أصدر الباحث رشيد قاسيمي، كتابا حول منطقة القبائل السفلى بعنوان “ومضات تاريخية من تاريخ القبائل السفلى وبغلية”، كإضافة لمكتبة التاريخ الجزائري المحلي.
الباحث استاذ مادة علوم الطبيعة والحياة، دفعه الفضول للبحث في الوقائع التاريخية والذاكرة الوطنية، لمتطقته، لأن ناحية بغلية، دلس، اي القبائل السفلى، تتميز بكنوز تاريخية كبيرة جدا، وخاصة أنه ينحدر من عائلة ثورية كان لها دور في مقاومة الاحتلال الفرنسي في 1830، وتركت بصماتها خلال ثورة المقراني، والشيخ الحداد في 1871، وايضا خلال ثورة التحرير. للمؤلف عم شهيد في معركة شهيرة جرت وقائعها يوم 22 ديسمبر 1954، وهي اول معركة على مستوى الولاية الثالثة التاريخية، والشهيد من الثلاثة الأوائل على مستوى الوطن، الذي استشهدوا بعد 52 يوما من تفجير الثورة، والده وأعمامه كانوا مجاهدين، يقول قاسيمي، في حديث لـ”الشعب اونلاين”.
وبضيف محدثنا، انه في أحد الايام بعد الإنتهاء من عمله ببلدية تاورقة، إلتقى بعد صلاة العصر في ساحة المسجد، أشخاصا كانوا يتحدثون عن تاريخ الثورة، فتدخل ليخبرهم ان جدته كانت تروي أن أحد اجداده قتل أوروبيا في بغلية، وآخر أخذته السلطات الإستعمارية لوجهة غير معلومة وهو مفقود، في حين حكم على آخر بالسجن خمس سنوات، وكانت هذه المعلومة مدونة في كتاب.
ويشير الباحث قاسيمي، الى انه عندما لخّص للكتاب، بدرت إلى ذهنه فكرة تأليف كتاب عن تاريخ منطقته، لأنه لا أحد كتب عن منطقة القبائل السفلى، الممتدة تقريبا من نواحي ذراع بن خدة، بوخالفة، سواحل دلس، تادميت، بغلية، برج منايل، الثنية، إلى غاية تقزيرت.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب، الباب الأول يتحدث عن الوجود العثماني التركي في الجزائر، خاصة بمنطقة برج سباو، التي تسمى مركز القيادة للعثمانيين، على مستوى القبائل الكبرى وكان لها تاريخ كبير، الباب الثاني يتناول الاحتلال الفرنسي، وباب آخر خاص ببلدية بغلية تاسيسها، اصول سكانها، خصائصها الاقتصادية، الزراعية، الفلاحية، في شكل موسوعة تجمع كل المعلومات عن المنطقة.
بالنسبة للباب المتعلق بالاحتلال الفرنسي للجزائر، توقف الباحث عند معركة واد هلال في 1954، ومعركة 22 ديسمبر 1954، وتطرق إلى كل من كانت له بصمة او أثر في التاريخ النضالي للجزائر، ولو كانت المعلومات بسيطة، حاول الكتابة عنها وابرازها للمجتمع.
يقول المؤلف : “لدينا رجال قوامون يجب استذكارهم واستخلاص العبر منهم، لأن التاريخ ليس أسطورة او سرد للقصص، بل هو أحداث نستلهم منها الدروس والعبر، كي لا نعيد الأخطاء نفسها، ونحمي انفسنا، وكيف نصنع شباب يشبهون الأمير عبد القادر، وعبد الحميد بن باديس، مصالي الحاج، العربي التبسي، العربي بن مهيدي، عميروش، مراد ديدوش، الزوبير بوعجاج، حسيبة بن بوعلي، وغيرهم، كل أولئك الذين صنعوا التاريخ الوطني، يجب تجسيده في الواقع.”
معارك الثورة التحريرية بالقبائل السفلى قيد التحضير
وعن مشاريع مؤلفات اخرى، يكشف الباحث قاسيمي، انه بصدد انجاز وإتمام كتاب ثاني بعنوان “من معارك الثورة التحريرية القبائل السفلى وبغلية”، جمع فيها حوالي 80 معركة بالشهادات الحية للمجاهدين، الذين عايشوا تلك المعارك، وهناك كتاب ثالث حول الشخصيات التاريخية بالمنطقة، يتطرق فيها الى شخصيات بارزة في منطقة القبائل السفلى مثل المجاهد المرحوم عمر بوداود، وشقيقه منصور، وهما ينتميان إلى بلدية تاورقة، محمد زروالي، قائد ثورة 23 ماي 1945، محمد الشريف خروبي، الوزير الأسبق، بنور علي، كان نقيب في الثورة التحريرية ومن المساعدين الأساسيين للقائد الشهيد عميروش، وشخصيات أخرى.
يشدد المتحدث الى “الشعب أونلاين”، على انه ينبغي استذكار من تركتوا بصمات في تاريخ الجزائر ، والإهتمام بالذاكرة الجماعية لأن التاريخ هو الحامي والمدافع عن الشخصية الجزائرية الاسلامية، مستشهدا في ذلك بما قاله المرحوم مولود قاسم نايت قاسم، “التاريخ عقل الشعوب وأمة بلا تاريخ أمة بلا هوية”.
وتأسف الباحث عن عدم اهتمام طلبة الثانوية والجامعة بالتاريخ الوطني، ويعتبرونه مادة ثانوية وترفيهية، من اجل الحصول على نقطة الإمتحان، في حين التاريخ هو عصب الأمم المتحضرة، خاصة وأن لبلادنا تاريخ مشرف ببطولات ونضالات الجزائريين، ومقاومة الغزاة المغتصبين على مر العصور، والعالم كله يشهد بذلك.
ودعا الشباب والباحثين والمؤرخين، إلى الاهتمام بالتاريخ، حتى يتمكنوا من إيصال القيم الوطنية لتحصين الأجيال واستعدادهم لأي غزو فكري ثقافي، وعسكري، لأن من يجهل التاريخ يخاف حاضره ولا يكون مستعدا للمستقبل، لأنه لا يملك معطيات للمقاومة، مثلما قال العلامة الكبير الشيخ عبد الحميد بن باديس: ” أزمة الشباب انهم يجهلون التاريخ، وخوفهم من الحاضر وعدم استعدادهم للمستقبل”،
رئيس الجمهورية ساهم في احياء الذاكرة الوطنية
وثمن رشيد قاسيمي مبادرة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في احياء الذاكرة الوطنية، وتكليف وزارة المجاهدين وذوي الحقوق الهيئة الوصية، بتنظيم ملتقيات تاريخية وتسجيل شهادات المجاهدين.
ويضيف محدثنا، انه من المفروض تدوين تاريخ الثورة التحريرية مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية، بشهادات قادة الثورة، لكن للأسف توفي هؤلاء العظماء حاملين معهم أسرار الثورة، بقيت ثلة قليلة جدا من المجاهدين واغلبيتهم الذين إلتحقوا متأخرين في سنوات 1959 و1960. و
ويشدد الباحث على ضرورة الاجتهاد في الكتابة، وفي هذا الصدد، أشار إلى أنه قام بتدوين شهادة لأحد المجاهدين، حول شهيد كان الكاتب الخاص، في كتابه”ومضات تاريخية لمنطقة القبائل السفلى وبغلية “، وتبين فيما بعد من خلال اتصالاته ببعض الشهود، انها شهادة باطلة، لأن الروايات حول القضية اختلفت، ومن منبر “الشعب اونلاين” يوجه اعتذاره لكل العائلات او اي شخص قد أضره، وتعهد بإعادة تصحيح المعلومة. وشدد قي هذا الشان، على وجوب تمحيص المعلومات وتصفية الذاكرة الوطنية من الشبهات والأخطاء.
على المجاهدين الإدلاء بشهاداتهم قبل فوات الأوان
ودعا المجاهدين، الذين على قيد الحياة، للإدلاء بشهاداتهم قبل فوات الأوان. وتأسف لعشرات المجاهدين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم له، وهم يملكون معلومات تاريخية قيمة عن الثورة، وتركوا بصمات، ورحلوا وهم يحملون هذا التاريخ، قائلا ان ” هذا التاريخ ليس ملكهم هو ملك الشعب الجزائري، اي معركة او حادثة من المفروض ان يدلوا بها كشهادة حية تثبت نضال الجزائريين”.
ويجيب عن سؤال حول تدوين تاريخ نضال سكان المنطقة عبر افلام وثائقية، بالتأكيد ان مدير منظمة المجاهدين لولاية بومرداس، أنجز فيديو حول معركة 22 ديسمبر 1954، جمع الشهادات وبعض الصور من الارشيف، وهو عمل جيد مشكور عليه.
مشروع فيلم وثائقي حول معركة مزرانة
ويضبف الكاتب انه طرح فكرة انجاز فيلم وثائقي مؤخرا حول معركة وقعت بغابة مزرانة، ناحية دلس بين حدود دلس وتقزيرت، بتاريخ 20 ديسمبر 1956، دامت ثلاثة أيام والمجاهدين بقوا صامدين في معركة طاحنة، استخدمت فيها فرنسا الاستدمارية قوات عسكرية هائلة من جنود، طائرات والقصف بقنابل النابلم الحارقة، وحتى البواخر، لأن غابة مزرانة، متواجدة على الشريط الساحلي، وتقبلت مديرية المجاهدين لولاية بومرداس، المشروع، يؤكد محدثنا.
وأبدى قاسيمي، استعداده للتعاون مع اي هيئة وطنية سواء وزارة المجاهدين او وزارة الثقافة في هذا المجال، لأن المجاهدين، الذين لديهم شهادات حول المعركة ما يزالون على قيد الحياة.