تسعى السلطات العمومية لزيادة حجم وقيمة الصادرات خارج المحروقات، إلى ما يقارب 30 مليار دولار في آفاق 2030، مع تكريس تحوّل اقتصادي جوهري يتمثل في تنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات. وتعكس تعليمات الوزير الأول خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، رغبة الحكومة في تبني سياسات اقتصادية أكثر ديناميكية وفعالية، في هذا المجال..
ملف: زهراء بن دحمان وحبيبة غريب وسعاد بوعبوش
الصادرات خارج المحروقات.. الاقتصـاد الجديـد ينتصـر
تسعى الجزائر إلى تكريس تحوّل اقتصادي جوهري يتمثل في تنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات. وتعكس تعليمات الوزير الأول خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، رغبة الحكومة في تبني سياسات اقتصادية أكثر ديناميكية وفعالية، من خلال ربط الدعم الحكومي بنتائج ملموسة عبر عقود نجاعة، ووضع خطط مدروسة لرفع الصادرات تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.
يأتي اجتماع المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات الذي ترأسه الوزير الأول، نذير العرباوي، يوم 2 مارس 2025، في إطار تنفيذ استراتيجية الجزائر لتنويع صادراتها خارج قطاع المحروقات، وأشهر قليلة بعد دعوة رئيس الجمهورية خلال اجتماع عمل حول الصادرات، إلى تبني رؤية استراتيجية جديدة تتمثل في تحويل الجزائر إلى قطب امتياز في مجال التصدير.
وكان رئيس الجمهورية شهر جويلية الماضي، قد حدد الخطوات المكملة للنهضة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، وللمكاسب المحققة، ومن بين هذه الخطوات إعادة رسم خارطة التجارة الخارجية للبلاد، بما تقتضيه المنفعة الوطنية والتحديات الجيوسياسية في العالم، وتحرير صادرات بعض القطاعات الإنتاجية، التي فاقت قدراتها الاحتياجات الوطنية، على غرار مادة الزيت والسكر والعجائن، بالإضافة إلى خلق قواعد لوجستية موجهة للتصدير على مستوى كل الأقطاب الاقتصادية، وتوسيع شبكة البنوك الجزائرية في الخارج خاصة في إفريقيا، وفتح خطوط تجارية جوية وبحرية لتعزيز الدور المحوري للجزائر في المنطقة، والسماح للمصدرين باستخدام نظام التحسين المؤقت لرفع نسبة صادراتهم في المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.
ويعكس استعراض المجلس أداء الصادرات الجزائرية، غير النفطية في الفترة الماضية، بالإضافة إلى التوقعات لسنة 2025، والاستماع إلى العروض القطاعية حرص الحكومة على التقييم المستمر لمدى تقدم الصادرات غير النفطية، وهو مؤشر على نهج جديد يعتمد على تحليل المعطيات الاقتصادية لاتخاذ قرارات أكثر فعالية، فبالرغم من الجهود لا تزال مساهمة القطاعات غير النفطية في إجمالي الصادرات الجزائرية محدودة، ما يفرض ضرورة تكثيف الإصلاحات والتدابير الداعمة للمصدرين.
وفي هذا السياق، ركز الاجتماع على قطاعات محددة لرفع مستوى الصادرات، وهي الصناعات البتروكيميائية والمنجمية التي تمتلك الجزائر احتياطات ضخمة من الموارد الطبيعية، لكن تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة يحتاج إلى تطوير أكبر في قدرات المعالجة والتصنيع، وهو ما تطمح إليه عن طريق إطلاق المشاريع المهيكلة الكبرى كمشروع غار جبيلات، الذي سيصنف الجزائر في مصف أكبر الدول المالكة لاحتياطات الحديد في العالم، بالإضافة إلى مشروعي الفوسفات والزنك اللذين سيمكنان الجزائر من اعتلاء مرتبتها ضمن أكبر الدول المصدرة لهذه المواد.
كذلك الأمر بالنسبة للمواد الفلاحية والغذائية مثل التمور، زيت الزيتون، الخضر والفواكه التي تشهد طلبا متزايدا في الأسواق الخارجية، والمواد الصيدلانية من أدوية ومستلزمات طبية التي تسعى الجزائر إلى تعزيز صادراتها وهو قطاع استراتيجي يمكن أن يقلل من فاتورة الاستيراد ويوفر مداخيل جديدة.
أما الصناعات التحويلية فتهدف الحكومة إلى رفع القدرة التنافسية للصناعات التحويلية، خاصة في مجالات مثل الحديد والصلب، الصناعات الكهرومنزلية، وصناعة السيارات، في حين أصبح تصدير الخدمات مثل البرمجيات، الاستشارات، والخدمات المالية مجالا واعدا، لكنه يحتاج إلى تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز التشريعات.
ودعوة الوزير الأول إلى إبرام عقود نجاعة مع المتعاملين الاقتصاديين يعكس توجها جديدا في السياسة الاقتصادية، حيث يتم ربط الدعم الحكومي والتسهيلات الممنوحة للمتعاملين الاقتصاديين بنتائج فعلية وملموسة في التصدير، إذ تفرض هذه العقود التزاما على الشركات لتحقيق أهداف تصديرية محددة، مما يزيد من المحاسبة والشفافية في توزيع الموارد والإعفاءات، ومن شأن هذه السياسة أن تشجع الشركات الأكثر قدرة على التصدير، وتقلل من الدعم غير الفعال لبعض المتعاملين الذين لا يحققون نتائج حقيقية.
كما دعا المجلس إلى إعداد خطط قطاعية وبرامج واضحة لتعزيز الصادرات، وهو توجه مهم لأنه يضمن تنسيق الجهود بين مختلف القطاعات بدلا من العمل بشكل منفصل، يسمح بتحديد العراقيل الخاصة بكل قطاع، سواء كانت مشاكل لوجستية، تمويلية، أو تشريعية، ويسهل متابعة التقدم المحرز في كل قطاع من خلال آليات تقييم دورية.
تقديم المزيد من الدعم للمتعاملين الاقتصاديين، ورسم مخططات دقيقة لرفع الصادرات خارج قطاع المحروقات، سيساهم لا محال في تجسيد الأهداف المسطرة بتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة في القطاعات الإنتاجية والتصديرية وتحسين صورة الجزائر كمصدر موثوق للمنتجات والخدمات في الأسواق الدولية، وتعزيز بذلك مكانتها الاقتصادية وزيادة قدرتها التنافسية عالميا.
رئيس مدير عام مؤسسة الدراسات الاقتصادية هشام سعيدي: المنتوج الجزائري مؤهّل للمنافسة في الأسواق الخارجية
ثمّن الرئيس المدير العام لمؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير الاستثمارات هشام سعيدي، مخرجات الاجتماع الأخير الذي جمع الوزير الأول مع المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، معتبرا أنها “تصّب في المقام الأول في توجه الجزائر الواضح نحو التصدير بهدف خلق مداخيل جديدة خارج المحروقات.”
قال الرئيس المدير العام لمؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير الاستثمارات هشام سعيدي في تصريح لـ “الشعب” لقد تابعنا باهتمام كبير مخرجات هذا الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو المتعاملين الاقتصاديين الى الانخراط بقوّة في مشروع تصدير المنتوج الوطني الى الأسواق الخارجية.
لاسيما وأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حريص من خلال الإصلاحات التي مسّت مجال الاستثمار، على المستويين الداخلي والخارجي على النهوض بقطاع التصدير خارج المحروقات والولوج بالمنتوج الجزائري في شتى المجالات إلى الأسواق العالمية عامة والأسواق الأفريقية على وجه الخصوص”.
وأضاف سعيدي أنه كان لمؤسسة الدراسات الاقتصادية لتطوير الاستثمارات عدة خطوات استباقية في هذا المجال وأهمها إطلاق برنامج “Dzair export assistance and programme” (الجزائر- تصدير مرافقة وبرامج) الذي وضعته المؤسسة في 6 جانفي الفارط، والذي يسمح بمساعدة ومرافقة المؤسسات الوطنية المنتجة للولوج إلى أبعد نقطة في الأسواق الإفريقية في ظل الاتفاقيات المبرمة في إطار منطقة التبادل الحرة الإفريقية.
وعلى ذكر التبادل التجاري الحر، ذكر سعيدي أن “اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والتجارة الوجهة “زليكاف” التي انضمت إليها الجزائر في ديسمبر 2023، تسمح للمتعاملين الاقتصاديين القيام بعمليات تبادل تجاري حر مع نظرائهم من الدول الأفريقية الشقيقة الشريكة في المبادرة، وبدون قيود جمركية.”
وأوضح سعيدي أن برنامج الجزائر للتصدير يقوم على تحسيس المتعاملين الاقتصاديين والمنتجين بأهمية التصدير وكذا حثهم على ضرورة أن يكون منتوجهم مطابق للمعايير الدولية من حيث الجودة حتى يستطيع منافسة الماركات العالمية المتواجدة في افريقيا.
وذكر المتحدث، أنه كانت لهم مؤخرا جولات وطنية للتقرب من المنتجين والمصنعين الجزائريين، ودعوتهم للانخراط في برنامج “دزاير اكسبور”، وقد تفاجأوا كثيرا بالمنتوج العالي الجودة الذي ينتجونه ويؤهلهم حتما للانخراط في برنامج “جزائر اكسبور”.
وترتكز المرافقة والمساعدة التي نقدمها -يقول سعيدي- لهذه المؤسسات والوحدات الإنتاجية على التشخيص الأولي والتكوين، انشاء دائرة أو مصلحة خاصة بالتصدير داخل المؤسسة وتكوين إطاراتها من الناحية العملية، والناحية التجارية وكذلك من ناحية التنظيم أي حول كيفية ابرام العقود وأساليب الولوج الى مختلف الأسواق الافريقية.
كما يمكن للمؤسسات المنخرطة، -بحسب سعيدي-” في هذا البرنامج الاستفادة من الخدمات والنصائح والتوجيهات المقدمة من طرف الخبراء والمختصين في مجال الاقتصاد والتجارة العالمية والتصدير والذين يشكلون اليوم شبكة المؤسسة وهم في خدمة المتعاملين الاقتصاديين والمنتجين بصفة مباشرة.
وفي سياق متصل كشف سعيدي أن هذا البرنامج استطاع إلى غاية اليوم استقطاب ما لا يقل عن 90 شركة ترغب في تصدير منتجاتها إلى الأسواق الافريقية، مشيرا إلى أن المؤسسات المنخرطة تنتج مختلف السلع من مواد غذائية وأقمشة وأجهزة إلكترونية ومواد تجميل..
وأبرز سعيدي في الختام أنه اليوم بفضل هذه المرافقة الميدانية للمتعاملين الاقتصاديين تؤكد مؤسسة الدراسات الاقتصادية وتطوير الاستثمارات مساهمتها في الاستراتيجية الوطنية الرامية إلى بناء اقتصاد وطني قوّي يقوم على تصدير المنتوج الجزائري إلى افريقيا التي تشكل سوقا واعدا بـ 4 مليار نسمة، وفتح أسواق جديدة إلى أوروبا وآسيا والقارات الأخرى.
الخبير الاقتصادي مراد كواشي: المتعاملون مطالبون بنجاعـة أكبر في الأداء
أكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مراد كواشي، السعي الحثيث للسلطات العمومية لزيادة حجم وقيمة الصادرات خارج المحروقات، وهو الأمر النابع من تعهدات رئيس الجمهورية خلال حملته الانتخابية في عهدته الثانية، الذي وعد برفع قيمة الصادرات خارج المحروقات إلى ما يقارب 30 مليار دولار في آفاق 2030.
أوضح الخبير الاقتصادي في تصريح لـ«الشعب” أنه لتجسيد هذا المسعى تم وضع العديد من الاجراءات من أهمها الشروع في انشاء مناطق حرة وعددها خمسة مع الدول المجاورة للجزائر، وأولى هذه المناطق سوف تكون مع موريتانيا عن طريق الزويرات – تندوف، وهو طريق استراتيجي تكفلت الجزائر بإنجازه من أجل الولوج إلى العديد من الأسواق خاصة بغرب افريقيا التي تحوي أكثر من 400 مليون نسمة بالإضافة إلى فتح فروع لبنوك عمومية خارج الوطن في نواكشوط وفي السنغال، ناهيك عن تنظيم عديد المعارض خارج وداخل الوطن من أجل التعريف بالمنتوج المحلي.
وأشار، كواشي إلى آخر الاجراءات التي اتخذتها الدولة الجزائرية والمتمثلة في انشاء وزارة خاصة للتجارة الخارجية من أجل تشجيع الصادرات وانشاء ما يعرف بالمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، ما يعني أن كل هذه الاجراءات هدفها الاساسي الرفع من قيمة الصادرات خارج المحروقات.
ويعتقد المتحدّث بأن الاجتماع الذي جمع الوزير الأول والمجلس الوطني الاستشاري لتغطية الصادرات يرمي إلى حث المتعاملين الاقتصاديين على الولوج إلى الأسواق الإفريقية باعتبارها سوقا واسعة جدا، تحمل الكثير من الفرص خاصة وأنه يسكنها حوالي 1.5 مليار نسمة وهو ما جعل الجزائر تطمح لولوجها.
وبحسب الخبير الاقتصادي تعوّل الجزائر كثيرا على السوق الافريقية وتعويض ما فاتها، لهذا فمن أجل زيادة قيمة الصادرات لا يقتصر الأمر فقط على الدولة، بل يتعين على المتعاملين الاقتصاديين أن يكونوا أكثر نجاعة وفعالية من خلال تغيير طريقة تسييرهم، من خلال الذهاب الى الاسواق الإفريقية ودراستها وما تتطلبه، والتعرف على ما يطلبه المستهلك الافريقي من حيث جودة المنتجات، السعر، اللون وحتى التعبئة والتغليف إلى غير ذلك.
وبحسب المتحدّث فالمسؤولية التي تقع على الدولة هي توفير كل الشروط لذلك وقيامها بكل الإجراءات اللازمة وهي حاليا تعمل على محاربة البيروقراطية على قدم وساق، فيما يبقى الدور الأكبر وينتهي عند المتعاملين الاقتصاديين الذي ينبغي أن يكونوا أكثر انفتاحا على الاسواق الخارجية وتغيير طريقة تسييره، انتاجه والتكيف مع ما يتلاءم ومتطلبات هذه الأسواق.
ونوّه الأستاذ إلى المجهودات المبذولة سيما على الصعيد اللوجيستيكي خاصة فيما يتعلق بمشاريع السكة الحديدية وربطها حتى الجنوب، ما يعني – بحسبه- تسطير مشاريع استراتيجية مخصصة لهذه الغاية إلى جانب الطرق البرية مذكرا بطريق الزويرات -تندوف الاستراتيجي والمحوري الذي يمّكن الجزائر من الوصول حتى الموانئ الموريتانية ومنه المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى مشروع استراتيجي آخر وهو طريق الوحدة الافريقية.
وبحسب كواشي يبقى على الجزائر زيادة عدد الرحلات البحرية والجوية بين الجزائر والعواصم الإفريقية، كما أنها بحاجة إلى الإسراع في توسيع موانئ ضخمة على الأقل تكون بمعايير إقليمية وليست عالمية تستطيع استقبال باخرات الشحن سيما الكبيرة منها.
وأكد المتحدّث أن الجزائر تمتلك الكثير مكامن القوة الصناعية التي يمكن أن تنطلق منها وتكون قاطرة حقيقيه للتصدير في مقدمتها قطاع المناجم والتعدين بالنظر الى المشاريع الكبرى التي تم الشروع في استغلالها، بالإضافة إلى الثروة الفلاحية التي حققت نتائج ايجابية ويمكن الذهاب نحو التصدير في أقرب وقت ممكن ومبدئيا يمكن الانطلاق بالمواد المنجمية والطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر.