يستقبل سكان أعالي العاصمة، شهر رمضان المبارك ببهجة كبيرة وتحضيرات خاصة تبدأ في شهر شعبان، بتنظيف المنزل وشراء التوابل، وطحنها في المنزل، اواني وافرشة جديدة، ذبح الكباش، وتجهيز ما يعرف بالمقطفة التي تطبخ مع الشربة، وغيرها من التحضيرات.
تروي صليحة بن فناتقي، القاطنة حاليا بوادي حيدرة، لـ”الشعب اونلاين”، كيف كانوا يحضرون لهذا الشهر الفضيل، عندما كانت تقطن مع عائلتها بفونتان فراش Fontaine Fraîche، بأعالي الأبيار، حيث كانت الاستعدادات في شهر شعبان، بتنظيف المنزل، وطلاءه، شراء أواني جديدة وأفرشة مطرزة، شراء التوابل، التي كانت تطحن في المنزل، وتنظيمها في المطبخ او كما كان يسمى “الخيامة”، تحضير أوراق الديول لصناعة البوراك، وتستخرج الصحون القديمة الموروثة عن الأجداد، وكانت العائلات تشتري الدجاج وتذبحه في المنزل، ويذبح أيضا الخرفان، ليلة رمضان، لتوفير كمية اللحم طيلة الشهر الفضيل، وتعاد ليلة النصف من رمضان، عندما تنفذ كمية اللحم المستخدم للطهي.
تقول محدثتنا، ان سكان منطقة متيجة والفحص ببوزريعة والأبيار، كانت لهم عادة ذبح الخرفان ليلة رمضان. وتشير صليحة، إلى أن التحضيرات لشهر رمضان كانت دقيقة، ولا يسمح بارتكاب خطأ، لأن الرجال كانوا صارمين يحبون أن يكون كل شئ منظما، سواء في الطبخ او تحضير طاولة الإفطار، والسحور، وكانت المرأة الأكبر سنا هي من تطبخ، في حين الفتيات يقمن بالتنظيف وبقية الأعمال المنزلية. وتضيف انه في القديم، كانت تطبخ في اليوم الأول من شهر رمضان شربة المقطفة، المثوم، البوراك باللحم المفروم، اللحم لحلو بالتفاح والسفرجل، سلطة، كبدة مشرملة، سلطة الخس، التي تقطع وتملح قبل الآذان، وأنواع أخرى من السلطة، مع صناعة كسرة او ما يسمى خبز الدار في فرن مصنوع من الطين، لأنه قديما العائلات الجزائرية القاطنة بالفحص كانت تملك فرن طيني في البساتين او ” الجناين”.
وعندما يؤذن إمام المسجد وتضرب المدافع، الكل يذهب للصلاة، ويقدم التمر وبداخله اللوز، مع حليب البقر، أو المعز، أو النعجة. الإضاءة في كل مكان، وبعد الإفطار تقام صلاة التراويح في خشوع، تقول خالتي صليحة.
وتروي محدثتنا، ان الأطفال يجتمعون أمام باب المسجد ينتظرون سماع المدفع، وينادون “اضرب اضرب يا شيخ، باش نسمعوا المدفع، ونديروا هم هم”، وتشير إلى انه كان هناك أحد يدعى عمي أحمد لديه بستان وسانية وهي عبارة عن عجلة كبيرة تدور لتستخرج الماء من البئر، يشغلها بعد العصر، وتبقى تدور ويجتمع حولها الأفراد لملئ الأواني بالماء العذب والبارد لشربه عند الإفطار.
بعد الافطار تجهز مائدة خاصة للسهر بها صينية القهوة مفروشة بغطاء مطرز، كؤوس الشاي مع حلوة الصمصا بالجوز والبندق، قلب اللوز، والزلابية معشوقة الجميع لا يمكن الاستغناء عنها، حيث يتزاور الأقارب والجيران، للسمر بعد الإفطار.
احتفاء خاص بصوم الأطفال
بالنسبة للأطفال، الذين يصومون لأول مرة، ليلة النصف من رمضان، تقول خالتي صليحة، انه يحضر لهم عصير الشربات، حيث ترتدي الفتاة “القويط”، ويُعصب رأسها بقطعة قماش، وتجلس على كرسي عالي وتقدم لها الجدة الشربات في كأس مذهب، والجميع يزغرد فرحا بصومها، والشئ نفسه مع الولد، الذي يرتدي شاشية وسروال عاصمي، و يحظى باهتمام العائلة خاصة الجد والجدة، ووالديه، الذين يحيطون به ويقدم له الأكل في صينية من النحاس الخالص.
ومن العادات القديمة خلال شهر رمضان، التي تشترك فيها كل العائلات العاصمية، في السحور تحضير معكرونة خاصة، بعد فتل العجينة وتترك لتجف وتحمص وتطبخ مع مرق اللحم المفروم، وتضاف لها القرفة، توضع في صحن كبير ويضاف لها البيض المسلوق المقطع إلى شرائح صغيرة، والبيض المغلي، لتزيين الصحن، وبالمقابل يحضير أيضا الكسكس( المسفوف)، بالزبيب او الجلبانة والفول، ويرافقه اللبن، ويسحر أيضا بالمقروط المعسل، وحلوى اللامونا، تقول محدثتنا.
وتضيف: “في الماضي كان من يتأخر عن الوصول إلى منزله، يقصدنا للإفطار والتسحر، وعند المغادرة بعد السحور نعطيهم قنينة ماء، كنا مثل العائلة الواحدة نفطر عند بعضنا ونساعد المحتاج.”
وعن ليلة القدر، تقول خالتي صليحة، إنها كانت ليلة عظيمة بالنسبة لهم، الكل فرحين بها، وكان يقام حفل ختان الأطفال، وهم يرتدون لباس الختان، وكأنك في عرس بهيج.
ليلة عيد الفطر المبارك وأكلة “بقاو على خير”
يودع سكان العاصمة شهر رمضان الكريم، ليستقبلوا عيد الفطر المبارك، بالبهجة نفسها، وتحضيرات خاصة، ليلة العيد، بصناعة الحلوى من مقروط، تشاراك، غربيية، حلوة الطابع، فطيرة البرتقال، وأنواع أخرى من الحلوى غير المعسلة، بحسب ما ترويه محدثتنا. في هذا السياق، تقول: ” ليلة العيد لا ننام نحضر الحلويات، وغذاء عيد الفطر، كي نكون مستعدين لاستقبال الأقارب، ونحن في أبهى حلة ولا يجدونا في المطبخ، منهمكين في الطبخ وتنبعث منا روائح الأكل، الأبواب مفتوحة لإستقبال الأحباب والجيران، والأقارب، ونجهز صحون اضافية نرسلها لمن لم تسمح له الإمكانيات بصناعة الحلوى، كنا نحمل هموم الآخرين”.
وتضيف: “غذاء يوم عيد الفطر، هو ما تبقى من رمضان وهي شربة المقطفة، و نسميها “بقاو على خير”، ونحضر ايضا شربة بوزلوف بمرق ابيض معقودة، وعصبان.، نأمل ان تعود مثل هذه العادات الجميلة، التي تلتحم فيها الأسرة الجزائرية، وتتضامن فيما بينها، رمضان والعيد في الماضي كان لهما نكهة خاصة لدى الجزائريين”.