تضاعفت قدرات الجزائر في تصفية المياه المستعملة في السنوات الأخيرة، بعشر مرات، بفضل استثمارات هامة، حسّنت الخدمة العمومية للتطهير بنسبة 92%، بعدما توجّهت مبكرا، نحو استغلال موارد مائية غير تقليدية، لتلبية حاجاتها المتزايدة سنويا، في الفلاحة والصناعة وغيرها..
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش وأم الخير سلاطني
80 بالمئة من مياه الشرب الموزعة.. مياه صرف صحي
34مليار دينار لتحديث محطّات المعالجة وتحسين جمع مياه الصّرف 174 محطة تصفية يسيرها الديوان الوطني للتطهير تمثل 70% من قدرات التصفية
تضاعفت قدرات الجزائر في مجال تصفية المياه المستعملة في السنوات الأخيرة، بعشر مرات، بفضل الاستثمارات الهامة على المستوى الوطني والتي سمحت بإنجاز حظيرة من محطات التصفية تضم 213 وحدة، وقد أكدت تحرّيات مجلس المحاسبة أن المجهودات المبذولة إلى غاية أواخر سنة 2023، سمحت بتحقيق نتائج إيجابية واضحة، تتجلى من خلال تحسين الولوج للخدمة العمومية للتطهير بنسبة بلغت 92% وكذا تدعيم قدرات تصفية المياه المستعملة، التي تضاعفت عشر مرات.
باعتبارها جانبا مهما في السياسة الجديدة المعتمدة، فإن إزالة التلوّث عبر التصفية تطلبت القيام باستثمارات هامة على المستوى الوطني، بحسب ما جاء في التقرير السنوي لمجلس المحاسبة لسنة 2024، تحوز “الشعب” نسخة منه، سمحت بإنجاز حظيرة من محطات التصفية تضم 213 وحدة سنة 2023 (100) محطة تصفية بالأوحال المنشطة، 35 محطة بأحواض (برك) التصفية المفتوحة 71 محطة بأحواض طبيعية 03 مرشحات مغروسة و04 مرشحات بالرمل.ووصلت القدرة الإجمالية الموضوعة حيز الخدمة إلى ما يعادل 1.031 مليار متر مكعب / سنة، بتدفق يومي يقارب 2.8 مليون متر مكعب، ومع ذلك لا يتم استخدام إلا 43% فقط من هذه القدرة (443) مليون متر مكعب، وهذا ما يعني أنه لا يتم تصفية إلا 20% فقط من المياه المستعملة، مع العلم أن 80 بالمائة من المياه المستعملة لا تصل حاليا إلى محطات التصفية الموجودة، إذ يتم رميها مباشرة في الوسط المتلقي بسبب التصريف المباشر أو الخلل في الشبكات.وأشار تقرير مجلس المحاسبة، إلى أن 174 محطة تصفية مسيرة من طرف الديوان الوطني لتطهير تمثل 70% من قدرات التصفية في الجزائر، مقسمة إلى ثلاثة أصناف 35 محطة تصفية تمثل 33% من القدرات الإجمالية، تشغل بنسبة أقل من 30%، 90 محطة تصفية تشغل بنسبة ما بين 30% و70% من القدرات، 45 محطة تشتغل بنسبة تفوق 70% منها 23 محطة تفوق نسبة تشغيلها %90 و18 محطة تشتغل بالطاقة القصوى أي 100%. وهذا بسبب عدم الانتهاء من الربط في المنبع بمحطات التصفية أو بسبب اختلالات في عمل منشآت الجلب المحطات التصفية مجمعات ومحطات الرفع وكذا التدهور الناجم عن نقص صيانة وتصليح محطات التصفية.
واعتبر التقرير أن مردودية عمل هذه المحطات مقبولة، بالنظر إلى كمية التلوث عند الوصول إلى محطة التصفية وكميته عند الخروج منها، تفوق نسبتها 95%.
وتقدر مياه الصرف الصّحي بنسبة 80% من مياه الشرب الموزعة، ويتم في محطات معالجة مياه الصرف الصّحي، تسجيل الكميات الواردة والصادرة بشكل مستمر على مدار العام عن طريق أجهزة قياس التدفق، وفي حالة عدم وجود أجهزة قياس التدفق أو توقفها، يتم تقدير التدفق أيضا بطرق أخرى معترف بها، استنادا إلى الصيغ الرياضية.
وبالنظر إلى أهمية القياس بالنسبة لأنشطة الديوان الوطني للتطهير، تم في 2024 إطلاق برنامج لاقتناء 40 جهاز قياس تدفق كمرحلة أولى وجزء من عملية صيانة وقائية، بلغت قيمتها 1.6 مليار دج.
أما فيما يتعلق بجودة مياه الصرف الخام والمصفاة، يتم اجراء التحاليل المراقبة الجودة وفقا للإجراء المعمول به غير أن معايرة المياه لا يتم في بعض الحالات، بسبب عدم توفّر الكواشف الكيميائية في السّوق، وبطء تسليمها، وصعوبة منح تراخيص الاستيراد، فضلا عن التأخير في إصلاح المعدات، وللتخفيف من هذا العائق، تجري بعض التحليلات في مختبرات الولايات المجاورة، أو حتى المخبر المركزي التابع للديوان الوطني للتطهير.
كما تقوم مديريات الموارد المائية والديوان الوطني للتطهير باتخاذ إجراءات لتحسين نسبة جمع مياه الصرف الصّحي ومعالجتها في إطار البرنامج المنفذ عام 2023 وفي عام 2024 والحالي.
وتعدّ إعادة استعمال مياه الصرف الصحي المصفاة جزءا من الاستراتيجية الوطنية لتثمين الموارد المائية غير التقليدية، في نفس إطار استغلال مياه البحر المحلاة.
وفي هذا الصدد، تم تخصيص ميزانية تزيد على 34 مليار دج سنة 2024، كمرحلة أولى، لإنجاز 21 عملية تحديث محطات المعالجة، وتحسين جمع مياه الصرف الصحي والمعالجة الثلاثية وتجهيز المحطات بأنظمة تعبئة المياه، فضلا عن إنجاز منشآت الرّي لسقي المحيطات الفلاحية.
ستسمح هذه المرحلة الأولى بالحصول على مياه مصفاة تبلغ حوالي 250 مليون متر مكعب في السنة، والتي يمكن توجيهها نحو الزراعة، وهو ما يحتاج إلى عمل دؤوب لتشجيع الفلاحين والمستثمرين على ضرورة توسيع استخدام هذا المورد، بالنظر لحجمها البسيط المعاد استعماله في الوقت الراهن والذي يعادل 50 مليون متر مكعب.
كما يتطلب تثمين المياه غير التقليدية بحسب تقرير مجلس المحاسبة إحداث تغييرات في المناهج وتحديث وإعادة تأهيل جميع أنظمة التطهير، السيطرة على السيول من خلال إجراءات تنظيم تدفقات المياه السطحية للتقليل من الآثار الضارة للفيضانات وحماية الأشخاص والممتلكات في المناطق الحضرية وغيرها من المناطق المعرضة للفيضانات.
وفي إجابة المكلف بتسيير الديوان الوطني للتطهير، أوضح أن استثمار الدولة منذ عام 2001 قد بلغ 1000 مليار دج، ومعدل معالجة المياه العائمة بلغ فقط 20% في عام 2022، غير أنه تم تدارك تأخير كبير في الربط بالشبكة، من 20% في عام 1962 إلى 70% في عام 2000 و92% في عام 2023، وقد تم التقليل بشكل ملحوظ من التصريف غير القانوني لمياه الصرف الصّحي، وكذلك من خطر الأمراض المتنقلة عبر المياه، كما ارتفع عدد محطات معالجة مياه الصرف الصحي من 45 نظام تنقية بسعة قدرها 90 مليون م مكعب في عام 2000 إلى 213 محطة بسعة إجمالية تزيد عن مليار م مكعب في 2022.
وكما ذكر في التقرير، فإن عدم استدامة نموذج تمويل الخدمة العمومية للمياه هو أحد الأسباب الرئيسية للنقائص المسجلة، حيث تتحمّل الدولة وحدها تكاليف الاستثمارات وتكاليف التشغيلالضمان الحق الدستوري لكل مواطن في الحصول على المياه والصرف الصحي من جهة والحفاظ على سيادة البلد على مورد استراتيجي من جهة أخرى.
محطّات “الجيل الخامس” تعزّز قدرات الجزائر المائية
توجّهت الجزائر مبكرا، نحو استغلال موارد مائية غير تقليدية، لتلبية حاجاتها المتزايدة سنويا، في مجال الفلاحة والصناعة وغيرها من المجالات الصناعية المنتجة، ويعدّ الاستثمار في محطّات تصفية المياه المستعملة وبأحدث التقنيات على غرار محطّات الجيل الخامس (نموذج ولاية بشار) “خيارا استراتيجيا” تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المتعلقة بتحضير مخطّط محكم وواضح لاستعمال مياه محطات تصفية المياه في الصناعة وأنشطة الرّي الفلاحي، على اعتبار أن تحقيق الأمن الغذائي المستدام مرهون بتحقيق الأمن المائي، خاصّة وأن 70 % من الموارد المائية التي يحشدها القطاع موجّهة للسّقي الفلاحي، ما يستدعي توفير موارد غير تقليدية توجّه لهذا المجال كالمياه المستعملة المصفاة والتي تعتبر مصدرا مهما بعد المياه السطحية والجوفية ومياه البحر المحلاة”.
أوامر الرئيس واضحة في عدّة اجتماعات لمجلس الوزراء في هذا الخصوص سيما ما تعلّق بتحديد دقيق لنسبة المياه المسترجعة وفق عمليات التصفية، وتحديد الاحتياجات وطنيا، ناهيك عن الإحصاء التقني لكل محطّات التصفية المعطلة والتي هي في الخدمة بكل بلدية وولاية بهدف تحديد قدرات الإنتاج، وذلك انطلاقا من مؤشرات استدلالية أخرى تتعلق بتسجيل الاحتياجات لتطوير المكننة الخاصة بهذا القطاع، ضمن برنامج الحكومة مع إعطاء الأولوية للولايات التي لا تعالج فيها المياه المستعملة، لاستخدامها في المجال الفلاحي مباشرة بدل اللّجوء للمياه الجوفية المصنفة في الاحتياط الاستراتيجي، مع تحديد هدف استغلال 60 % من الكميات المسترجعة على المستوى الوطني لآفاق 2030، لاستخدامها في الري الفلاحي وفي قطاع الصناعة.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للمياه التي تعتمد على رفع مساهمة المصادر غير التقليدية وجعلها البديل المتجدّد لمواجهة الطلب المتزايد على ماء الشروب، خاصة وأن نسبة امتلاء السدود اليوم، هي في حدود 34.94 % التي تعتمد الفلاحة عليها من أجل عمليات الرّي، وهي نسبة ضعيفة جدا بعد ثلاث سنوات من الجفاف ما يفرض طرق جديدة للتسيير وترشيد الاستهلاك لمواجهة العجز المائي.
في هذا السياق تعوّل الجزائر على تعميم استغلال هذه المياه المصفاة من خلال عصرنة المحطات وإعادة تأهيلها، خاصة بعد أن أثبتت تجربة استعمال المياه المستعملة المصفاة نجاحها في العديد من المحيطات الفلاحية الكبرى، عبر عدّة ولايات من الوطن وبمحيطات كبرى من خلال التنسيق مع الديوان الوطني للسّقي والتطهير”لونيد” وذلك في كل من وهران، تلمسان، بومرداس، المدية ومعسكر.
37 نظام تطهير قرب السدّ الأخضر..
ويتعدى استغلال المياه المستعملة المصفاة مجال سقي الأراضي الفلاحية، الى مسعى تطوير السد الأخضر من خلال بحث سبل سقي محيطاته بهذا المورد، سيما مع وجود 37 نظام تطهير بمقربة من هذا الصرح الايكولوجي والحيوي، يمكّن من توفير 100 مليون م3 سنويا، إلى جانب عزم الوزارة على إنجاز أنظمة لسقي المساحات الغابية التي تدخل ضمن السد الأخضر نظير ما يقدّمه من منفعة لمناطق الهضاب العليا والمناطق الداخلية للحدّ من ظاهرة التصّحر.
ويمثل هذا التوّجه استثمارا حقيقيا بالنسبة للجزائر، حيث تعدّ بلادنا من الدول الرائدة في مجال التطهير، حيث فاقت النسبة الوطنية للربط بشبكات الصرف الصحي 93 %، وتحققت هذه النسبة من خلال إنجاز شبكة تطهير بطول إجمالي يفوق 97 ألف كلم، إلى جانب توفر 232 نظام تصفية من بينها 181 محطة يديرها الديوان الوطني للتطهير “أونا”، وهو ما مكّن من الوصول إلى قدرة تصفية نظرية تفوق مليار م3 سنويا وحجم تصفية حاليا فاق 590 مليون م3 سنويا، أي بنسبة 54 %، من قدرات التصفية المتاحة.
ويسعى قطاع الموارد المائية إلى تعميم المعالجة الثلاثية بمحطات التطهير لاستغلال المياه فلاحيا، حيث تحصي الجزائر 18 محطة يعاد استخدام مياهها في السقي الفلاحي لأنها تعتمد على التطهير الثلاثي فيما تم برمجة 30 محطة أخرى بهذه التقنية في آفاق 2026، لاستخدامها في الفلاحة وسقي كل المحاصيل الفلاحية باختلاف أنواعها دون الاقتصار على الحبوب والأشجار، ما سيسمح برفع الكمية المنتجة الى 1.4 مليار م3.
تصفية المياه ومعالجة الحمأة
في المقابل يحرص القطاع على اعتماد وتبني آخر الحلول والتقنيات المبتكرة، للارتقاء باستعمال المياه المصفاة، وتعد محطة معالجة وتصفية المياه المستعملة الجاري إنجازها بجنوب بشار مشروعا نموذجيا من حيث الحفاظ على الموارد المائية، حيث سيتم تزويد هذه المنشأة بتجهيزات جدّ حديثة لما قبل المعالجة والمعالجة البيولوجية للمياه المستعملة والمعالجة الثلاثية، سيما مخلفات المياه المستعملة الطمي أو الحمأة لتستعمل في المجال الفلاحي.
وكانت هذه المحطة التي تعدّ من الجيل الخامس، قد انطلقت أشغالها بجنوب بشار في ديسمبر 2020، حيث ستتوفر عند دخولها حيز الاستغلال على طاقة معالجة تصل إلى 55 ألف م3 يوميا، ما يسمح بالتكفل بالمياه المستعملة لساكنة بتعداد 386 ألف نسمة.
وشملت أشغال إنجاز ثلاثة أحواض تصفية، ومحطة ما قبل المعالجة وثلاثة أحواض أخرى لتنقية المياه المستعملة، إضافة إلى حوضين سميكين على شكل دائري لمعالجة الطمي وسرير للتجفيف، وسيتم توجيه المياه المستعملة الحضرية المعالجة والمصفاة بالمحطة لأغراض السقي الفلاحي لفائدة مساحة زراعية قوامها 1.200 هكتار، كما يمكن إعادة ضخّها بوادي بشار دون تلويث هذا الموقع الطبيعي العابر لذات المدينة على مسافة تتجاوز 17 كلم، والذي سجلت بشأنه عملية إعادة تهيئة لاستحداث فضاء للراحة والترفيه للساكنة، وهو المشروع المدرج ضمن قائمة مشاريع قطاع الموارد المائية والأمن المائي بولاية بشار.
في المقابل سيساهم مشروع محطة معالجة وتصفية المياه المستعملة ببشار والممتدة على مساحة 40 هكتارا، في حماية الصحة العمومية من الأمراض المتنقلة عن طريق المياه وكذا المحافظة على البيئة وتحسين نمط الحياة والوسط بهذه الولاية.
تكوين الإطارات
وفي إطار تطوير البحث العلمي والتكنولوجي في مجال تصفية المياه المستعملة، من أجل إيجاد حلول مبتكرة وطنية من شأنها الرفع من حجم المياه المصفاة وتوسيع مجالات استخدامها خاصّة في ظل تأثيرات التغيّرات المناخية، يواكب قطاع التعليم العالي احتياجات مختلف القطاعات من بينها قطاع الرّي، من خلال العمل على تكوين جيل جديد من المقاولين يقود اقتصاد المعرفة بالجزائر.
فالبداية كانت بتوقيع اتفاقية إطار بين قطاعي الري والتعليم العالي أواخر سنة 2021، والتي تمثل مرجعا وإطارا تنظيميا للعمل المشترك والتعاون في مجال البحث العلمي والتكنولوجي المتعلّق بالخدمة العمومية للمياه، وللتحكم أكثر في التقنيات الحديثة والتكنولوجيات المستعملة في مجال الرّي، خاصّة وأن المعطيات الجديدة التي فرضتها التغيّرات المناخية كان لها أثر كبير على قطاع الرّي، ما يستدعي إيجاد حلول بديلة أكثر استدامة من أجل توفير موارد مائية لا تتأثر بهذه التغيّرات وتحقّق الأمن المائي أحدّ مكوّنات الأمن القومي.
وتم بموجب ذلك إطلاق مشروع علمي بين مجموعة من الجامعات، والوكالة الوطنية للموارد المائية، والوكالة الوطنية للتسيير المدمج للموارد المائية، والذي يتمثل في وضع نموذج رياضي لجمع معطيات محيّنة حول المياه الجوفية في جنوب البلاد، بهدف استغلال هذا الموارد بصورة عقلانية تضمن الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
وتم أيضا استحداث تخصصات جديدة تتعلق باستحداث قطب جامعي شرع في تدريس تخصصات على صلة بتحلية مياه البحر والمياه المالحة بالصحراء، ابتداء من الموسم الجامعي 2023، ويتعلق الأمر باستحداث قطب جامعي “إمتياز” يتكوّن من جامعة هواري بومدين بباب الزوار والمدرسة العليا للرّي بالبليدة والمدرسة الوطنية المتعدّدة التقنيات بوهران وجامعة ورقلة، وذلك بهدف تكوين إطارات جزائرية تتحكّم في تقنيات جميع مسارات إنتاج الماء الشروب.
وفي مجال التطهير وبفضل هذا التحوّل للجامعة الجزائرية لتكون قاطرة الاقتصاد الوطني من خلال انفتاحها على المحيط الاقتصادي، تم إطلاق مشروع علمي بين جامعة سيدي بلعباس والديوان الوطني للتطهير، يتعلّق بتصفية المياه المستعملة عبر استعمال تكنولوجيات التصفية بالأوزون، والتي تعتبر من بين الأكثر التكنولوجيات المستعملة في البلدان المتقدّمة حاليا، حيث تضمن هذه التقنية مياه مصفاة ومعالجة تمكننا من استعمالها في مجالات أخرى.
وجاء هذا المشروع العلمي بالموازاة مع الإستراتيجية الطموحة التي تبناها قطاع الرّي المتعلقة باستعمال المياه المصفاة في المجالين الفلاحي والصناعي، لما تمثله هذه المياه من موارد معتبرة ومتجدّدة، خاصّة وأن هذا المشروع العلمي يساهم أيضا في مسعى القطاع لتطوير وعصرنة المرفق العمومي للتطهير بما يحافظ على الصحة العمومية وعلى البيئة والمحيط.
في هذا السياق، أحصى قطاع التعليم العالي استحداث 37 مؤسسة ناشئة ومصغرة تعمل في مجال تثمين المياه المستعملة مع تسجيل 50 مشروع بحث وطني ودولي، إلى جانب نشاط 11 مخبرا علميا في هذا الميدان، بحسب ما كشف عنه الوزير كمال بيداري والذي وصفه بـ “أبرز الرهانات”.
ومؤخرا وقعت المدرسة الوطنية العليا لعلوم البحر وتهيئة الساحل اتفاقية تعاون مع الديوان الوطني للتطهير، تقديم تكوين لفائدة مهندسي الديوان من قبل المدرسة لا سيما في النماذج الرياضية المستعملة، حيث تعدّ هذه الاتفاقية بمثابة فرصة لتمكين مهندسي “أونا” من الاطلاع على مستجدات البحوث العلمية المنجزة في المدرسة إلى جانب استفادة الطلبة من فترات تكوينية في هذا الميدان، بمرافقة مهندسي الديوان لتعريفهم بالتقنيات والتكنولوجيات المستعملة في مسار تصفية المياه المستعملة وإعادة استخدامها وكذا إشراكهم في البحوث العلمية التي يقوم بها الديوان.
خـبراء يؤكدون: المياه غير التقليدية تفتـح آفاقًا جديدة في التنمية
تواجه الجزائر، شأنها شأن العديد من الدول، تحدّيات كبيرة في مجال المياه، حيث تتزايد الحاجة إليها مع تزايد عدد السكان والأنشطة الاقتصادية، في ظل تراجع الموارد المائية المتجدّدة بسبب التغيّرات المناخية والجفاف، ما يبرز أهمية استغلال المياه المستعملة كحل واعد لتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه، مع الحفاظ على الموارد المائية الطبيعية.
سطرت الجزائر منذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون سدة الحكم، مخططات كبيرة لتثمين المياه المستعملة كبديل عن الموارد المائية التقليدية، التي تأثرت وتناقصت بفعل التغيرات المناخية، وبتوجيهات استشرافية من رئيس الجمهورية، تعمل الحكومة على تفعيل نشاط محطات تصفية المياه وبلوغ نسبة 40 بالمائة على الأقل من استغلالها في مجال الفلاحة والصناعة، في المدى القريب.
وقال الخبير في مجال المياه، رشيد عنان إن الجزائر، كغيرها من دول منطقة شمال افريقيا والساحل، تواجه تحدّيات كبيرة في تأمين موارد مائية مستدامة بفعل التغيرات المناخية والجفاف المتزايد، وأمام هذا الوضع، جاءت رؤية الدولة الجزائرية، ولاسيما في إطار البرنامج الرئاسي الخماسي لترسم خططًا طموحة لتثمين المياه المستعملة أو ما يسمى بمصادر المياه غير التقليدية، إضافة للجهود المبذولة ضمن محاور أخرى تتعلّق بتحلية مياه البحر وتأهيل السدود، لتخفيف الضغط على المياه الجوفية التي لم تعد تستجيب لمتطلبات الزراعة والخدمات والصناعة والتموين، مما يعد خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن المائي والغذائي في البلاد.
وأوضح عنان، أنه على الرغم من الإمكانيات والفرص في هذا المجال، إلا أن مشاريع إعادة استخدام المياه المستعملة تواجه تحدّيات تقنية، بيئية، ومجتمعية، أبرزها الجودة المطلوبة، حيث تتطلب الزراعة والصناعة، مياه معالجة بمعايير دقيقة لضمان سلامة المنتجات الزراعية والصناعية، وهنا تبرز أهمية الالتزام بالمعايير الدولية مثل معايير منظمة الصّحة العالمية (WHO) ومعايير الاتحاد الأوروبي، زيادة على التكاليف التي يتطلبها إنشاء وتشغيل محطات معالجة المياه المستعملة، في شكل استثمارات كبيرة، خاصّة في المدن الكبرى، فضلا عن تقبل المجتمع لفكرة استخدام المياه المستعملة في الزراعة أو غيرها من المجالات الذي يُطرح تحدّيًا كبيرًا، ما يتطلب جهودًا متواصلة وواسعة لإطلاق حملات إرشادية تساهم فيها كل المؤسسات المعنية بما في ذلك المجتمع المدني والباحثين.
وتحتاج معالجة المياه المستعملة بحسب عنان، إلى استعمال التقنيات المتطوّرة مثل المعالجة بالأغشية مثل تقنية التناضح العكسي أو استخدام أنظمة الترشيح الحيوي لتحسين جودة المياه، لافتا أن اعتماد البلاد على استعمال المياه المستعملة المعالجة، يتطلب استعمال تكنولوجيات متطوّرة بهدف المواكبة والملائمة مع المعايير الدولية المعمول بها، وذلك بهدف عدم ضرب السمعة الاقتصادية لعدّة منتجات وخاصّة منها الغذائية، كما يتطلب سنّ ترسانة من القوانين لتأطير جيّد ومتكامل لهذا النشاط، مؤكدا أن أحسن استراتيجية، هي دخول هذا المجال بالتدريج وباعتماد مناطق نموذجية لها، والعمل بالموازاة مع ذلك، على انجاز دفتر شروط صارم يشمل كل سلاسل القيمة لهذا النشاط.
من جهته، ثمّن الأستاذ زناسني محمد الأمين، المختص في تدوير النفايات والصناعات الغذائية بجامعة تلمسان، المساعي التي تبذلها الدولة من أجل الاستغلال الأمثل للمياه المسترجعة في المجال الفلاحي وحتى الصناعي، في سياق الحرص على تحقيق الأمن الغذائي ورفع فرص الإنتاج الصناعي، موضحا أن الجزائر لها مقدرات كبيرة في مجال إنتاج المياه المستعملة، إضافة إلى البنية التحتية الضخمة الخاصة بتصفية ومعالجة المياه المستعملة، التي تتوفر عليها ولايات الوطن، وستتدعم مستقبلا بمنشآت إستراتيجية لتصفية المياه المستعملة على غرار محطة بشار، متأسفا للكميات الهائلة من المياه المسترجعة، التي ترمى منذ سنوات في البحر دون استغلال في المجال الفلاحي.
تنسيق تنظيمي
وأشار الأستاذ زناسني، إلى أن الاستغلال الأمثل للموارد المائية غير التقليدية، يتطلب اتخاذ آليات تنظيمية وتشريعية وأخرى تقنية، حتى تتحقّق مساعي رفع استغلال المياه المستعملة لاسيما بين الفلاحين، حيث يسمح إعادة تنظيم عمل الديوان الوطني للتطهير، وديوان السقي الفلاحي، بحسب المتحدث، في رفع استغلال المياه المستعملة من طرف الفلاحين، من خلال توحيد الجهود وتنسيق إدارة وتسيير المياه المعالجة بين المؤسستين، الأمر الذي يزيل العقبات الشكلية الادارية المطروحة أمام الفلاحين، ويحقّق سهولة وسلاسة في استغلال وصرف المياه المستعملة المنتجة، بذكر جودة ونوعية المياه التي تنتجها محطات التصفية، الغنية بمادة الآزوت، ما يعني زيادة مردودية الإنتاج الفلاحي، مع العمل على تشجيع الاستثمار وتوفير الدعم التقني والمالي للصناعيين، وتطبيق قوانين بيئية صارمة، ما يجعل اعادة استغلال النفايات الصناعية السائلة، ممكنا وأقل خطورة في حال نفاذه في شبكات التطهير.
وأكد المختص المتحدث، على أهمية تصفية ومعالجة السوائل الصناعية، مشدداً على أن هذا الأمر لا يقتصر على الحفاظ على البيئة، بل يتعداه ليصبح ضرورة اقتصادية وإنتاجية، وأشار إلى أن التحدّي الأكبر يكمن في أن نسبة كبيرة من المنشآت الصناعية لا تزال تفتقر إلى محطات تصفية خاصّة بها، مما يؤدي إلى تلوث الموارد المائية وتدهور البيئة، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية نتيجة هدر المياه وتراكم النفايات السائلة، مؤكدا أن هذه المشكلة تتطلب حلولاً عاجلة، من خلال تشجيع الاستثمار في تقنيات التصفية الحديثة وتطبيق قوانين بيئية صارمة، ما ينعكس ايجابا على إعادة استخدام المياه المعالجة، إنتاج طاقة نظيفة من النفايات العضوية.
رسكلة السوائل الصناعية من أبرز التحدّيات
وأوضح زناسني، أن الاستثمار في تقنيات معالجة المياه المستعملة لا يقتصر على تحقيق الأمن المائي، بل يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية، فإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزّز النموّ الاقتصادي، علاوة على ذلك، يمكن تحويل النفايات العضوية الموجودة في المياه المستعملة إلى طاقة نظيفة، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من جهته، أكد الأستاذ كريم حسن، المختص في الفلاحة والموارد المائية ورئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي، أن استغلال المياه المستعملة يساهم في تأمين الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، كما يساهم إعادة استخدام المياه المستعملة في تقليل الضغط على الموارد المائية الطبيعية والحفاظ على البيئة، مستحسنا التوجيهات المتعلقة برفع إنتاج واستغلال المياه المستعملة، التي ترمي إلى تحقيق تكامل في استراتيجية وخطط الأمن الغذائي.
وأكد كريم حسن، أن الطلب على المياه في الجزائر، يشهد نمواً متسارعاً بسبب التوسّع العمراني والصناعي، مقابل ظاهرة شحّ المياه خاصّة في المناطق الجنوبية مما يهدّد الأمن المائي ويؤثر على الزراعة والصناعة، ويزيد من الضغط على الموارد المائية، الأمر الذي يتطلب التوّجه نحو استغلال المياه المستعملة أو المسماة بالمياه العادمة، وذلك بعد تنقيتها بطرق محدّدة، واعتماد تكنولوجيا حديثة، بغرض تغطية الاحتياجات الزراعية، لافتا أن من أبرز المشاكل التي تواجه رفع إنتاج المياه المستعملة وتثمينها، تتمثل في قدم شبكات التطهير وانسدادها بسبب ضعف الصيانة وعدم إنجاز المشاريع من طرف مختصي الموارد المائية.