يكتسي اكتساب ثقاقة إعلامية وتفكير ناقد ومهارات رقمية لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، في البيئة المعلوماتية، أهمية بالغة في فضاء يعج بمخاطر وتهديدات، مثل التضليل والأخبار الكاذبة، وما تحمله من أهداف باطنة وتأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية..
في معضلة التضليل بمنصات التواصل الاجتماعي، يشكل سلوك المستخدم تجاه المحتوى، مثلما هو معلوم، حلقة هامة في دحض الأخبار الكاذبة وكبح تأثيرها، أو العكس تماما.
نتناول في هذا الموضوع، الذي يركز على أهمية التفكير الناقد والتحقق من مصادر المحتوى بمنصات التواصل الاجتماعي مثل “فايسبوك” و”إكس”، نماذج لمنشورات كاذبة تحظى بتفاعل ومشاركات من قبل مستخدمين يوسعون رقعة رواجها وتأثيرها.
من بين الملفات التي تحظى باهتمام الجزائريين وتخص شريحة واسعة، منذ فترة، ملف سكنات البيع بالايجار “عدل3″، ومنذ الإعلان عن إطلاق الصيغة الجديدة، رافق ذلك سيلا من معلومات مضللة، ولا يزال الأمر ساريا بشكل يومي تقريباً.
فخاخ..
ومن مسارات التضليل المنتشرة حول الملف، هذه الأيام، ما يتعلق بسعر السكنات، موعد مراسلة المكتتبين المقبولين، الملف المطلوب، مواقع الانجاز..
في الأمثلة أدناه، منشورات لا تستند إلى أي جهة رسمية ( مسؤول، وكالة عدل، ووزارة السكن)، وثائق ومراسلات رسمية وتشريعات أو مصادر إعلامية موثوقة، ومع ذلك يلاحظ عند تفحص محتواها أنها تحظى بتفاعل ومشاركة.
معلوم أن تفاصيل المتعلقة بمشروع “عدل3″، إلى غاية الآن، من اعلان عودة الصيغة وفتح التسجيلات بالمنصة الرقمية، التصريح بالأرقام، كانت من قبل جهات رسمية للبلاد ( رئيس الجمهورية، وزير السكن، مسؤولون بالوزارة، مواقع وصفحات رسمية للوزارة ووكالة عدل).
لم يعد فحص المصادر والتحقق منها (بمنصات التواصل الاجتماعي)، مهمة خاصة بالممارسة الصحفية فقط، إنما واحدة من مهارات كثيرة تقتضي اكتسابها من قبل مستخدمي البيئة الرقمية.
لماذا التحقق من المصادر؟
المعرفة بأبسط أساسيات البحث بمنصات التواصل الاجتماعي باستخدام كلمات مفتاحية وتتبع مصادر المحتوى، والوصول إلى روايات متعددة ومختلفة إن وجدت، من شأنه أن “يبطل” مفعول التضليل.
هذه المهارات، التي لا تتطلب من المستخدم إلا بضع ثوان فقط، تندرج ضمن ما تصطلح اليونسكو على تسميته “التربية الاعلامية والمعلوماتية”، والتي يمكن أن ترفع قدرة الفرد على تمييز المحتوى والحكم عليه وتصنيفه ( صحيح وموثوق، كاذب ومضلل، مشوك فيه، ضار.. )
1. التحقق من الجهة الناشرة (حساب/ صفحة)
في منصات مثل “فايسبوك” و “تويتر”، يؤشر على حسابات وصفحات تستوفي معايير معينة بعلامة توثيق رسمية باللون الأزرق، تشير إلى أن الحساب يعود لشخصية موثوقة أو مؤسسة رسمية، جهة إعلامية.. الخ.
وفي هذا الجانب، يجدر التنبيه إلى أنه في وقت مضى، كانت العلامة الزرقاء تعد مؤشراً على المصداقية وتساعد المستخدمين على التمييز بين الحسابات، غير أنه يُنصح بعدم التوقف عند وجود العلامة لـ03 أسباب:
أ- رصد حسابات موثقة تنشر محتوى مضلل أو غير دقيق.
ب- تزوير صور “البروفايل” بوضع علامة زرقاء وهمية، وهي حيلة يستعملها كثيرون لخداع المستخدمين.
وفي هذه الحالة ينصح في عملية التحقق من الحسابات بأول خطوة وهي النقر على الصورة، لماذا؟
في الحسابات الموثقة من قبل ادارة “فايسبوك” و”توتير” تظهر الصورة عند النقر عليها دون علامة، بهذا الشكل:
أما في الحسابات المزورة ببرامج مثل”فوتوشوب” تبقى العلامة مثبة على الصورة لأنها غير أصلية.
في الصور المرفقة أدناه، وهو حساب مزيف للناخب الوطني السابق جمال بلماضي، ورغم أن الأمر ليس بحاجة إلى تركيز وانتباه كبيرين، لاكتشاف التزييف ( جودة الصورة، غياب خلفية، عدد المتابعين) غير أن تفحص تعليقات على محتويات عديدة نشرها الحساب، يظهر انخداع مستخدمين كثر بها.
إلى جانب وجود علامة زرقاء مثبة على الصورة بأحد برامج تعديل الصور، مثلما يظهر في المثال.
ج- تفحص صور الـ”بروفايل” السابقة، وهي خطوة تساعد المستخدم في الاطلاع على تكرار استخدام الصور في الحساب أو الصفحة، ما قد يشير إلى استخدام صور في سياقات مختلفة أو لشخصيات متعددة.
2 – التحقق من البيانات والمعلومات
ويقصد به الاطلاع على تفاصيل شخصية، مثل تاريخ إنشاء الحساب، عدد المتابعين، طبيعة المنشورات والتفاعل معها، ما يسمح بتوفر قدر كاف من المؤشرات حول مصداقية الحساب.
3 – التحقق من الصور
من أبسط الخطوات المتاحة للمستخدمين، لا تحتاج مهارات تقنية عالية، ما يعرف بالبحث العكسي عن الصور، باستخدام أدوات وتطبيقات كثيرة، أشهرها تلك التي يوفرها محرك البحث غوغل Google Reverse Image Search، و TinEye للتحقق من تفاصيل تخص الصور المستخدمة، مثل أصل الصور الأصلية وتاريخ نشرها.
من خلال طريقة البحث العكسي عن الصور يمكن أن يصل المستخدم إلى صورة أصلية واحدة، عدلت مرات كثيرة واستخدمت في سياقات مختلفة ومتكررة بمنصات التواصل الاجتماعي.
4 – الوصول إلى مصادر متعددة
من بين الخطوات الهامة الواجب على المستخدمين التفكير بها (خاصة عندما يتعرض إلى محتوى يثير مشاعره وعواطف، أو في مسائل تأخذ نقاشا واسعا وجدلا متصاعدا وقضايا رأي عام)البحث عن روايات أو معلومات في مصادر أخرى موثوقة ( مؤسسات إعلامية، جهات رسمية، شخصيات موثوقة.. ).
من المهم، في مثل هذه الحالة، عدم الاكتفاء بجهة واحدة لـ”استهلاك” محتوى المنشور والتفاعل معاه ومشاركته مع الآخرين، بحيث يمكن الوصول في حالات معينة إلى محتوى المصدر الأصلي بملية بحث بسيطة::
– البحث بكلمة مفتاحية مثل “عدل 3”.
– التوجه لتصفح موقع وصفحة وزارة السكن والعمران والمدينة، وكالة عدل، وجهات إعلامية موثوقة.
في هذا الشق، كثيرا ما يتم التزييف والتلاعب بأجزاء أو بجزء واحد صغير من المحتوى الأصلي، أو بتر حلقة من حادثة معينة، ما يؤدي إلى تضليل المستخدمين واثارة بلبلة.
عموما، تمثل الخطوات المذكورة، جانبا بسيطا وحد أدنى من متطلبات تعاطي الفرد مع في البيئة الرقمية، تعزيزا لقدرته على تمييز ما يعترضه من من محتوى يتدفق بكم هائل وبشكل يومي.
التحلي بسلوك سليم يسمح له بتفادي الوقوع في “فخ” التضليل الذي يحمل – في حالات معينة – أهدافا سياسية، تجارية واجتماعية “ناعمة”، لا تظهر للمستخدم العادي، تسعى إلى توجيه أو تعديل آراء خيارات وتوجهات تجاه أفكار، أفراد، جماعات ومؤسسات ودول.
أخيرا، يتطلب مواجهة التحديات الرقمية جهودا مشتركة بين فاعلين كثر، أفراد، مؤسسات، وسائل إعلام، مجتمع مدني، ارساء لتفكير ناقد وتعزيزا لثقافة اعلامية في بيئة معلوماتية سليمة.
نواصل في مواضيع لاحقة، رصد نماذج من أخبار كاذبة، والتفصيل أكثر في مهارات وأدوات وتطبيقات تنمي قدرات الأفراد في كشف التضليل، وترفع مستوى الوعي لديهم إلى فهم كيفية تأثير المعلومات الكاذبة على قرارات وخيارات.