انطلقت فعاليات مؤتمر “الجزائر المتصلة 2025”، اليوم، بالعاصمة، بحضور أربعة وزراء ممثلين للحكومة، ونخبة من الخبراء المحليّين والدوليّين في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، وعلى مدار يومين، سيشهد الحدث الرقمي الأبرز في الجزائر الذي يشكّل محطة إستراتيجية ضمن مسار التحول الوطني نحو الاقتصاد الرقمي المستدام، في ظل تحوّلات تكنولوجية عميقة وسريعة يشهدها العالم، سلسلة من الجلسات والنقاشات تسلّط الضوء على أحدث التوجّهات في البنية التحتية للاتصالات، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الحوسبة السحابية، والمدن الذكية.
في كلمة ألقاها في افتتاح أشغال المؤتمر، بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، أكّد وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية سيد علي زروقي، أنّ هذا اللقاء لا يعد مجرّد تظاهرة تقنية فحسب، بل هو فضاء للعمل والتخطيط المشترك، يجمع بين الحكومة، القطاع الخاص، المؤسّسات الأكاديمية، والفاعلين الرقميّين، لتوحيد الجهود، تحديد الأولويات، وترجمة الطموحات إلى خطوات قابلة للتنفيذ.
وأبرز زروقي، التقدم الذي حقّقته الجزائر خلال السنوات الأخيرة في مجال الرقمنة، بفضل التوجيهات السديدة لرئيس الجمهورية، ووفق رؤية حكومية متكاملة تهدف إلى إرساء اقتصاد رقمي سيادي، ديناميكي، ومنفتح على العالم.
ثلاثية رقمية
وفي هذا الإطار، قال زروقي: “إنّ وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية تعمل على تحديث البنية التحتية الوطنية للاتصالات، وتوسيع التغطية، وربط المناطق المعزولة، وضمان الوصول العادل للتكنولوجيا الحديثة”، مشيرا إلى أنّ التحول الرقمي لا يقاس بالبنية التحتية فقط، بل يتطلّب رؤية شاملة تشمل الأمن السيبراني كعنصر أساسي للسيادة الرقمية، الذكاء الاصطناعي كرافعة للنمو، والاستثمار في رأس المال البشري باعتباره المصدر الرئيسي للابتكار.
وفي هذا السياق، أعلن أنّ الجزائر بصدد وضع اللمسات الأخيرة على إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، بالتوازي مع إنشاء أول مدرسة وطنية عليا في هذا المجال، موضّحا أنّ هذه الاستراتيجية تهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات، دعم الاقتصاد، وتحقيق الاندماج القاري والدولي.
من جهة أخرى، أبرز وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، أن ّالدولة تولي أهمية قصوى للأمن السيبراني، من خلال تطوير الأطر القانونية، تعزيز المنظومات التقنية، والتنسيق مع جميع القطاعات الحساسة لبناء درع وطني فعال في وجه التهديدات الرقمية.
الاستثمار في الشباب
وفي السياق، أعلن زروقي عن إطلاق مراكز المهارات (Skills Centers) بعدد من الولايات، لتكوين شباب موهوبين خارج الرادار، مثلما قال، وتأهيلهم في مهن المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الكبرى، الأمن السيبراني والشبكات، موضّحا أنّ هذه المبادرة تهدف إلى دمج الطاقات الوطنية ضمن المنظومة الاقتصادية والإبداعية.
وأكّد أنّ الجزائر، وضعت لنفسها هدفا طموحا يتمثل في مساهمة القطاع الرقمي بنحو 30 مليار دولار في الناتج المحلي الخام بحلول عام 2029، موضّحا أنّ هذا الهدف ليس مجرّد رقم، بل هو ثمرة لسلسلة من البرامج التي تجمع بين الاستثمار، السياسات العامة، وتعبئة الكفاءات الوطنية. وأضاف الوزير أنّ مؤتمر “الجزائر المتصلة” الحدث المنظم بالتعاون بين وزارة البريد ومؤسّسة اتصالات الجزائر، ليس معرضا تقنيا ولا مهرجانا، بل هو ورشة عمل وطنية مفتوحة، تعالج قضايا محورية، وتجمع خبراء دوليّين وفاعلين وطنيّين، للخروج بتوصيات عملية تُدمج لاحقا في السياسات العمومية.
وفي ختام كلمته، دعا وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية كل الحاضرين للمساهمة الفعلية في صياغة مستقبل الجزائر الرقمي، والمشاركة في جلسات النقاش والورشات التي ستفضي إلى مخرجات عملية سيتم الإعلان عنها خلال الجلسة الختامية اليوم.
للإشارة، تم بث فيديو بالمناسبة، استعرض جهود الجزائر ورؤيتها المستقبلية في مجال التحوّل الرقمي، والذي جسّد الطموح الكبير الذي تحمله البلاد نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل، حيث تصبح السرعة الفائقة والاتصال اللامحدود واقعا يوميا لملايين الجزائريّين. وحسب الأرقام المقدمة، فإنّ أكثر من 6.4 مليون أسرة جزائرية أصبحت متصلة بشبكة الإنترنت الثابت، من بينها أكثر من 1.9 مليون أسرة تتمتّع بسرعات تدفّق تصل إلى 1.2 جيغابيت في الثانية، رقم قياسي يسجّل لأول مرّة في إفريقيا، ويعكس حجم الجهود المبذولة في توسيع شبكات الألياف البصرية، واستعداد الجزائر الكامل لدخول عصر الخدمات الذكية.
وتتصدّر الجزائر اليوم دول المنطقة في التحوّل الرقمي، حيث تحصي أكثر من 52 مليون اشتراك في الهاتف النقال، ممّا يوفّر أرضا خصبة لتطوير التطبيقات والخدمات الرقمية، كما يجري الآن توسيع شبكات الألياف البصرية، تحضير تكنولوجيا الجيل الخامس، والاستعداد لتكنولوجيات الجيل السادس عبر استثمارات ضخمة سريعة وموثوقة حتى في أبعد المناطق.
وتتّجه الجزائر بوابة إفريقيا نحو الاقتصاد الرقمي عام 2029، برؤية طموحة تجعل من التكنولوجيا قوة دافعة للنمو الاقتصادي، فالتحول الرقمي لم يعد خيارا حسب الخبراء والمختصّين، بل أصبح ضرورة استراتيجية، فالزراعة الذكية سترفع من كفاءة الإنتاج، فيما سترتقي الصناعة التحويلية إلى مستويات تنافسية عالمية.