تُرجم سعي السلطات العليا في البلاد بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي التزم بضمان حصول جميع المواطنين على المياه الصالحة للشرب عبر كامل التراب الوطني، عن طريق تعبئة ناجعة للموارد المائية وتحسين وترشيد وسائل توزيع واستهلاك المياه، بتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي للبلاد الذي يضم أكبر كثافة سكانية لمواجهة التغيرات المناخية.
ملف: هيام لعيون وفايزة بلعريبي
خمس ولايات تتهيأ لاستلام خمس محطـات لتحلية مياه البحر
لإنجاح المسعى، أقرّ رئيس الجمهورية منذ 2022 مخطّطا استعجاليا، يقضي بإنشاء خمس محطات لتحلية مياه البحر بعدة ولايات ساحلية، يتوقّع البدء في استلامها قريبا، بعدما نجحت مؤسسات الانجاز بقيادة سوانطراك في كسب رهان تقليص مدة الانجاز إلى أقل من 25 شهرا.
هذه المحطات أنجزت بكل من الرأس الأبيض بولاية وهران، فوكة بولاية تيبازة، كاب جنات بولاية بومرداس، محطة ولاية بجاية، ومحطة الدراوش بولاية الطارف. وكلّها ذات سعة 300 ألف متر مكعب في اليوم، ما يعني أنّها ستنتج مليون و500 ألف متر مكعب في اليوم.
وبهذا، تصبح الجزائر ثاني دولة عربية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تنتج هذه الكميات من المياه المحلاة، ما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من كسب رهان الأمن المائي، خاصة مع إنجاز مشاريع التحويلات الكبرى، بإيصال مياه هذه المحطات إلى المدن الداخلية على مسافة 150 كلم.
الجزائر خطت خطوات عملاقة
وفي السّياق، أكّد عضو المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيا، والخبير في الاقتصاد والتسيير المائي والغذائي، البروفيسور إبراهيم موحوش، في حديث مع “الشعب”، أنّ الجزائر خطت خطوات عملاقة فيما يخص الأمن المائي، بعدما توجّهت نحو ما يعرف باقتصاد المياه، من خلال تجنيبها خطر شح المياه في إطار التغييرات المناخية القاسية التي يشهدها العالم أجمع، حيث اتخذ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قرارات جنّبت البلاد هذا الخطر، بحكم تموقع القطر الجزائري في منطقة تصنّف ضمن المناطق الأكثر شحّا للمياه، ونتيجة لنقص الأمطار وتوزيعها غير المنتظم حسب الفصول والمناطق، فإنّ الجزائر تصنّف ضمن البلدان الأكثر حاجة للمياه، حيث تقدّر الكميات المتجددة سنويا بحوالي 300 متر مكعب في السنة للفرد الواحد، يشرّح الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للزراعة بالحراش.
رؤية استشرافية
وقال موحوش إنّ بلادنا تطوّرت تطوّرا كبيرا جدّا، وأصبحت اليوم تتصدّر قائمة البلدان العربية في هذا المجال بمراتب متقدّمة كأكبر بلد لتحلية المياه.
وأضاف: “لولا هذه التدابير الاحترازية من خلال رؤية استشرافية واضحة، لكان الوضع اليوم صعبا، ما أدّى بالجزائر إلى اللجوء إلى تحلية مياه البحر قصد تغطية العجز الكبير في مياه الشرب، كخطوة استباقية في إطار تنفيذ استراتيجية عمل آفاق 2024 و2030، ترتكز أساسا على إعطاء الأولوية لحشد الموارد المائية المستدامة، ووضع أسس الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الأمن المائي عن طريق الموارد البديلة، وعلى رأسها تحلية مياه البحر”.
وأوضح المختص في الأمن المائي، أنّ هذه الاستراتيجية الوطنية لتحلية المياه تهدف إلى تلبية حاجة البلاد من الماء الشروب على المدى المتوسط 2030، فمن المتوقّع أن تصل هذه التغطية إلى أكثر من 60 بالمائة من الاحتياجات، خاصة مع إنجاز محطات جديدة مبرمجة خلال هذه الفترة، ممّا سيسمح بتصنيف الجزائر ضمن أكبر البلدان المنتجة للمياه المحلاة.
أهم القرارات لصالح الأمن المائي
وعاد الخبير إلى أهم قرارات الرئيس لصالح تعزيز الأمن المائي، من خلال تبنّي رؤية استشرافية لصدّ خطر شح المياه الصالحة للشرب، وتمّ وضع مخطط استعجالي، حيث تمّ اتخاذ قرار صارم بإنتاج المياه المحلاة عن طريق بناء محطات تحلية مياه البحر عبر المدن الساحلية، ونحصي اليوم 13 محطة، في انتظار دخول خمس محطات أخرى جديدة حيز الخدمة، موزعة على كل من ولايات تيبازة، بومرداس، وهران، الطارف وبجاية، في إطار الاستراتيجية الوطنية للمياه تمتد من 2021 إلى 2030، تهدف إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب.
وأشار موحوش – في هذا الصدد – إلى تلبية الاحتياجات اليومية للمواطن من المياه الصّالحة للشرب باستعمال 13 محطة تحلية قيد الاستغلال، ترتفع وتلبّي احتياجات المواطنين أحسن من السابق، حيث تصل القدرة الإنتاجية إلى 2.3 مليون متر مكعب يومياً، لكن مع إنجاز خمس محطات جديدة في إطار البرنامج التكميلي، والمبرمجة عبر ولايات كل من الطارف، بجاية، بومرداس تيبازة ووهران، بطاقة إجمالية تقدّر بـ 1.5 مليون متر مكعب في اليوم، وهذا ما سيسمح بتلبية 3.8 مليون متر مكعب أي ما يعادل 42 بالمائة من الاحتياجات من الماء الشروب بداية من 2025، وفق إحصائيات رسمية.
وهنا أشار موحوش إلى أنّ محطات تحلية المياه أنجزت بسواعد جزائرية من قبل شركات عمومية وطنية، تابعة لمجمّع سوناطراك، وكذا مجمع كوسيدار، حيث تشرف عليها إطارات جزائرية مائة بالمائة بدءا بإطلاق الدراسة مرورا بالبناء وصولا إلى التسيير بطريقة محكمة، وبأيْدٍ وعقول جزائرية خالصة.
قرارات الرئيس خطوة استشرافية واحترازية.. والتنفيذ قياسي
ضمن خطّة عاجلة لاحتواء ندرة المياه التي يفسّرها المختصون بالتغيرات المناخية التي شملت جميع أرجاء المعمورة خلال العشرية الأخيرة، سطّرت الجزائر ضمن استراتيجيتها الوطنية للأمن المائي إنجاز محطات لتحلية مياه البحر، لتدعم المخزون المائي للبلاد. هذه الاستراتيجية التي ستلبي حاجيات البلاد من المياه المتجدّدة بنحو 42 بالمائة، ويتوقّع أن تصل إلى 60 بالمائة عام 2030، بعد أن كانت في حدود 18 بالمائة.
ومع دخول المحطّات الخمس حيز الخدمة، تكون الجزائر قد تخطّت دائرة الخطر من حيث ندرة المياه وحقّقت أمنها المائي، كعامل سيادي لدعم التنمية وضمان راحة المواطنين، ويكون رئيس الجمهورية قد جسّد التزامه بضمان حق المواطن في التموين المنتظم من الماء الشروب.
فضّل الخبير في الموارد المائية والوزير الأسبق البروفيسور كمال ميهوبي، قبل الحديث عن الإنجازات التي تمّ تجسيدها في سياق الأمن المائي، التطرق إلى حالة الإجهاد المائي التي سادت في الجزائر اعتبارا من صائفة 2020.
وأكّد في حديثه لـ “الشعب”، عن تأثّر نوعية خدمات المياه بشدة جراء شح الأمطار، لا سيما في عدة بلديات على مستوى 20 ولاية بسبب انخفاض احتياطيات المياه بحوالي 36 سدا، منها 20 سدا مخصّصة لإمدادات الماء الشروب، أين بلغ معدل الردم أقل من 25 بالمائة.
وتعتبر الجزائر العاصمة التي تزوّد أساسا من المياه السطحية الأكثر تضرّرا، حيث بلغت – نهاية مارس 2021 – السعة الإجمالية لتخزين السدود التي تخدم مدن الجزائر العاصمة، بومرداس، تيبازة، تيزي وزو إلى حوالي 25 بالمائة مقارنة بسنة 2019، ما يمثّل فقط 9 بالمائة فقط من السعة الإجمالية لقدرة التخزين للسدود الممنونة للولايات المعنية.
هذا الوضع المقلق للغاية، استدعى حلولا استباقية وأخرى استعجالية – حسب ميهوبي – ما دفع السلطات العمومية، وبتعليمات صارمة لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باتخاذ قرارات هامة تهدف إلى ضمان الإمداد المستمر للمواطنين بالماء الشروب، والسهر على تأمين الإمداد بهذا المورد الحيوي، وهذا بوضع برامج استعجالية واستراتيجية وطنية لتجاوز العجز وتأمين المورد المائي، إذ تمّ إطلاق برنامج واسع النطاق في شهر فيفري من سنة 2021، تضمّن إنجاز 76 منقبا تلتها عمليات حفر 100 منقب آخر بكل من العاصمة، تيبازة، البليدة وبومرداس، بقدرة إنتاج تفوق 120 ألف متر مكعب/يوميا، والذي تمّ تحقيقه في غضون 3 أشهر وبتكلفة قدّرت بـ 8 مليون دج.
وضمن هذه الخطّة، تمّ الانطلاق في إصلاح وتوسيع 4 محطات أحادية لتحلية مياه البحر في غرب الجزائر العاصمة وكذا ولاية تيبازة، وهو الاستثمار الذي تمّ تجسيده في آجال قياسية لا تتجاوز 6 أشهر، رصدت له السلطات العمومية ما يزيد على 8,5 مليون دج من أجل بلوغ 37.5 ألف متر مكعب/اليوم.
وبحلول نهاية عام 2022، تمّ حفر أكثر من 380 بئرا في جميع أنحاء المناطق المتضررة من انخفاض احتياطيات المياه السطحية لسد عجز المياه. وأشار المتحدّث إلى إنجاز حقل “قطران” باتجاه بلدية بشار، وهو مشروع هيدروليكي كبير لتأمين المياه بمنطقة الساورة. ويشمل 12 بئرا تضمن إنتاج ما يقرب من 86 ألف متر مكعب في اليوم، وتسمح بتأمين الماء لمدينة بشار، وضمان التوزيع اليومي لمياه الشرب، ويتم ضمان نقل المياه بواسطة خطين بطول 370 كم بهيكلين للتخزين بقدرة 20 ألف متر مكعب، و50 ألف متر مكعب وثلاث محطات الضخ، وهي مجهزة بنظام للإدارة عن بعد.
ويتجاوز المبلغ الإجمالي للتمويل المخصّص للمشروع 32 مليون دينار جزائري. علما أنّ الاختبارات الأولية على نظام التحويل للمياه انطلق بتاريخ 15 نوفمبر 2024.
قرارات ونتائج
وقد أعقب هذا البرنامج، يقول الخبير في الموارد المائية، إدخال ثلاث محطات أخرى لتحلية المياه في شرق الجزائر العاصمة ليبلغ إجمالي إنتاجها 15 ألف متر مكعب/اليوم، حيث انطلقت الأشغال بها في أفريل 2021، وأفاد بأنّ رئيس الجمهورية اتّخذ قرارا بالتوجه نحو تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي واستعجالي، وحلّ جذري للتعامل مع معضلة الجفاف، بدأ تنفيذ أول برنامج لتحلية المياه، بما في ذلك تشييد 5 محطات كبيرة لتحلية المياه، بطاقة إنتاج تقدر بـ300 ألف متر مكعب/اليوم/المحطة، في خمسة مواقع بكل من بلدية فوكة بولاية تيبازة والتي ستخدم غرب العاصمة والبليدة، إضافة إلى محطة “كاب بلان” (الرأس الأبيض) في وهران، والتي ستدعم وتؤمّن مياه الشرب في ولايات وهران، معسكر وغليزان.
للإشارة، سيتم نقل المياه المحلاة عبر شبكة من خطوط الأنابيب بطول 50 كيلومترا إلى بلدية بوتليليس في غرب الولاية، وإلى عين الترك والمرسى الكبير في شرقها، وستزداد القدرة الإنتاجية لتحلية المياه بـ 35 بالمائة لتصل إلى إنتاج إجمالي يزيد على 880 ألف متر مكعب/اليوم.
أمّا على مستوى ولاية بومرداس، ستقوم “محطة كاب جنات” بتموين ولايتي بومرداس والجزائر العاصمة، وجزء من تيزي وزو لتوفير المياه لحوالي 3 ملايين نسمة، في حين ستقوم محطة تحلية المياه في بجاية، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 300 ألف متر مكعب/يوميا، بتأمين إمدادات مياه الشرب لساكنة ولاية بجاية والولايات المجاورة لها، وهي كل من برج بوعريريج والبويرة وسطيف المجاورة، حيث من المنتظر أن تسد حاجيات ما يزيد عن 3 ملايين شخص، إضافة إلى مشروع كل من سدي “تيشي حاف” و«ليكهال” لري المناطق الزراعية في الصومام وسهل الأسنام.
ومن المتوقع أن توفّر محطة تحلية ملوحة الطرف في “كودية الدراوش”، إمدادات مياه الشرب اليومية لأربع ولايات، ستحصل منها عنابة على 160 ألف/متر مكعب/ يوميا، الطارف 80 ألف متر مكعب/ يوميا، سكيكدة 20 ألف متر مكعب/يوميا وقالمة 40 ألف متر مكعب/يوميا.
ومع ذلك، وقبل نهاية عام 2025 ستصل القدرة الإنتاجية لمحطات تحلية المياه إلى 1.4 مليار متر مكعب في السنة لإنتاج 3.85 مليون متر مكعب/ يوميا من مياه التحلية، سيصل إلى أكثر من الإنتاج الحالي للمياه غير التقليدية.
تعزيز الرّيادة الإقليمية
في سياق متصل، ثمّن ميهوبي ما تم إنجازه في ظرف وجيز من مشاريع تحلية مياه البحر، جعلت الجزائر في المرتبة الجزائر الأولى على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، وثاني دولة عربيا بعد المملكة العربية السعودية، لتتمكّن من تحقيق معدل 42 بالمائة من المساهمة في توفير الماء الشروب.
وقال ميهوبي إنّ رئيس الجمهورية أبدى اهتماما خاصا بكل ما يتعلق بالاستراتيجية الوطنية لتعزيز الأمن المائي للبلاد، وجعلها حلقة محورية لتحقيق التنمية المستدامة، إضافة إلى كونه عاملا لا يستهان به في هندسة المشهد الجيو-استراتيجي، حيث كان الماء ولا يزال محور صراع دولي بالعديد من مناطق العالم.
ووصف الخبير قرارات رئيس الجمهورية بـ “الخطوة الاستشرافية والاحترازية” كونها تحصّن المنظومة التنموية، من خلال الاستثمار في جميع موارده التقليدية منها وغير التقليدية، بما فيها تلك التي تعتمد على أحدث ما جادت به التكنولوجيا سواء في مجال تدوير المياه المستعملة أو في مجال تحلية مياه البحر، لتصبح الجزائر ضمن الدول العربية والإفريقية السباقة إلى الاستثمار في هذا الأخير، بقيمة استثمارية بلغت 2 مليار دولار، لإيجاد بديل داعم للموارد المائية التقليدية المحلية، عبر خلق مزيج من المياه غير التقليدية لتعويض فترات النقص المسجل على مستوى مياه السدود والمياه الجوفية خلال فترات الجفاف المتقطّعة.