تهتز منصات التواصل الاجتماعي، منذ أسابيع، على وقع موجة “ترند” و”هشتاغ” ، تفضح ما يسمى “جشعا تجاريا” و”تحايلا” مالكي “ماركات” عالمية تسوق بمئات الدولارات، بينما، في الواقع والحقيقة، لا تتجاوز تكلفة تصنيعها 10 و20 دولار بالصين.. ما القصة؟
غزت منصات “تيك توك” و”يوتيوب” و”فايسبوك”، بشكل غير مسبوق، محتويات تكشف فوارق شاسعة بين تكلفة تصنيع منتجات في الصين وأسعار بيعها بأسواق غربية، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
وهم الـ”ماركة”
أحدثت فيديوهات متداولة، في هذا الجانب، ضجة واسعة على الصعيد العالمي، في أواسط رجال أعمال ومشاهير والمهتمين بعالم الـ”موضة”.. الأمر يتعلق بـ”ماركات” عالمية ذات سمعة، منها “زارا”، “نايك”، “أديداس”، “شاين”.. ولم تسلم حتى علامات مثل “بريمارك” الرائجة في أوروبا والمعروفة بأسعارها المنخفضة.
ما يشتريه مشاهير وأغنياء ورجال أعمال من منتجات بأثمان باهظة (حقائب يد، ملابس، أحذية.. ) كأنها مطرزة بمعادن نفيسة، ظهرت في فيديوهات أنها مواد تصنع في الصين وبمعامل وظروف وتكلفة إنتاج لا “تتساوى” مع الشعار الفاخر للعلامة والسعر الفاحش.
قاد صانعو محتوى ونشطاء صينيون وغربيون بمنصتي “تيك توك” و”يوتيوب”، الحملة، وتوسع صداها إلى جهات وأطراف أخرى في السياسة والإعلام وعالم الأعمال.
من الفيديوهات البارزة في هذه الحملة، مقطع يوثق الجدل، الذي صاحب تنظيم زيارات لمؤثرين إلى الصين من قبل شركات عالمية، وفيديو آخر استقطب تفاعلا واسعا بين المستخدمين في العالم، يفضح ممارسات مضللة لشركة shein يحمل عنوان Exposing Shein lies: fact-cheking influecers، سلط الضوء على تلاعب مؤثرين بالمحتوى لتبييض صورة الشركة.
ما أقدمت عليه شركة shein من زيارات لمؤثرين، إلى منشآتها في مقاطعة غوانتشو بالصين، جوان 2023، كان بمثابة صب الزيت على النار، حيث كانت لهذه الزيارات نتائج عكسية تماما، وأثارت موجة انتقادات واسعة بمنصة “تيك توك”.
هذه الزيارات كانت مادة دسمة لوسائل إعلام أمريكية وأوربية، في نشر تقارير وتحقيقات، تتناول جوانب تخص انتهاكات حقوق العمال، وكيف سعت الشركة للتغطية على تقارير سابقة.
وتناولت “نيويورك تايمز”، في تقرير مطول، مساعي شركة الأزياء “شاين” من خلال تنظيم زيارات ممولة لصانعي محتوى بهدف تنظيف صورتها.
غير أن ما حدث العكس تماما، عندما قوبلت الخطوة برد فعل مغاير لتكهنات مسؤولي الشركة، وبالتالي أثارت المزيد من الجدل بـ “سوشل ميديا”.
حقائق صادمة..
ما تحمله محتويات في حملة فضح “ماركات عالمية”، ليست وليدة أسابيع أو أشهر، بل سنوات، بالتحديد أواخر 2019 وبداية 2020، عندما انتشر محتوى بمنصتي “تيك توك” و”يوتيوب” لناشطين وصحفيين وأصحاب حسابات تجارية يكشف التفاوت الفاضح بين تكلفة إنتاج السلع في الصين وأسعار بيعها في الأسواق الغربية.
على سبيل المثال، يظهر أحد الفيديوهات أن تكلفة إنتاج حذاء رياضي “نايك” في الصين لا تتجاوز 10 دولارات، بينما يباع في الأسواق العالمية بـ 100 دولار و أكثر.
وفي كل ذلك، ورغم ما تتحمله الصين من مسؤولية تتعلق بظروف العمال وحقوقهم، غير أن كل السهام وجهت إلى شركات كبرى تحت مسميات “الجشع”، التحايل، التضليل، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
تطور الأحداث أثار موجة جدل في أواسط فئات معينة مثل المشاهير، وأيضا لدى جيل “Z” الذين يصنفون أكثر وعيا تجاه أساليب التسويق والتضليل التجاري بمنصات التواصل الاجتماعي.
ومع استمرار الحملة وتوسعها أكثر تجاه ما بات يسمى “سياسات احتكارية” و”جشع” ماركات عالمية، تتعالى أصوات في الدول الغربية والعربية، تدعو إلى مقاطعة هذه الشركات والبحث عن بدائل أقل ثمنا في علامات صينية ومنتجات محلية تتوفر بأسعار عادلة ومعقولة.
ولم تركز الحملة فقط على فضح الجشع التجاري للشركات الكبرى، بل رافقتها أيضا تساؤلات حول السياسات التجارية الداعمة لمثل هذه الممارسات حماية لمصالح الشركات على حساب المستهلك.
بالمقابل، حاولت شركات، بحسب ما نقلته وسائل إعلام دولية، تبرير الأسعار المرتفعة بما تحمله العلامة من قيم تجارية، إلى جانب ما تتكبده من تكاليف في التسويق والحملات الدعائية، غير أنها لم تؤثر في استمرار الحملة.
في غضون هذه الحملة، كانت العلامات الصينية الرابح الأكبر، على اعتبار ما تقدمه من أسعار تبدو معقولة جدا مقارنة مع مثيلاتها الأوروبية والأمريكية.
حرب خفية
وبينما يقدم متابعون وخبراء تحليلات مستفيضة تتناول تأثير هذه الحملات على جوانب تجارية وعادات استهلاكية، يدرج آخرون ما يجري بمنصات التواصل الاجتماعي ضمن حرب اقتصادية شرسة انتقل مداها من الأسلحة التجارية المعروفة بين الدول، الحكومات والمنافسين، إلى ميادين أخرى مثل “تيك توك”، طرفيها الأبرز هما الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وانساقت تحليلات إلى أن ما يحدث يحمل مؤشرات قوية لما ستكون عليه سوق الاستهلاك العالمي، خاصة مع استمرار دعوات التحلي بالوعي الاستهلاكي والتفطن لمحاولات تبرير الأسعار المرتفعة تحت أي ذرائع.
ويفسّر خبراء ومختصون، ما يحدث بمنصات مثل “تيك توك” و”يوتيوب”، بحرب من نوع آخر بين واشنطن وبكين، إذ تحول “تيك توك” المملوك لشركة صينية، إلى أداة صراع جيوسياسي، ويشكل “صداعا” حقيقيا للحكومة الأمريكية.
ومثلما هو معروف ارتفعت مخاوف أمريكية، في آخر السنوات، بسبب التطبيق، في مسائل تتعلق بالأمن القومي والوصول إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين، وهذا ما يفسر ضغوطا وحملات تواجه مالكي التطبيق والحكومة الصينية في السنوات الأخيرة.
وأشار مختصون إلى جانب آخر يتعلق بالسعي إلى الهيمنة على المعلومة والتأثير في الرأي العام العالمي، وفق سرديات تخدم مصالح كل طرف، وهو ما يتجلى في الاتهامات التي يوجهها الغرب إلى الصين بشأن محتوى تطبيق “تيك توك” وتأثيره.
في هذا السياق، تحدث إيي بريمر، عضو بالحزب الجمهوري الأمريكي، في تصريحات لقناة تلفزيونية عربية، قبل أسابيع، عن الصراع الأمريكي – الصيني حول “تيك توك”، وعن إصرار الرئيس ترامب على شراء التطبيق بأي ثمن.
التطبيق الذي بات ينظر له على أنه مصدر خطر على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، في أوساط صناعة القرار، يقول بريمر أن نصف الأمريكيين يستعملون “تيك توك” ولديه وصول إلى هواتفهم الخاصة، ما يعطي للصينيين فهما واسعا للشبكة الاجتماعية الأمريكية.
ويشير المتحدث إلى وجود مسؤلين أمريكيين لا يستعملون التطبيق، لتفادي الوصول إلى عناوينهم وأفراد عائلاتهم، وهذا جانب من الأسباب الأمنية التي تشكل مخاوف متزايدة للحكومة الأمريكية.
ومن الحلقات الهامة التي غذت “حرب” المحتوى، قبل أسابيع، يعتبرها البعض النقطة التي أفاضت الكأس، التدابير التجارية التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المنتجات الصينية، شملت رسوما جمركية، وبالأخص المنتجات التكنولوجية..