شكل تعاطي وسائل إعلام مغربية مع قرارات محكمة التحكيم الدولي “تاس”، في قضية اتحاد العاصمة ونهضة بركان المغربي، نموذجا فاضحا في محاولة تضليل الرأي العام وصرف نظره عن حقائق موثقة لا تقبل تأويلات وروايات.
رافق قرار محكمة”تاس”، في ما يعرف بأزمة “الخريطة الوهمية” و”القمصان”، نهاية الأسبوع المنقضي، تفاعلا وردود فعل كثيرة بمنصات التواصل الاجتماعي، بالجزائر والمغرب.
اشتعلت “حرب” تعليقات في صفحات ومجموعات “فايسبوك”، وأخذت القضية أبعادا ومسارات نقاش وجدل تجاوزت النطاق الرياضي، بحكم طبيعة الموضوع وخلفياته، وغذّت ذلك روايات تضليل قادتها وسائل اعلام مغربية.
على ضوء ذلك، نتناول في هذا الموضوع كيف سعت وسائل إعلام مغربية إلى رسم صورة مشوهة عن القضية للتأثير على الجمهور بـ “سرديات” تُخفي جوانب أساسية، وتركز على هوامش استغلت في تقديم قراءات مضللة.
وإزاء ما خلصت إليه محكمة “تاس”، في بيان خاص بوسائل الإعلام، نشر الأربعاء الماضي، من قرارات أنصفت فريق اتحاد الجزائر، كان لوسائل إعلام مغربية روايات مغايرة تحمل تضليلا وتزييفا فاضحا..
في متابعة للقضية، وما دار بشأنها من تضليل إعلامي يصنف في المستوى الأول من اضطراب المعلومات، الذي ينقسم إلى ثلاث أنواع:
- معلومات مضللة disinformation: نشر معلومات خاطئة عن عمد بهدف التضليل.
- معلومات خاطئة misinformation: نشر معلومات غير دقيقة دون قصد التضليل.
- معلومات ضارة malinformation: نشر معلومات حقيقية بقصد الإضرار بشخص أو جهة ما.
بالعودة إلى أهم قرارات محكمة التحكيم الرياضي الدولي (TAS)، التي فصلت بشأن قمصان فريق نهضة بركان، الحاملة لخريطة تشمل إقليم الصحراء الغربية، اعتبرت المحكمة ذلك “انتهاكًا لقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يحظر استخدام الرسائل السياسية في الرياضة.” (وثيقة مرفقة)
جاء هذا القرار بعد استئناف قدمته الاتحادية الجزائرية لكرة القدم ضد قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) الذي سمح للنادي المغربي باستخدام تلك القمصان.
غير أن ما نشرته وسائل إعلام مغربية، في النماذج المرفقة أدناه، من تقارير مضللة وغير دقيقة وتزييف لجوانب قانونية، حول تفاصيل القرار وتبعاته، يندرج مثلما أشرنا ضمن التضليل المتعمد للرأي العام ومحاولة التأثير على تشكيل آراء الجمهور، إخفاء للحقيقة أو بتر جزء منها للتستر على فشل مغربي ذريع.
يشار إلى أن من أهم قرارات الـ “تاس” قبول استئناف الاتحاد الجزائري لكرة القدم (FAF) ضد كل من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ونادي نهضة بركان، بشأن استخدام القمصان التي تحمل خريطة وهمية.
إلى جانب اعتبار المحكمة أن إدراج تلك الخريطة على القمصان يُعد رسالة ذات طابع سياسي، ويخالف لوائح المعدات الرياضية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (المادة 1.03) وقوانين اللعب الصادرة عن المجلس الدولي لكرة القدم (القانون رقم 4)، التي تحظر وجود أي محتوى ذي طابع سياسي على التجهيزات الرياضية.
نماذج لتقارير اعلامية مغربية مضللة
“رفضت محكمة التحكيم الرياضي ’’الطاس‘‘ طلب اتحاد العاصمة الجزائري وصادقت على نتيجة المقابلتين ضد نهضة بركان”
“كما أن الطاس لم توجه أية ملاحظات أو عقوبات في حق الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أو لفريق نهضة بركان”
- موقع tele maroc: “الطاس” يصفع الاتحاد الجزائري ويقر بفوز نهضة بركان“رفضت محكمة التحكيم الرياضي طعن اتحاد الجزائر بالغاء نتجية المباراة التي جمعته بنهضة بركان، وصادقت الطاس على نتيجة المقابلة”
- موقع مدار 21: مصدر مسؤول: نهضة بركان غير معني بقرار “الطاس” ونحترم لوائح “الكاف”
- “صفع القرار اتحاد العاصمة بعدما رفضت “الطاس” كل طلباته، بما فيها إلغاء نتيجة مباراتي ذهاب وإياب نصف النهائي كأس “الكاف” الموسم الماضي، اللتين خسرهما بالنتيجة ذاتها (3-0)، باعتباره منسحبا.”
- موقع هيسبريس: الجزائر تخفق في جرّ “الطاس” إلى متاهات تصفية الحساب مع المغرب “إن عدم تحديد عقوبات في حقّ الجامعة المغربية أو فريق بركان يعدّ بمثابة اعتراف ضمني باحترامهما التّام والدقيق لمعايير ومبادئ الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (CAF) وكذا الفيفا” (FIFA)”
تشترك ما نشرته هذه الجهات الاعلامية من تضليل، في التركيز على نقطة واحدة تذيلت القرارات المعلن عنها واستخدامها في غير سياقها الطبيعي، ويتعلق الأمر بنتيجة المباراة وعدم اتخاذ عقوبات في حق الجامعة المغربية لكرة القدم ونادي نهضة بركان.
قرارات ال “تاس”
بالمقابل، يستخلص المتصفح للروابط المرفقة تجاهل تام لجوهر القضية، وفق ما جاء في وثيقة الـ “تاس” من قرارات تتلخص في 04 نقاط:
- قبول استئناف الاتحاد الجزائري لكرة القدم (FAF): قُبل الاستئناف المقدم من الاتحاد الجزائري ضد كل من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ونادي نهضة بركان، بشأن استخدام القمصان التي تحمل خريطة وهمية.
- اعتبار القمصان مخالفة للوائح: اعتبر قرار المحكمة أن إدراج تلك الخريطة على القمصان يُعد رسالة ذات طابع سياسي، ويخالف لوائح المعدات الرياضية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (المادة 1.03) وقوانين اللعب الصادرة عن المجلس الدولي لكرة القدم (القانون رقم 4)، التي تحظر وجود أي محتوى ذي طابع سياسي على التجهيزات الرياضية.
- إلغاء قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: قررت المحكمة إلغاء قرار الـ “كاف” السابق الذي صادق على استخدام تلك القمصان، مؤكدةً أن الـ “كاف” ملزمة بالحفاظ على “الحياد السياسي وعدم السماح بمثل هذه الرموز.”.
- عدم تأثير القرار على نتائج المباريات: أوضحت المحكمة أن هذا القرار لا يؤثر على نتائج مباريات كأس الكونفدرالية الإفريقية 2023/2024، ويقتصر فقط على مسألة القمصان المستخدمة.
من ضمن هذه القرارات، حاول الإعلام المغربي، مثلما استعرضناه في النماذج السابقة، تضليل الجمهور بتسليط الضوء على نتيجة المباراة (من غير المعقول أن تتخذ محكمة التحكيم الرياضي أي قرار يخص نتيجة مباراة في منافسة قارية جرت السنة الماضية واستنفذت مبارياتها إلى غاية النهائي.)
ومع ذلك، استثمرت آلة التضليل في هذا الجانب لـ”تشويه” قرارات المحكمة، وتعمدت صرف النظر عن جوهر القضية المتنازع حولها وهي قمصان حاملة لـ “خريطة وهمية” تخالف اللوائح والقوانين المعمول بها، وهو المطلب الأساسي لـ “فاف”.
وتسلط قرارات المحكمة الضوء، في هذا الجانب، على أهمية التزام الأندية والاتحادات الرياضية باللوائح التي تحظر استخدام الرموز أو الرسائل ذات الطابع السياسي في المنافسات الرياضية، بعكس تماما ما روج له من قبل الاعلام المغربي لايهام الرأي العام بفوز وهمي.
وفي هذا الشق، حملت وثيقة الـ”تاس”، تنويها في آخر فقرة يشير إلى أن البيان المنشورة عبارة عن “ملخص غير رسمي مخصص لوسائل الإعلام، بينما سيتم نشر الحكم كاملا لاحقا باللغة الفرنسية على الموقع الرسمي للمحكمة.”
ولا يستبعد متابعون للشأن الرياضي أن يحمل القرار المفصل لـ”تاس” عقوبات وغرامات مالية ضد الجهات المذكورة سابقا، ومنح فريق اتحاد الجزائر حق المطالبة بتعويضات مالية جراء الضرر الذي لحقه.
في الأخير، باتت ممارسات تضليل مماثلة “سلاحا” لصناعة “سرديات” وتصورات مغايرة عن الأحداث والوقائع لتوجيه الرأي العام، في إطار استراتيجيات التلاعب بالمعلومات ورسم صورة مشوهة لدى الجمهور.