بعد مرور عشرات السنين من استرجاع سيادة الجزائر، لا تزال مراكز التعذيب والاستنطاق المنتشرة عبر مختلف ولايات الوطن، تحاكي بشاعة ووحشية وفظاعة المستعمر الفرنسي في تعذيب الجزائريين، على غرار مركز “حمام المجزرة” ببلدية الشريعة (غرب ولاية تبسة).
ما يميز هذا المعتقل الاستعماري جدرانه القديمة المهترئة وغرفه العديدة والمظلمة وآباره العديدة، التي امتلأت بجثامين الشهداء وأشلاء اللذين مروا منه وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب.
و يتربع “حمام المجزرة”، الذي سمي بسبب التعذيب والمجازر المرتكبة فيه من قبل عساكر العدو الفرنسي، على مساحة 900 متر مربع ويقع بأحد أحياء مدينة الشريعة العريقة بعيدا عن أعين المارة ومسامع السكان المجاورين له وكثيرا ما كان موقع صراخ وأنين المجاهدين لتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب.
تشير الدراسات والبحوث التاريخية إلى أن السلطات الاستعمارية اختارت هذا الحمام للسببين السالف ذكرهما وانتزعته من أصحابه، كما استولت على عديد المنازل والممتلكات المجاورة له من أهاليها وأنشأت فيه مركزا للتعذيب والاستنطاق مطلع 1957 .
ويستذكر المجاهد الطيب راهم، عضو المنظمة الولائية للمجاهدين، أبشع صور التعذيب والاستنطاق التي تعرض لها المجاهدون في حمام المجزرة، سواء من الشريعة أو المناطق المجاورة لها، حيث كان يتم تجميعهم واستنطاقهم في ظروف غير إنسانية وتعذيبهم بأساليب وحشية باستعمال الماء والكهرباء ووسائل أخرى علها تثنيهم عن إرادة التحرر والانعتاق.
من جهته، أشار المجاهد أحمد حاجي، عضو سابق في جيش التحرير الوطني، إلى أن “الجنود الفرنسيين تفننوا في تعذيب الثوار، حيث كانت دماءهم تجري في ساقية تابعة لحمام المجزرة، تمتد لحوالي كيلومترين”.
ويروي المجاهد، أن التعذيب في هذا المكان يتم في صمت اعتبارا من أنه مركز لم يكن بالإمكان سماع صرخات المعذبين بسبب موقعه البعيد وغرفه المغلقة وأنفاقه الصغيرة والضيقة.
وتحدث المجاهد عمار بن جوع، على “فظاعة أساليب التعذيب التي كان يتفنن المستعمر الفرنسي في استخدامها في هذه المراكز سواء بحمام المجزرة أو المراكز الأخرى، حيث كان يستعمل الوسائل الكهربائية والحبال والأوتاد المعلقة والسلاسل الحديدية، إضافة إلى استعمال الكلاب الشرسة لنهش أجساد المجاهدين وهم أحياء”.
وتجدد الأسرة الثورية بولاية تبسة دعواتها في كل مناسبة للوزارة الوصية بضرورة إعادة الاعتبار لهذا المعلم التاريخي، الذي يعد شاهدا على فظاعة جرائم الاستعمار الفرنسي وتحويله إلى متحف تاريخي يروي تفاصيل حقبة زمنية هامة من تاريخ المنطقة ونضال من ضحوا بأرواحهم في سبيل استرجاع السيادة الوطنية.
ودعا الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بتبسة، محمد الشريف ضوايفية، إلى إقامة متحف تاريخي للمجاهد بموقع حمام المجزرة، واستعمال جدرانه لتعليق صور تحاكي مظاهر التعذيب، التي تعرض لها المجاهدون.
وأضاف ضوايفية، أن هذا المر كز مر عليه أزيد من 800 مجاهد من مختلف المناطق والولايات عذبوا بأبشع الأساليب والطرق، مشددا على ضرورة توثيق هذه الجرائم والاستفادة من الشهادات الحية، التي تروى عن هذا المركز حتى يعتمد عليه كجزء من الذاكرة الوطنية يلجأ إلى استعمالها للقيام ببحوث أكاديمية.