جاء الرد الجزائري، على مشروع المناورات العسكرية الفرنسية- المغربية قرب الحدود الجزائرية، سريعاً، واضحاً وقوياً، حيث تم إبلاغ السفير الفرنسي بأن هذه المناورات «ستعد عملاً استفزازياً خطيراً من شأنه تأجيج التوترات بين البلدين».
استقبال الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، سفير فرنسا ستيفان روماتي، لإبلاغه موقف الجزائر من المناورات العسكرية المشتركة مع المغرب، المزمع إجراؤها، في سبتمبر المقبل، على تخوم الحدود الجزائرية- المغربية، يعكس مدى يقظة الجانب الجزائري، أمام مثل هذه الأفعال الاستفزازية، التي تأتي في سياق خاص، يكتمل فيه التحالف العلني بين فرنسا، تدفعها أوساط سياسية إلى العودة لماضيها الاستعماري والمغرب العاجز عن تكريس احتلاله للصحراء الغربية دون أن يستند على عرابه الكبير.
ويرى مراقبون، أن إجراء هذه المناورات العسكرية، لا يأتي بمعزل عن الوضع الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، ففرنسا التي فقدت نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا، بعد تصاعد موجة التحرّر في مالي، النيجر، بوركينافاسو، السنغال وتشاد، تجد في المغرب نافذة خلفية يتسهّل عليها مهمة العودة إلى المنطقة.
في المقابل، يسارع النظام المغربي للاستقواء بأطراف خارجية، لا تحمل سوى العداء ومناهضة رغبة الشعوب في التنمية والتكامل الجهوي والإقليمي، بين الدول التي سئمت من النفاق الفرنسي ومن الخيانات المخزنية.
هذا التحالف بين طرفين متورطين في مصادرة حق الشعب الصحراوي وضرب تطلعات شعوب منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، أصبح أداةً رئيسية لزعزعة الاستقرار في شمال وغرب إفريقيا، حيث تسعى باريس إلى إعادة بسط نفوذها بعد خروجها المُخزي، عسكرياً واقتصادياً، من عدة دول إفريقية.
ومن الواضح، أن فرنسا لم تتمكن من هضم خروجها المهين من دول الساحل الإفريقي تحت ضغط شعبي ورسمي رافض لوجودها العسكري والاقتصادي، لتجد في المغرب قاعدة أمامية لتعويض هذا التراجع عبر تعزيز تعاونها العسكري مع الرباط. فالمغرب، الذي يلعب دور «الكيان الوظيفي» لفرنسا والكيان الصهيوني، يتبنى سياسة تخدم مصالح فرنسا في المنطقة إلى أبعد حد.
إن التحالف الفرنسي المغربي بات يشكّل تهديداً حقيقياً للاستقرار في المنطقة، خاصةً مع تزايد المؤشرات الدّالة على أن فرنسا تحاول استخدام «بيدقها» في المنطقة كأداة لإعادة فرض سيطرتها على إفريقيا.
وفي ظل الوعي الشعبي الإفريقي وتنامي موجات التحرّر الجديد، تبرز مملكة الحشيش كثغرة في البيت الإفريقي تحاول باريس الاستثمار فيها للعبث بمصير القارة ولها فيها مآرب أخرى.
والجزائر، بحكم موقعها الجغرافي ومكانتها الجيوسياسية والتاريخية، متفطنة لهذا المناورات الاستعمارية الجديدة، والمدعومة بترسانة إعلامية، مهمتها الأولى مهاجمة كل ما هو جزائري والسعي لقلب الحقائق التاريخية والسياسية. وستتعامل معها بما يقتضيه الوضع، خاصة مع تزايد وعي الجزائريين وكل شعوب المنطقة بالنوايا الخبيثة.
نوايا القوى التي تسيطر على جزء كبير من سلطة القرار في باريس، تلتقي مع نوايا النظام المغربي، الحاقدة في الأبعاد الجديدة التي أضفتها كل من الجزائر وموريتانيا ودول الساحل في علاقاتها بالدفع بالتنمية والتبادل التجاري ومد بنى تحتية عابرة للحدود، تنهي وبشكل كامل عقودا من الهيمنة الفرنسية.
وباستثناء تسويق المخدرات وبعض المنتجات الفلاحية، لا يقدم المغرب على المساهمة في أي جهد نافع لجواره الإقليمي، بل يتمسك بموقعه كاحتلال قائم بحكم الأمر الواقع المكرس له من قبل قوى خارجية، تساعده في تحفيز مشاعر العداء التي يكنها لجيرانه.
أبو رغال في خدمة بلاد الغال
حين نتأمل صفحات التاريخ، نجد شخصيات لعبت أدواراً مشبوهة في تمهيد الطريق للغزاة، وتسليم الأرض والعِرض مقابل دراهم معدودة وامتيازات محدودة، ومن بين هؤلاء أبو رِغال الذي اقترن اسمه بالخيانة والتواطؤ مع الأعداء.
وهاهو نظام المخزن يلعب الدور نفسه لصالح الكيان الصهيوني وفرنسا، ممهداً الطريق لهذه الأخيرة للعودة إلى إفريقيا من الباب الخلفي، عبر استهداف الجزائر وإثارة القلاقل في منطقة الساحل ككل.
المناورات العسكرية المشتركة بين فرنسا والمغرب المزمع إجراؤها، شهر سبتمبر المقبل، تحت مسمى «شرقي 2025»، والتي أدانتها الجزائر، عبر بيان للخارجية واستدعاء سفير فرنسا للاحتجاج، ليست مجرّد تمرين عسكري روتيني، بقدر ما هي محاولة فرنسية يائسة بائسة لاختراق العمق الافريقي مجدداً بعد أن تلقّت باريس صفعةً تاريخية بخروجها صاغرةً مذلولة من دول الساحل وغرب إفريقيا.
الفرق الجوهري بين تاريخ العرب القديم والحديث، هو أن أبورغال كان فرداً واحداً ساقه الطمع إلى الخيانة، بينما نظام المخزن الوظيفي، يؤدي الدور نفسه لصالح المستعمر القديم ممثلاً في الكيان الصهيوني وفرنسا، مانحاً إياهما موطئ قدم على حدود الجزائر، مقابل البقاء ولو رمزيا في إقليم الصحراء الغربية.
هذه المناورات المنتظرة في منطقة الرشيدية المغربية، تؤكد أن المغرب الذي لم يكتفِ بالتطبيع العسكري المُخزي مع الكيان الصهيوني، بل تحوّل مع سبق الإصرار والترصّد إلى رأس حربة في يد فرنسا، مستبيحاً أرضه وجنوده لتوجيه سلاح الأعداء نحو جيرانه، بدلاً من الدفاع عن قضايا الأمة ومصالحه شعبه وقوتهم اليومي.
محاولات فرنسا نسج تحالفات مشبوهة مع النظام المغربي، يعكس ذهنية استعمارية ظن الجميع أنها قد ولّت دون رجعة، إذ تحاول باريس اليوم إعادة فرض سيطرتها على المنطقة عبر ابنها المدلّل الذي لا يرفض لها طلباً، وفي المقابل نجد دور المغرب القابع وحيداً في الزاوية العلوية للقارة متطابقا مع دور أبي رغال في الخيانة وبيع الذمة للأعداء، لكنه أكثر خطورةً من قدوته، لأنه يستضيف قواعد عسكرية صهيونية وفرنسية على أراضيه، ويشارك «مُكرهاً لا بطلا» في تدريبات عسكرية تستهدف أمن الجزائر، ناهيك عن لعبه دور الوسيط في تنفيذ الأجندات الصهيونية والغربية في إفريقيا، سواء من خلال العبث داخل مؤسسات الاتحاد الافريقي أو دعم الوجود الفرنسي أو التطبيع مع الكيان الصهيوني، بما يخدم مصالح القوى الاستعمارية القديمة.
وكل من يتواطأ اليوم مع القوى الاستعمارية ضد أمته وجيرانه وشعبه، لن يكون مصيره مختلفاً. والمغرب، مهما لعب دور «الدليل المخلص» لفرنسا، سيجد نفسه في النهاية مجرّد أداة تُستخدم ثم تُرمى في مزبلة التاريخ.
أما الجزائر، التي تُدرك جيداً تفاصيل المكائد، ستظلُّ سدّا منيعاً في وجه هذه الأعمال الاستفزازية.