يبدو أن أطرافا في فرنسا لم يرق لها مسعى إعادة الدفء إلى العلاقات مع الجزائر بعد التصريحات الإيجابية التي أطلقها وزير الخارجية جان نويل بارو، قبل أسبوع، وراحت تواصل نهجها الاستفزازي تجاه بلد الشهداء غير مكترثة بعواقب ذلك على مصالح بلده في المرحلة القادمة.
يُظهر الخرق الفرنسي الجديد بحبس موظف قنصلي جزائري في باريس، أن التقارب مازال بعيد المنال بين البلدين، في ظل استئثار وزير الداخلية برونو روتايو بالقرار الحكومي الرسمي، وكذا غياب نوايا جديّة لدى الإليزيه لحلحلة الأزمة الدبلوماسية الحاصلة منذ أشهر.
في هذا الشأن، قال رئيس الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر، سعيد بن رقية، إن قرار النيابة العامة الفرنسية بتوقيف وحبس أحد الدبلوماسيين الجزائريين، استند إلى تهم واهية وغير مؤسسة، معتبرا هذا التصرف تعدّيا على السيادة الوطنية، ويتعارض مع كل الأعراف والقوانين الدولية الأممية التي تنظم العلاقات بين الدول.
وأوضح سعيد بن رقية، في اتصال مع «الشعب»، أن التصعيد الجديد لم يأت من فراغ ولا بمحض الصدفة، وإنما جاء بعد أيام قليلة من الاتصال الهاتفي الرسمي بين رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتبعته زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر العاصمة من أجل إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة تطبيع العلاقات في إطار الندية والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
وأبرز بن رقية، أن هذا الأمر يشي بوجود جهات خفية سياسية ومخابراتية معادية للجزائر مندسة داخل المؤسسات الفرنسية وخارجها، لا تريد للعلاقات الجزائرية- الفرنسية أنْ تعود إلى طبيعتها، وتتحرك كلما لاح في الأفق بصيص أمل لترميمها.
وتابع بالقول: «الإرادة السياسية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقبول شروط الجزائر لتطبيع العلاقات الدبلوماسية على أساس الندية والاحترام المتبادل، ضعيفة ومرفوضة أمام القوى غير الدستورية الخفية المتوغلة في مؤسسات الدولة الفرنسية الأمنية والتنفيذية، التي يبدو أنها هي من تصنع القرار وتُحكم سيطرتها على دوائره، وترسم معالم السياسة الداخلية والخارجية للإليزيه، خاصة ما تعلق بالعلاقة مع الدولة الجزائرية».
وأمام هذه الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، لفت بن رقية، إلى ضرورة التعامل بحكمة وقوة وحزم مع الوقائع المستجدة، وعدم الوقوع في فخ تقديم التنازلات؛ متوقعًا دخول العلاقات مرحلة أكثر تشنجا بالفترة المقبلة بسبب تمادي اليمين المتطرف في ممارساته التعسفية ضد الجزائر وجاليتها الوطنية في الخارج.
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد خيضر، ببسكرة، البروفيسور نور الصباح عكنوش، أن الدولة الجزائرية صارت تتعامل مع منظومة حكم فرنسية هاوية، تقود مستقبل العلاقات الثنائية إلى الحضيض، ويتسم أداؤها بتذبذب وغموض، وتتحكم فيها عصب متحالفة مع عصابات منظمة ضد الجزائر باسم المعارضة وحقوق الإنسان.
وقال عكنوش لـ»الشعب»، إن الزمرة اليمينية العنصرية، ويتقدمها وزير الداخلية برونو روتايو، أخطأت قراءة الزمن السياسي الجديد للجزائر المنتصرة، وتحالفت بغباء مع مراهقين ومغامرين ضد فرنسا نفسها، التي تحولت إلى ملجإ رخيص لكل من يبيع شرفه وحياته من أجل حفنة من الدراهم، في سلوك شاذ تبني عليه الجمهورية الخامسة البائسة سياستها الخارجية.
وأضاف محدثنا، أن تصرفات باريس الرعناء تأتي وفق معايير لا عقلانية، تعكس انخفاض مستوى الدولة الفرنسية إلى الدرك الأسفل، بسبب جهل حقيقة السياق الإقليمي والدولي الراهن من طرف النخب السياسية المتصارعة في حلبة الإليزيه.
الحكومة الفرنسية تُعاني من حالة فشل ذريع في تدبير علاقاتها السياسية الخارجية مع بلد سيّد مستقل وقوي مثل الجزائر، مما سيؤثر سلبًا على أي هندسة مستدامة للعلاقات بين البلدين، التي تنتقل من الرمادي إلى الأسود نتيجة لا مصداقية ولا مسؤولية أطراف خبيثة تمثل الاستعمار الجديد في أغبى صوره، يختتم عكنوش.