أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الأسبوع، في سابقة من نوعها، «هاشتاغ»، تصدّر المواقع على الأنترنت، يطلب فيه الشعب الجزائري من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، عدم المشاركة في القمة العربية بالعراق.
«الهاشتاغ» المتداول، الذي انتشر بشكل واسع، لا يعكس الرفض الشعبي الجزائري للمشاركة في القمة العربية، بقدر ما يعكس التفاف الجزائريين حول رئيسهم، ويكشف العلاقة الوطيدة بينهم، كما أنه يمثل برهانا ساطعا عن دعم الشعب ووقوفه إلى جانب قرارات ومواقف رئيس الجمهورية، الذي أعاد الطمأنينة والأمل بإصلاحات شاملة وعميقة وقرارات جريئة ومواقف ندية في تعامل الدولة مع نظرائها بالخارج.
ويكنّ الشعب الجزائري مكانة خاصة للشعب العراقي، ولا يمثل «الهاشتاغ» العفوي المطالب بعدم تنقل الرئيس إلى العراق، سوى حرص المواطنين واهتمامهم بأمن وسلامة رئيسهم، في ظل ظروف إقليمية معقدة، تتطلب الحرص والحذر والتعاطي مع الأحداث وفق نظرة استثنائية.
إدراك ووعي شعبي..
الهبّة الشعبية العفوية، صنعت الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقرأت علاقة متينة بين رئيس الجمهورية وشعبه، في وقت يفقد فيه عديد المسؤولين عبر العالم هذه الثقة، وتزداد الهوة اتساعا بينهم وبين من يسيرون شؤونهم.
ويجب الإشارة، إلى أن علاقة الرئيس تبون بعموم الشعب الجزائري، والشباب خاصة، منذ اعتلائه سدة الحكم في ديسمبر 2019، تتسم بمودّة غير مسبوقة في تاريخ الرؤساء، حتى إن الشباب يختصه بوصف «عمّي»، وهو يمثل صلة وثيقة واحتراما موثوقا لهما عمقهما في المخيال الجزائري.
«الهاشتاغ» الذي جاء تحت عنوان: «تبون لا تذهب إلى العراق»، حمل، برأي مراقبين، رسائل ودلالات قوية، تفيد بتماسك ووعي الشعب الجزائري، ومتابعته لتطور الأحداث إقليميا وعالميا، وهو أيضا مؤشر قاطع على العلاقة الاستثنائية بين الرئيس والشعب، وبين الشعب ومؤسساته الدستورية، ورسالة إلى هؤلاء وأولئك بالخارج ممّن يتجاهلون اللحمة الجزائرية والعروة الوثقى بين الرئيس وشعبه.
إدراك ووعي الجزائريين بالمستجدات الإقليمية المقلقة، في ظل الانكسار والخيانة والتطبيع المخزي، وإدراكهم لضرورة أمن وسلامة الرئيس بالنسبة لجزائر الأحرار والشهداء الأبرار، كل هذا جعل من وسم «تبون لا تذهب إلى العراق»، رسالة قوية يبعث بها الشعب لرئيس الجمهورية، وكذلك رسالة للخارج لا تستدعي الكثير من التفكير لفهمها واستيعابها.
طلب الجزائريين من رئيسهم عدم السفر إلى العراق الشقيق، الذي لم يتأخر يوما عن تلبية دعوة الجزائر، لا يمثل، بحسب ملاحظين، بأيّ حال من الأحوال موقفا شعبيا محدّدا من البلد الشقيق، الذي يحظى بمكانة خاصة جدا في قلوب الجزائريين، حيث شدد العديد من رواد التواصل الاجتماعي، على أن إلحاحهم على عدم سفر الرئيس تبون، يأتي بالاستناد إلى الظروف الإقليمية الصعبة جدا وغير المحسوبة المخاطر.
نحن في خدمة الشعب
«سرّ» علاقة الثقة والتلاحم بين الرئيس والشعب، تعكسها عديد التصريحات الجريئة والتاريخية للرئيس تبون، فقد قال مرارا وتكرارا أمام المسؤولين وفي خطابات ونشاطات وزيارات رسمية، «الحمد لله لما نرى الشعلة الوطنية عند الشباب، لذلك يجب أن نكون عند حسن ظنهم، لاسيما وأن بلادنا قدمت قوافل كبيرة من الشهداء وعلى خلاف الجزائر لا يوجد أي شعب ضحى بـ5 ملايين و600 ألف شهيد بداية من المقاومة الشعبية التي دامت 70 سنة، ثم الثورة التحريرية المباركة التي قضت نهائيا على الاستعمار».
وأكد رئيس الجمهورية: «لابد أن نكون عند حسن ظن الشباب، وهي ليست ديماغوجية، ونحن في خدمة الشعب»، مشددا على ضرورة أن يكون كافة المسؤولين والمنتخبين في استماع دائم للمواطن والتعامل معه بشكل لائق».
وأكد أيضا، على ضرورة احترام المسؤولين المحليين للنظام الإداري المتعلق بواجب استقبال المواطنين، وخاصة الشباب منهم، والاستماع لانشغالاتهم وأفكارهم.
بالمقابل، من أبلغ مؤشرات اهتمام المواطن الجزائري بالشأن العام، انتظاره الشغوف لقرارات مجلس الوزراء، إلى جانب الثقة التي عادت إليه تدريجيا، وهذا ما تجلى بشكل واضح وصريح في لقاءات رئيس الجمهورية مع ممثلي المجتمع المدني لدى زياراته لمختلف ولايات الوطن، ومن خلال استقباله الحافل من طرف المواطنين.
صراحة وعفوية وجرأة..
لقد أعطى الرئيس تبون خلال سنوات حكمه، طابعا خاصا تميز بالصراحة والعفوية في الحديث، بعد سنوات طويلة من النفاق السياسي، والتعالي على الشعب السيد.. سلوك رئاسي جديد استحسنه الشعب، فلقاءاته الدورية مع ممثلي وسائل الإعلام، واجتماعاته مع الولاة، ومختلف النشاطات الرئاسية، وحتى في لقاءاته مع أفراد الجالية الجزائرية بالخارج بمناسبة زياراته لمختلف الدول، كانت توحي كلها بأنّ من أهم ما أنجزه الرئيس، ومنذ تسلمه رئاسة البلاد، رسم صورة جديدة في طريقة الحكم، الشعب فيها هو الأصل والفصل في كل خطوة تخطوها الدولة.
واستحدث الرئيس، بحسب المواطنين، خطابا جريئا، حتى وُصف بمحامي المواطن وصوته. فممّا قاله خلال أداء واجبه الإنتخابي: «أنا أؤمن إيمانا قويا بالمادة السابعة من الدستور، إنّ السلطة للشعب ويمارسها من خلال من ينتخبه». أو عندما قال أمام القضاة: «إنني آليت على نفسي أن أجعل من استرجاع كرامة المواطن حربا لا تهدأ». وأخرى مثل: «جزائر العَرَق، جزائر الشفافية، جزائر الجزائريين الذين مالهم حلال»، أو حتى عبارة: «الجزائر تسير بحزم وعزم وإرادة الوطنيين المخلصين».. كلها ليست صادقة فحسب، وإنّما جلها تجسّد مثلما تجسّدت التزاماته 54 عندما ترشّح للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019.
قرارات جريئة.. والمواطن أولوية الأولويات
وكانت أبرز القرارات، تلك المتعلقة بتحسين حياة المواطنين عامة والطبقات الهشة على الخصوص، منها رفع المعاشات والحد الأدنى للأجور وإقرار منحة البطالة للشباب العاطل عن العمل، لتكون الجزائر بذلك أول دولة خارج أوروبا تقرّ مثل هذه المنح وغيرها من القرارات الثورية التي كانت بهدف خدمة المواطن والوقوف معه.
كما تمكّنت الجزائر المنتصرة من إطلاق مشاريع كبرى تنموية، كانت حبراً على ورق لسنوات طويلة، مثلما كان الحال مع غارا جبيلات وإطلاق مشروع السكة الحديدية على طول أزيد من 800 كلم الذي يربط كلاّ من بشار وتندوف، وتدشين محطات تحلية مياه البحر عبر عدة ولايات في آجالها المحددة، وكذا استيراد الأغنام لتمكين الجميع من أضحية العيد بأسعار معقولة.
وتلقى المواطن الجزائري بارتياح كبير وامتنان، الأرقام المسجلة في قطاع الفلاحة وبالخصوص في شعبة الحبوب، أين فاق الإنتاج كل التوقعات وأثار غيرة الأعداء، بعد الاقتراب من الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي والمائي.
وكانت عملية توزيع أكثر من ربع مليون وحدة سكنية في الخامس جويلية الماضي، وبعدها في الفاتح نوفمبر، وقرار إطلاق برنامج عدل-3، تأكيداً مرة أخرى على البعد الاجتماعي للجزائر وصون كرامة المواطن.
وكان حضور الجزائر قويا جدا في المحافل الدولية، بينها خطاب رئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أكّد فيه التزام الجزائر بمبادئها الثابتة في نصرة القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
والكل كان شاهدا على الصور التي جاءت من إيطاليا خلال اجتماع دول مجموعة السبع، التي كان فيها الرئيس محل أنظار العالم، خصوصا في لقاءاته مع كبار قادة العالم.
لقد فتح الرئيس تبون ورشات كثيرة بكل شجاعة وحارب الفساد وأعاد الثقة لرجال الأعمال ومنح الأمل للشباب وحفظ كرامة المواطن، وهذا جزء بسيط من «لغز» العلاقة الوطيدة بينه وبين المواطنين، الذين عبروا عن حبهم له وخوفهم عليه، بهاشتاغ صنع الحدث في الوسائط الاجتماعية وتناقلته وسائل الإعلام العالمية.