السبت 01 مارس 2025
صناعة الدّواء..الابتكار مفتاح الأمـن الصحـي
حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط طباعة إرسال كن أول من يعلق!
تشجيـع القطـاع الصّيدلانــي علـى البحـث يطـرح أدويـــة منافسـة ومطابقـة للمعايـير
نما قطاع الإنتاج الصيدلاني بشكل ديناميكي واعد مستندا على ثروة بشرية مهمة، وإجراءات تحفيزية سمحت ببلوغ مستوى معتبر في تغطية الطلب الوطني بنسبة تفوق 70 بالمائة. وفي ظل الإقبال الكبير على الاستثمار في هذه الصناعة الاستراتيجية المفضي نسيجها، ونجاعة إنتاجها إلى تحقيق الأمن الصحي، تمثل ترقية البحث العلمي والارتكاز على الابتكار وتنويع الشراكات لتحويل التكنولوجيا، حلقة أساسية في مستقبل تطوير صناعة الدواء وجعله قاطرة أساسية للتنمية الاقتصادية، وجسرا ثابتا لتكريس الأمن الصحي.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
الجزائر تتأهّب لاقتحام الأسواق الدّولية بجودة وتنافسية عالية
أخذت الجزائر بعين الاعتبار حتمية الابتكار الصيدلاني، باعتباره أحد المقومات الجوهرية لتلبية الطلب المحلي وكبح فاتورة الاستيراد، ومن مفاتيح المنافسة في سوق الأدوية العالمية، في وقت تتطلع لتصبح من البلدان المنتجة للمواد الأولية لصناعة المنتجات الصيدلانية. وفي ضوء هذا المسار الساطع، تحوّل دور الجامعة في تطوير المؤسسات الإنتاجية إلى ضرورة ملحة، من أجل توجيه المورد البشري نحو إنشاء مؤسسات ناشئة مبتكرة تتضمن مخابر بحث لتطوير مختلف المنتجات الوطنية بما فيها الأدوية الحيوية وأدوية الأورام على وجه الخصوص، لتضع الجزائر في مكانة إقليمية وعالمية هامة من خلال تطوير التقنيات وابتكار الحلول الطبية.
لا يمكن للمؤسسات الإنتاجية الناشطة في حقل الصناعة الصيدلانية البقاء في معزل عن المعرفة العلمية المحكمة، فواجبها الأول الانفتاح على بناء الشراكات والتجديد المستمر في الأداء، وطرح منتجات ذات جودة وكفاءة عالية، والجزائر – بالنظر إلى ما تكتنزه من مورد بشري شاب – أمامها العديد من الفرص لفتح المزيد من مراكز البحث للتكيف مع التغيير السريع في هذا القطاع المرتبط عالميا في الوقت الحالي بالذكاء الاصطناعي.
طيلة سنوات، تطوّر القطاع الخاص بشكل لافت جعل الإنتاج الوطني من بين أهم الصناعات الرائدة إقليميا، وبات التصدير كرافعة محفّزة للمزيد من التطوير وتشجيع القطاع على الابتكار، وطرح أدوية منافسة ومطابقة للمعايير الدولية وذات تكلفة منخفضة، في ظل وجود عوامل مساعدة للمستثمرين، أهمها انخفاض تكلفة الطاقة ووفرة العقار الصناعي، إلى جانب مزايا جبائية وتصديرية تغري المستثمر الأجنبي كما المحلي، وكانت تعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تصب في حلقة تشجيع ثروة الشباب لحمل القطاع إلى مرحلة متقدمة من التطور والانفتاح التكنولوجي.
رئيس جمعية الصيادلة الجزائريين معاذ تباينات لـ”الشعب”: 72 بالمائة من الأدوية بالصيدليات صناعة جزائرية
تولي السّلطات العليا في البلاد، بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، اهتماما كبيرا بقطاع الصناعة الصيدلانية، فمنذ سنة 2020، عرفت هذه الشعبة الحيوية تطورا لافتا، حيث حرصت الدولة على اتخاذ ما يلزم للنهوض بها وتوفير البنية الأساسية والتشريعية لها، نظرا للأهمية الإستراتيجية لقطاع الدواء وما يتميز به من فرص استثمارية واعدة، في إطار التوجه العام لدعم وتحديث الصناعة وتوطين التصنيع، للمساهمة في تحقيق الأمن الصحي، وكذا تخفيض فاتورة الاستيراد مع التوجه نحو التصدير إلى الخارج، ما يؤهّل البلاد لحيازة الرّيادة إقليميا خلال السنوات القادمة، حيث أصبحت الجزائر من أهم منتجي الأدوية في إفريقيا بـ203 شركات، مع بلوغ الصادرات الصيدلانية 12.6 مليون دولار سنة 2023، وامتلاكها لنسيج صناعي وشبكة واسعة من المخابر في إنتاج الأدوية تقدر بأكثر من 200 مصنعا ومخبرا لإنتاج الأدوية عبر كامل التراب الوطني.
يؤكّد رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، معاذ تباينات، في حديث مع “الشعب”، أنّ قطاع الصناعة الصيدلانية في الجزائر يعرف استقرارا، خاصة في السنوات القليلة الماضية، من حيث نسبه التغطية وحجم الأعمال، وكذلك من حيث توفر اليد العاملة الموظفة في هذا القطاع، وأبرز أن الصناعة الصيدلانية في الجزائر تغطي 70 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، خاصة وأن عددا معتبرا من الوحدات الإنتاجية في طور التسليم.
وأفاد معاذ تباينات أن هذه المعطيات جعلت الجزائر بين أكثر الدول التي اقتحمت السوق القارية، بثلاث أو أربع أسواق إفريقية، يقابله سوق استهلاكي معتبر يقدر بـ 100 دولار لكل مواطن جزائري، في حين أن المعدل الإفريقي يمثل 20 دولارا، وهذا التفوق المسجل يعود إلى السياسات التي رافقت الصناعة الصيدلانية، خاصة من ناحية تغطية الضمان الاجتماعي، التي سهلت وصول الأدوية لكل مواطن جزائري.
وفي السياق، أوضح المتحدث أن “سوق الصناعة الصيدلانية تعتبر سوقا واعدة ينتظرها الكثير، خاصة وأن هناك تسابقا نحو توطين التصنيع بعلاجات جديدة، تخص الأمراض النادرة والمستعصية وأمراض السرطان، الأمر الذي سيعطي نفسا آخر، حيث سيدفع الصناعة الصيدلانية نحو العالمية والأسواق الكبرى بفضل الابتكار وتطوير البحث العلمي، وانفتاح الجامعة على تطوير الدواء وتكوين صيادلة أكفاء قادرين على رفع التحدي”.
وبعد أن أشاد بخطوة تأسيس وزارة للصناعة الصيدلانية، معتبرا أنه أمر إيجابي للغاية، شدّد رئيس جمعية الصيادلة على أن من شأن هذا الأمر المساهمة في “إعادة تنظيم سوق المستلزمات الطبية، والذي يندرج في نفس المكانة ذاتها مع المواد الصيدلانية، ما سيدفع باستثمارات عديدة ويحفز المتعاملين للتسابق نحو التوطين، حتى يتم تصنيع المستلزمات الطبية محليا، وهي سوق واعدة ومعتبرة للغاية، حيث ينتظر منها تقديم القيمة المضافة في السنوات القادمة بفضل التوجه الوطني نحو تطوير مخابر البحث واستغلال الكفاءات الوطنية والتشجيع القائم وكذا التنسيق لبناء الجسور بين المؤسسات الإنتاجية للأدوية والمخابر العلمية الجامعية”.
تنافسية عالية
وعن سؤال متعلق بتطور أداء المؤسسات الصيدلانية الوطنية العمومية منها والخاصة، وانفتاحها على البحث، أفاد رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، أن هناك تنافسية كبيرة في مجال سد الحاجيات الوطنية، مبرزا أن هذه التنافسية لابد لها من أن تمتد إلى خارج حدود الوطن، لأن عدد الاستثمارات في المجال معتبر، وأضاف أن كسب أسواق أخرى يسمح بالمواصلة على وتيرة التطور التي ترتكز على بقاء البحث العلمي وتواصله بما هو ضرورة ملحة لتطوير تنافسية الأدوية.
وأضاف قائلا: “في وقت لاحق، سنصل بالسوق المحلية إلى الإشباع، خاصة مع بقاء الاستثمارات وديمومتها، وهذا أمر مرهون باقتحام الأسواق الخارجية، ويجب أن نتبنى استراتيجية بعيدة المدى للولوج إلى أسواق خارج الجزائر”.
هذه الاستراتيجية – يقول معاذ تباينات – تبدأ بتسهيل التصدير وبتخفيف الأعباء التنظيمية، خاصة ما تعلق بالإجراءات البنكية، من خلال تشجيع المستثمرين للتصدير وتسهيل ولوجهم إلى أسواق خارجية، بالإضافة إلى سياسية تسعير الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث يجب أن تتوافق مع هدف تصدير المواد الصيدلانية أو حتى ضمان التنافسية محليا.
وبحسب رأي رئيس الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين، فإننا لو نبقى في التسعير الذي يخضع لتنظيمات قديمة، ربما سنظلم الجميع سواء كانوا صيادلة، موزعين أو منتجين، بحيث أن السوق ستحتفظ بإنتاج معتبر وقيمة منخفضة، الأمر الذي يزيد من التنافس وتظهر الاختلافات في السوق مستقبلا، وهذا ما يجب النظر فيه من باب الاستباق.
تحديات ورهانات
وقدّم معاذ تباينات اقتراحات حول التحديات والرهانات التي تواجه الصناعة الصيدلانية وسوق الأدوية في الجزائر، وأبرز أن “الأمر الايجابي قبل كل شيء هو عودة حقيبة الصناعة الصيدلانية كوزارة كاملة الصلاحيات، حيث أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لقطف ثمار ما بادرت به السلطات العليا في البلاد منذ عام 2020، حيث قامت بإنشاء وزارة خاصة بالصناعة الصيدلانية، من أجل إعادة تنظيم السوق وإعادة هيكلتها، إلى جانب تنظيم الاستثمارات ومراقبتها ورفع مستوى التنافسية، حيث أن كل ذلك كان من بين الأهداف المسطرة من قبل القيادة العليا في البلاد”.
ولفت محدّثنا إلى أنّ إنشاء وزارة خاصة بالصناعة الصيدلانية، أمر إيجابي جدا، سيسمح لهم بمتابعة ما بدأناه منذ العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، على المدى المتوسط، إذ يجب مرافقة كل الفاعلين، سواء كانوا صيادلة موزعين أو منتجين من أجل الرفع من معايير الجودة والتنافسية الدولية، والأمر متوقف كذلك على تشجيع الابتكار ودعم أفضل البحوث في هذا المجال.
آليات ضبط السّوق واضحة تنظيميّا
وضمن هذا الإطار، دعا المتحدث إلى تسهيل التصدير وفتح الأبواب من أجل الولوج بقوة إلى عالم التصدير وتطوير الإنتاج عبر توسيع المشاريع ومواكبة التطور التكنولوجي الخارجي، إلى جانب ضبط السوق أكثر؛ مع وجوب أن يمرّ ضبطها بآليات أكثر مرونة وأكثر وضوحا، في ظل الرهان الحالي المتمثل في تأمين توريد المواد الصيدلانية خاصة، وهذا لتجنب حالات الندرة وحالات الانقطاع في السوق. واقترح المتحدث دعم الصيدلي ليقوم بدور ريادي؛ بحكم أنه سيعكف على تنفيذ السياسة الوطنية، خاصة وأنه مسؤول عن ضمان تزويد المستهلكين بما يحتاجون من أدوية، من خلال تنظيم عملية التوزيع والمساهمة في حماية صحة المواطن، إلى جانب التحكم في تكلفة العلاج من أجل ترقية ظروف عملية التكفل بالمرضى.
في سياق متصل، أكّد معاذ تباينات أن الجزائر لديها آليات ضبط سوق واضحة تنظيميا، فضلا عن استعمال التكنولوجيات الحديثة، خاصة فيما يخص اليقظة الإستراتيجية، حيث سجل وجود تسابق مع الزمن من أجل إطلاق أرضية رقمية بالتعاون مع وزارة الصناعة الصيدلانية، وكذلك مشروع الوصاية الواعد، الخاص بضبط السوق بفضل الأرقام التسلسلية للمواد الصيدلانية، وهو أمر ايجابي جدا سيفتح آفاقا أوسع.
وذكر تباينات أن الحكومة تبنت عدة إصلاحات لدعم الصناعة الصيدلانية، أبرزها إنشاء الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية لمتابعة وتنظيم القطاع، وإلى جانب تحفيز الاستثمار المحلي، من خلال تقديم تسهيلات جبائية وجمركية وإدارية لهذا القطاع.
وأوضح معاذ تباينت أن سوق الدواء بالجزائر من بين الأسواق الأكثر تنظيما، ومن أجل فتح أفق آخر، يجب المرور إلى تنافسية أعلى تمتد إلى خارج الحدود الوطنية. علما أن المصانع والمركبات الجزائرية للأدوية تغطي أكثر من 70 بالمائة من احتياجات البلاد من الأدوية، على أمل بلوغ تغطية مرتفعة خلال السنوات القادمة، وهذا بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة والإستراتيجية الوطنية المتبعة لتطوير الصناعة الصيدلانية، بما يؤهل بلادنا مستقبلا لتكون بلدا مصدرا للأدوية، خاصة وأن قيمة الإنتاج السنوي الوطني من الأدوية تقدر بـ 3 مليار دولار
خبير الصّناعـة الصّيدلانية الدولي محند سيدي السعيد: تطوير صناعة الأدوية يمر عـبر تكثيـف المؤسّسـات النّاشئة
دعا الخبير في الصناعة الدوائية محند سيدي السعيد الجزائر، إلى التركيز على إنشاء المؤسسات الناشئة القائمة على الابتكار في مجال صناعة الدواء، على خلفية أنه قطاع حيوي وسريع التطور ويحتاج إلى تضافر جهود الطاقات البشرية المحلية، عن طريق تشكيل فرق بحث صغيرة تتشكل من 4 إلى 6 باحثين لمنح دفعة قوية للإنتاج الصيدلاني، ومواكبة التطور السريع والوثبة العالية المسجلة في سوق الدواء العالمي.
تناول المستشار والخبير الدولي في مجال الصناعة الصيدلية البروفيسور محند سيدي السعيد، أهمية مواكبة آخر الابتكارات وأحدث الحلول التقنية في مجال البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، وأكد أن التحكم في التقنيات المتطورة لا يتحقق إلا من خلال تطوير البحث المحلي واستغلال كامل لمختلف المواهب في هذا المجال سريع التطور، وراهن على تبادل الخبرات والتنسيق بين مختلف الباحثين والناشطين في المنظومة الصناعية، وكذلك عن طريق بناء الشراكات القادرة على تحويل التكنولوجيا من خلال تكوين المورد البشري، وتسطير أهداف كبرى ضمن ورقة طريق، يهدف من خلالها ترقية الابتكار وتوسيع التعاون بين المبتكرين والمختصين وكذا المستثمرين.
استغلال قوّة الذّكاء الاصطناعي
باعتراف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، فإن الطلب الكبير على العقار وعلى الاستثمار، يتدفق من مشاريع الإنتاج الصيدلاني والشبه الصيدلاني، وتشهد هذه الصناعة تطور غير مسبوق، بالنظر إلى قدرتها على خلق ثروة ضخمة في الجزائر.
ومن هذا المنطلق، اعتبر الخبير سيدي السعيد أن اقتحام مجال الذكاء الاصطناعي للمنظومة الإنتاجية الصيدلانية، بات رهانا ضروريا في الظرف الحالي، في وقت ترصد الدول المتطورة عشرات الملايير من الدولارات لتسريع وتيرة بحثها وتنويع ابتكارات منافسة في سوق ضخمة، ترتكز على طلب كبير لأن هذا الإنتاج يتعلق باستهلاك حساس وضروري يتمثل في الدواء للحفاظ على صحة المواطن.
وإذا كان البروفيسور سيدي السعيد، النائب السابق لرئيس مخابر “فايزر” العالمية، قد شدّد بشكل كبير على أهمية الاعتناء بالجانب الوقائي والكشف المبكر عن الأمراض، لكنه يملك رؤية خاصة وثاقبة ومستقبلية حول أهمية التهيؤ لاستغلال قوة الذكاء الاصطناعي، ومزاياه المبهرة في إنتاج ما تحتاجه الجزائر من دواء وأجهزة طبية حديثة، تسهل التقليل من الأمراض عن طريق تشخيصها عند بدايتها، وقبل انتشارها في جسم المصاب، وعلى خلفية أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، صار أولوية ويحمل ريادة عالمية بفضل قدرته على طرح حلول طبية دقيقة وسريعة تسمح بتحسين جودة التكفل بالمرضى.
وفي ردّه عن سؤال حول مفاتيح تحقيق المزيد من التطوير للقطاع، والرفع من تغطية الإنتاج المحلي إلى نسبة أعلى، تتحرر فيها الجزائر من الواردات بشكل شبه نهائي، قال الخبير سيدي السعيد إن جميع الشروط والأدوات وكذا المناخ متوفر، وينتظر العمل بثقة ومضاعفة الجهود، في ظل توفر الكفاءات العالية من الشباب الطموح على وجه الخصوص، القادر على قيادة هذا التحول التاريخي في الصناعة الصيدلانية، إلى جانب وجود طلب ضخم في السوق المحلية يجعل من الربحية مضمونة، ولأن جميع الشروط اجتمعت لتحقيق تطور كبير، رغم أن كل ما تحقق مهم وسمح بامتلاك الجزائر لبنية تحتية تلفت الانتباه، غير أن الذهاب إلى البحث كمفتاح يمثلا تحديا كبيرا، لكنه في المتناول في ظل تزايد الطلب على الأدوية، وهذا ما يحفظ مضاعفة العمل الجماعي، لأنه لا يمكن للبحث الفردي أن يحقق الكثير، وأوصى الخبير بضرورة الانطلاق من الجزائر، وعدم الاعتماد فقط على الخارج لبناء الشراكات.
تقوية قدرات الجامعيّين
وأثار سيدي السعيد جملة من المقترحات، يرى أنها ستكون دعامة أساسية لتشجيع استغلال القدرات الكامنة في هذا المجال الاستراتيجي، على غرار دفاعه المستميت عن خيار إنشاء صندوق ابتكار للذكاء الاصطناعي بقيمة 5 ملايير دولار، ومنح لرواد الأعمال الناشئين والناشطين في المجال قروض قابلة للتسديد ومع رسم معالم خطة حسابية دقيقة، إلى جانب التوجه نحو تخصيص نحو 10 بالمائة من إيرادات القطاع الصيدلاني لفائدة البحث والتطوير، وطرح الحوافز الضريبية من أجل تسريع الإنتاج.
وبالموازاة مع ذلك، يرى المستشار الدولي في الإنتاج الصيدلاني، أن الثورة الرقمية الحالية تتطلب الاعتناء بعلماء الرياضيات والإحصاء الحيوي، واستغلال أبحاثهم في مجال صناعة الدواء، وإلى جانب ذلك اقترح محند سيدي السعيد إطلاق جائزة رئيس الجمهورية لتكريم أفضل الكفاءات في المجال.
ولتطوير نسيج صيدلاني واعد ومنفتح على التطور التكنولوجي والرقمي، أوضح الخبير أنه من الضروري إطلاق مخطط بحث سريري وإنشاء وحدات إنتاج المنتجات الحيوية المماثلة، وكذا إنشاء مراكز إدارة البيانات الرقمية ولجان مراقبة البيانات.
واعتبر الخبير أن لا حلول بديلة اليوم عن تطوير الاستثمار في قطاع صناعة الدواء، من أجل تبني أقوى الأفكار وأحدث البحوث، ومع ضرورة التجريب في مخابر البحث عدة مرات والتنسيق بين المختصين الجزائريين داخل وخارج الوطن لتطوير منظومة بلدهم الإنتاجية، لأنه حسب تقديره حان الوقت لتعكف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تطوير أبحاثها في مخابرها من دون الاستدانة لاقتناء التكنولوجية الباهظة التكلفة.
المحلّل الاقتصادي هواري تيغرسي: الأدوية الجزائرية.. ضمانة الأمن الصحي
انتهجت الدولة سياسة استشرافية في مجال توفير الأدوية، من خلال بعث استثمارات كبرى بقطاع الصناعة الصيدلانية سواء في القطاع العمومي أو الخاص، لزيادة الإنتاج المحلي وتأمين حاجياتها الدوائية، من خلال تقديم تسهيلات وتحفيزات لمستثمرين، وترتبط الصناعية الدوائية بتحقيق الأمن الصحي للبلاد، كمحور محدد للسيادة الوطنية، ومن أجل ذلك بات البحث العلمي أحد أولويات القطاع يحرص على تطوير المخابر واستقطاب الكفاءات.
أوضح الخبير والمحلّل الاقتصادي هواري تيغرسي، في اتصال مع “الشعب”، أنّ الصناعة المحلية للأدوية تعتبر الضامن الوحيد للأمن الصحي للبلاد، مؤكّدا أن هذا النشاط قد عرف انتعاشا استثماريا خلال السنوات الأربع الأخيرة، وبدأ يرتكز على البحث العلمي وتضاعف عدد المخابر الناشطة في القطاع، بفضل المجهودات والتسهيلات التي أقرتها السلطات العمومية، بتعليمات من رئيس الجمهورية – لا تساهل ولا هوادة فيها عندما يتعلق الأمر بصحة المواطن – مكّنت من تكثيف النسيج الصناعي الصيدلاني في الجزائر، الذي أصبح يضم اليوم ما يقارب 199 مؤسسة صيدلانية من بينها 130 منتجة للأدوية والمستلزمات الطبية، حيث تمّ إطلاق مشاريع كبرى لإنتاج الأدوية بالجزائر ومخابر بحث بمقاييس عالمية، من أجل توفير أمثل للأدوية في الأسواق الوطنية، سمحت بمواجهة ندرة بعض الأدوية التي كانت تستورد من الخارج، مكلفة الخزينة العمومية فاتورة استيراد باهظة من العملة الصعبة، خاصة الأدوية الموجهة لعلاج الأمراض المزمنة كالسرطان وداء السكري، في ظل دخول مصنع الأنسولين الذي سمح بصناعة الأقلام الموجهة لمرضى السكري محليا.
قفزة نوعية
وعن الأشواط التي قطعتها الصّناعة الصيدلانية ببلادنا – تحديدا منذ جائحة كورونا – أشار تيغرسي إلى أنّ هذه الأخيرة رفعت التحدي، وتحوّلت إلى حصن المنظومة الصحية الجزائرية بفضل التحفيزات التي وفرتها الدولة، مكّنتها اليوم من تلبية أزيد من 70 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، ممّا ساهم في تقليص فاتورة استيراد الأدوية وولوج الأسواق الخارجية.
وأوضح تيغرسي أنّ القطاع الصيدلاني الذي يبقى مرتبطا بالسيادة الوطنية في مجال الصحة، يمثل قرابة 4 مليار دولار، ويغطي 1033 تسمية دولية مشتركة، وقرابة 3 آلاف اختصاص تجاري لمختلف المستلزمات الطبية. نتائج – يؤكد المتحدث – أنها تحققت بفضل التزام ومرافقة الدولة على جميع المستويات المؤسساتية والقانونية والعلمية لهذا القطاع، ممّا ساهم في توفير هذه المادة الحيوية للمواطن وبأسعار معقولة.
وبما أنّ قطاع الأدوية جزء لا يتجزأ من السياسة الوطنية للصحة، تابع تيغرسي، فقد حرصت الدولة على تنظيمه وفقا للعرض والطلب من أجل ضمان تغطية شاملة لكل مناطق الوطن بعد إنشاء وزارة قائمة بذاتها، خاصة بهذا القطاع سنة 2021، كما أدى تخلي الدولة عن احتكار استيراد وتخزين وتوزيع الأدوية – إضافة إلى تشجيع الصناعة الصيدلانية المحلية – إلى الرفع من وحدات الإنتاج لتبلغ 196 وحدة خلال السنوات الأخيرة من بينها 10 وحدات تابعة لمجمع صيدال.
فضاء استثماري واعد
وعاد تيغرسي إلى الماضي القريب، تحديدا خلال فترة جائحة كورونا، موضحا أن الصناعة الصيدلانية قد برزت فعلا خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ المنظومة الصحية العالمية، بفضل الإنجازات المحققة في مجال التصدي لجائحة “كوفيد-19”، لا سيما في مجال إنتاج تجهيزات الحماية الفردية ومادة الأوكسيجين وتحاليل التشخيص المستعملة في البرتوكول الموجه للتكفل بالمرضى، إلى جانب إنتاج اللقاح المضاد لهذا الفيروس.
وقد سمحت هذه الديناميكية بضمان وتوسيع التغطية من حيث الاحتياجات الوطنية والاتجاه نحو الأسواق الخارجية، لا سيما العربية منها والإفريقية، بعد تهيئة الظروف المناسبة من حيث النقل وفتح وكالات بنكية وطنية بالخارج، في إطار التسهيلات المقدمة للمنتجين المحليين وتشجيعهم على تصدير منتوجاتهم نحو الخارج.
ونظرا للأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع ومرافقته من خلال استحداث وزارة خاصة به، وإنشاء الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية، فقد أصبح من الضروري وضع إصلاحات قانونية لحمايته وتطويره – حسب المتحدث – مع ترقية التصدير قصد ضمان استمرارية تموين السوق الوطنية بمواد فعالة وآمنة تخضع لجميع المعايير المعمول بها دوليا في هذا المجال وتسمح للقطاع بمسايرة التطورات الحاصلة في الميدان.
وبهذا الخصوص، وضعت الحكومة عدة قوانين بهدف تنظيم النشاط المرتبط بالصناعة الصيدلانية، لاسيما في مجالات الاستيراد والتوزيع والاستغلال والإنتاج، إلى جانب قوانين تنظيمية تدخل في إطار التعاون مع سلطة التنظيم الدولية، مما يسمح بتشجيع التصدير.
كما تمّ إنشاء أرضية رقمية وآليات تسيير لمواجهة الضغط الذي قد يحدث عند تسجيل انقطاعات تموين السوق بالأدوية، مع تحرير برامج الاستيراد في حينها وإنشاء مرصد يقظة يسهر على توفير الأدوية، إلى جانب أطر قانونية لتشجيع التجارب العيادية وإعطاء أهمية خاصة للبحث العلمي، مؤكّدا أنّ الهدف الأسمى من اعتماد هذه السياسة التنظيمية هو ترشيد استعمال مختلف أصناف الأدوية من ناحية الوصف والتسعيرة، ما يعكس حرص السلطات العمومية من جانب آخر على احترام قانون المنافسة والالتزامات الدولية للجزائر في هذا المجال لضمان نوعية هذه الصناعة الحيوية، وتمكينها من بلوغ الأهداف التي تصبو إليها.
التّوزيع.. الحلقة المفقودة
وتطرّق تيغرسي إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي تلك المتعلقة بتوزيع الأدوية، حيث يلعب التوزيع دورا مركزيا في المنظومة الصحية، يحدد فعاليتها وقدرتها على التوفير السريع للعلاجات الضرورية للمرضى، ويرى المتحدث أنّ هذا المسار المعقّد الذي يمتد من الإنتاج إلى التوزيع عبر كل المحطات، وصولا إلى الصيدلية، كأقرب خلية تموين للأدوية، يقوم على معايير صارمة وممارسات ثابتة، لضمان جودة التوزيع وفق المعايير الدولية الرامية إلى الحفاظ على سلامة المنتجات ونوعيتها، على طول سلسلة التموين.
وتشمل هذه الممارسات – يقول تيغرسي – عدة جوانب أهمها القدرة على المتابعة الشاملة والمنتظمة، والنقل الآمن، وهياكل التخزين، والتنسيق القطاعي بين الجهات المنتجة والتجارية واللوجستية.
في هذا الصدد، شدّد تيغرسي على ضرورة التأكيد على السهر على احترام معايير الجودة، كمعيار لا مجال لإقصائه، مستدلا بمثال الأدوية المضادة للسرطان الباهظة الثمن والحساسة من حيث تركيبتها وتوزيعها، ما يستدعي اهتماما خاصا لضمان فعاليتها وتأمينها من حيث الشروط الصارمة الخاصة بتخزين الأدوية المضادة للسرطان، وخاصة الأدوية الكيماوية، والعلاجات الدقيقة، التي ينبغي حفظها في ظروف مهيأة حسب خصوصية الأدوية، وهو المفترق التنظيمي والتنسيقي الذي يجب أن تتقاطع عنده كل القطاعات المعنية، لتفادي تذبذب التموين على مستوى المخازن، ورقمنة السلسلة اللوجيستية وغيرها من المحطات المتدخلة في المنظومة الدوائية الجزائرية التي لا بد أن تخضع إلى تسيير استباقي تشاركي، شدد ذات المتحدث.