ترسخ الفساد في مفاصل الدولة المغربية حتى أصبح قاعدة تحكم الاقتصاد والإدارة، وتبدد الموارد، وتعرقل الاصلاحات الحقيقية، فيما يحاصر المواطن بالأزمات ويفلت المفسدون من المحاسبة، في ظل غياب أي آلية للردع.
وأمام هذا الواقع الذي يكرس الفساد والتجاهل المخزني، قال الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، عبد السلام لعزيز، خلال ندوة أمس السبت بالدار البيضاء، أن “الفساد استشرى في كل القطاعات وانعكست آثاره على حياة المغاربة في أدق تفاصيلها، كالدراسة والشغل والتطبيب والخدمات العمومية، حيث يساهم الفساد في تدهور جودة هذه الخدمات ويصبح المواطن فريسة لهذه اللوبيات”.
وتوقف لعزيز على انعكاس الفساد على تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، حيث أصبحت منظومات الفساد تتحكم في أسواق العديد من المنتوجات والخدمات، لافتا إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المغرب اليوم، حيث يتعمق الانحباس السياسي ويتصاعد الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب إرادة حقيقية للتغيير والإصلاح.
وانتقد الأمين العام للفيدرالية “ما يلاحظ اليوم من تكريس لنهج تراجعي في تدبير الشأن العام, من خلال قوانين وممارسات تضرب الحقوق والحريات, والأخطر من ذلك هو التطبيع مع الفساد ومحاولة شرعنته بوضع مشاريع قوانين, ورفض تجريم الإثراء غير المشروع والتضييق على المجتمع المدني والمواطنين في التصدي لجرائم المال العام ومحاولة تكميم الأفواه والتضييق على النشطاء والصحفيين الذين يتناولون قضايا الفساد ويفضحونها”.
ولفت ذات المتحدث إلى ما يتم من هجوم حتى على المؤسسات الدستورية التي تتناول قضايا الفساد في تقاريرها, في مقابل منح الحماية القانونية والسياسية للمفسدين, بل وتمكينهم من مناصب عليا وتمثيلية داخل المؤسسات المنتخبة.
هذا الواقع لا يقتصر على النهب المنظم للمال العام, بل يمتد ليشمل ضرب الحريات وتكميم الأفواه, وهو ما شدد عليه حزب العدالة والتنمية بقوله إن “الحد الأدنى من الديمقراطية يفترض إفساح المجال أمام التعددية في الفكر والتعبير, وقبول النقد والتسامح مع الفكر المخالف ما دام ملتزما بالأحكام العامة للقانون”.
وتابع: “لطالما حذر العقلاء من المغالاة في استهداف الأشخاص ومساحات التعبير المتاحة قانونا, إذ لا يعقل أن يتصور إمكانية تنميط المجتمع ليعزف الجميع نغمة واحدة, وإلا فسنتوجه للاستبداد”.
وفي ظل هذه القيود المشددة, لم يعد أمام المغاربة سوى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن معاناتهم وفضح الفساد المستشري, حيث تحولت هذه المنصات إلى ساحة للنقاش وكشف الحقائق.
وفي محاولة لإحداث وعي مجتمعي واسع, لجأ المواطنون إلى توثيق التجاوزات التي تمس حياتهم اليومية, من انهيار الخدمات الأساسية إلى استغلال النفوذ والرشوة, من خلال مقاطع الفيديو والصور والشهادات الحية, لكن حتى هذه الجهود لم تسلم من القمع والتضييق, حيث يتزايد استهداف النشطاء الذين يفضحون الفساد, سواء عبر الملاحقات القضائية أو من خلال حملات التشويه والتخويف.