على مدار يومين كاملين، شكّل التحوّل الرقمي والتكنولوجيات الحديثة المرتبطة بالمستقبل، محور أشغال مؤتمر “الجزائر المتصلة 2025”، نشطه خبراء ومختصون، وأيضا حملة أفكار لامعة ومبتكرون، أكدوا خلال ورشات أن الجزائر بدأت تقطع أولى الخطوات على طريقة تحقيق السيادة الرقمية، وقدموا توصياتهم لتكريس هذا المسعى الذي يحظى باهتمام السلطات العليا للبلاد.
دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة الخدمات الاستراتيجية دعم شركات ناشئة محلية في الأمن الرقمي
عكس الحدث الأهمية التي يوليها الجميع، من حكومة ومؤسسات مختصة، وخبراء، لموضوع التحوّل الرقمي وتسريع الخطوات الكفيلة بإحداث النقلة النوعية للبلاد في هذا المجال، وفق رؤية طموحة لا تتوقف عند استيراد البرامج والأفكار، ولكن تأسيس صناعة رقمية وطنية، تحقق السيادة وتنسجم مع متطلبات الأمن السيبراني والابتكار والذكاء الاصطناعي.
وفي إطار تعزيز التحول الرقمي والسيادة التكنولوجية، اختتم المشاركون في مؤتمر “الجزائر المتصلة 2025”، أشغالهم برفع مجموعة من التوصيات الاستراتيجية التي تعكس تطلعاتهم وجهودهم في دعم التحول الرقمي الوطني.
وركزت الورشة الأولى بعنوان التحول الرقمي والحكومة الالكترونية على تطوير الخدمات العمومية وتعزيز كفاءة الإدارة الرقمية، وأسفرت عن التوصيات التالية: نشر مساعد افتراضي وطني يعمل على مدار الساعة لتسهيل الوصول إلى الخدمات العمومية، مع دمجه في المنظومة التعليمية من سن مبكرة لإعداد مواطني الغد، تطبيق نظام رؤية شاملة بزاوية 360 درجة لعرض البيانات العمومية بشكل موحد على مستوى الوطن، دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة الخدمات الاستراتيجية لتحسين الكفاءة وجودة الأداء.
كما أوصى المشاركون في هذه الورشة بإنشاء صندوق وطني لاستخدامات المواطنين لتوسيع فرص الوصول إلى الخدمات الرقمية، وبناء منظومة رقمية سيادية وآمنة لدعم التنمية الوطنية والحكامة الرقمية، وتحقيق التحوّل نحو مدن ذكية بنسبة 100 بالمائة كأفق استراتيجي للتحول الحضري المستدام.
أما الورشة الثانية، الأمن السيبراني والسيادة الرقمية، فقد ركزت على تعزيز الأمن الرقمي وبناء قدرات وطنية سيادية في هذا المجال فقد خرجت بالتوصيات التالية: إطلاق مبادرة وطنية لتأمين المؤسسات الناشئة والصغيرة من خلال اعتماد إطار أمني متكامل يتم تطويره بالتشاور مع جميع الفاعلين، تعزيز الثقافة الأمنية الرقمية من المراحل التعليمية المبكرة، وإنشاء منظومة وطنية للتعليم والتدريب حول الأمن السيبراني.. ونشر فريق وطني للاستجابة للطوارئ المعلوماتية (CART) لحماية البنية التحتية الحيوية (الطاقة، الاتصالات، الصحة، النقل)، إنشاء صندوق استثماري مخصّص للأمن السيبراني لتمويل البحث، التكوين، والتجهيزات في هذا المجال، وإطلاق دليل دولي يضم خبراء وباحثين جزائريين في الأمن السيبراني من داخل الوطن والمهجر، مع العمل على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لرصد وتحليل ومنع التهديدات، مع تموقع الجزائر كرائد إقليمي في هذا المجال، وأخيرا دعم ظهور شركات ناشئة محلية في الأمن الرقمي عبر برامج احتضان وشراكات مع الجامعات والقطاعات المختلفة.
وتطرقت الورشة الثالثة إلى أهمية البنية التحتية من خلال تطوير المناطق التكنولوجية والحدائق الذكية لخلق بيئة ملائمة للإبداع والتكنولوجيا، وأوصى المشاركين فيها بإنشاء جيل جديد من التكنوباركات المتخصصة كمحركات رئيسية للتحول الرقمي المحلي والوطني، واعتماد نموذج شراكة هجينة بين القطاعين العام والخاص لضمان الاستدامة المالية والاستقلالية التشغيلية لهذه المراكز، وتطوير سياسة ابتكار وطنية خارج الأطر التقليدية لتشجيع التشارك والإبداع الجماعي.
كما أوصوا بإنشاء صندوق استثمار مشترك لتمويل الهياكل الابتكارية مثل مختبرات الابتكار، وإطلاق برنامج الموجه للكفاءات الجزائرية في المهجر لربطهم بمنظومة الابتكار الوطني، والعمل على تطوير حدائق تكنولوجية ذكية مزودة ببنى تحتية متقدمة مثل مختبرات البيانات ومراكز البيانات المصغرة، وإنشاء منصة وطنية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والاتصالات في الخدمات العمومية لتحسين جودة الحياة، وبناء شبكة وطنية لحاضنات ومسرّعات الأعمال تحت علامة قوّية ومتميزة على الصعيد الدولي.
وتعكس هذه التوصيات التزام الجزائر بتحقيق سيادتها الرقمية وبناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار، الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي العادل والمستدام. ومن خلال التفاعل الجماعي والانخراط الواسع للمشاركين في الورشات، تضع الجزائر لبنات مستقبل رقمي طموح يواكب التغيرات العالمية ويضع المواطن في قلب التنمية.
الصناعة 4.0.. من تحديث الأنظمة إلى تغيير العقليات
ولأن الصناعة 4.0 (الثورة الصناعية الرابعة) باتت حجر الزاوية في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، ركز الخبراء على التحديات والفرص التي تطرحها هذه الثورة التكنولوجية، خاصة في مجالات الاتصالات، الصحة، الطاقة، والزراعة.
وأبرزت جلسة النقاش حول التحول الرقمي والصناعة 4.0، التوجهات الاستراتيجية للجزائر إلى جانب مساهمات شركات ناشئة في دعم التحول الرقمي على المستوى المحلي.
واستعرض الخبراء العقبات التي تواجه تطبيق مفاهيم الصناعة 4.0 في المدن الذكية، مؤكدين أن دمج الأنظمة الحديثة مع البنى التحتية القديمة يمثل تحديا أساسيا، يوازيه في الأهمية خطر الاختراقات السيبرانية والتداخل بين البروتوكولات التقنية، ودعوا إلى تبني منهجيات فعالة لإدارة التغيير داخل المؤسسات.
وأوضح ممثل مؤسسة اتصالات الجزائر محمد دونان أن المؤسسة تعمل على تغيير دورها من مزود تقني تقليدي إلى شريك استراتيجي في بناء البنية التحتية الرقمية، وذلك من خلال نشر الألياف البصرية وتقنيات الاتصال اللاسلكي، مع التركيز على تغيير العقليات وتطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وأكد أن الرؤية الحكومية تسير بوتيرة متسارعة نحو تكريس التحول الرقمي كخيار استراتيجي.
تطوير سياسة ابتكار وطنية خارج الأطر التقليدية إنشاء صندوق استثمار مشترك لتمويل الهياكل الابتكارية..
أما الخبيرة نجية دريسي، رائدة دولية في مجال الرعاية الصحية والتكنولوجيا الحيوية، فقد ركزت على دور الصناعة 4.0 في تعزيز العدالة الصحية وتحسين الوصول إلى العلاج، خاصة في المناطق النائية.
وأوضحت أن التكنولوجيا، برأيها، تمثل وسيلة لتجاوز نقص الموارد الطبية من خلال التشخيص عن بعد واستخدام الهواتف الذكية كوسيط بين المريض والطبيب، كما نادت بضرورة تكامل الأدوار بين المرضى، الأطباء، وممولي العلاج لبناء منظومة صحية متكاملة مدعومة بالثقة والتقنيات.
أما فرح بوراس مؤسس الشركة الناشئة “ThinkTech Solutions، فقد أشارت إلى أن الشركات الناشئة لا تعاني من نقص في الكفاءات بل في غياب الزبائن الأوائل، نتيجة ضعف الثقة من قبل المؤسسات الكبرى. واقترحت سنّ قوانين تُلزم هذه المؤسسات بإشراك الشركات الناشئة في مشاريعها، ما يعزز الثقة ويقوي النظام البيئي المحلي للتكنولوجيا العميقة.
الذكاء الاصطناعي
وفي جلسة نقاش حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، ناقش باحثون وخبراء التوجه العالمي من النماذج اللغوية الكبيرة الى النماذج الذكية والصغيرة، في التطبيقات الصناعية للذكاء الاصطناعي، مبرزين أن هذه النماذج تمثل مستقبل الذكاء الاصطناعي التطبيقي، خاصة في السياقات المحلية التي تتطلب أداء سريعا وتكلفة منخفضة.
وأكد المشاركون أن هذه النماذج قادرة على لعب دور مهم في قطاعات كالصحة والتعليم والخدمات الحكومية، خصوصا عندما تطور وتستضاف محليا، ما يعزز أمن البيانات ويساهم في بناء منظومة وطنية للابتكار.
وخلص المشاركون في جلسة النقاش إلى أن الانتقال من النماذج الكبيرة إلى الصغيرة ليس فقط خيارات تقنيا، بل هو خطورة استراتيجية لدفع عجلة الابتكار في الجزائر، وتحقيق الاكتفاء التقني المحلي، وفتح آفاق واسعة أمام الاستخدام الصناعي للذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فاعلية واستدامة.
يذكر أنه وفي اختتام هذا المؤتمر، أكد وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، سيد علي زروقي، أن مخرجات هذا اللقاء من شأنها المساهمة في تطوير المنظومة التكنولوجية الرقمية للذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمجمعات التكنولوجية، تزامنا مع إعطاء رئيس الجمهورية،السيد عبد المجيد تبون، الضوء الأخضر للشروع في التحضير لإطلاق شبكة الجيل الخامس للهاتف النقال في الجزائر.