هاجمت قوى سياسية فرنسية، بشدة، وزير الداخلية الحاقد برينو روتايو، بسبب استغلاله السياسوي للعلاقة مع الجزائر، خاصة في صفوف اليسار الفرنسي، وفي مقدمتها حركة «فرنسا الأبية» بقيادة جون لوك ميلونشون، الذي لم يتردد في اتهام الوزير بالعنصرية ومحاولة استغلال التوترات مع الجزائر لخدمة طموحات شخصية.
في مشهد يعكس عمق التصدعات داخل الطبقة السياسية الفرنسية، اشتعلت من جديد نيران الانقسام والتفكك داخل حكومة باريس،، على خلفية التصريحات التي يطلقها روتايو، والذي اختار أن يوظف ملف الهجرة والجالية الجزائرية في فرنسا، ليس بدافع معالجة قضايا حقيقية، بل بحثًا عن مكاسب انتخابية في مستقبل سياسي يزداد تعقيدًا.
علاوة على ذلك، فإن تصرفات روتايو لم تمر دون رد داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث وجّه نواب «فرنسا الأبية» انتقادات لاذعة له، معتبرين أن تصريحاته لا تعكس مسؤولية وزارية، بل تهدف إلى تصدير خطاب الكراهية والتحريض.
وقد تم تذكير الوزير بأن نسبة تنفيذ قرارات الإبعاد من التراب الفرنسي (OQTF) متقاربة بالنسبة لجميع الدول المغاربية، بما فيها الجزائر، المغرب، تونس ومالي، مما يفند محاولاته تصوير الجزائر كحالة استثنائية أو عائق في تنفيذ السياسة الفرنسية للهجرة.
بالإضافة إلى ذلك، جاءت كلمة ميلونشون في أحد تجمعاته لتكسر الصمت السياسي تجاه هذا الانزلاق، إذ قال بوضوح: «ما شأنه هو في هذه القصة مع الجزائر؟ هذه ليست من صلاحياته، بل من مهام وزارة الخارجية»، مضيفًا بنبرة حادة تحمل أبعادًا إنسانية وسياسية في آنٍ واحد: «نحن ملايين من الفرنسيين المنحدرين من أصول مغاربية. ماذا ستفعلون؟ هل ستمنعوننا من زيارة أهلنا وأقاربنا؟ أنتم تتحدثون عن عائلاتنا».
من جانبه جدد وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، تمسكه بإعادة قنوات التعاون مع الجزائر «خاصة التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب». ما يؤكد أن عزلة الحاقد روتايو، داخل الحكومة تتأكد من يوم لآخر، خاصة وأن خطه التصعيدي لم يحقق أية نتيجة إلى غاية الآن، باستثناء الثرثرة على وسائل الإعلام.
وارتفعت عدة أصوات فرنسية، منددة بالأطماع الشخصية لوزير الداخلية الطامح إلى قيادة الحزب اليميني ومنه التحضير إلى الترشيح للرئاسيات المقبلة، ومن أجل هذه الأغراض السياسوية تسبب هذا الوزير في حالة انفلات غير مسبوقة داخل الدولة الفرنسية. في نفس السياق، لم يكن الرد الجزائري أقل حدة، حيث اعتبرت وزارة الخارجية في بيان رسمي، أن هذه التصريحات ومطالب الترحيل العشوائي قد تجاوزت الأطر القانونية والدبلوماسية التي تنظم العلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أن الترحيل أو الإبعاد تحكمه اتفاقيات ثنائية وآليات قانونية واضحة، لا مزايدات إعلامية أو حسابات انتخابية.
كذلك، أوضح الدكتور عبد القادر بوحاتم، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح «للشعب»، أن تحركات وزير الداخلية الفرنسي تنم عن نوايا سياسية مستقبلية، إذ يسعى إلى كسب تأييد تيارات اليمين المتطرف مستغلًا حساسية ملف الهجرة الذي بات ورقة استقطاب داخل فرنسا.
وأشار بوحاتم إلى الغياب اللافت للرئيس إيمانويل ماكرون عن هذا الجدل، مما يعكس خللاً في التوازن داخل السلطة التنفيذية الفرنسية، لاسيما أن هذا النوع من الملفات، بحكم طبيعته الدبلوماسية، من اختصاص وزارة الخارجية وليس وزارة الداخلية.
هذا الطرح، الذي زاوج بين النقد السياسي العميق والدفاع عن هوية شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي، شكّل ضربة موجعة لخطاب روتايو الذي ينظر إلى المهاجر كمشكلة أمنية لا كعنصر من عناصر النسيج الوطني الفرنسي.
وفي السياق ذاته، تعكس هذه الحملة الفرنسية الرسمية ضد الجزائر استمرار العقدة لدى بعض النخب الفرنسية منذ استقلال البلاد، حيث لاتزال بعض النخب السياسية في باريس تتعامل مع الجزائر بمنطق الهيمنة والمساومة، بدل الشراكة والاحترام المتبادل. وبذلك، تحوّلت قضايا الهجرة والتنقل إلى أدوات ضغط انتخابي، لا تعكس إرادة سياسية صادقة لحل الأزمات، بقدر ما تكشف عن رغبة في إعادة إنتاج خطاب التمييز والإقصاء.
وما يجري اليوم، حسب العديد من المتابعين، لا يمثّل مجرد زلة لسان من وزير متطرف، بل هو اختبار حقيقي للطبقة السياسية الفرنسية، والتي تستمر في تكرار أخطاء الماضي عبر تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، وترفض الانفتاح على واقع فرنسا الجديد. والجزائر، بكل ما تحمله من رمزية تاريخية وثقل استراتيجي، ليست تلك الدولة التي تُعامل كطرف ضعيف في معادلة المصالح. وأي محاولة لاستغلالها سياسياً ستقابل بردود فعل حازمة، كما يحدث هذه المرة.