انتعشت السياحة الصحراوية، خلال الموسم الحالي بشكل سرّع وتيرة تدفق السياح الأجانب والجزائريّين خاصة من الجالية الوطنية بالخارج، بفضل العديد من المزايا والتسهيلات والتحفيزات، وصارت المنظومة السياحية مرشّحة أن تتحول إلى رافد تنموي حقيقي، يمكن الارتكاز عليه مستقبلا في ضخ الثروة واستحداث فرص الشغل وتحريك العديد من القطاعات الأخرى الصناعية والاقتصادية، ويمكن القول أنه بفضل مقوّمات نادرة ومتعدّدة، تحوّلت الجزائر إلى وجهة سياحية مغرية، يروّج إليها حتى الأجانب ويدعون إلى استكشاف سحرها.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون
السياحة الصحراوية.. رافد تنموي ومحرّك حيوي للاقتصـاد
بفضل رؤية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وضعت السياحة الجزائرية وفي صدارتها الصّحراوية أولى خطواتها في السوق السياحية الدولية، مسطّرة مسارا دقيقا، تصبو فيه أن تكون قاطرة تنموية تساهم بنسبة عالية في الناتج الداخلي الخام، باعتبارها محرّكا حيويا للنمو الاقتصادي لا يمكن الاستغناء عنه.
ولعلّ من أبرز نقاط قوة السياحة، نذكر تمتعها بتنافسية عالية في سوق تتعدّد فيه الوجهات، لكن المقومات الجزائرية متفرّدة وبدأت تتهيأ بالشكل اللائق لتكون في خدمة الزبائن، في وقت مازال قطاع السياحة الوطني، يجذب المزيد من الاستثمارات المهمة، ينتظر أن تفضي إلى مشاريع تستوعب أكبر عدد من السياح بشكل يجعلهم يدفقون للاستمتاع بالتنوع الذي تتمتّع به الجزائر.
لن تتوقف الجزائر عن تطوير منظومتها السياحة في بلد كبير يتمتّع بالأمن والاستقرار والتنمية، وبداية التسهيلات لتحقيق الرواج والتسويق المستمر للجزائر كوجهة سياحية دولية مغرية، تحقّق مع إطلاق تأشيرات التسوية على مستوى المطارات، وتشجيع الشباب خاصة في منطقة الجنوب الكبير على الاستثمار في المجال السياحي واستحداث وكالات سياحية للترويج لكنوز صحرائنا الشاسعة، ومع مواصلة إنجاز المشاريع وتشجيع النشاط السياحي، فإنّ المنظومة السياحية في انتعاش ونمو مستمر، يتوقّع أن تتحول في السنوات المقبلة إلى أحد أهم القبلات السياحية في القارة السّمراء، لكن ينبغي الاستمرار في التكوين والاستناد على الابتكار وتقوية التسويق والترويج المستمر للوجهة السياحية الجزائرية على تعدد وتنوع مواردها المادية واللامادية، لأنّ السياحة الصّحراوية الجزائرية أثبتت أنها تعيش نهضة قوية وينتظر أن تحقّق مستقبلا ثروة مستدامة لا تنضب.
رئيس الجمعية الجزائرية للسياحة والتنمية المستدامة معوش زهير لـ “الشّعب”: إحصاء مليون سائح للجنوب الكبير
تعرف السّياحة الصّحراوية في الجزائر، انتعاشا لافتا خلال السنوات القليلة الماضية، ويجب التأكيد أنها في الوقت الحالي تحاول استعادة أمجادها بفضل المجهودات المبذولة من أجل بناء وجهة سياحية تكون مقصدا لآلاف السياح في الداخل ووالخارج وبمختلف جنسايتهم، بعد توفّر كل أسباب الأمن والراحة، خاصّة بعد اتخاذ إجراءات وتدابير سهّلت من دخول السياح الأجانب، وهذا بناء على تعليمات الرئيس عبد المجيد تبون، بضرورة تحقيق تطور “حقيقي” لقطاع السياحة وجعل من التنمية المستدامة في جنوبنا الكبير سبيلا لتطوير الاقتصاد الوطني، وما ساعد في ذلك وجود استقرار أمني وتحسين النقل وتوسيع وتشجيع الاستثمار.
قال معوش زهير رئيس الجمعية الجزائرية للسياحة والثقافة والتنمية المستدامة، أنّ الجزائر سجّلت بعد الافتتاح الرسمي للموسم الصّحراوي شهر أكتوبر الماضي، إقبالا كبيرا على مستوى السياحة الداخلية والخارجية، وذلك يرجع إلى التسهيلات التي أقرّتها السلطات العليا في البلاد بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يحرص على تحقيق تطوّر حقيقي للقطاع السياحي.
وأكّد رئيس الجمعية، أنّ السلطات أقرّت جملة من التسهيلات، على غرار منح التأشيرات الالكترونية للسياح الوافدين على الصّحراء الجزائرية بالنسبة للأجانب، حيث برمجت الوكالات السياحية المنتشرة عبر مختلف ولايات الوطن، رحلات لمناطق السياحة الصّحراوية المتعدّدة مع تسجيل عودة السياحة بقوة إلى مناطق جديدة مثل الأغواط، الجلفة، بوسعادة وغرداية وغيرها.
وأشار معوش، إلى تمكّن السياح الأجانب الباحثين عن الاحتكاك بسكان جنوب البلاد عن قرب، على غرار ساكنة بوسعادة، غرداية أو الأغواط، من زيارة وسط المدينة والوقوف على أسواقها الشهيرة، إلى جانب اكتشافهم السياحة الثقافية. وأضاف “أيضا الوقوف على مختلف الحرف اليدوية واكتشاف عادات وتقاليد تخصّ سكان الصّحراء، مثل زيارة المراكز الثقافية، المساجد، الزوايا، وكل مكان يخص السياحة الحديثة في الصّحراء، يضربون عصفورين بحجر واحد، من خلال التسوّق والسياحة معا”. وأشار إلى أنّ السياحة الصّحراوية أصبحت قبلة للشباب، مبرزا أنّ هذا الاستقطاب مردّه إلى التنوع والبرامج المتوفرة مثل ركوب الجمال والتزلّج على الرمال وتنوع الأكلات التقليدية.
وضمن هذا السياق، أكّد المختص في المجال السياحي، أنّ ما زاد من الإقبال الكبير على الصّحراء الجزائرية للموسم الثالث على التوالي، شغف الجيل الجديد من الشباب بعالم السياحة وإقبالهم كذلك على فتح وكالات سياحية، بعد التسهيلات التي أقرّتها السلطات العمومية، بحيث كان إنشاء وكالة سياحية أو شركة سياحية صعب جدّا في السابق، بل ويستغرق وقتا طويلا، ويتطلّب شروطا عديدة، على عكس الوقت الحالي مع تخفيف الشروط، وهذا ما جعل عدد الوكالات التي تنشط في المجال يرتفع.
انتعاش السياحة الصّحراوية
وأشار معوش إلى القرارات التي أنعشت السياحة الصّحراوية، على غرار قرار وزارة السياحة، بخصوص الإيجار أو ما يسمي “السّكن لدى الساكنة”، بهدف عدم تسجيل أي عجز في الإيواء والعمل على تسجيل الاكتفاء في الفنادق المنتشرة، ويسمح استحدث “السكن لدى الساكنة”، بعرض سعر يتناسب مع إمكانات السائح، إذ أنّ اعتماد هذه الصيغة من النشاط السياحي وتعميمها يندرج في إطار استغلال المقومات السياحية المتوفّرة لتساهم في تحسين الخدمات السياحية.
أما عن التأشيرات، قال معوش أنّ السلطات المعنية عملت منذ نهاية أزمة كورونا على إقرار تسهيلات كثيرة للحصول على التأشيرة للدخول إلى الجزائر، بحيث تعدّدت أنواع التأشيرات منها السياحية وتأشيرة الأعمال.
وفي هذا الإطار ذكّر المهتم بالشأن السياحي، أنه بقرار وزارة الداخلية مع نهاية سنة 2022، حيث أقرّت إجراء خاص يتعلّق “بتأشيرة التسوية”، للسياح الأجانب مواصلة لسلسلة الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المعنية بهدف ترقية السياحة الصّحراوية، وتمكين السياح الأجانب الراغبين في زيارة جنوب الجزائر من تأشيرة تسوية بدل ترتيبات التأشيرة العادية، عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة.
ويرى الناشط في مجال السياحة، أنّ هذا الإجراء الجديد، فتح المجال واسعا للسياح الأجانب من خلال التسهيلات المدرجة في منح تأشيرة المرور أو تأشيرة التسوية للأجانب، موضّحا أنّ احتكاكه مع مختلف الجنسيات الأجنبية، جعله يتأكّد من أنّ المشكل متعلّق بالتأشيرة فقط، حيث كان للأجانب، حسب تصريحاتهم، رغبة كبيرة في زيارة الصّحراء الجزائرية.
وأضاف “لكن بعد طرح تأشيرة التسوية، التي مكّنت السائح الأجنبي من دخول بلادنا كسائح مباشر، انتعشت السياحة كثيرا وصنعت الفارق، حيث تقتصر الإجراءات على إرسال جواز سفر السائح للوكالة السياحية المعنية، لتقوم هي بدورها بإرساله لمديرية السياحة، حسب الولاية المراد زيارتها، وبعد ذلك تُقدّم له خارطة الطريق مباشرة، ويتحصّل في المطار على تأشيرة التسوية، حيث سجّلنا مثلا خلال السنوات القليلة الماضية إقبالا منقطع النظير للسياح القادمين من مختلف دول العالم، والذين أعدّوا بالآلاف خاصة أولئك القادمين من أوروبا.
وبموجب قرار صادر سنة 2022، فقد قرّرت السلطات العليا في البلاد، وفق بيان صادر عن وزارة الداخلية “تمكين الأجانب الراغبين في القيام برحلات سياحية بجنوب البلاد، عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة، الاستفادة من تأشيرة التسوية مباشرة عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية، لاسيما بالولايات الجنوبية (المطارات والمعابر البرية)، عوضا عن إجراء ترتيبات التأشيرة العادية، حيث تقوم الوكالات السياحية المعتمدة بإدراج كل المعطيات المتعلقة ببرامج الزيارة السياحية والمشاركين فيها من السياح الأجانب، وذلك عبر أرضية رقمية يتم الولوج إليها بمديريات السياحة والصناعة التقليدية للولايات المعنية”.
وذكر معوش، أنه من بين الأسباب التي روّجت للسياحة الصّحراوية، دور الإعلام وصناع المحتوى الذين روّجوا للسياحة الصّحراوية، وخير دليل على ذلك أنّ مجلة أمريكية اعتبرت أنّ موقع “طاسيلي ناخر” بجنوب الجزائر، أحد أهم الوجهات السياحية عبر العالم التي تنصح بزيارتها سنة 2023، ضمن قائمة تضم 52 وجهة سياحية عبر العالم، وهو ما فتح المجال واسعا أمام هواة السياحة في العالم حيث أقبلوا على الأماكن السياحية في البلاد خاصة في منطقة الصّحراء.
مئات الآلاف من السّياح
وحسب إحصاءات وزارة السياحة، فقد تم سنة 2021 إحصاء حوالي 1 مليون سائح جزائري وأجنبي للصّحراء، كما شهد النشاط السياحي إقبالا في عام 2023، من حيث إجمالي الوافدين، حيث تمّ تسجيل 3,292,508 سائحا، بزيادة قدرها 135.5% مقارنة بعام 2022.
بينما سجّلت سنة 2024، حوالي 22700 ألف سائح أجنبي و186 ألف سائح جزائري، زاروا الجنوب في الثلاثي الأول لموسم السياحة الصّحراوية 2024 و2025. حسب تصريح وزيرة السياحة والصناعات التقليدية حورية مداحي.
كل هذه العوامل وغيرها ــ يقول معوش ــ يضاف إليها عامل الأمن والاستقرار الذي تعيشه الجزائر، وسط محيط عالمي سريع التغيرات، حيث تبقى أكثر الدول أمانا في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا وفي القارة السّمراء ككل.
وبخصوص الجالية الجزائرية بالخارج، أبرز رئيس الجمعية، أنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عمل جاهدا على تسهيل زيارة السياح إلى الجزائر من مختلف بلدان العالم من خلال وضع إجراءات لصالح الجالية الوطنية بالخارج، من بينها إقرار تخفيضات في ثمن التذاكر، خاصة في موعد السياحة الصّحراوية أو الصيفية.
وبعد أن كشف المهتم بالشأن السياحي، أنّ السائح الأوروبي لا يبحث اليوم عن فنادق من خمس نجوم ووجبات من مطبخ عالمي، شدّد على أنهم حريصون على الابتعاد عن مظاهر المدنية، ويسعون لاختيار وجهات جديدة تزيدهم معرفة في حياتهم وتكسبهم مهارات جديدة، مثل الأماكن التاريخية التي تمكّنهم من الغوص في تاريخ الشعوب والتعرّف على أدواتهم الصناعية التقليدية وأنشطتهم اليومية التي تعكس بساطة العيش واختلافه، فالصّحراء عبارة عن بوابة زمن تدخل السائح أمكنة غير موطنه، إذ يريد السائح العيش في الصّحراء والاستمتاع بطبيعتها وفكّ أسرارها واكتشاف الكثير عنها. وأبرز معوش، أنّ بعض الجزائريّين يبحثون عن الإقامة بالفنادق ويسعون للحصول على الرفاهية في تلك الأماكن، حيث تختلف تلك الفنادق عن فنادق المدن الكبرى ببناياتها وطابعها الهندسي، وحتى في نوعية المأكولات والخدمات التي تقدمها.
الأمين العام للمنظمة الجزائرية للسّياحة فؤاد بداني: طلب أوروبي قوي على الوجهة الصّحراوية الجزائرية
أكّد البروفسور فؤاد بداني أمين عام المنظمة الجزائرية للسياحة، أنّ قطاع السياحة الصّحراوية يعدّ أحد ركائز القطاع السياحي، ويوجد في قلب المنظومة الاقتصادية لاعتباره رافدا قويا لاستحداث القيمة المضافة وخلق فرص العمل، ويتوقّع أن يساهم مستقبلا بشكل أكبر في التنمية المستدامة، وضخ الموارد المالية بالعملة الصعبة، كما يتوقّع أنّ الجزائر مرشّحة للتحول إلى قطب سياحي استراتيجي رائد في المنطقة على خلفية الطلب الأوروبي القوي والمكثف على الوجهة الجزائرية الصّحراوية.
قدّم البروفسور فؤاد بداني، الخبير وأمين عام المنظمة الجزائرية للسياحة، قراءة معمّقة لأهم مستجدّات السياحة الصّحراوية في موسمها الجديد، ووصفها بأحد أهم أنواع السياحة البيئية، على اعتبار أنّ منطقة الصّحراء بما فيها من مظاهر طبيعية، تتمثل في تجمعات الكثبان الرملية والجبال الرملية، وإلى جانب كل من الأودية الجافة والواحات الطبيعية والبراري والضايات والقيعان، وبالإضافة إلى أسلوب حياة وثقافة الشعوب الصّحراوية المتناغمة والمنسجمة تماما مع طبيعة الصّحراء.
ويرى الخبير بداني، أنها تشكل في تفاعلها الطبيعي والبشري نمطا متميّزا من أنماط الحياة، وأوضح الخبير في السياحة، أنه رغم الجفاف الظاهري للصّحراء، إلا أنها تمتاز بوجود تنوع بيولوجي هائل، يتمثل في مجموعة كبيرة من أنواع النباتات والحيوانات التي تعيش في أجواء من التكيف مع البيئة الصّحراوية القاسية.
ووقف الخبير بداني وأمين عام المنظمة الجزائرية للسياحة، على أهمية السياحة الصّحراوية باعتبارها أحد الأنماط السياحية الهامة في الجزائر، وعلى خلفية مساهمتها الهامة في التنمية المستدامة، كقطاع حيوي ورئيسي في ضخ الثروة وامتصاص البطالة، مثمّنا عملية تنظيم فعاليات ومهرجانات تشجّع هذا النوع من السياحة، على غرار المهرجان الدولي للسياحة الصّحراوية، بهدف تعزيز السياحة بين الزوار وتطوير الاقتصاد المحلي، وإلى جانب المساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني خاصة في مجال النقل الجوي وقطاع الخدمات والنقل، قطاعات كلها تستفيد من الحركة السياحية سواء الداخلية المحلية أو الدولية والسياح الأجانب، وهذا من شأنه توفير العملة الصّعبة والزيادة من حركية صرف الأموال.
تدفّق مكثّف للسياح الأجانب
ويعتقد الخبير، أنّ الجزائر بدأت تستغل ثروة مهمة والمتمثلة في السياحة الصّحراوية، على خلفية أنّ الصّحراء الجزائرية، تعد ثاني أكبر صحراء في العالم لامتدادها على مساحة 84% من المساحة الإجمالية للوطن، إلى جانب احتوائها على 05 حظائر ثقافية مصنفة عالميا، ويتعلّق الأمر بكل من حظيرة الطاسيلي في ولاية ايليزي، الهقار في ولاية تمنراست، وادي ميزاب في ولاية غرداية والحظيرة الثقافية للأطلس الصّحراوي في حظيرة توات، وكذا قورارة، تيديكلت بإن صالح.
واعتبر الخبير بداني، أنّ الصّحراء تعد القبلة الأولى للسياح الأجانب لما تتسم به من جمال أخاذ بروعة الجبال وثقافة السكان المحليّين، وبالإضافة إلى كل تلك المزايا، فإنّ صحراء الجزائر الجذابة، تشتهر بحظيرتي الهقار وطاسيلي، فمثلا تمنراست تشتهر برسومات تبرز تاريخها القديم الذي يصور العصور الحجرية، وكذا جبالها البركانية التي تسحر الأنظار.
وبنظرة تقييمية، تحمل الكثير من التفاؤل، قال البروفسور بداني، أنّ موسم السياحة الصّحراوية 2024- 2025 والذي انطلق مع نهاية شهر أكتوبر الماضي من ولاية تمنراست، شهد بداية قوية مع تدفّق كبير للسياح، وذكر الخبير في سياق متصل، أنه تم تسجيل 22 ألف سائح أجنبي خلال الثلاثي الأول من الموسم حسب عدة مصادر رسمية، خاصة في مناطق مثل إيليزي وجانت، حيث تزايد النشاط السياحي بشكل محسوس.
كما لم يخف بداني أنّ الطبعة 6 للمهرجان الدولي للسياحة الصّحراوية المنظم في 14 نوفمبر الماضي بولاية الوادي، بدوره عرف إقبالا كبيرا للسياح والوكلاء المشاركين والمهتمين بالسياحة الصّحراوية سواء من طرف الزوار أو المستثمرين، وكذا الوكالات السياحية ومختلف الدواوين السياحية.
وبخصوص جملة الإجراءات التي تم اتخاذها بتعليمات من السيد رئيس الجمهورية الجزائرية، وفي صدارتها تسهيل التأشيرات للسياح الراغبين في زيارة الصّحراء الجزائرية “عبر تأشيرة التسوية بالمطار”، أي عن طريق منح تأشيرات خاصة عند الوصول واستخدام التأشيرة الإلكترونية، أوضح الخبير بداني، أنّ هذه الخطوات، تهدف إلى تعزيز السياحة والترويج للجزائر كوجهة سياحية مميّزة، وفي نفس الوقت، وصفها الخبير بداني، بالإستراتيجية الذكية والمعوّل عليها في تحسيس السائح بمدى قيمته وأهميته كضيف خاص يعامل كالشخصيات المهمة، إلى جانب تسهيل الإجراءات التنظيمية وتسريعها بما يجعل السائح يشعر بالرضى وبالراحة من أجل ضمان عودته عدة مرات، وفي إطار جهود القضاء على البيروقراطية في إجراءات السفر والتأشيرة بما يعزّز الصورة الحسنة للسياحة الجزائرية، لأن المطار يعد الواجهة الأولى وأقوى نقطة لتعزيز السياحة، وكذلك بهدف زيادة وتنشيط السياحة دوليا وتحقيق أولى بدايات المنافسة الدولية في مجال السياحة.
تمكين الشركات السياحية من المعلومات التسويقية
كما تعكف المنظمة الجزائرية للسياحة، على رسم استراتيجيات تحقيق التنمية للسياحة الصّحراوية عبر سلسلة من المقترحات، أبرزها أوضح الخبير، تشجيع الإلمام بمبادئ وأساليب إدارة البيئة، بما يشمل استراتيجيات المحافظة على المكتسبات الحضارية والثقافية والتاريخية، وإلى جانب تمكين الشركات السياحية من الوصول إلى المعلومات التسويقية والموارد المالية، وكذا أهمية تحسين التنسيق بين الإدارات الحكومية المعنية بالسياحة والبيئة ومستثمري القطاع الخاص في السياحة.
ومن جملة هذه المقترحات تحدّث الخبير، عن ضرورة جعل النهوض بالبنية الأساسية في المواقع السياحية المعزولة حتمية عن طريق تشجيع استثمار القطاع الخاص، إلى جانب إنشاء قاعدة إحصائية تبيّن بشكل دقيق وحقيقي عدد السياح الوافدين الزائرين للتفريق بين المهاجرين المغتربين من السياح الحقيقيّين. ومع تنمية المهارات والموارد البشرية والتدريب المتخصّص بغية توسيع الأسواق السياحية.
وفي عرض لأهم الأرقام، أكّد الخبير أنّ السياحة تعتبر أحد القطاعات الاقتصادية المهمة التي تساهم بشكل كبير في الناتج الداخلي الخام للعديد من الدول، بالنظر إلى قدرتها على توفير موارد مالية مهمة، وقال بأنّ السياحة تساهم بنسبة 02.5 بالمائة في الناتج المحلي، في وقت ارتفعت إيرادات السياحة في الجزائر حيث في عام 2023، سجّلت الجزائر ارتفاعا كبيرا في عدد السياح الوافدين.بالإضافة إلى تسجيل استثمارات جديدة في القطاع، مع بدء إنجاز 800 مشروع سياحي يمكن أن يوفّر 90 ألف سرير و45 ألف منصب شغل، ممّا يعكس إمكانية زيادة مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني، حيث تمتلك الجزائر إمكانات طبيعية وسياحية وجغرافية هائلة، يمكن أن تجعل منها قطبًا سياحيًّا هاما ورائدا وعلما أنها مرشّحة إلى ذلك.
رئيس الإتحاد الوطني للوكالات السياحية مولود يوبي: بنى تحتية بسيطة صديقة للبيئة تتماشى والمناظر الصّحراوية
في ظل الرؤية الاستثنائية لمستقبل الصناعة السياحية ببلادنا، كقطاع ينتظر منه إسهام فعّال في الناتج الخام المحلي، بالنظر إلى مؤهّلات الجزائر الطبيعية والثقافية، التي ترشّح حصيلتها من حيث إقبال السياح إلى بلوغ مستويات تليق بمقدراتها الطبيعية وحظيرتها الهيكلية، منافسة بذلك كبرى الأسواق السياحية العالمية والإفريقية. التوجه نحو الجنوب ليس مجرّد جاذبية بل أكثر منه إستراتيجية، سخّرت لها السلطات العمومية رصيدا ماليا وهيكليّا من المشاريع ذات المعايير العالمية وخطوط نقل تربط الجزائر بمختلف عواصم العالم، إضافة إلى إجراءات تنظيمية مبسطة، كاستحداث تأشيرة التسوية على مستوى المطارات، من أجل استثمار أمثل للمقومات السياحية ببلادنا، تليق بها كوجهة عالمية.
أوضح رئيس الإتحاد الوطني للوكالات السياحية، في اتصال مع “الشّعب”، أنّ الاستثمار في الوجهة السياحية الصّحراوية بالجزائر، قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، بالتكامل مع باقي الأنواع السياحية التي حظيت باهتمام ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من طرف السلطات العمومية، لتعرف انتعاشا أعادها إلى الواجهة، على غرار السياحة الرياضية، أو سياحة المغامرة والتاريخية وسياحة الآثار والسياحة الدينية والثقافية، إضافة إلى السياحة السينماتوغرافية، حيث يعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات الاقتصادية التي بإمكانها تحقيق إرادات بالعملة الصعبة، وإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال تنشيط الدورة السياحية المتكونة من عدة حلقات بدءا بوسائل النقل، وصولا إلى هياكل الإيواء والإطعام فضلا عن تعزيز نشاط الفضاءات التجارية. وأضاف أنّ الجزائر بتركيبتها الجغرافية وعمقها التاريخي وثرائها الحضاري، تعتبر قارّة تهواها كل الفئات والجنسيات على اختلاف أنواعها.
قارّة لابد من اكتشافها..
وقد صنّفت الجزائر ضمن أفضل 52 وجهة عالمية بإمكانات طبيعية متفرّدة، فلا نظير لمكان بالعالم كطاسيلي ورسومات ما قبل التاريخ التي تشهد على عمق المنطقة الحضاري، والهقار وشروق وغروب شمس الأسكرام.
من جهة أخرى- يضيف المتحدث- تصدّرت الوجهة السياحية الجزائرية تقارير المنظمات العالمية من حيث الاستقرار السياسي كوجهة آمنة، تمكّنت من استقطاب وفود سياحية من مختلف أقطاب العالم، لعبت خلالها الدبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر دورا كبيرا في التسويق للوجهة الجزائرية.
وقسّم رئيس الإتحاد الوطني للوكالات السياحية والأسفار، الوجهات السياحية بالجنوب الكبير إلى ثلاث مناطق، وهي منطقة الواحات كبوابة للصّحراء وتشمل كل من ورقلة، بسكرة وغرداية والوادي ومنطقة الساورة التي تشمل تميمون، بشار، تاغيت، أدرار، منيعة، وأخيرا منطقة الجنوب الكبير وتشمل جبال الطاسيلي والهقار، جانت، عين قزام، برج باجي مختار وتمنراست.
أما بالنسبة للمسالك السياحية، أفاد المتحدث أنها تقسّم هي الأخرى إلى 5 مسالك سياحية كبرى بتمنراست وهي الأسكرام، الهقار، الصحارى، ومسلكين سياحيّين “تدرارت” و«إهرير”، بجانت التي تحظى بمرافقة أمنية من طرف السلطات الأمنية جعلت من الولاية وجهة آمنة، ممّا ساهم بشكل رئيسي في نجاح الموسم الصّحراوي، وخط جوي مباشر”جانت – باريس” إضافة إلى تأشيرة التسوية التي أصبحت تمنح مباشرة على مستوى المطارات منذ جانفي 2023.
التسويق السياحي.. عامل مهم
كما أشار يوبي، إلى عامل مهم ساهم هو الآخر في الترويج للوجهة الجزائرية، تمثل في المشاركة القوية للجزائر في المعارض السياحية بكل من إيطاليا، لندن، روسيا وفرنسا.
إلّا أنّ ذلك يبقى غير كاف، بإجماع كل المتدخّلين في المشهد السياحي، الذي أصبح يخضع لغطرسة المنافسة العالمية، ممّا يستدعي تكثيف الجهود للحصول على علامة مرضية في الأداء الخدماتي والاستجابة للمعايير العالمية. رهان لن يتحقّق، وفق محدثنا، إلّا من خلال الإستثمار الجاد في قطاع السياحة وتوفير دعائمه من ضمان للتمويلات وتوفير للأوعية العقارية، بما يطمئن المستثمر المحلي والأجنبي، ويحرّر القطاع من العراقيل العالقة به منذ عقود.وفي هذا الإطار ثمّن المتحدّث، إجتهاد وجهود المؤسسات السياحية عمومية كانت أوخاصة، من أجل توفير عروض سياحية ذات جودة عالية، والتعريف من خلال الاعتماد على سياسة تسويق فعالة. بالتوقّف عند النقطة المتعلقة بالتسويق، أين أصبحت الرقمنة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال حلقة فاصلة، في التسويق السياحي، وهذا ما أدى إلى ظهور ما يعرف بالسياحة الإلكترونية، لجذب السائح الدولي والمحلي، أين أصبحت جميع المعاملات السياحية تتم عن بعد وعبر جميع أقطار العالم، بنقرة زر، بدءا من إعداد البرامج السياحية إلى التعاقد مع السّياح.
وأضاف، المتحدّث، أنّ اللجوء إلى استعمال التكنولوجيات الحديثة في كل المجالات صار حتمية، نظرا لطبيعة الفرد الذي أدمن استعمالها وأصبحت جزءا مهما من يومياته، يدير ويتحكّم في أغلب نشاطاته.
وممّا ساهم في انتشار ورواج النشاط الافتراضي للأفراد، جائحة كورونا التي قلّصت الحركة وأصبح التعامل يتم عن بعد، فمن الإجتماعات التي باتت تعقد عن طريق تقنية التحاضر عن بعد، إلى الزيارات الإفتراضية عن طريق فيديوهات ترويجية لمختلف مناطق بلادنا، بهدف التعريف بالوجهة السياحية الجزائرية وإيصال الرسالة إلى المستهلك في أقرب وقت وبأقل تكلفة.
حصيلة تعكس الإستراتيجية..
وعن حصيلة الثلاثي الأول لموسم السياحة الصّحراوية، استند مولود يوبي إلى الأرقام المقدمة من طرف الجهة الوصية، ممثلة في وزارة السياحة والصناعات التقليدية التي كشفت عن ما يقارب 23 ألف سائح أجنبي و186 ألف سائح محلي زاروا الجنوب الجزائري هذا الموسم، وهي حصيلة يرى ذات المتحدث أنها تعكس مدى الجهود المبذولة من أجل النهوض بهذا القطاع الذي يراهن عليه رئيس الجمهورية، كقطاع استراتيجي للتنمية المستدامة بالجنوب وموردا اقتصاديا واعدا، بإمكانه تحقيق مساهمة قوية في الناتج الخام المحلي تتعدى 10%، من خلال تعزيز المناخ المناسب لتطوير الوجهة السياحية الجنوبية. وهنا ركز يوبي على دور الإعلام خاصة الإلكتروني وصحافة المواقع، للترويج للوجهة الجزائرية كوجهة إقليمية ودولية.