أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بإنشاء شركة جوية متخصصة في النقل الجوي الداخلي، عقب اجتماع عمل ترأسه لدراسة وضعية هذا القطاع.
هذا القرار يحمل أبعادا اقتصادية وأخرى تجارية، كون إنشاء شركة فرعية متخصصة في النقل الداخلي، سيمكن من مرافقة أفضل للمستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين.
وجه رئيس الجمهورية، بتحسين النقل الجوي، عبر اتخاذ إجراء جوهري يتمثل في استحداث شركة جديدة تكون تابعة للخطوط الجوية الجزائرية، تتكفل بالنقل الداخلي، الأمر الذي يعد خطوة هامة في تحسين النقل بين الوجهات الداخلية وكذا تخفيض أسعار التذاكر، خاصة من وإلى جنوب الوطن.
في المقابل، تجد الجوية الجزائرية نفسها أمام فرصة حقيقية لتحسين خدماتها والتركيز على استجابتها للمعايير الدولية، في ظل التنافس الشرس بين كبرى شركات الطيران العالمية. وسيكون بلوغ 16 مليون مسافر سنة 2026، من الأهداف التي ستعمل الرائدة الجزائرية في مجال الطيران على تحقيقها.
في السياق، اعتبر الخبير في السياسات الحكومية ومناجمنت المؤسسات، البروفيسور محمد حيمران، قرار رئيس الجمهورية باعتماد شركة طيران محلية، “براغماتيا”، جاء نتيجة تشخيص دقيق ودراسة معمقة لوضعية النقل الجوي ببلادنا، مشيرا إلى أن إنشاء فرع جديد متخصص في النقل الجوي المحلي، بعد الفرعين اللذين تم إطلاقهما سنتي 2023 و2024، مما سيسمح بتكريس التخصص كعامل مهم للتركيز على النقل الجوي المحلي، وتخفيض تكاليفه وبالتالي التفرغ أكثر للنقل الجوي الدولي الذي يواجه منافسة شرسة، أين ستكون القدرة على الاستمرار والتميّز من نصيب من يقدم خدمات أفضل وعروضا أوفر لاستقطاب المسافر المتطلب جدا أمام وفرة العروض وتنوعها.
بعد التشخيص.. حلول لابد منها
وأضاف حيمران، لـ “الشعب”، أن قرار إعادة الهيكلة جاء بعد تشخيص النقائص المسجلة على مستوى شركة الخطوط الجوية الجزائرية عموما والخطوط الداخلية بصفة خاصة. ويندرج هذا القرار في إطار الإصلاحات العميقة التي يعرفها قطاع النقل، على غرار جميع القطاعات الحيوية المكونة للبنية الاقتصادية لبلادنا، حيث قامت وزارة النقل منذ سنة 2020، يقول المتحدث، بإعداد استراتيجية جديدة للقطاع ومراجعة الإطار التشريعي وتشخيص الوضع الذي آلت إليه شركة الخطوط الجوية الجزائرية، وحالات العجز المالي الذي تتخبط بها الشركة جراء تعرضها لأزمات عديدها، لعل أخطرها وأشدها تأثيرا على وضعية الشركة المالية كانت التوقف عن النشاط لمدة تجاوزت 24 شهرا بسبب جائحة كورونا، التي أدخلت العالم بأكمله في عزلة اقتصادية، أين تراجع نشاط النقل الجوي بشكل تسبب في اضطرابات مالية بلغت درجة العجز.
هذا الوضع دفع بالسلطات العمومية إلى إعادة النظر في هيكلة الجوية الجزائرية ودعمها من خلال استحداث فروع جديدة، وتعزيز خطوطها الداخلية باتجاه الولايات الجنوبية والنائية خاصة، وفتح خطوط جوية خارجية نحو العديد من عواصم العالم في إطار تجسيد الدبلوماسية الاقتصادية كرؤية واعدة كان رئيس الجمهورية قد أقرها من أجل فتح آفاق أوسع للاقتصاد الوطني وتعزيز مكانته العالمية.
وفي ظل الزيادة في حجم الطلب الداخلي على عدد المقاعد وعدد الرحلات المتوجهة نحو الداخل، ما يفرض إعادة النظر في تنظيم الخطوط الداخلية ودعم شركة الخطوط الجوية الجزائرية وطاسيلي “آرلاينز”، التابعة لشركة “سوناطراك”، لتحسين الربط الجوي بين مختلف المطارات المحلية، خاصة النائية منها، مع مواصلة دعم الدولة الجزائرية لسعر التذكرة، ولو أن ذلك قد أثر على المردودية المالية لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، بحسب ذات المتحدث، ومقارنة مع عائدات الشركة من الخطوط الدولية، فإن الرحلات الداخلية قد حققت زيادة بـ10% سنة 2024، مقارنة بما تم تحقيه 2023 التي سجلت 7.3 مليون مسافر، عبر 33 مطارا داخليا، بلغ “معدل ملء الطائرات” خلالها 76%. وبالتالي فمشروع شركة متخصصة في النقل الداخلي، وإن كان لايزال في مراحله الأولى، حيث لم توضع بعد تسمية قانونية للشركة الجديدة، إلا أنه يمكن مسبقا التكهن -استطرد المتحدث- بالقيمة المضافة التي ستحققها في مجال الطيران ببلادنا، حيث ستمنح مساحة أوسع لشركة الخطوط الجوية الجزائرية لتوجيه استراتيجيتها التسويقية نحو كسب رهان المنافسة الدولية وفق المعايير الدولية. من جهة أخرى، ستسمح الهيكلة الجديدة، بتعزيز الترسانة اللوجستية للنقل الجوي وتطوير وعصرنة الأداء، من خلال اعتماد أحدث التكنولوجيات المستعملة في مجال الطيران، إضافة الى تحسين مستوى الخدمات ومضاعفة طاقة الاستقبال بعد أشغال التوسعة وإعادة التهيئة التي مست العديد من المطارات وفق المعايير الدولية، على غرار مطارات بوسعادة، المشرية، معسكر وتيارت.
فرصة للجوية الجزائرية
اليوم، تتواجد شركة الخطوط الجوية الجزائرية أمام فرصة حقيقة للتحليق عاليا، بفضل الدعم الذي حظيت به من طرف رئيس الجمهورية، كشركة لها تاريخها في مجال الطيران وكفاءاتها التي أشاد الخبير باحترافيتها وقدرتها على تحقيق الأهداف المسطرة وعل رأسها الانتقال من 8 ملايين مسافر/سنة، إلى 16 مليون مسافر سنة 2026.
في هذا الصدد، ومن أجل بلوغ هذا المبتغى، شدد حيمران على ضرورة تحسين الأداء المنجماتي والخدماتي على مستوى شركة الخطوط الجوية الجزائرية وفروعها المستقبلية، في ظل الإقبال الكبير على النقل الجوي من طرف المواطنين، فرضته الحركية الاقتصادية الجديدة التي تعيشها البلاد.
بالمناسبة، وفيما تعلق بجملة الإصلاحات العميقة التي باشرت بها الجوية الجزائرية، من أجل تحسين استراتيجيتها المنجماتية والتخفيض من تكاليف نشاطها، أشار حيمران إلى حرص القائمين على ذات الشركة على تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي يعتبر واجهة لصورتها التسويقية ويحدد مدى اندماج موظفيها ضمن ثقافتها الخدماتية، من خلال مراجعة الاتفاقية الجماعية للجوية الجزائرية. أما بالنسبة لتخفيض تكاليف نشاط الشركة، أوضح حيمران أن شركة الخطوط الجوية الجزائرية قد اعتمدت استراتيجية ناجعة لترشيد النفقات، تم بموجبها غلق بعض المطاعم والمحلات ومراجعة عقود التأمين المتعلقة بشركات الطيران، إضافة الى اعتماد سياسة طاقوية اقتصادية.
من جهة أخرى، ولرفع مداخيلها ستضاعف الجوية الجزائرية عدد مقاعدها الى 3500 مقعد، بإضافة 35 طائرة/ أسبوعبا، بداية من أفريل 2025.