يواصل المسؤولون الفرنسيون الإدلاء بتصريحاتهم المتضاربة بخصوص العلاقة مع الجزائر، فبينما يحاول وزير الداخلية برينو روتايو، التمسك بخيار التصعيد والتشبث بمواقفه الشخصية الحاقدة، تشتكي المديرة العامة للأمن الداخلي، من تدهور التعاون الأمني بين البلدين، معترفة بأن «التوجهات السياسية لبلادها ألقت بظلالها على طريقة العمل مع الجزائر».
لثاني مرة في أقل من أسبوعين، يطل روتايو عبر شاشة قناة «أر.تي.أل»، محاولا تبرير مواقفه الشخصية المليئة بالضغينة ضد الجزائر، التي يريد إقحامها إلى جانب روسيا كمصدر للخطر على بلاده.
يأتي ذلك بالتزامن مع قيام قناة «فرانس5» سحب وثائقي يفضح استخدام فرنسا الأسلحة الكيماوية ضد الجزائر أثناء الثورة التحريرية، مؤكدا رفض الفرنسيين النظر في المرآة لمواجهة ماضيهم الاستعماري.
ومع صلابة الموقف الجزائري، وتأكد انهيار الإجماع الفرنسي، لم يبق في الساحة سوى وزير الداخلية الحاقد وأعضاء اليمين المتطرف، أمثال سيوتي وإستروزي، اللذين يعتصران ألمان من ردود الفعل الجزائرية المدروسة.
ومن الواضح أن روتايو بصدد التطبيق الحرفي لورقة الطريق التي نادى بها مطولا سفير بلاده الأسبق في الجزائر كزافي دريانكور، وكلاهما يشتركان في صداقتهما القوية مع الكاتب العميل المدعو بوعلام صنصال.
في فرقة كراهية الجزائر، هذه، يعتقد دريانكور، أنه أكثرهم فهمًا ودراية بالدولة التي أنهت مساره المهني، وأنه أفضل من يعرف طبيعة الإجراءات الأكثر فعالية في الصراع الدبلوماسي القائم بين البلدين، وهو من اقترح فكرة «القوة» والتصعيد التدريجي لإخضاع الجزائر.
وما تقوم به الحكومة الفرنسية الحالية، يعتبر تنفيذا حرفيا لما اقترحه هذا السفير، الذي نصح مؤخرا بتبني السرية في التدابير التصعيدية، بعدما انفضحت جميعها وانقلبت ضد أصحابها، حيث تحفظ عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه.
ويظهر جليا هذه الأيام، محاولة هؤلاء المتورطين في حملة معاداة الجزائر، داخل الحكومة، تنويع تكتيكاتهم، بالسعي لاستمالة أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا وإيهامها بأنها غير معنية بالأزمة بين البلدين، ولكن بعد ماذا؟.
جاء ذلك، بعد انهيار الجزء الأول من الحملة الكبرى التي انخرطت فيها كل وسائل الإعلام الفرنسية الثقيلة، مروجة لفكرة أن «الجزائريين هم الخطر الأكبر على فرنسا»، وبعد تناول مقترحات دريانكور وزمور وكل الوجوه اليمينية التي دعت إلى تقليص منح التأشيرات للجزائر إلى الحد الأدنى بهدف «تأليب الجزائريين ضد قيادة بلادهم».
لقد صرح السفير دريانكور بهذه العبارة حرفيا، في إحدى خرجاته الإعلامية، معتقدا أن التأشيرة تعد عاملا حاسما في تأجيج غضب المواطنين ضد حكومتهم، ما سيدفعها إلى التراجع.
محاولات مفضوحة
كانت هذه هي الخطة الرئيسية، قبل أن يتأكد فشلها الذريع، ويتأكد أيضا أنه لم يفهم شيئا عن الجزائر، رغم قضائه بها فترة خدمة لمدة 08 سنوات على فترتين. لأن الشعب الجزائري معروف بالتفافه حول قيادته في مسائل السياسة الخارجية، بل إن المواقف الحازمة لرئيس الجمهورية، التي كان عنوانها «السيادة» تظل محل احتفاء وفخر.
وعكس توقعاتهم، سئمت الجالية الجزائرية من عنصرية القوى السياسية في فرنسا، ولم تجد غير القضاء لمتابعة وزير الكراهية برينو روتايو، الذي جعل بثرثرته المستمرة، الجزائري مرادفا للخطر وللتطرف، وجعل من الجزائري متهما في منابر إعلامية تقمصت دور الشرطة والأمن والقضاء والمقرر في السياسة الخارجية مكان القنوات الدبلوماسية المعروفة.
عقب إدراك نتائج الحماقات التي ارتكبها هؤلاء، يريد وزير الخارجية جان نويل بارو، لقاء ممثلين عن الجالية الجزائرية في أقرب الآجال، حسبما صرح، قبل يومين أمام الجمعية الوطنية.
وناهيك عن كونه لا يملك أية صفة لمخاطبة الجزائريين، فإنه مطالب بالدرجة الأولى بالتراجع عن مواقفه المتطرفة وعن تدخلاته السافرة في شؤون دولة سيادية، معتقدا أن اختفاءه وراء قضية الكاتب الحاقد الذي يريد اقتطاع أجزاء من التراب الوطني ليسلمها إلى المخزن، يجيز له خوض قبضة حديدية مع الجزائر.
ولن ينجح هؤلاء الوزراء الذي يؤرخون لأسوإ لحظات الجمهورية الخامسة في فرنسا، في فرض مخططهم البديل القائم على حصر منع التأشيرة على المسؤولين الجزائريين. وهو مخطط قائم على خلفية السعي لتحييد الموقف الشعبي الجزائري الرافض لسياسة فرنسا عن موقف القيادة العليا للبلاد. وهذا التوجه، سيكون مصيره الفشل هو الآخر، لأن رد فعل الجزائر مناسب جدا، ويجعل من الإجراءات الفرنسية لا معنى لها، ناهيك كون هذا الرد على الاستفزازات الفرنسية المتعاقبة نابعا من منطق سيادي حريص على السمعة الدولية وعلى المصالح الوطنية، وفي هذه النقطة لا أحد يستطيع أن يلعب دور الشيطان بين الجزائريين.
المؤكد أن تحسن العلاقات الجزائرية- الفرنسية، بات مرهونا بتنحي كل المتسببين في الأزمة الحاصلة عن الجانب الفرنسي، وعلى رأسهم وزير الداخلية المدعوم بخلايا اليمين المتطرف النشطة والنائمة.
ومهما حاول هذا السياسي المحدود، أن يدافع عن تصرفاته، إلا أنه فشل حتى في إقناع كبار المسؤولين الذين يشتغلون تحت وصايته، وأبرزهم مديرة جهاز الأمن الداخلي، سيلين برتون، التي اعترفت بأن وضع التعاون الأمني بين البلدين «أصبح لا يحتمل».
وقالت، أمس، لـ»فرانس أنفو»، إن «التنسيق الأمني مع الجانب الجزائري، أصبح معقدا وفي أدنى مستوياته على الإطلاق». وألمحت إلى أن المستوى السياسي ببلادها يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور عندما أشار إلى أن «التوجهات السياسية لبلادها ألقت بظلاله على ما يقومون به مع الجزائر»، قبل أن تعبر عن أملها في «يتم الخروج من هذه الوضعية بأسرع وقت ممكن».
وتثبت هذه التصريحات، إلى جانب ما سبق وأدلى به الرئيس الفرنسي، أن الجهة التي استفردت بملف العلاقات مع الجزائر لأجندة سياسية ذاتية، نابعة من خلفية حاقدة، لم تنجح في كل خططها، ونجاحها الوحيد، هو الدفع بفرنسا نحو فوضى عارمة يصعب عليها الخروج منها دون أضرار بالغة.