عززت الحكومة تضامن الجزائريين في رمضان بمنحة تضامن رمضان في فيفري 2025، للتكفل بالفئات الهشة، في هذا الشهر الذي يتسابق فيه المحسنون الى فتح “مطاعم التضامن والرحمة” و”عابري السبيل”، في مجتمع شاب على هذه الفكرة النبيلة والانسانية..
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش وأم الخير سلاطني
منحة التّضامن.. دعم يحفظ كرامة الأسر المعوزّة
أصدرت الحكومة مرسوما تنفيذيا جديدا رقم 25-86 المؤرخ في 22 فيفري 2025، يهدف إلى إحداث منحة تضامن خاصة بشهر رمضان، في خطوة مهمة ترمي إلى تعزيز آليات الدعم الاجتماعي للدولة للتكفل بالفئات الهشة، عبر آليات واضحة وشفّافة تضمن وصول مساعدات الدولة إلى مستحقيها، بما يعزّز قيم التضامن والتكافل الاجتماعي في المجتمع الجزائري.
في إطار تعزيز التكافل الاجتماعي وتحسين الظروف المعيشية للأسر المعوزة خلال شهر رمضان، أصدر الوزير الأول نذير العرباوي مرسوما تنفيذيا جديدا رقم 25-86، المؤرخ في 22 فبراير 2025، يهدف إلى إحداث منحة تضامن خاصة بشهر رمضان وتحديد شروط وكيفيات منحها.
وبموجب هذا المرسوم، سيستفيد رب الأسرة المعوزّة أو من ينوب عنه من منحة مالية تقدّر بـ 10 آلاف دينار جزائري، وهي معفاة من كافة الرسوم والحقوق البريدية، حيث تتكفّل البلديات بتغطية هذه التكاليف.
وللاستفادة من المنحة، يجب على المعنيين – حسب المرسوم – تقديم ملف يتضمن: نسخة طبق الأصل من بطاقة التعريف الوطنية، صك بريدي مشطوب يثبت امتلاك حساب بريدي جار، كما يمكن تعديل محتوى استمارة الطلب بموجب قرار من الوزير المكلف بالجماعات المحلية.
وتمّ إنشاء نظام معلوماتي خاص بالمنحة على مستوى الوزارة المكلفة بالجماعات المحلية، أي وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، ممّا يتيح للبلديات والولايات متابعة المستفيدين عبر بطاقية رقمية، والتي سيتم تحديثها سنويا.
وسيتولى المكتب المكلف بالنشاط الاجتماعي، تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي، تسجيل بيانات المستفيدين، وإجراء تحقيقات اجتماعية وميدانية للتأكد من استحقاقهم للمنحة، بالتنسيق مع مختلف الإدارات والهيئات العمومية.
ولتنظيم العملية التضامنية، تمّ إنشاء لجنة بلدية بموجب قرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي، تتكوّن من رئيس المجلس الشعبي البلدي أو ممثله (رئيسًا)، رئيس اللجنة الدائمة للشؤون الاجتماعية والثقافية، رئيس مصلحة المالية والميزانية، مسؤولي الفرق المحلية للتحقيقات الميدانية، ممثلين عن قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وخاصة، وتتولى هذه اللجنة مسؤولية إعداد القائمة الأولية للمستفيدين، ودراسة التظلمات المقدمة من غير المقبولين، والمصادقة على القائمة النهائية.
وتصرف هذه المنحة مرة واحدة خلال شهر رمضان، ويتم دفعها عبر الحسابات البريدية الجارية للمستفيدين، أو عن طريق حوالات بريدية لمن لا يمتلكون حسابا، ويتم تمويل المنحة من ميزانيات البلديات والولايات، مع إمكانية دعمها من ميزانية الدولة في حالة وجود عجز مالي، كما يمكن للمحسنين والمؤسسات العمومية والخاصة المساهمة في دعم العملية التضامنية.
ولضمان الشفافية، يتم الإعلان عن القوائم الأولية للمستفيدين في مقرات البلديات، مما يتيح للمواطنين التحقق من قبول طلباتهم أو تقديم تظلّمات خلال خمسة أيام من الإعلان، كما ينص المرسوم على عقوبات صارمة ضد التصريحات الكاذبة أو التزوير بغرض الاستفادة غير المشروعة من المنحة، حيث يتم إيقاف دفع المنحة واسترداد المبالغ المحصلة دون وجه حق.
ولضمان تسهيل الإجراءات، يمكن إيداع الطلبات والتظلمات عبر منصة رقمية مخصصة لهذا الغرض، ممّا يعزّز من سرعة وشفافية العملية.
وفي هذا السياق، كانت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية قد فتحت باب التسجيل للاستفادة من الإعانة التضامنية لشهر رمضان، أواخر شهر نوفمبر الماضي، واستمرّت العملية إلى منتصف شهر ديسمبر 2024، وخصّصت ركنا عبر الموقع الإلكتروني للوزارة للتسجيل، أو عبر مصالح البلدية.
وأوضحت أنّ المسجّلين في النظام المعلوماتي والمستفيدين من منحة التضامن خلال موسم 2024، غير معنيّين بتجديد طلباتهم، حيث يتم تسجيلهم آليا، على أن تباشر مصالح البلدية تحقيقا في وضعيتهم الاجتماعية واستيفائهم شروط الاستفادة.
وأعلنت بتاريخ 26 فيفري 2025، صبّ الإعانة في الحسابات الجارية البريدية للمستوفين شروط الاستفادة من المنحة التضامنية المقدرة بـ 10 آلاف دينار جزائري، على مستوى كل بلديات الوطن وفق الآجال المحددة من طرف السلطات العمومية.
مليار و470 مليون دينار للعمل التضامني
تعكف وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، على تعزيز وتنويع العمليات التضامنية المنظمة لصالح مختلف الفئات المتكفّل بها من طرف القطاع، خاصة خلال الشهر الفضيل وذلك عن طريق التنسيق والتضامن الحكومي مع عدة قطاعات وكذا مع فعاليات المجتمع المدني، ما ساهم في ضبط كل التحضيرات بصورة استباقية للمساهمة في إنجاح مختلف العمليات التضامنية، وبرمجة عدة نشاطات واتخاذ تدابير موجهة لفائدة الفئات المتكفّل بها على غرار العائلات المعوزة، ذوي الاحتياجات الخاصة، الأشخاص المسنّين وكذا المرأة الماكثة في البيت.
حرص قطاع التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، على ضمان السير الحسن للعمليات التضامنية للشهر الفضيل في الآجال المحدّدة لها، وإضفاء المزيد من الشفافية في توزيع الإعانات المالية من خلال إشراك مختلف المصالح المركزية المعنية بالعملية، حيث تمّ في هذا الخصوص عقد اجتماع قبل شهر رمضان على مستوى الإدارة المركزية، تضمّن محور أعماله توزيع الاعتمادات المالية المتعلقة بالعملية التضامنية لشهر رمضان 2025 على الولايات، وتسطير البرامج الدينية والثقافية والحملات التحسيسية والتوعوية على مستوى جميع المؤسسات تحت الوصاية. وقد بلغ الاعتماد المالي الاجمالي للعملية التضامنية مليار و470 مليون دج، وهو المبلغ الذي تم تحديده في إطار حوار التسيير مع قطاع المالية لإعداد المدونة الميزانياتية لسنة 2025، كما سجّل منح مبدئي لـ 1700 ترخيص لفائدة الجمعيات قصد فتح مطاعم الرحمة.
مسابقات قرآنية
وينظّم قطاع التضامن بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خلال الشهر الفضيل، المسابقة الوطنية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وترتيله، لفائدة الأطفال الموضوعين بالمؤسسات والمراكز المتخصّصة التابعة لقطاع التضامن الوطني، وقد تم التنسيق مع قطاع الشؤون الدينية والأوقاف لتحضير الطبعة الثانية لنفس المسابقة لفائدة أطفال المؤسسات والمراكز تحت الوصاية، حسب عدة مراحل تتمثل في الدور التصفوي الأول ويخص المسابقة على المستوى المحلي، الدور التصفوي الثاني ويخص المسابقة التصفوية للمتأهلين عن المستوى المحلي ويشرف عليها لجنة تحكيم تضم أئمة ومشايخ توكّل لهم مهمة معاينة تسجيلات المتأهلين، وأخيرا الدور النهائي ويكون بحضور الأطفال المتأهلين وسيتم تحديد موعده ومكان إجرائه لاحقا.
أمّا الفئات المعنية بالمسابقة، فتتمثل الفئة الأولى في الأطفال المقيمين بمؤسسات الطفولة المسعفة وتلاميذ مدارس الأطفال المعاقين بصريا، وتتعلق الفئة الثانية بأطفال المراكز النفسية البيداغوجية للمعاقين حركيا، و تتمثل الفئة الثالثة في أطفال المراكز النفسية البيداغوجية للمعاقين ذهنيا، وأخيرا الفئة الرابعة فتتمثل في الأطفال المصابين بطيف التوحّد.
وبخصوص عملية الانتقاء فهي تخص الأطفال المتميّزين في الحفظ أو في جمال الصوت أو في إتقان الأحكام، وقد تم إجراء الدور التصفوي الأول على مستوى ولايات الجمهورية وتم جمع تسجيلات الفيديو للفائزين، والتي سيتم معاينتها من طرف أعضاء لجنة التحكيم التي ستجتمع لهذا الغرض على مستوى مقرّ وزارة التضامن. وسيتم تكريم الفائزين بجوائز قيّمة خلال الحفل النهائي لمسابقة «تاج القرآن» المنظم بمناسبة إحياء ليلة القدر المباركة لشهر رمضان الفضيل من طرف التلفزيون الجزائري، بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بحضور طاقم حكومي.
أسواق جوارية للمرأة المنتجة..
من جهة أخرى وبمناسبة شهر رمضان، وبالتنسيق مع وزارة التجارة، تم استحداث فضاءات بالأسواق الجوارية المنظمة بهذه المناسبة لصالح المرأة المنتجة لعرض منتجاتها، وكل المنتجات ذات صلة بمتطلّبات الشهر الفضيل، وذلك في إطار مساعدة هذه الفئة على تسويق منتجاتها تنفيذا للمخطّط القطاعي المشترك دعم المرأة الماكثة بالبيت للانخراط في الإنتاج الوطني.
ويرتقب مشاركة ما يفوق 1300 أسرة في الأسواق التضامنية المنظمة خلال شهر رمضان لتسويق منتوجاتها، وهذا قصد تحقيق الإدماج الاقتصادي للمرأة والأسرة المنتجة، خاصة وأنّ هذه الأسواق التضامنية تهدف إلى تسهيل عرض وتسويق منتجات المرأة الماكثة بالبيت، وتمكينها من الترويج لمنتجاتهم المنجزة في إطار النشاطات المصغّرة، وكذلك دعم الاقتصاد الوطني وتمكين المواطنين من التعرف على المنتجات الأصيلة والمحلية وتسهيل تسويقها، وتمكين الفئات المعوزّة من المجتمع من اقتناء حاجياتهم المتعلّقة بشهر رمضان من مختلف الأسواق التضامنية، بأسعار تنافسية.
وبخصوص فئة المسنّين، يرتكز البرنامج المسطّر لفائدة المقيمين بدار المسنّين على محورين بما يتماشى مع خصوصيات الشهر الفضيل، حيث روعي المحور الديني والروحي، والمحور الترفيهي، ففي المحور الأول، وفي إطار برنامج التعاون مع قطاع الشؤون الدينية والأوقاف، تم تسطير برنامج لتنظيم دروس وجلسات دينية للموعظة والإرشاد لفائدة المقيمين والمقيمات، بغية تعزيز الجانب الروحي والديني للمقيمين، موازاة مع ذلك يتم تنشيط ورشات تعليم الكبار ومحو الأمية، لاسيما في مجال حفظ القرآن والحديث وتحفيز الحافظين والحافظات، عن طريق تكريمهم في مناسبات ذات دلالة، كما تنظّم نشاطات تحسيسية تخص مقاصد الصيام وكبار السنّ، لاسيما أصحاب الأمراض المزمنة، وكذا أهم النصائح والإرشادات الصحية لكبار السنّ في هذا الشهر.
أمّا في الجانب الترفيهي فقد تم تسطير برنامج خاص للأنشطة الترفيهية والثقافية المكيّفة لفائدة المقيمين وبالتعاون مع مختلف القطاعات والمؤسسات ذات الصلة وكذا فتح ورشات الطبخ والحلويات للمقيمات، وقصد تحفيز المقيمين والمقيمات وخلق جو من النشاط والبهجة داخل دور الأشخاص المسنّين يتم تنظيم مسابقات في مختلف الأنشطة والمجالات وتكريمهم في مناسبات ذات دلالة، على غرار ليلة السابع والعشرين من رمضان.
التقرّب لسكّان المناطق النائية والبدو الرحل
في المقابل وفي إطار سياسة قطاع التضامن الوطني في الجانب التحسيسي والتوعوي سيما بالنسبة لساكنة المناطق النائية والبعيدة، تقوم وكالة التنمية الاجتماعية تحت وصاية القطاع بتجنيد الخلايا الجوارية للتضامن التي تقوم بمباشرة العمل الجواري التضامني الخاص بهذا الشهر الفضيل، بالتنسيق مع المصالح المعنية ذات الصلة على غرار قطاع الصحة ومصالح الحماية المدنية من خلال القيام بعمليات التحسيس والتوعية، حيث تهدف هذه الحملات إلى ضمان التكفّل الاجتماعي والمرافقة النفسية والصحية بالمنزل للأشخاص المسنّين، وتحسيسهم بالصيام الآمن والوقاية من الأمراض.
وفي نفس السياق قامت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة بتنظيم عدة قوافل تضامنية لفائدة العائلات المعوزّة بمختلف المناطق النائية، وذلك بالتنسيق مع مختلف القطاعات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي، خاصة لفائدة البدو والرحل من خلال تقديم مساعدات متنوعة سيما الغذائية تسّهل عليهم مشقة الصيام، خاصة وأنّهم يعيشون ظروفا صعبة أو في نمط معيشي صعب يتطلّب التنقل والترحال.
ويعمل قطاع التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة في الاستفادة من انتشار الحركة الجمعوية ونشاطها، من خلال الحرص على إشراك الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي والخيري في مختلف النشاطات المنظّمة من طرف القطاع، كما يسهر القطاع على تأطير فتح مطاعم الإفطار، فضلا عن تمثيلها في مختلف المجالس واللّجان التي يشرف عليها قطاعنا الوزاري، لاسيما المجلس الوطني للأشخاص المعوّقين والمجلس الوطني للأسرة والمرأة ومجالس الإدارة لجميع المؤسسات التابعة للقطاع.
مختصّون في علم الاجتماع السياسي: التكافل والتضامن.. قيّم تتجسّد وأصالة لا تتبدّد
ثمّن الدكتور يحيى شريفي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر 2، الدور الاجتماعي الذي ما زالت الدولة الجزائرية تأخذه على عاتقها، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، حيث لا تزال تخصّص مساعدات للفئات الهشة والضعيفة، دون إغفال ما تقوم به من تدعيم لأسعار المواد واسعة الاستهلاك، وهو ما تستفيد منه الطبقة الوسطى وغيرها من الطبقات.
يؤكّد الدكتور شريفي في تصريحه لـ “الشعب”، أنّه حين الحديث عن المبادرات الخيرية نجد أن الجمعيات لها نصيب الأسد في القيام بهذه النشاطات، ذلك أن فلسفة الدولة الجزائرية وكذا الدستور، كوثيقة مرجعية عليا تنظّم النشاط السياسي والاجتماعي، تقر بوجود هيئات المجتمع المدني، وتعتبرها من الفواعل الرسمية في تأطير النشاط الاجتماعي داخل الفضاء الاجتماعي، وعليه فالدولة تراقب وتسن القوانين التي تؤطر النشاط الاجتماعي، كما هو الحال بالنسبة للمبادرات الخيرية، وتترك المجال مفتوحا للقيام بالمبادرات الخيرية أمام هيئات المجتمع المدني المعتمدة، أو التي تنشط وفق القوانين المنظمة لسير النشاطات الاجتماعية.
وقال المتحدّث “إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يسعى لتحقيق ذاته الاجتماعية من خلال الانتماء والمشاركة”، موضّحا أن “المبادرات الخيرية توفر هذا الإطار، حيث يشعر الفرد بالانتماء والمسؤولية تجاه مجتمعه، ممّا يعزز اللحمة الوطنية ويقوي الروابط الاجتماعية، ويجسّد للمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية التي يكتسبها الأفراد من خلال التنشئة الاجتماعية، والتي يستلهمون فيها قيمهم من الدين الإسلامي الحنيف”.
واعتبر المبادرات الخيرية “مؤشّر صحي” على التماسك الاجتماعي للمجتمع، ودلالة واضحة على قوة الرابط الاجتماعي، هذا الأخير اعتبره المتحدث من المفاهيم المحورية في الحقل السوسيولوجي، ذلك أنّ المبادرات الخيرية في مجتمع ما، تترجم تفعيله لمدونة أخلاقية راقية، وتعبر عن تراث ديني وثقافي ذو طبيعة تاريخية، يحمل في طياته الكثير من قيم التكافل والتعاون والتآخي، مشيرا إلى أنّ السوسيولوجيا وهي تبحث عن إجابات عن تماسك المجتمع وتعزيز روابطه الاجتماعية، لن تضل طريقها نحو التنقيب في هذه التراث الثري بقيم التضامن والإيثاريّة، وتقديم المصلحة الجماعية على حساب الفردانية والأنانية الضيقة.
جذور تاريخية وقيم متأصّلة
وأوضح الدّكتور شريفي، أنّ المسؤولية الاجتماعية ليست وليدة اللحظة، ولا هي نتاج لحظة تاريخية محدّدة، من منظورنا السوسيولوجي، وإنما هي مسار تفاعل البنى الثقافية من منظومة دينية وأعراف وتقاليد، دأبت الجماعة الاجتماعية منذ بدايات تشكّلها على تحويلها إلى روابط اجتماعية، تسمح للحياة الإنسانية بالمضي قدما، وهذا يدفعنا إلى القول بأن المبادرات الخيرية ليست وليدة اليوم، وإنما تضرب بجذورها في عمق التاريخ، ويضاف إلى ذلك كله معيار تماسك المجتمع، الذي يقاس من خلال تحمل أفراده للمسؤولية الاجتماعية، التي تعد فعلا حضاريا يرتقي بالإنسان، وينأى به عن البربرية والتوحش والفردانية المقيتة.
مبادرة “وافعلوا الخير” نموذجاً
واستدلّ الدكتور المتحدث بمبادرة “وافعلوا الخير” كنموذج ناجح للمبادرات الخيرية في الجزائر، موضّحا أن هذه المبادرة، التي تغطي جميع ولايات الوطن، تعكس قوة الطرح والفعالية التنظيمية للمجتمع المدني، وتجسّد روح التضامن والتكافل التي يتميز بها الشعب الجزائري، داعيا إلى التجند والتضامن، كون المبادرات الخيرية هي مشروع واعد لتجسيد التضامن الاجتماعي وتحقيق الأخوة الإنسانية، مضيفا أنه وجب على الجميع أن يتجند من أجل دعم هذه المبادرات لتعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية اللحمة الوطنية، باعتبار أن المبادرات الخيرية في الجزائر ليست مجرد أعمال إحسانية، بل هي تعبير عن قيم متأصلة في المجتمع، ورافد أساسي لتعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.
صمّام أمان للمجتمع وتعزيز للتّكافل الاجتماعي
من جهته، اعتبر الدكتور عبد السلام فيلالي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة باجي مختار – عنابة، المبادرات الخيرية صمّام أمان للمجتمع وتعزيز للتكافل الاجتماعي، ففي ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، تبرز المبادرات الخيرية كصمام أمان، تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية شعور المسؤولية الجماعية تجاه الفئات الهشة، فهي ليست مجرد أعمال إنسانية عابرة، بل هي دعامة أساسية لبناء مجتمع متماسك ومتكافل.
وأكّد الدكتور فيلالي أنّه ثمة مقاربة ننطلق منها في مقاربة المجتمع – حتى يعمل بكفاءة – لا بد أن تقوم مختلف عناصره بأداء وظائفها، ومن ثم يحدث التكامل وبالتالي استقراره، وهكذا يمكن اعتبار المبادرات الخيرية، العمل الذي يجعل النظام الاجتماعي يعمل بكفاءة، من حيث أنه عمل تضامن بين مختلف أنساقه، فمن الناحية الإنسانية، اعتبر المتحدّث بروز عمليات التكافل وتقديم المساعدة ونجدة المحروم، بمثابة صيانة للمجتمع من التفكك، مضيفا أنّه قد يكون الأمر غير ذي شأن بالنسبة للحالات الفردية، لكن إذا نظرنا له في السياق المجتمعي العام فإنّه أمر حيوي، ومثل هكذا تصوّر هو تصور مؤسساتي، أي يجب أن يكون ضمن اهتمامات مؤسسات الدولة، ثم تنضم مختلف الأعمال الخيرية لكي تشكّل درعا قويا لصيانة المجتمع.
وأشار المتحدث إلى أنّ هذا التصور يمكن تعميمه على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية: التربية التعليم، الصحية، الحاجات الأساسية كالمأكل والمشرب والملبس والسكن، فيقوي ذلك – حسبه – من اللحمة الاجتماعية والتماسك المجتمعي، بمعنى أن ما ننظر إليه على أساس أنه مجرد عمل خيري إنساني هو في منتهاه عمل داعم وهيكلي في حياة المجتمع والدولة أيضا.
وأوضح المختص في علم الاجتماع السياسي، أنّ دور الدولة هو سياقي، بمعنى أنه يتجاوز مجال الإحساس والعواطف والظرفية إلى اعتباره عملا هيكيليا، مثلما هو الحال مع عمل الصيانة أو الإصلاح الذي نلجأ إليه لأجل سلامة مؤسسة أو بناء، مشيرا إلى أن فكرة التضامن فكرة جوهرية في عمل مؤسسات الدولة، ثم تنضم إليها باقي المبادرات، ويُنظر إليها كاستمرار في ديناميكية عمل مؤسسات الدولة. كمثال، الإعفاء الضريبي الذي تقنّنه الدولة في سياق أي عمل خيري الذي يعني كل أنشطة المتبرع، فالمعنى من هكذا تشريع هو تشجيع المبادرات التضامنية والخيرية، حيث يشجع الأفراد والمؤسسات على الانخراط في العمل الخيري، ويساهم في توسيع نطاق المستفيدين.
تعزيز للشّعور بالمسؤولية الجماعية
وقال الدكتور فيلالي، إنّ المبادرات الخيرية تساهم في إيقاظ الشعور بالمسؤولية الجماعية، وتعزيز قيم التكافل والتضامن، فهي ليست مجرّد تقديم مساعدات مادية، بل هي تعبير عن الانتماء للمجتمع والحرص على سلامته، وفي أوقات الأزمات، تبرز أهمية هذه المبادرات بشكل خاص، حيث تساهم في تخفيف المعاناة وتعزيز الشعور بالأمان والثقة، دون إغفال أن قيم التكافل والتضامن متأصّلة في التراث الإسلامي، حيث يحث الدين الحنيف على مساعدة المحتاجين وتقديم الدعم لهم، وقد تجسّدت هذه القيم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان يدعو إلى التكافل بين أفراد المجتمع، لافتا أن العادات والتقاليد الجزائرية تزخر بصور التكافل والتضامن، خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية
وقال المتحدث إنّ وسائل الإعلام تلعب دورًا حيويًا في نشر ثقافة الخير والتضامن، من خلال تسليط الضوء على المبادرات الخيرية الناجحة والاحتفاء بها، فالإعلام – حسبه – قادر على تحويل الأعمال الخيرية الفردية إلى نماذج مجتمعية يحتذى بها، وتشجيع المزيد من الأفراد والمؤسسات على الانخراط في العمل الخيري، مشيرا إلى أن المبادرات الخيرية ليست مسؤولية المؤسسات والجمعيات فقط، بل هي مسؤولية كل فرد في المجتمع، فكل منا يستطيع أن يساهم في بناء مجتمع متكافل من خلال المشاركة في الأعمال الخيرية، سواء بالتبرع بالمال أو الوقت أو الجهد، داعيا إلى جعل العطاء ثقافة، ومن التكافل والتضامن قيمًا أساسية في مجتمعنا.
عضو مرصد المجتمع المدني علي شعواتي: الجزائريون متميّزون بموائد الإفطار ومطاعم الرحمة
أكّد عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني، ورئيس جمعية كافل اليتيم علي شعواتي، أهمية دور الحركة الجمعوية في تعزيز قيم التضامن والتكافل على مدار السنة والذي يبرز أكثر في المناسبات المهمة، مشيرا إلى أنّ هذه القيم متجذّرة في المجتمع الجزائري، من خلال مشاركة الأفراد من مختلف الأعمار في تقديم المساعدة ويد العون متى كانت الحاجة لذلك، ما يعطي صورة إنسانية مشرفة وجميلة للتكافل الاجتماعي بالجزائر.
أوضح علي شعواتي في تصريح لـ «الشّعب» أنّ المجتمع المدني الجزائري بمختلف أطيافه فرض حضوره القوي في الميدان في كل المناسبات كشهر رمضان وحتى أثناء الأزمات على غرار الفيضانات، الزلازل، الحرائق، وقد ضرب مثلا في العطاء والتضامن خلال الأزمة الصحية التي مرّت بها الجزائر «كوفيد»، وكل ذلك النشاط كان دائما جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة في مختلف المستويات.
وبخصوص رمضان، يرى المتحدّث أنّ الشهر الفضيل له خصوصية في الجزائر، لهذا تركّز مختلف الجمعيات على الأنشطة التي من شأنها مساعدة الناس وتدخل الفرحة إلى قلوبهم وتخفّف عنهم، من خلال توزيع الطرود أو المساعدات الغذائية على المحتاجين وذوي الدخل الضعيف أو الفئات الهشة، تقديم الملابس للأيتام المتكفّل بهم والمسجّلين على مستوى الجمعيات عبر الوطن وهو ما تقوم به أيضا جمعية «كافل اليتيم»، حيث تحرص على توزيع ألبسة العيد للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات حتى 15 سنة، ناهيك عن تنظيم حفلات ختان للأطفال والتكفّل بهم من الناحية الطبية، وتنظيم زيارات لدور العجزة سواء خلال رمضان أو حتى يوم العيد من خلال مشاركة أجواء الفرح وتقديم المباركات الهدايا، وكذا بعض المبادرات الثقافية والفنية من خلال سهرات رمضان.
وأشار عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني أنّ الجزائر أصبحت متميّزة في العالم كله وفي العالم العربي والاسلامي بمبادرات الإفطار الجماعي وبمطاعم الرحمة وموائد عابري السبيل، حيث تقدّم الجمعيات آلاف الوجبات في مختلف الأماكن، بما في ذلك الطرق السريعة على مداخل المدن وداخلها، وفي محطات النقل بالمطاعم ومحطات المسافرين والخدمات وحتّى في المطارات، حيث أصبح هناك جمعيات وهيئات مختلفة تدير موائد الإفطار، وتحرص على تقديم آلاف الوجبات طوال أيام الشهر الفضيل.
وشدّد المتحدّث على أهمية ورقي هذه القيم الخيّرة الموجودة والمترسّخة في المجتمع الجزائري، والتي تتجسّد في مظاهر متعدّدة خلال الشهر الفضيل ومناسبات أخرى، هو ما يثلج الصدر ويعطي أبهى الصور في التضامن بين الجزائريّين. ومن جهة أخرى نوّه شعواتي بانخراط المؤسسات الاقتصادية في العمل التضامني والتي تعد مصدر تمويل نشاط الجمعيات والجهة الخلفية التي ترافقها في الميدان من خلال تقديم كل المساعدات والمعونات اللازمة، ما يؤكّد – حسبه – أنّ قيم التضامن لصيقة بالمجتمع الجزائري وليست بغريبة، مستشهدا بالتفاعل الكبير للعديد من المؤسسات خلال الأزمة الصّحية «كوفيد» للتخفيف من آثاره، ما يعني أنها كانت شريكا حقيقيا وسندا ميدانيا.
وحسب عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني نجحت المؤسسات الاقتصادية الجزائرية في ممارسة مواطنتها سواء كانت عمومية أو خاصة، حيث سجّلت حضورها في كل الأزمات والمواعيد الحسّاسة بما في ذلك رجال الأعمال والتجّار وحتّى الموظفين، طبعا بصور متفاوتة كل حسب قدرته، قائلا: «أنّه كلما كانت أزمة إلاّ وزاد عطاء الجزائري».
وأوضح شعواتي أنّ الأمر لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات، بل تعدّاه إلى التطوع بالجهد والوقت بالنسبة للأفراد، ليمتد حتّى إلى تقديم كل التسهيلات اللازمة من طرف الإدارة بمختلف السلطات في المستويات من رؤساء الدوائر، البلديات، الحماية المدنية، ما يؤكّد أنّ العمل الخيري متجذّر وموجود عند كل جزائري.
ونفس الدور يلعبه الاعلام من خلال تسليط الضوء على هكذا عمليات تضامنية وصور التكافل والتلاحم بين أفراد المجتمع الجزائري والتعاون، ما يؤكّد ـ حسب المتحدّث – أنّ سلسلة الخير طويلة وتضم العديد من الخيّرين الذين يحرصون على المساعدة كل حسب قدرته وإعطاء صورة مشرّفة عن التضامن الموجود بين الجزائريّين.