على أهبة الاستعداد طيلة الشهر الفضيل، مجنّدون لتلبية نجدة المواطنين في أي لحظة، حتى وإن تزامن الوقت مع وقت الإفطار. مهام نبيلة يسهر على تأديتها رجال الحماية المدنية، حيث يتضاعف عملهم وتتنوع تدخلاتهم في رمضان، من إطفاء الحرائق وإجلاء المرضى والتدخل في حوادث المرور التي لا تزال تحصد أرواح الأبرياء.
ملف: موسى دباب ومسعودة براهمية وعلي عويش وأحمد حفاف وسفيان حشيفة وإيمان كافي وخالد العيفة
على خلفية هذه المهام، قامت المديرية العامة للحماية المدنية بوضع جهاز قائم للاستجابة لنداء التدخل في غضون 10 دقائق، حيث يتم تسجيل عملية تدخل في كل 30 ثانية. كما قامت القيادة بتطوير أدوات ومنصات مساعدة لاتخاذ القرار وتسيير عمليات التدخل، على غرار مخطط الولايات لتحليل المخاطر وتغطيتها (SWACR)، والذي يسمح بتطوير خريطة المخاطر لكل ولاية ممّا سيسهل في وضع جهاز استباقي ملائم.
وعن خطر حوادث المرور، وضعت المديرية العامة للحماية المدنية استراتيجية شاملة قائمة على 4 محاور للتحسيس من مخاطر حوادث المرور خلال هذا الشهر، شملت كل من التكوين (تقديم الاسعافات الأولية في الطرقات)، الاسعافات الاستباقية عبر مختلف محطات الإنقاذ عبر الطرقات، إلى جانب السرعة في الاستجابة والتدخل.
وسجلت منذ بداية شهر رمضان حوالي 1414 حادث مرور أسفروا عن إصابة 1557 شخص و53 وفاة 15حالة منها خلال اليوم الأول، معظم هذه الحوادث تم تسجيلها ساعة قبل آذان الفطور، وفي الساعات الصباحية والتي غالبا قد تكون بسبب الإرهاق والنعاس.
ورغم الحملات التحسيسية والتوعوية المنظمة من طرف كل الفاعلين في مجال السلامة المرورية، إلا أن الأرقام والإحصائيات المتعلقة بحوادث المرور لا زالت مثيرة للقلق، حيث يتم دراسة هذه المؤشرات من أجل وضع استراتيجية ملائمة بالعمل التحسيسي في هذا الميدان.
وتسطّر وحدات الحماية المدنية عبر ولايات الوطن دورات تكوينية لفائدة المواطنين حول الاسعافات الأولية لمدة 21 يوما وبأوقات مكيفة، حيث تم تكوين إلى حد الآن 186 ألف شخص.
وتهدف المديرية العامة للحماية المدنية من خلال هذه الدورات التكوينية إلى جعل المواطن ينتقل من مواطن شاهد إلى مواطن فاعل في إنقاذ الأرواح البشرية سواء في المنزل أو في الطرقات.
حضور دائم إلى جانب المواطن
لا يتوقف الهاتف عن الرنين، والاتصالات تنهال من كل مكان عبر الرقمين المجانيين 14 و1021. بين نداءات استغاثة حقيقية وبلاغات كاذبة، تجد فرق الحماية المدنية نفسها في سباق مع الزمن، حيث لا تتوقف الحوادث لحظة واحدة، والتدخلات مستمرة على مدار الساعة، حرائق، فيضانات، حوادث مرور، إلى جانب حالات اختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون، وإغماءات تتطلب تدخلا سريعًا لإنقاذ الأرواح.
الصيام لا يؤثر على رجال الحماية المدنية، فهم في الميدان أشبه بالمجاهدين، لا يبالي أحدهم بالجوع أو العطش عندما يكون الواجب في المقدمة، رجل الحماية يعمل بإصرار وتفان، حتى لو استمر تدخله لأكثر من ثماني أو تسع ساعات دون انقطاع.
رنّ جرس الهاتف في قاعة العمليات، بنداء استغاثة عاجل، طفل صغير اختفى في منطقة عمورة بالجلفة، وعائلته مذعورة، لا أثر له منذ ساعات. لم يكن هناك وقت للتردد، تحرّكت فرق الحماية المدنية بسرعة، مستنفرة كل إمكانياتها، وانطلقت عمليات التمشيط تحت جنح الليل، بمساعدة الدرك الوطني.
الساعات تمر بطيئة، والأمل يمتزج بالقلق، لم يتوقف الأعوان عن البحث، رغم التعب والجوع وموعد الإفطار قد مر منذ زمن. وأخيرا، عند الواحدة ليلا، انطلق النداء عبر أجهزة اللاسلكي: «عثرنا عليه»، عادت الحياة إلى وجوه المنهكين، لكنهم لم يفكروا في أنفسهم، بل في الفرحة التي ستغمر قلب أمّه حين تضمه من جديد، هذا هو واجبهم، هذه هي التضحية التي لا تحتكم إلى وقت أو راحة، بل إلى نداء الإنسانية أولا وأخيرا.
وفي الساعة الخامسة مساء من يوم الثامن من مارس الجاري، رنّ الهاتف في قاعة العمليات ببلاغ استغاثة عاجل. قطيع أغنام محاصر وسط مياه وادي الطويل بمنطقة الخرايسية، الخطر يداهم الراعي، وكل دقيقة تمر قد تعني خسارة فادحة، على الفور، تحركت فرق الحماية المدنية من الوحدة الثانوية بسيدي لعجال، تخترق المسافات بسرعة، متجاوزة وعورة الطريق وصعوبة التضاريس، لحظات توتر، دقائق حرجة، ثم جاء النداء عبر اللاسلكي، «تمّ إنقاذ الراعي وقطيعه بالكامل».
تنفّست قاعة العمليات الصعداء، لكن لم يكن هناك وقت للراحة، اتصال آخر يقطع اللحظة، صوت مرتجف على الطرف الآخر، امرأة شابة فقدت وعيها بسبب تسمم بغاز البوتان في منطقة روس العيون، لم يكن أمام فرق الإسعاف سوى الاستجابة الفورية، في دقائق، وصلت إلى الموقع، قدمت الإسعافات الأولية، ونقلتها بسرعة إلى المستشفى حيث استقرت حالتها.
وفي بلدية عين الإبل، رنّ الهاتف مجددا، حادث مرور في الساعة 16:03، ثلاثة مصابون بحاجة إلى تدخل عاجل. في سباق مع الزمن، انطلقت الفرق، أنقذت المصابين وقدمت لهم الإسعافات الضرورية قبل نقلهم إلى العيادة متعددة الخدمات.
لكن الحوادث لا تعرف التوقف، ففي الولاية المنتدبة مسعد تصاعد الدخان في الأفق، نداء جديد في الساعة الحادية عشرة صباحا، حريق في بستان بمنطقة ختالة، الأشجار تلتهمها النيران بسرعة، والمزارع يراقب بخوف خسارته المحتملة، اندفعت فرق الحماية المدنية نحو الموقع، قاتلت ألسنة اللهب حتى أخمدتها، لكن الحريق خلف وراءه خسائر، 15 شجرة مشمش، 10 أشجار زيتون، 8 أشجار رمان، صناديق نحل، وأنابيب ري احترقت بالكامل.وفي مكان آخر، اشتعل سياج قصب بطول 60 مترا في مسعد، بينما اندلع حريق آخر في بلدية سيدي لعجال، حيث تمكنت الوحدة الثانوية لعين وسارة من احتوائه قبل أن يتمدد.
هذه ليست سوى نماذج من الحوادث الرمضانية التي تواجهها فرق الحماية المدنية يوميا، حيث يبقى الاستنفار هو القاعدة، والراحة استثناء بعيد المنال.
كادت تقتله.. “الشمة”!
لم يكن يخطر ببال أحد أن «الشمة» قد تكون سببا في حادث خطير، لكن هذا ما حدث بالفعل في إحدى الحوادث الغريبة التي تعاملت معها فرق الحماية المدنية بالجلفة، فبينما كان أحد المواطنين يستعد للإفطار، أدرك فجأة أنه نسي علبة «الشمة»، فاندفع بسيارته مسرعا لجلبها قبل أذان المغرب، وكأن حياته تتوقف على تلك العلبة، وفي لحظة تسرع وقلة تركيز، انتهى به الأمر في حادث مرور كاد أن يكلفه حياته.
المكالمات الكاذبة.. مشكلة عجيبة
قال رئيس مركز التنسيق العملي، النقيب زروق عبد الله «المداومة مستمرة 24/24 ساعة، ونتعامل مع مختلف البلاغات، من حوادث المرور إلى الحرائق والفيضانات، لكن المشكلة أن عدد المكالمات الكاذبة يفوق الصحيحة، مما يتسبب في كثير من الأحيان في خروج الفرق دون جدوى، بينما قد يكون هناك شخص آخر في خطر حقيقي»، وأضاف أن «ذروة البلاغات تكون قبل الإفطار مباشرة، حيث يتسابق السائقون للوصول إلى منازلهم، مما يؤدي إلى حوادث مرورية متكررة، وهو ما يستدعي مزيدا من الحيطة والحذر، خاصة في ظل ارتفاع معدل الحوادث خلال هذه الفترة».
وأشار «إلى أن هناك تنسيقا دائما مع مصالح الأمن، حيث يتم تبادل المعلومات حول الحوادث والتدخلات، باستثناء الحالات العادية المتعلقة بإسعاف المرضى»، ودعا المتحدث المواطنين قائلا «كل بلاغ كاذب يعطّلنا عن إنقاذ حياة شخص قد يكون في خطر حقيقي، لذلك أرجو من التحلي بالمسؤولية وعدم التلاعب بأرقام الطوارئ».
خطّة لمواجهة حوادث رمضان
وأكّد المقدم محمد شهب العين، مدير الحماية المدنية لولاية الجلفة، أنه مع حلول شهر رمضان تضع الحماية المدنية خطة تدخل خاصة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، المحور الأول يتعلق بحوادث المرور، التي تزداد بشكل ملحوظ خلال الساعة التي تسبق موعد الإفطار، حيث يعمد بعض السائقين إلى القيادة بتهور في محاولة للوصول إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع حوادث خطيرة تشمل انحراف المركبات وانقلابها، مخلفة ضحايا بين قتلى وجرحى.
ولمواجهة هذه المخاطر – يضيف – تكون فرق الحماية المدنية في حالة تأهب قصوى، حيث تبقى سيارات الإسعاف وشاحنات التدخل على أهبة الاستعداد في حالة إنذار من الدرجة الأولى، خاصة في الفترة ما قبل الإفطار.
رجال الحماية المدنية عيون ساهرة على الأمان
في ليالي الطّمأنينة وأيام العسر، يكرس أبطال الحماية المدنية، رجالا ونساءً، وقتهم وجهدهم وطاقاتهم لأداء واجباتهم النبيلة بكل عزم وصبر، وهم دائما على أهبة الاستعداد لأداء مهامهم بكفاءة عالية في رمضان وفي كل شهر، دون كلل أو ضجر.
ومع ذلك، غالبا ما ينصبّ تركيزنا على عملية إطفاء الحرائق، متغافلين عن مهامهم الأخرى الهامة، وعلى رأسها حماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى دورهم المحوري في تعزيز الوعي والاستعداد لمواجهة المخاطر المحتملة وتقليل تأثيرها على الأفراد والمجتمع.
وإن توحّدت مهام ومسؤوليات الحماية المدنية في جميع مناطق ومدن الوطن، إلا أن مديرية وهران، تتميز بتحملها لمسؤوليات أكبر، نظرا لموقعها الجغرافي المفتوح على المخاطر البيئية والطبيعية والصناعية بمختلف أنواعها، فضلا عن كونها، ثاني أكبر مدينة في الجزائر وأكثرها جذبا للسياح.
استجابة سريعة وفعّالة
وفي كل رمضان، وكل مناسبة، يكثف الجهاز جهوده لمواجهة الحوادث والطوارئ المحتملة، في إطار التزامه التام بتحقيق أعلى مستويات الحماية والأمن والسلامة العامة، حسبما جاء على لسان الرائد بلالة عبد القادر، رئيس مكتب المخططات ومكلف بالإعلام على مستوى المديرية.
وأكد بلالة في تصريح لـ «الشعب» أنّ «التحضيرات تتضمن بشكل رئيسي مجموعة من التدريبات المتخصصة، التي تهدف إلى تعزيز جاهزية الفرق وزيادة كفاءتهم في التعامل مع الحالات الطارئة، بما في ذلك الحوادث المنزلية وحوادث المرور، لضمان استجابة سريعة وفعالة».
وأوضح المتحدث أن «مداومة الحماية المدنية، خلال شهر رمضان، تغطي عدة جوانب، منها الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ والتواجد الدائم بالقرب من المناطق المزدحمة، بالإضافة إلى وضع أجهزة أمنية ليلية في المساجد الكبرى التي تشهد إقبالا كبيرا من المصلين، مع تقديم الدعم اللازم عند الحاجة».
كما أضاف أن «التدابير الأمنية في المساجد الكبرى، التي تشهد توافدا كبيرا من المصلين، خصوصا خلال صلاة التراويح، تشمل وضع أجهزة أمنية لمراقبة الوضع وضمان سلامة الجميع، وذلك في إطار الجهود المستمرة لخلق بيئة آمنة أثناء الفعاليات الدينية».
في هذا الصدد، أكّد المسؤول نفسه، أن «الأسباب الرئيسية للحوادث المرورية، تتجلى في القيادة غير الآمنة وعدم الامتثال لقوانين المرور، خاصة قبل الإفطار»، لافتا إلى «ضرورة الالتزام بقوانين المرور وتجنب السرعة الزائدة، لأن التعب والنعاس الناتجين عن الصيام يزيدان من مخاطر وقوع الحوادث».
فيما يتعلق بالحوادث المنزلية، أوضح الرائد بلالة عبد القادر، أن «الحماية المدنية تصنف هذه الحوادث ضمن المخاطر الكبيرة، وغالبا ما تؤدي إلى إصابات خطيرة بين الأطفال وكبار السن».
وأوضح أن «المطبخ يُعد من أكثر الأماكن المعرّضة للحوادث المنزلية؛ حيث الأدوات الحادة، النيران، والزيوت الساخنة، تشكّل جزءا من الحياة اليومية فيه، ممّا قد يؤدي إلى حوادث خطيرة، خصوصا في فترة ما قبل الإفطار خلال شهر رمضان».
ويشمل هذا النوع من الحوادث، وفقا للمصدر ذاته، مجموعة متنوعة من المخاطر، أبرزها السقوط، الحروق، الاختناق، التسمم، والصعق الكهربائي، وغيرها من الحالات التي يمكن الوقاية منها من خلال اتخاذ تدابير احترازية بسيطة، خاصة عند التعامل مع المواد الكيميائية الخطرة والأطعمة الساخنة والزيوت المستخدمة في القلي.
كما أكد رئيس مكتب المخططات ومكلف بالإعلام بمديرية الحماية المدنية لولاية وهران، على أن «احتمالية الإصابة بالتسمم الغذائي، تتضاعف عادة خلال شهر رمضان، بسبب سوء التخزين أو شراء المواد الغذائية من أسواق تفتقر إلى معايير النظافة».
واستنادا لإحصائيات الحماية المدنية، يُلاحظ زيادة في عدد الحوادث خلال شهر رمضان، خاصة حوادث السير والحوادث المنزلية؛ حيث بلغ مجموع التدخلات التي سجلتها وهران 267 تدخلا منذ بداية الشهر الفضيل إلى 10 مارس.
حماة الديار بتندوف.. درع الأمان وعنوان التّضامن
لم تمنع مشقّة الصيام عناصر الحماية المدنية بتندوف من أداء مهامهم بكل احترافية، حيث أن الكثير منهم يواصل العمل لساعات طويلة دون أن يؤثّر ذلك في سرعة استجابتهم أو دقّة تدخّلاتهم، سواء في حوادث السير أو الحوادث المنزلية، واضعين نُصب أعينهم سلامة الأرواح والممتلكات في مقدمة الأولويات، حيث أن الاستجابة لنداء طارئ هو أولى لدى هؤلاء من الاستمتاع بوجبة الفطور.
تسعى الحماية المدنية بتندوف الى توفير أقصى درجات الأمن والسلامة للمواطنين في مختلف الظروف، خاصة خلال شهر رمضان المبارك الذي يشهد زيادة في الأنشطة المختلفة بعضها قد يكون خطيراً على بعض الفئات، مما يتطلّب تدخّلات متواصلة من قبل الحماية المدنية، ومن خلال الأرقام الرسمية المُعلن عنها، يظهر جلياً الدور الحيوي الذي يلعبه الجهاز في الحفاظ على سلامة المواطنين، وتقليل المخاطر المحتملة من أجل قضاء شهر رمضان بلا حوادث.
أثبتت الحماية المدنية بتندوف خلال شهر رمضان أنها درع أمان حقيقي للمجتمع، من خلال جاهزيتها الدائمة واستعدادها للتدخل في أصعب الظروف خاصةً في ساعات الصيام الطويلة، فالعمل الذي تقوم به الحماية المدنية خلال شهر رمضان لا يقتصر على الجانب المهني فحسب، بل يعكس روح التضحية والاخلاص في خدمة المواطنين، فرغم ساعات الصيام الطويلة وظروف الطقس القاسية، يواصل أفراد الحماية المدنية تأدية مهامهم بروح المسؤولية والتفاني، ما يجعل “ملائكة الأرض” محل تقدير وإشادة من قبل سكان تندوف.
فرغم ساعات الصيام الطويلة والطقس المتقلّب الذي يميّز ولاية تندوف، يواصل عناصر وضباط الحماية المدنية أداء واجبهم الانساني والوطني بتفانٍ منقطع النظير، فالتحدّيات التي تواجههم سواء كانت حوادث مرور، حرائق أو حالات طوارئ صحية، ناهيك عن شساعة إقليم الاختصاص الممتد على مساحة 165 ألف كلم، وطريق طويلة تربط شنشان بواد الدورة مروراً بتندوف على مسافة تزيد عن 1000 كلم، لم تُثنهم عن الاستجابة السريعة والفعّالة، مما يعكس روح المسؤولية العالية التي يتحلّون بها.
وأظهرت الأرقام على المستوى المحلي تسجيل حوادث مختلفة خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان الجاري، وهي ذات الأرقام التي أبانت عن أداء مشرّف خلال ساعات الصيام الطويلة، مما يعكس التزامها الكبير بحماية المواطنين والحفاظ على حياتهم من خلال التدخلات السريعة والمتواصلة، وكذلك الجهود المتزايدة في مجال التحسيس والتوعية.
بجانب التدخلات الاعتيادية، تتزايد بعض المخاطر بشكل ملحوظ في رمضان، مثل الحوادث المرورية والحوادث المنزلية بسبب تغيّر أنماط الحياة في هذا الشهر الفضيل، إذ أن الكثير من الحوادث تحدث قُبيل الإفطار، حيث سجّلت الحماية المدنية بتندوف 116 تدخلاً خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان الجاري، منها حادثين مروريين أودى أحدهما بحياة طفلة فيما وقع الحادث الآخر على الطريق الوطني رقم 50، وهو ما يعكس الحاجة الـملحّة للتوعية حول مخاطر القيادة المتهورة والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة، خاصة في الفترة المسائية.
وتشهد مدينة تندوف خلال الفترة المسائية اكتظاظا في الشوارع والمحلات، وهي سلوكيات سيئة تعتبرها مصالح الحماية المدنية سبباً رئيسياً لازدياد الحوادث، حيث يُقبل المواطنون على المحلات والأسواق في وقتٍ واحد، الأمر الذي يؤدي الى اختناق في حركة سير المركبات في الشوارع قُبيل وقت الإفطار.
ولا تقتصر الحوادث في رمضان على الطرقات فقط، بل تشمل أيضاً الحوادث المنزلية التي وجدت لنفسها هي الأخرى مُتّسعاً في حصيلة نشاطات الحماية المدنية خلال شهر رمضان، أين يكثر استخدام الأواني الكهربائية والغازية بشكل مكثّف، خاصةً أثناء تحضير وجبات الإفطار. وتحرص الحماية المدنية بتندوف على تقديم النصائح والارشادات الخاصة بالتعامل مع الأجهزة الكهربائية والكيفية السليمة لتخزين المواد الغذائية، مع حرصها على التنبيه من مخاطر التسمّم الغذائي الذي قد ينجم عن سوء التخزين.
وفي السياق ذاته، وإدراكاً منها لأهمية الوقاية، كثّفت الحماية المدنية بتندوف من حملات التوعية التي تستهدف المواطنين، خاصةً فيما يتعلّق بالمخاطر المنزلية والتعامل السليم مع الأجهزة الكهربائية والغازية، وضرورة احترام قواعد السلامة المرورية، كما تم تقديم إرشادات للصائمين حول أهمية تجنّب التعب والارهاق أثناء القيادة الطويلة والحرص على أخذ قسط كافٍ من الراحة قبل الإفطار. وتُجرى عمليات التحسيس من خلال برامج توعية وومضات إشهارية بالإذاعة المحلية، كما تتعاون الحماية المدنية مع المجتمع المدني والمؤسسات العمومية ومختلف مصالح الأمن من أجل الوصول الى رمضان دون حوادث.
قلة النوم سبب معظم حوادث المـرور في رمضــــان
أنجزت وحدات الحماية المدنية بولاية البليدة 144 تدخلا منذ بداية شهر رمضان الفضيل إلى غاية صبيحة يومه العاشر، وهي الفترة التي بلغ خلالها عدد حوادث المرور 94، وأسفرت عن وفاة شخصا و97 جريحا.
بحسب المكلفة بالإعلام لدى الوحدة الرئيسية للحماية المدنية بالبليدة، صايغي بوعوينة مريم، فإن أغلبية الحوادث تقع أوقات الذروة سواء في الفترة الصباحية التي يهم خلالها العمال للالتحاق بمناصب عملهم أو قضاء حوائجهم، أو في الفترة المسائية التي تشهد عودتهم للإفطار بديارهم.
وعلى غرار بقية شهور السنة، فإن الخطأ البشري يتسبب في معظم الحوادث التي تقع بحسب ذات المسؤولة، غير ما يميز شهر رمضان بحسب قولها، هو قلة النوم بسبب نظام الحياة الاستثنائي الذي يعرفه، وينجم عنه كثرة الشهر ليلا مما يؤدي إلى التعب نهارا، مضيفة في هذا السياق قائلة: «فيما يتعلق بأسباب حوادث المرور التي سجلناها، فهي تنحصر في قلة النوم أو بالأحرى السياقة تحت تأثير النعاس من قبل الكثير من العمال لما يتنقلون في الفترة الصباحية إلى مقرات عملهم، وتحدث الدورة بين السادسة ونصف إلى الساعة العاشرة، أما في الفترة المسائية وقبل الإفطار بحوالي ساعة من الزمن، فالأسباب تكمن في السرعة المفرطة والتجاوزات الخطيرة، واستعمال الهاتف النقال بحسب الإحصائيات التي سجلتها مصالح الحماية المدنية».
وأضافت بالقول: «البليدة معروفة أيضا باستعمال الدراجات النارية في التنقل، ولهذا نسجل يوميا بين 4 أو 5 حوادث لهذا النوع من وسائل النقل، وهذا لانعدام السلامة الفردية وعدم احترام قانون المرور، وفي المساء يحدث ضغطا مروريا والكثير من أصحاب المركبات يذهبون لشراء بعض الحاجيات، ويسرعون لإيصالها إلى عائلاتهم قبل الإفطار».
وختمت المتحدثة قولها بخصوص نظام العمل المعتمد خلال شهر رمضان:» نشتغل بمداومة 24 ساعة مقابل 48 ساعة، أي عون الحماية المدنية يكون متاحا للعمل طوال اليوم ومستعدا لكافة التدخلات ليلا ونهارا، وفي بعض الأحيان يضطر عون الحماية لإرجاء إفطاره إلى حين إكمال تدخله، كما يمدّد فترة عمله لأكثر من 24 ساعة لما تتأخر فرقة المناوبة أي قدوم زميله لتعويضه».
المدير الفرعي للإحصائيات والإعلام الرّائد نسيم برناوي: لدينا استراتيجية عملياتية ووقائية للعمل في رمضان
يتضاعف عمل ونشاط رجال الحماية المدنية خلال شهر رمضان الفضيل، وتتنوّع تدخلاتهم بين حوادث مرور وإجلاء مرضى ومصابين بحروق وتسممات في المنازل، زيادة على القيام بحملات تحسيسية وتوعوية عبر وسائل الإعلام وغيرها من الفضاءات الإجتماعية في ولايات الوطن الثّماني والخمسين، حسب ما علم من مصالح الحماية المدنية.
أوضح المدير الفرعي للإحصائيات والإعلام بالمديرية العامة للحماية المدنية، الرائد نسيم برناوي، في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، إن الجهاز سطّر استراتيجية عملياتية ووقائية خاصة برمضان المعظم، تشمل رفع جاهزية الوحدات لضمان راحة المواطنين، وتفعيل برامج توعوية ضد الحوادث المنزلية والمرورية، اُستهلّت بتنظيم أسبوع تحسيسي قبل بداية شهر الصيام بإشراك وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، جرى خلاله تقديم نصائح وإرشادات لأفراد المجتمع بغرض التحلي بثقافة الوقاية وتفادي المخاطر الناجمة عن الأشغال العائلية اليومية.
وأفاد الرائد نسيم برناوي، إنّ مصالح الحماية المدنية سجلت في العشر أيام الأولى من شهر رمضان، 22504 تدخل في شتى الأنشطة التدخلية، منها ما يفوق 16 ألف تخص حالات إجلاء منزلي صحي للمرضى وإسعاف مصابين.
وفي سياق حوادث المرور، أضاف برناوي أن المديرية أحصت 2426 تدخل على إثر وقوع حوالي 1200 حادث، خلفت وراءها وفاة 59 شخصًا في عين المكان، وإصابة 1720 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، مشيرًا إلى أن أغلب التدخلات المرورية المميتة كانت في المساء قبيل الإفطار بساعة ونصف إلى غاية دقائق على آذان المغرب، تتلوها فترة الصباح الباكر بين السادسة والثامنة.
ويُفسِّر هذا المُعطى وجود عوامل متسبّبة في وقوع الحوادث تتمثل أساسًا في الإفراط بالسرعة في الفترة المسائية قبل حلول موعد الإفطار، وحالات تعب وإرهاق ونعاس ونوم من السائقين في الصباح الباكر، وهو ما يؤدي على حالات تصادم وانقلابات، وفقًا للمصدر ذاته.
كما أشار المتحدث إلى تسجيل تدخلات منزلية أخرى للحماية المدنية قبيل الإفطار وبعده، تتعلق بالتعرض للحروق نتيجة ترك السوائل الساخنة كزيت القلي والشربة في متناول الأطفال، والإصابة بها أثناء نقلها بين المطبخ وقاعة الأكل، فضلا عن وقوع بعض التسممات الغذائية والتخمة نتيجة الإفراط في تناول الطعام.
المديرية العامة للحماية المدنية وضعت كل هذه الحوادث في الحسبان قبل حلول شهر الصيام، وسطّرت لها مبادرات وقائية تحسيسية على غرار البرنامج التوعوي رفقة الدرك الوطني ضد حوادث المرور، وحملات مكافحة التبذير والتسممات الغذائية مع مديريات التجارة، يقول الرائد نسيم برناوي.
دور حيوي في رمضان
شهدت وحدات الحماية المدنية لولاية ورقلة منذ اليوم الأول لشهر رمضان 2025، تسجيل العديد من التدخلات في مختلف المجالات، شملت حوادث المرور، الحرائق، الإجلاء الصحي، مما يعكس الجهود الكبيرة المبذولة لضمان سلامة المواطنين.
سجلت المصالح المختصة خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 8 مارس، 233 عملية تدخل، توزعت على عمليات الإجلاء الصحي وحرائق الغابات وحرائق حضرية وصناعية ومختلفة، من بين هذه التدخلات 14 عملية تدخل تخص حوادث مرورية، وقد سجلت ذات المصالح خلال هذه الفترة 7 حوادث مرور، كان أبرزها الحادث الذي وقع بتاريخ 4 مارس 2025 على طريق مطار حاسي مسعود، إثر اصطدام سيارتين من نوع “أكسنت هيونداي”، ما أدى إلى وفاة فتاة في عين المكان وإصابة شخصين بجروح متفاوتة الخطورة، مع تسجيل أضرار مادية جسيمة بالمركبتين، إضافة إلى 4 حوادث مرور لدرجات نارية على مستوى الطرق الولائية.
وبالنسبة لأجواء العمل خلال شهر رمضان، كشف في حديث لـ “الشعب” المكلف بالإعلام لدى مديرية الحماية المدنية لولاية ورقلة، إبراهيم بن عيوة، أن ظروف العمل في الحماية المدنية تختلف خلال شهر رمضان، نظرا لطبيعة التوقيت الاستثنائي وارتفاع وتيرة التدخلات في بعض الفترات، حيث يكون نظام العمل في رمضان بالنسبة للفرق الميدانية وفق نظام 24 ساعة عمل مقابل 48 ساعة راحة، لضمان الجاهزية القصوى على مدار الساعة وفي الجانب الإداري يلتزم بالتوقيت الرمضاني الذي يمتد من الساعة 8 صباحا إلى 3 زوالا، مع إمكانية مشاركة الموظفين الإداريين في التدخلات عند الضرورة.
وذكر المتحدث أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر الفترات التي تشهد تدخلات مكثفة عادة ما تكون بعد الإفطار، إذ يكثر خلالها التنقل لأداء صلاة المغرب في المساجد، ما يؤدي إلى وقوع حوادث، خاصة بالنسبة لمستعملي الدراجات النارية، لكن الملاحظ هذه السنة أن عدد الحوادث المرورية كان أقل مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت الحوادث سابقا تسجل بشكل أكبر قبل الإفطار بسبب الازدحام المروري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ وحدات الحماية المدنية خلال رمضان، تبقى في حالة تأهب قصوى للتعامل مع مختلف الطوارئ، سواء كانت حوادث سير، حرائق أو حالات إسعاف صحي، خاصة في الساعات التي تسبق الإفطار أو تلك التي تلي صلاة المغرب.
يلبّون نداء النّجدة في كل الأوقات..
كشفت المكلفة بالإعلام بمديرية الحماية المدنية لسكيكدة، النقيب إيمان مرواني، في تصريح لـ «الشعب»، أن وحدات الحماية المدنية على جاهزية تامة للتدخل، لا سيما في مجال حوادث المرور قبيل الإفطار خلال شهر رمضان، إذ غالبا ما تكثر الحوادث، إلى جانب الحوادث المنزلية خاصة حرائق البيوت.
أشارت مرواني إلى أن أربعة وحدات بولاية سكيكدة تعتبر الأكثر تدخلا خصوصا بشهر الصيام، وتتمثل في الوحدة الرئيسية، الوحدة الثانوية سكيكدة، المركز المتقدم وسط سكيكدة، ووحدة قطاع الميناء، وهي الوحدات حسبها، الأكثر تدخلا من بين 16 وحدة الموجودة بإقليم الولاية.
وحسب المساعد علي هبهوب، فإن عون الحماية المدنية على أهبة الاستعداد ويتوقع خروجه لنجدة المواطنين في أي لحظة، مشيرا إلى أن الكثير من رجال الحماية لبوا نداء النجدة تزامنا مع وقت الإفطار بعد تبليغهم بحوادث أو من أجل تدخل لإجلاء المرضى، وهناك من يؤخر إفطاره إلى غاية نهاية العمل المتمثل في نجدة المواطنين والتدخل لإسعافهم وإجلاءهم.
ويقول علي هبهوب الذي ينتمي للوحدة الثانوية عزابة، منذ سنة 2020، وبعد عمل حوالي 13 سنة بالوحدة الرئيسية بحمروش حمودي، أنه بالنسبة للتدخلات في شهر رمضان ومن خلال تواجده بالوحدة الرئيسية، «نقوم بالتدخل في جميع المجالات كالحرائق، حوادث المرور، وأخرى مختلفة، حيث أن العمل في الشهر الكريم جد عادي بالنسبة لنا، نظرا للتكوين الجيد الذي تحصلنا عليه سواء بالمدرسة الوطنية أو على مستوى الوحدة الرئيسية»، والوقت الحساس حسب لهبهوب، خلال شهر رمضان، هو قبل وبعد أذان الإفطار بساعة، ولاسيما حوادث المرور، والمتعلقة بالدراجات النارية أساسا.