقدرات وفرص
ولأنّ الإنجازات الطّاقوية التي حصّنت الاقتصاد الوطني، وشكّلت صمام أمان الخزينة العمومية، لعقود طويلة، كانت من إمضاء الرائد الطاقوي الجزائري “سوناطراك”، أوضح بغداد مندوش، أن هذه الأخيرة ورغم توجّه الدولة الجزائرية إلى تنويع وتحرير اقتصادها من التبعية للمحروقات، إلا أنّها واصلت مسارها الريادي في دعم وتمويل الاقتصاد الوطني، الذي تعزّز مؤخرا بمخطط خماسي 2024-2028، رصد ما يزيد عن 50 مليار دولار للاستثمارات، 70 % منها موجهة للنّشاط الاستكشافي، من إمضاء فروعها بالخارج، وبإطارات عالية الكفاءة والتكوين، وبرامج عالية متطورة التقنيات، حيث واصلت سوناطراك حصد الاتفاقيات والعقود قصيرة المدى، أغلبها عقود “تقاسم الإنتاج” المعمول بها دوليا في حالة الاستثمارات الخارجية المختلطة، وتوسيع مساحة تواجدها عبر القارات الخمس.
فعلى صعيدها القاري، تتواجد سوناطراك من خلال فرعها الاستكشافي “سيباكس” بكل من النيجر، الموزمبيق، كينيا، مالي، تونس، موريتانيا، وليبيا أين قامت، السنة الماضية، بإبرام ملحق لاستئناف نشاطها بالمنطقة.
أما على الصعيد العالمي، يضيف الخبير، فقد تمكّنت سوناطراك من أن تكون المورد الموثوق لأوروبا، متّخذة من إيطاليا معبرا مركزيا لغازها واستثماراتها نحو دول غرب أوربا بمصداقية عالمية، ونشاط متميز يخضع لمعايير الجودة المعترف بها دوليا، المتعلقة بمناجمنت المؤسسات لتكون بذلك محركا طاقويا عالميا، وموردا استثماريا يدعم الاقتصاد الوطني، ويضمن سيادته الطاقوية والسياسية، في زمن تعود فيه القوّة لمن يملك الطاقة.
دول الجوار..
أما على المستوى القاري، فقد أكّد الخبير الطاقوي أنّ سوناطراك تحوز على شركة مختلطة مقرها الاجتماعي بطرابلس، تنشط في مجال البحث والاستغلال والإنتاج، منذ أكثر من 25 سنة.
ودائما وفي إطار الإستراتيجية الخارجية، تحتضن الشقيقة تونس مناصفة مع الجزائر بنسبة 50 % شركة مختلطة، متخصّصة في الاستكشافات الطاقوية. كما أبرمت سوناطراك سنة 2015 بحقل “غدامس” عقد شراكة بصيغة “تقسيم الإنتاج” مع الشركة الليبية للبترول والغاز، وهي الصيغة القانونية للعقود المتداولة بأكثر من 90 % من البلدان المنتجة للبترول والغاز، إلى جانب مشاريع أخرى على الحدود الجنوبية الجزائرية-الليبية، تحديدا بالقطع 65، 95 و96 حسب التسمية المعتمدة بمجال الاستكشافات النفطية، حيث أوكلت مهمة الاستكشافات بذات المناطق قبل سنة 2015 إلى شركة فرعية لسوناطراك، لتقرّر هذه الأخيرة بصفتها مشرفة رئيسية على عمليات البحث والاستكشاف والحفر والإنتاج – حسب بنود العقد الذي يجمعها بالشريك الليبي – وتابع المتحدث قائلا إنّ المتعامل الجزائري سوناطراك قام بحفر أول بئر للبترول، وحقق نتائج إيجابية ومشجعة على متابعة الاستكشافات بالقطع المتبقية، إلا أن الظروف التي مرت بها الشقيقة ليبيا، ألحقت كثيرا من الأضرار على اقتصادها وتسببت في شلل كلي له، ممّا أدى إلى توقف الاستثمارات الداخلية والأجنبية، لتعود من جديد سنة 2023، بعد استعادة الشقيقة ليبيا استقرارها واستئنافها لاستثماراتها الاقتصادية، من خلال إبرام ملحق للعقد المبرم سابقا، يتم بموجبه تمديد مدته – بالنظر إلى الحالة القهرية التي فرضت توقف النشاط – حسب ما تضمّنته بنود الملحق.
استكشافـات تعزّز التّعاون القاري
ومن تونس إلى ليبيا إلى العمق الإفريقي، تضع الجزائر بصمتها كعلامة فارقة في مجال المحروقات، حيث واصل بغداد مندوش استعراض حصيلتها الاستثمارية عبر مراحل تاريخية لها وزنها وثقلها على المستوى القاري، متوقّفا عند الجارة النيجيرية على الحدود الجنوبية الجزائرية، حيث حقّقت سوناطراك من خلال طاقمها الاستكشافي، اكتشاف أول بئر نفطي سنة 2019، بلغ التقييم الأولي لمخزونه 400 مليون برميل/سنويا، يليه بئر ثانية بقيمة مخزون تصل إلى 100 مليون برميل/سنويا، ما يستشرف بمستقبل نفطي واعد بالمنطقة يتقاسمه البلدان.
وعلى الجنوب الغربي، تتفاوض الجزائر حول مشاريع استكشافات ستشكّل شراكات مربحة مع موريتانيا، في إطار مذكرة اتفاق بين سوناطراك والشركة الموريتانية للمحروقات يشمل مجالات الاستكشاف والاستغلال بالآبار الموريتانية، وكذا بأعالي البحر الأبيض المتوسط أو ما يسمى “بالأفشور”.تجربة لم تعط بعد ثمرتها الإنتاجية، كونها لا تزال في بدايتها التجريبية. التي لا تتعدى 5 سنوات، ما دفع بالشركة الموريتانية للنفط الاستنجاد بالخبرة الجزائرية في هذا المجال من خلال الرائد الطاقوي العالمي “سوناطراك”، إلى جانب اتفاقية أخرى تتضمن الخدمات البترولية منقسمة إلى شقين، يتمثل الأول في تصدير المواد البترولية في شكل وقود إلى موريتانيا، في حين يتعلق الشق الثاني من الاتفاقية بناء خزانات للوقود الجزائري، وضمان توزيعه على التراب الموريتانية، من خلال الشركة النفطية الجزائرية “نفطال”.
كما تجمع الجزائر وموريتانيا اتفاقية لتكوين إطارات الشركة الموريتانية للمحروقات في مختلف التخصصات كمجالات، الاستكشاف، الاستغلال، الإنتاج والتكرير، على مستوى المعهد الجزائري للبترول التابع لسوناطراك، أين سيتم نقل الخبرة الجزائرية إلى الكوادر الموريتانية عبر سلسلة تكوينية لعدة سنوات تتخللها دروس نظرية، تدعمها تجربة ميدانية على مستوى الورشات التابعة لسوناطراك.
وقد تمّ الاتفاق بين الطرفين الجزائري والموريتاني، وفق ذات المتحدث، ممثلين بمديري شركتي المحروقات لكلا البلدان على العمل سويا من أجل إعطائه بعدا استراتيجيا متوسط وطويل المدى، إلى جانب تواجد سوناطراك بكل من أنغولا والموزمبيق.
أنبوب الغاز العابر للصّحراء
وركّز بغداد مندوش في تدخله حول الإنجازات الطاقوية الجزائرية بالقارة الإفريقية، على الأنبوب الكبير الذي سيصل حاسي رمل بنيجيريا، الحامل لتسمية “Trans Saharien Pipeline”، حيث صنع الحدث القاري الأسبوع الماضي، الاجتماع الرابع للجنة الوزارية التوجيهية المشتركة لكل من الجزائر، النيجر ونيجيري، بالاتفاق على النقاط المسجلة بخارطة طريق الاجتماعات التنسيقية السابقة، بكل من نيامي، أبوجا والجزائر، لتجسيد مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، وكذا توقيع اتفاقيات تحيين دراسة الجدوى، إضافة إلى اتفاقية عدم الإفصاح والتعويض بين الشركات المنجزة للمشروع، وهي فرصة – حسب المتحدث – جسّدت التزام الجزائر بتجسيد المشروع، وتسخير كل الإمكانيات اللازمة وتوفير الظروف الملائمة لإنجاحه بتوجيهات من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي دعّم على الدوام التعاون والتكامل الإفريقي في المجال الاقتصادي والطاقوي، ما يعزّز السيادة السياسية والاستقلالية الاقتصادية الإفريقية.
أحمد طرطار: الجزائر.. فاعل طاقوي موثوق في إفريقيا
كرّست السّلطات العليا في البلاد توجّهها نحو عمقها الإفريقي على مختلف المحاور والجبهات، الأمنية، السياسية، الاقتصادية والطاقوية، وحضّرت لذلك ترسانة من القوانین والتشریعات شأنها تعزيز الاستثمار بالخارج في مجال الطاقة، حيث حققت الجزائر – من خلال شركة سوناطراك – ما يخدم الرؤية الإفريقية، ويهيّئ بیئة اقتصادية تسمح للأفارقة باستعادة مقدراتهم.
أكّد الخبير في مجال الطاقة أحمد طرطار، أنّ الجزائر تسعى إلى تحقيق الاستثمار بالخارج في مجال المحروقات من أجل تنمية القدرات الطاقوية لمجمع سوناطراك، من خلال توسيع نشاطه خارج الحدود، كون هذه الإستراتيجية من بين أحسن طرق الاستثمار في الخارج، ومن بين أهم قنوات نقل التكنولوجيا والخبرات والأساليب الحديثة للعمق الإفريقي، بتعزيز علاقتها نحو حدودها الجنوبية، وتوسيع دائرة شراكاتها مع البلدان الإفريقية.
وقال “إنّها تعدّ السّوق الواعدة للاستثمار فيها، حيث عملت الجزائر على توفير المناخ المناسب للذهاب بعيدا في إبرام عقود الشراكة بين شركة سوناطراك، والعديد من الشركات النفطية في دول الجوار، من خلال تهيئة الظروف الاقتصادية والسياسية المواتية، في إطار تبني السياسة الطاقوية بإفريقيا.
وأبرز في السياق، أن سوناطراك التي تسعى لتطوير قدراتها في مجال الاستثمار الداخلي، خصّصت غلافا ماليا يقدر بـ 50 مليار دولار خلال الفترة 2024-2028، تعدّت طموحاتها خارج الحدود بتدعيم قدراتها الإنتاجية عبر الاستثمار بالخارج في إطار عقود شراكة في مجال البحث وإنتاج المحروقات في دول الجوار مثل ليبيا ومالي والنيجر، حيث تعتزم استثمار مبلغ إجمالي قدره 442 مليون دولار في نفس الفترة، بغية تعزيز قدرات المجمع الطاقوي وتوسعة مجال الاستكشاف والإنتاج.
وقال الخبير إنّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي انعقد مؤخرا بخصوصه أعمال اجتماع الوزاري الرابع للجنة التوجيهية بمشاركة الدول المعنية بالجزائر التي احتضنت هذا الاجتماع، ويضم النيجر ونجيريا، يدخل في إطار “التزام الدول الثلاثة بالتعاون لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن الطاقوي داخل العمق الأفريقي وحتى العالمي خدمة لشعوب القارة، من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية”. وأضاف أن المشروع يمثّل خطوة هامة نحو ترسيخ مكانة إفريقيا كمورد رئيسي للطاقة على الساحة الدولية. علما أنّ المشروع سيتيح نقل ما بين 20 و30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا عبر خط أنابيب يمتد لأكثر من 4000 كيلومتر.
وأكّد الخبير أنّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، يتحقق بفضل خبرة الدبلوماسية الجزائرية التي أبلت البلاء الحسن، وتعاملت مع الأمر بجدية واستطاعت أن تحول المشروع الحلم إلى واقع من خلال التعاون مع النيجر ونيجيريا، حيث أن للجزائر باع في التعاون والمصداقية الجيدة، تكرّس في التعاون المثمر بين مجموعة الدول الإفريقية في سياق تبادل المكاسب والمعارف والتكنولوجيات، وتحقيق آمال شعوبها من خلال الوصول إلى تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، في إطار الإستراتيجية التي وضعتها الجزائر للتوجه نحو العمق الإفريقي، مكّنتها من تذليل العقبات وتعبيد الطريق أمام مجمع سوناطراك قبل الشروع في استثماراته في دول مثل ليبيا، النيجر ومالي.
استثمارات ورهانات
بالمقابل، أبرز طرطار وجود “سعي دؤوب من طرف شركتي سوناطراك وسونلغاز لتحقيق نوع من التكامل في إطار التعاون مع المجموعة الإفريقية، حيث ينعكس ذلك من خلال التدخل المباشر في سياق عملية مرافقة الكثير من الشركات الوطنية في العمق الإفريقي والمحيط العربي للنهوض بالقطاع الطاقوي، لاسيما ما تقدمه سونلغاز وسوناطراك من إرشادات وتوجيهات ومرافقة، والقيام ببعض المشاريع التي من شانها أن تعطي دفعا للنهوض بالقطاعات الطاقوية في هذه البلدان”.
ومن بين هذه البلدان، أشار الخبير إلى الجارة تونس التي يتم تزويدها بالكهرباء والغاز، كما تتم مرافقتها في الكثير من المشاريع التي هي بصدد إعدادها، وكذلك مع الشقيقة ليبيا لاسيما من خلال حوض غدامس، حيث يتم اليوم من خلال هذا الحوض التعامل مع الشركة الوطنية الليبية لتحقيق استغلال أفضل له.
وتحدّث طرطار عن التعاون المثمر بين سوناطراك والشركة الوطنية للنفط اللّيبية، حيث تمّ الاتفاق بين الطرفين لعودة سوناطراك لممارسة نشاطها بمعية الشركة الليبية الوطنية للنفط، حيث سترتفع استثمارات سوناطراك للاستكشاف في ليبيا إلى 200 مليون دولار، إثر إبرام مذكرة تفاهم بين الطرفين سنة 2022 بطرابلس.
وظلّت الجزائر متمسّكة بعقودها في ليبيا لاستكمال التزاماتها التعاقدية، وبحث سبل تطوير الحقول المكتشفة، تجسيدا لعودة سوناطراك إلى ليبيا والاستمرار في عملياتها الاستكشافية، موضّحا أنّ مؤسّسة سوناطراك تستكمل عقودها بالبحث والتنقيب، وهو أمر جد عادي بالنسبة للتعاون مع الشقيقة ليبيا، الذي يعود لسنوات ماضية.
وأشار الأكاديمي إلى الانفتاح على طوغو والتعاون مع نيجيريا التي تعتبر دولة طاقوية بامتياز من خلال إنتاجها للنفط والغاز. كما أكد على التعاون المثمر مع النيجر من خلال تسخير سوناطراك وسونلغاز لمرافقة الشركة الوطنية النيجيرية، إلى جانب القيام بعدة مشاريع طاقوية مع الشقيقة موريتانيا من خلال مرافقتهما في تسويق الغاز.
مناخ استثماري ملائم
وشدّد محدّثنا على أنّ الجزائر عملت جاهدة على توفير كل الظروف وتهيئة المناخ لإنجاح هذه الاستثمارات غير المسبوقة في دول إفريقية، من خلال إعادة التركيز على كل الجوانب الاقتصادية، السياسية والدبلوماسية بتهيئة كل الظروف لإنجاح هذه الاستثمارات في المحروقات، مذكّرا بأن مجمّع سوناطراك يعمل على ضخ استثمارات طاقوية كبيرة خارج الوطن تقدّر بأكثر من 442 مليون دولار، بكل من النيجر، مالي وليبيا، مثلما جاء على لسان وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب في وقت سابق.
وترافق الجزائر المشاريع الطاقوية بتعزيز البنى التحتية، ببعث مناخ استثماري ملائم، بداية بفتح المعابر الحدودية بين دول الجوار على غرار ليبيا وموريتانيا، وإنشاء فروع بنكية بكل من نواكشط والسنغال، والسعي لإنشاء مناطق التبادل الحر عبر ولايات حدودية مع موريتانيا ومالي وتونس، وتفعيل حركة الطيران نحو دول إفريقية وفتح خطوط جوية جديدة، صاحبتها تحرّكات سياسية ودبلوماسية التي تسهّل إنجاح المشاريع الطّاقوية في إفريقيا.