19 مارس 1962 نهاية الإمبراطورية الفرنسية الإستعمارية الإستدمارية بالجزائر، بعد 132 سنة من الإحتلال والإبادة الجماعية واغتصاب أراضي وممتلكات الجزائريين والتعذيب، فقد كانت مدرسة في الإجرام تعلمت عنها النازية مثلما قال الباحث حسان مغدوري، وبالمقابل هذا التاريخ كان انتصارا للشعب الجزائري، الذي عانى من ويلات الإحتلال، وانتصر الحق على قوى الشر.
19 مـارس 1962.. نهاية الإمبراطورية الفرنسية الاستدمارية
لم يهضم المستوطنون المتطرفون وبعض الجنرالات الأوروبيين أصحاب فكرة الجزائر فرنسية استقلال الجزائر، ودفعهم حقدهم وعنصريتهم إلى إرتكاب مجازر في المدن الجزائرية، واغتيال المثقفين الجزائريين وحرق وتدمير المكتبات وممتلكات الجزائريين، وكل ما يرمز للجزائري، وذلك باسم منظمة الجيش السري «لواس»، الإرهابية بقيادة رؤول سالان وغيره.
بوهران ارتكبت مجازر، فقد أحصت مصالح الشرطة الفرنسية عدد ضحايا المنظمة السرية الإرهابية للجيش السري، 66 قتيلا من المدنيين الأوروبين و36 جريح واستشهاد 410 جزائري وجرح 487 آخرين، في الفترة من 19 مارس إلى تاريخ 1 جويلية 1962، حسب ما أشار اليه المؤرخ شارل روبار اجيرون.
ويذكر المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، أن هناك ستة أشخاص من المنظمة السرية كانوا متخفين بزي الدرك الفرنسي تقدموا من مصالح سجن وهران، حيث سلم لهم ثلاثة عناصر (مناضلين) من جبهة التحرير الوطني، وأعدموهم، اضافة الى حرق مكتبة جامعة الجزائر بالعاصمة، التي أتلفت 60 الف كتاب وعديد المخطوطات، كما فجر مقر بلدية وهران والمكتبة البلدية وأربعة مدارس، وتفجير سيارتين مفخختين بأحد الأحياء الشعبية بوهران، والتي أدت الى استشهاد 23 مدنيا جزائريا وجرح 32 آخرين، اضافة الى عمليات السطو على البنوك بوهران يومي 25 و26 جوان 1962، تمهيدا للفرار، وقام عناصر المنظمة بتزوير عدد من جريدة «صدى وهران».
وفي 15 مارس اغتيل الكاتب مولود فرعون، وبتاريخ 22 مارس أطلقت المنظمة ستة قذائف عيار ثقيل على ساحة الجمهورية أسفل القصبة، ساحة الشهداء حاليا، مخلفة 24 قتيلا، و55 جريحا في صفوف الجزائريين، وفي 02 ماي تم تفجير سيارة مفخخة بميناء العاصمة، مثلما تؤكده مصادر تاريخية.
وجاءت أوامر الجنرال سالان بتاريخ 19 مارس عبر أمواج الإذاعة قائلا: «أعط الأوامر لمقاتلينا لمضايقة كل مواقع العدو في كل المدن الجزائرية الكبرى».
ليلة النّصر المبين..
ليلة توقيع وقف القتال، بعد مفاوضات عسيرة توجه رئيس الحكومة المؤقتة للحكومة الجزائرية، يوسف بن خذة، بخطاب للشعب الجزائري بمناسبة الإعلان عن اتفاق وقف اطلاق النار جاء فيه: «بعد بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الشعب الجزائري…بعد عدة شهور من المفاوضات الصعبة والشاقة، توصّلنا إلى اتفاق عام بعد ندوة ايفيان هو نصر عظيم، واصبح حق الشعب في الاستقلال مضمونا، ونتيجة لذلك باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المفوضة من طرف المجلس الوطني للثورة الجزائرية، فإني أعلن وقف إطلاق النار في كامل أنحاء الوطن الجزائري ابتداء من 19 مارس 1962 على الساعة 12 بالضبط، وإنّي باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أصدر الأمر إلى جميع قوات جيش التحرير الوطني، المحاربة للتوقف عن العمليات العسكرية وعن النشاط المسلح في مجموع التراب الوطني».
وأضاف: «مضى سبع سنوات ونصف من الحرب والتضحيات، المجد للشعب الجزائري ورحم الله كل ضحايا الكفاح وجميع الشهداء ليحيا الوطن، المجد لجرحانا…الذين واجهوا القوة، المجد للمناضلين لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير، المساجين والموقوفين في المحتشدات في سجون الاستعمار…».
وبالمقابل، في خطاب رسمي ألقاه يوم 18 مارس 1962، الرئيس الفرنسي شارل ديغول، أعلن أن «مرحلة جديدة سترى النور وهي جزائر مستقلة متعاونة مع فرنسا تعاونا وثيقا»، وأضاف ديغول، «إن ما اتفق عليه يرضي العقل».
ترحيب عالمي بانتصار الجزائر
رحّبت البلدان العربية بإعلان وقف القتال، معتبرة اياه بالإنجاز التاريخي للشعب الجزائري، الذي استعاد حريته وكرامته، وأرسلت رسائل تهنئة إلى قيادة الثورة من مختلف القادة والمسؤولين العرب، وكانت تونس من الأوائل الذين باركوا اعلان وقف اطلاق النار، وجاء في برقية الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة للوزراء الخمسة: «إنه ليوم عظيم في تاريخ المغرب العربي هذا، الذي أعلن فيه عن وقف القتال بعد كفاح بطولي مرير دام أكثر من سبع سنوات شنه الشعب الجزائري على قوى الظلم والطغيان، في الوقت الذي توج كفاحكم البطولي وتضحيات الشعب الجزائري بالنجاح، وفي الوقت الذي ينتهي فيه اعتقالكم بعد اختطاف الطائرة، التي كانت تقلكم إلى تونس لحضور أشغال الندوة الأولى للمغرب العربي الكبير، أوجه لكم بكامل الفخر والتأثير أحر تمنياتي بالعظمة والرفاهية للشعب الجزائري».
وأضاف الرئيس التونسي: «وإنّي لمتيقّن بأن التضامن الوثيق، الذي وحّد شعبنا في الكفاح من أجل الكرامة والاستقلال، سيتواصل لتحقيق مهام إعادة البناء والتقدم، من أجل تشييد مغربنا الكبير».
وتوالت التهاني من المنظمات الجماهيرية التونسية، وعبّر الليبيون بدورهم حكومة وشعبا عن فرحتهم بإنهاء القتال، وخرجوا في مظاهرات جابت المدن الليبية، هاتفين بحياة الثورة الجزائرية المنتصرة، والشعب الجزائري.
وبعث الرئيس المصري جمال عبد الناصر ببرقية إلى رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة، هنّأه على انتصار الجزائر، قائلا: «إنّني أنتهز فرصة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لأؤكد لكم ولرفاقكم في الحكومة الجزائرية، وللقيادة السياسية والعسكرية للثورة الجزائرية، وللشعب الذي حمل على كتفيه اعباءها تأييد الجمهورية العربية المتحدة، المطلق لنضالكم من أجل حرية الجزائر ورفاهية شعبها، وأنّنا نشعر بالفخر العميق للروح المسؤولة، التي تواجهون بها هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ الجزائر، إن النصر الأول الذي أحرزه كفاحكم بإرغامه الإستعمار على الإعتراف باستقلال الجزائر، ووحدة ترابها لم يحول أنظاركم عن المراحل الصعبة القادمة من استكمال الحرية، إن الثورة الجزائرية بهذا الوعي العميق أثبتت أصالتها وعززت قدرتها على المضي في الكفاح إلى مداه حتى يتحقق النصر الحاسم..».
وأضاف عبد الناصر: «…وإنّي لأؤكّد لك ولرفاقك وللشعب الجزائري كله أن الجمهورية العربية المتحدة، تقف معكم في المرحلة الخطيرة التالية لوقف اطلاق النار، كما وقفت معكم خلال القتال المرير، الذي خاضه شعب الجزائر أكثر من سبع سنوات، وإني لأثق أن التصميم الرائع الذي حقق النصر الأول للمعركة سوف يكون هو نفس القوة، التي تحقق النصر الأخير، وهو نصر أثبت الشعب الجزائري وأثبت قيادته فعلا وعملا كفاءتهما وحكمتهما وشجاعتهما على التصدي لمسؤولياته «.
وبدوره أرسل الرئيس السوري ناظم القدسي، برقية إلى الرئيس بن يوسف بن خدة، يعبّر فيها عن أخلص التهاني القلبية من الحكومة و الشعب السوري بتوقيع اتفاقيات وقف اطلاق النار في الجزائر، واصفا الجزائر بالحبيبة.
وخرجت الجماهير السورية احتفاء بيوم النصر الجزائري، ورحب العراقيون أيضا بإعلان وقف القتال، حيث هنّأ الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، الجزائريين بهذا الإنتصار، وحيّا وزير الخارجية العراقي هاشم جواد، في رسالة بعثها الى بن يوسف بن خدة، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كفاح الشعب الجزائري وبطولاته وصموده امام الاستعمار البغيض، وأعرب الاتحاد العراقي للصحافة عن فرحته بهذا الإنتصار التاريخي.
وعبّر ملك العربية السعودية الملك سعود، أيضا عن غبطته بانتصار الجزائريين بعد احتلال دام أكثر من 132 سنة، وأرسل الملك الأردني الحسين، برقية تهنئة لرئيس الحكومة المؤقتة، على اعلان وقف القتال. وتوالت التهاني من الدول الإسلامية على غرار دولة ماليزيا، باكستان، الهند، وغيرها.
ما تداولته الصّحف..
جاء في جريدة «المجاهد» بتاريخ 20 مارس 1962: «شهر مارس هو شهر الشهداء، تحيي فيه ذكرى أبطالنا الخالدون مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي، عميروش، سي الحواس، لطفي الطاهر فراح…الذين أكدوا حرية الجزائر بأرواحهم الغالية استشهدوا في ميدان الشرف في هذا الشهر، إن إقتران حرية الجزائر بذكرى الشهداء وبحرية المغرب العربي كله هو رمز عميق بعيد الأثر في تاريخنا ومستقبلنا، إنه رمز خالد للرباط المقدس بين الحرية ومنها العظيم والوحدة أساسها الروحي والمادي الثمين، لقد كانت الأحداث التاريخية حتمية الإعتراف والتنويه بحنكة ودهاء اعضاء الوفد الجزائري، الذين فاوضوا مع السلطات الإستعمارية وفرض نفسه كمفاوض شرعي ووحيد».
وقال المؤرخ سيلفي تينو: «المفاوضات ووقف إطلاق النار هو نقطة انطلاق مسار الخروج من الحرب، ولم تنه اتفاقيات مبادرة المنظمة السرية الإرهابية، بل بدأت مع أحداث 2 مارس 1962».
وكتب الصحفي الفرنسي جون دانيال: «إن اتفاقيات ايفيان لها أبعاد عملاقة لأنّها ليست وقف اطلاق النار الذي تم إمضاؤه بل هو أيضا تحالف حقيقي بين شعبين يعترف انه رغم كل شيء فالوضع ربما يجعلهم مرتبطين أحدهما بالاخر في الحرب الجديدة، التي اندلعت ضد منظمة الجيش السري».
كتب بيار بوتونغ، في جريدة «الأمة الفرنسية»: «ما يلي وقف إطلاق النار ليس السلم، بل هو تحويل لحرب أهلية وتغيير لتحالفات ميؤوس منها داخل هذه الحرب الأهلية، إنها جهاز حربي يتشكل فيها العدو الافتراضي الذي يجب ازاحته من مليون من المستوطنين ومليونين من الجزائريين الأوفياء لفرنسا».
تنفيذ وقف القتال
أعلن العميد Aillert توقيف القتال ابتداء من التاريخ المتفق عليه، حيث نصبت اللجنة المختلطة لمراقبة توقيف القتال في «الصخرة السوداء rocher noir»، ببومرداس، فعين الرائد محمد علاهم، كممثل لجيش التحرير الوطني والعميد Navelet، كممثل للجيش الفرنسي في كل محافظة، وعينت كذلك لجان مختلطة تتألف من ممثلين للجيش الجزائري وممثلين للجيش الفرنسي.
أطلق سراح المسؤولين المعتقلين وذلك يوم 18مارس 1962، على الساعة الحادية عشرة، فالتحقوا بالوفد الجزائري المفاوض بسويسرا، وذهب الجميع إلى الرباط، حيث استقبلوا استقبالا شعبيا ورسميا كبيرا يوم 19 مارس 1962.
شكّلت القوة المحلية المنصوص عليها في اتفاقيات ايفيان، بالنسبة للأمن العام كان الجيش التحرير الوطني هو المتحكم في الميدان، والتحق كثير من وحدات القوة المحلية بجيش التحرير الوطني.
ويذكر الباحث بوعلام بن حمودة في كتابه» الثورة الجزائرية، ثورة أول نوفمبر، معالمها الأساسية»، أنه أعلن عن النتائج الرسمية يوم 3 جويلية 1962، في اليوم نفسه وجّه الرئيس الفرنسي ديغول، رسالة الى رئيس الهيئة التنفيذية عبد الرحمان فارس، وذلك بواسطة المحافظ السامي كريستيان فوشي، جاء فيها: «أن فرنسا سجلت نتائج استفتاء أول جويلية 1962 وتطبيق تصريحات 19 مارس 1962، فإعترفت باستقلال الجزائر، وأن الصلاحيات المتعلقة بالسيادة في الجزائر حولت منذ اليوم الى الهيئة التنفيذية المؤقتة بالجزائر».
ويضيف أنّ «عبد الرحمن فارس، أكد استلام رسالة الرئيس ديغول، وسجل الإعتراف الرسمي باستقلال الجزائر من طرف الجمهورية الفرنسية، وصرح بأنه استلم الصلاحيات المنوطة بالسيادة في التراب الجزائري.
ويشير الدكتور بن حمودة، أنّه بتاريخ 03 جويلية 1962 أنزل العلم الفرنسي من طرف جنود فرنسيين في ساحة»روشي نوار» الصخرة السوداء ببومرداس، ورفع مكانه العلم الجزائري من طرف شاب من الكشافة الإسلامية الجزائرية ومجاهد.
وفي اليوم نفسه فتحت الحدود الجزائرية التونسية والمغربية، فعاد ألاف اللاجئين الى ديارهم، وتوجه رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية بن يوسف بن خدة إلى مقر ولاية الجزائر وهو مصحوب بأعضاء من الحكومة المؤقتة وهم بلقاسم كريم، محمد بوضياف، حسين أيت أحمد، لخضر بن طوبال، عبد الحفيظ بوصوف ومحمد يزيد، حيث استقبلوا أحسن استقبال من طرف سكان العاصمة، حسب ما يذكره الباحث بن حمودة.
فرحة النّصر
ويصف الأكاديمي أجواء الإحتفال بيوم النصر، حيث شاركت الولايات الثانية، الثالثة، الرابعة والخامسة باستعراض في شوارع العاصمة، وعند وصولهم الى ساحة الشهداء، طلب منهم سكان باب الواد مسيرة في حيهم لتخويف ما تبقى من المجرمين التابعين للمنظمة المتطرفة «لواس».
ويضيف الباحث: «قطعت وحدات جيش التحرير الوطني حي باب الواد وهي مصحوبة بالمواطنين الهاتفين بحياة الجزائر المستقلة ثم توجهت الى سيدي فرج، حيث رفع العلم بحضور عدد من المجاهدين الضباط، الذين طلبوا من العقيد محند أولحاج (مقران أكلي)، الإشراف على مراسيم رفع العلم وتحيّته لكبر سنه وتكريما له.