في خطوة تعبّر عن رؤية واضحة للمستقبل، التقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بالمتعاملين الاقتصاديّين الوطنيّين، في لقاء وُصف بالمحوري، جاء ليؤكّد انخراط الدولة والقطاع الخاص معاً في بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع، بعيد عن التبعية التقليدية للمحروقات.
اللقاء الذي اعتُبر من قبل الخبراء الاقتصاديّين، حدثاً نوعياً لم يكن مناسبة عادية، بل تضمن رسائل سياسية واقتصادية عميقة تعكس التوجّه الجديد للدولة نحو تعزيز الاستثمارات، وتحقيق “الانتصار الاقتصادي” الذي حُدّدت سنة 2025 موعداً له، وفق ما أكّده اقتصاديون تحدثوا لـ “الشّعب”.
البروفسور مراد كواشي، الخبير في الاقتصاد، اعتبر أنّ هذا اللقاء لا يندرج فقط في إطار الاستماع إلى المستثمرين، بل يمثل منصة حقيقية لتقاسم الرؤى بين صانعي القرار ورجال الأعمال، وتوحيد الجهود من أجل تجاوز العراقيل التي تعيق تجسيد المشاريع التنموية.
ويؤكّد كواشي أنّ اللقاء كان ضرورياً في هذا التوقيت بالذات، لأنه يسمح لرئيس الجمهورية بالإعلان عن إجراءات جديدة ومراجعة التوجهات الاقتصادية، كما يمنح للمتعاملين فرصة لطرح انشغالاتهم بكل وضوح. وأضاف أنّ التركيز على التحفيزات القانونية، ومحاربة البيروقراطية، وتعزيز الشفافية المالية، كلها مؤشّرات على نية الدولة إحداث قطيعة مع أنماط الإدارة القديمة، التي كانت تعرقل نمو الاقتصاد الوطني.
وتحدث كواشي عن أرقام مشجّعة تم الإعلان عنها خلال اللقاء، في مقدمتها تسجيل أكثر من 13 ألف مشروع استثماري على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وهو رقم يعكس انخراطاً حقيقياً من رجال الأعمال في المنظومة الاقتصادية الجديدة، خاصة في ظل الحوافز التي توفرها الدولة من خلال إصلاحات في المنظومة البنكية، وتبسيط الإجراءات، وتوسيع فرص التمويل.
وأشار الخبير إلى أهمية القطاعات المستهدفة في هذا التحول، وعلى رأسها الفلاحة والصناعة التحويلية والتكنولوجيا والسياحة، مبرزاً أنّ هذه المجالات قادرة على خلق الثروة ومناصب الشغل، وتقليل فاتورة الواردات، ورفع حجم الصادرات خارج المحروقات، وهو أحد أبرز التحديات التي تسعى الجزائر إلى رفعها بحلول 2025.
كما شدّد المتحدث على ضرورة الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها البلاد، خصوصاً الأراضي الزراعية الشاسعة في الجنوب، والفرص المتاحة للشركات الناشئة، وهو ما يدعو المتعاملين الاقتصاديين إلى التوجه نحو مشاريع ذات قيمة مضافة حقيقية، بدل الاقتصار على الأنشطة التجارية التقليدية.
من جانبه، يرى البروفسور والي عرقوب، أنّ اللقاء بين رئيس الجمهورية وأرباب العمل يحمل بعداً دولياً أيضاً، في ظل التغيرات الكبرى التي يعرفها الاقتصاد العالمي، مثل الحرب الاقتصادية بين الأقطاب الكبرى، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين، وما نتج عنها من اضطرابات في سلاسل التوريد والتجارة الدولية.
وفي هذا السياق، يؤكّد عرقوب أنّ الجزائر، بحكم موقعها الاستراتيجي كبوابة بين أوروبا وإفريقيا، تملك كل المقومات لتكون قطباً اقتصادياً إقليمياً مؤثّراً، شريطة أن تنجح في كسر التبعية التاريخية لعائدات النفط، وبناء اقتصاد منتج وتنافسي. وأضاف أنّ الشراكة بين الدولة والمتعاملين الاقتصاديّين باتت ضرورة ملحة، وليس خياراً، مؤكّداً أنّ رجال الأعمال هم طرف رئيسي في تحقيق التنمية، ومساهم فاعل في تحقيق رؤية الجزائر الاقتصادية الجديدة، التي بدأت ملامحها تتجلى منذ سنة 2023، عبر الارتفاع اللافت في حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات.
وتكمن أهمية اللقاء، بحسب الخبراء، في أنّ الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة من الإقلاع الاقتصادي، تتطلّب تعبئة جماعية للطاقات، وتنسيقاً فعالاً بين القطاعين العام والخاص. ومع التسهيلات الممنوحة، والدعم السياسي المباشر، فإنّ رجال الأعمال مطالبون بالانتقال من موقع المتلقي إلى موقع المبادر والشريك في صياغة مستقبل اقتصادي وطني قوي. ومع اقتراب سنة 2025، فإنّ الرهان الحقيقي يكمن في تجسيد هذا التوجّه على أرض الواقع، وتحقيق تنمية شاملة تضمن رفاه المواطن، وترسّخ مكانة الجزائر كقوة اقتصادية ناشئة على الساحة الإقليمية والدولية.