يتحدث أستاذ العلوم السياسية المختص في الشؤون الدولية الدكتور عبد القادر سوفي بتحليل مستفيض، عن كل ما يخفيه الكيان الصهيوني، وراء اقتحام المستوطنين الاستفزازي والمستمر للقدس الشريف، مع الاعتقال والتنكيل والقتل، والأسر من دون ردع أو تنديد دولي.
وحذر المختص من الإستراتجية الشاملة التي ترتكز عليها سياسات الاحتلال حيث تهدف في جوهرها إلى بناء «إسرائيل كبرى». وقال دكتور العلوم السياسية أن الاحتلال في خطته المسطرة يسعى في البداية نحو الاستيلاء على المقدسات الإسلامية، وتهويد المسجد الأقصى وكل الوقف الإسلامي ويحاول وضع كل ما ليس له في قبضته، ومن ثم يتجه إلى تزييف الحقائق، بهدف الوصول إلى محطة تمكنه من محو حقوق الفلسطينيين من الوجود وبالتالي السطو على الوقف العربي والإسلامي.
«الشعب ويكاند»: تصعيد شديد من طرف الاحتلال الصهيوني بالأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة القدس، أسفرت عن اعتقالات جائرة وسقوط شهداء أمام صمت دولي مطبق وغض الطرف من قبل المجموعة الدولية، هل يتوقع أن تؤدي التطورات الأخيرة الى تفجير الوضع في أي لحظة؟
الدكتور عبد القادر سوفي: التصعيد الأخير بالأراضي المحتلة والقدس بالتحديد رافقه تسجيل اعتقالات جائرة وسقوط كثير من الشهداء وسط الصمت الدولي والتعتيم الإعلامي والسكوت عن كل ما يحدث في الأراضي المقدسة، ربما يذكرنا بالنكسات التي عرفها الوطن العربي والقضية الفلسطينية، منذ عام 1948، ولا يمكن أن نغفل ما حدث من تداعيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأنها عنوان لمواقف أخرى أسميها اتفاق الابراهيمي، الذي أعلن عنه الكيان الصهيوني والذي جاء تحت رعاية أمريكا، هذا التطبيع أهم شيء يمكن الحديث عنه، لأنه هو وحدة تحديد وتحدي مع تغيير عنوان العدو، بعد أن كان عنوان العرب هو الكيان الصهيوني أصبح من خلال التطبيع جبهات وجهات أخرى، هذا يدل على ضعف القضية الفلسطينية، وحدث ذلك بسبب إستراتجية قام بها الكيان الصهيوني، والمتمثلة في تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها العربي والإسلامي والفلسطيني، عبر تفريق الصف الفلسطيني، وهذا ما أدى إلى هذه الأوضاع.
وبالمقابل بالعودة إلى ما يحدث بفلسطين وكأنه استنساخ الاستيطان للأسلوب الاستعماري الفرنسي، ذات الخطة والنهج عن طريق حيلة طرد السكان من أراضيهم ومنحها للمعمرين الغرباء، حيث يقابله سلب الفلسطينيين لممتلكاتهم وعقاراتهم ومنحها للمستوطنين الجدد بينما الشعب الفلسطيني من السكان الأصليين، يسقط حقهم في حيازة ممتلكات تعود إليهم، وتمنح لغرباء احضروا من الخارج وتجنسوا بجنسية الاحتلال، وصار بإمكانهم حق الامتلاك.
يعرف المسجد الأقصى محاولات مكثفة للتهويد والاستيلاء على المقدسات الإسلامية عبر خطط خبيثة، من بينها مشروع تقسيم الوقف الإسلامي الخالص، كيف يمكن فضح ذلك وإجهاض ما يحاك في الخفاء؟
الإستراتجية الشاملة التي تقوم عليها سياسات الاحتلال تكمن في بناء «إسرائيل كبرى»، حيث في خطتها المسطرة تسعى بخبث في البداية نحو الاستيلاء على المقدسات الإسلامية، وتهويد المسجد الأقصى وكل الوقف الإسلامي، حيث تحاول وضع فلسطين في قبضتها لتحولها بالتزوير وتحت طائلة التهديد إلى ملكيتها، عبر تزييف الحقائق، بهدف الوصول إلى اتجاه يمحي حقوق الفلسطينيين من الوجود، وكذا الوقف العربي والإسلامي يصبح غير موجود. إن الأهداف الخفية والمعلنة للاحتلال الصهيوني، تتمثل في مشروع الاستيلاء التام على فلسطين وتهجير الشعب الفلسطيني، وفي الحديث عن قطاع غزة فكان عبارة عن مخيمات للاجئيين، ولأنه لم يكن فيه وقف لدولة فلسطين بهذه المنطقة، وإنما المهجّرون الفلسطينيون من أراضيهم تحت طائلة القوة وبواسطة آلة البطش والتنكيل خرجوا من ديارهم، واستوطنوا المنطقة، أملا في العودة إلى أرضهم وأرض أجدادهم، والدفاع عن حقوقهم إلى غاية استقلال وطنهم.
من خلال ما يحدث في فلسطين، يمكن تفسير الصمت الدولي والتعتيم الإعلامي في حق الشعب الفلسطيني بسياسة الكيل بمكيالين في عالم يفرض علينا الوضع القائم، باستعمال دكتاتورية العلاقات الدولية، حيث يطالب بالديمقراطية في الدول العربية تحت مسميات عديدة من حريات وديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى غير ذلك، غير أنه للأسف ما يحدث في فلسطين المحتلة، لا يمكن بالنسبة للغرب أن يقاس بما يحدث بأوكرانيا، لأن للأوكرانيين حق اللجوء وحق استرجاع حقوقهم والعودة بعد الأزمة، وبالعودة إلى ما يحدث في أوكرانيا نحن أمام أمرين، اتفاقيات أبرمت سابقا في عقد التسعينات مرتبطة بتوازن القوى، وهذا من أهم ما أوجد النظام الدولي.
وعلى ضوء ما يجري يمكن القول أنه من المفروض أن القانون الدولي الذي يحمي الأوكرانيين، ذات القانون الذي يحمي الفلسطينيين، ومن الناحية القانونية ومخرجات مجلس الأمن الدولي، فإن اتفاق أوسلو الذي كان يقضي بحل الدولتين، ربما هذا لم يكن إلا ذرا للرماد في العيون وحبر على ورق، ولحد الآن منذ اتفاق أوسلو، تسارعت وتيرة الاستيطان والسيطرة على حقوق الفلسطينيين، وتصاعدت حدة قتلهم واضطهادهم، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الدول الكبرى، لا تعترف إلا بالموازين وفقط ما هو حق للكيان الصهيوني حتى ولو كان بالباطل، والطامة الكبرى أن هناك من يرى خاصة من العرب أن التطبيع سينجي البلدان من الكيان الصهيوني، لذا اعتقد أن جميع الدول العربية إذا لم تتخذ التدابير اللازمة سوف تكون ضحية قانون الغاب في دكتاتورية العلاقات الدولية التي صنعتها الدول الكبرى وتعطي إملائاتها للدول، من خلال مصالحها دون الرجوع إلى حقوق الشعوب، وربما سيفضي أي تخاذل عربي إلى السيطرة على القرار العربي. وربما الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية غير الحكومية، قد تنتفض حول حق سجين صهيوني لدى الفلسطينيين أو حقوق الأوكرانيين، لكن لا يعنى ولا يعطي أدنى حق بالنسبة للسجناء الفلسطينيين الذي يقبعون في سجون الاحتلال الصهيوني ويتعرضون للعذاب الشديد والإهانة دون أدنى احترام لحقوق الإنسان.
مازال آلاف من الأسرى يقبعون بسجون الاحتلال من دون محاكمة، ويواجهون ظروفا صعبة وتجاوزات وحشية تصنف ضمن الجرائم، ما هي طرق الضغط الداخلي والخارجي لتحريرهم من البطش الصهيوني؟
أعتقد بحسب رأيي، أن الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية غير الحكومية، لا تتعامل بالمثل في دفاعها عن حقوق الإنسان ولا تولي الإنسان العربي نفس الأهمية بالنسبة للإنسان الأوروبي أو الصهيوني أو الأمريكي، وقد لن تحرك ساكنا عندما تنشر صور أسر وتعذيب شديد وإهانة الشعب الفلسطيني دون أدنى احترام لحقوق الإنسان، وفي المقابل لم نشهد إلى يومنا هذا هذه المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية وما إلى غير ذلك تتحدث عن حقوق الفلسطينيين وحقوق هذا الشعب المحتل والمدفوع بالقوة والظلم لترك أرضه وجعله من أولويات الرأي العام الدولي، ومن ثم الضغط على الكيان الصهيوني، إلا أنه وفي المقابل، كل هذه الجرائم الصهيونية في حق المواطنين العزل مثل ما يحدث بالقدس المحتلة مؤخرا وسقوط العديد من الشهداء، وسبقهم من قبل من تجاوزات خطيرة سواء في ميدان الشرف أوفي سجون الكيان الصهيوني، لم نر تحرك المجتمع الدولي الذي يسهر ويتشدق يبحث بحقوق الإنسان واتخاذ إجراءات من شأنها تجريم صناع القرار بالكيان الصهيوني والمسؤولين عن هذه الجرائم، وبعد ذلك إدراجهم ضمن قائمة مجرمي حرب ومتابعتهم على مستوى المحاكم الدولية، لأن ذلك وببساطة يتنافى مع مخططات الاستيطان وسرقة الأراضي وبيوت الفلسطينيين، لذلك فإن خطوة فضح الاحتلال، قد تؤثر على مشروع الاستيطان الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة وجهد على تدمير الأمة العربية من خلال القضية الفلسطينية.
مخطط الاستيطان مستمر، عبر التهام وسرقة المزيد من أراضي وبيوت الفلسطينيين عبر تشريدهم، هل هناك إجراءات معينة يمكن اللجوء إليها لوقف هذه الجريمة في حق الأبرياء؟
استفحال الاستيطان الصهيوني وتهديده لجميع بلدان الوطن العربي في الوقت الراهن، تسبب في عدم انسجامها بالشكل المطلوب، وكل هذا من شأنه أن يخدم مخططات الكيان الصهيوني الخبيثة، لأن هذا من شأنه أن يحقق حلم «إسرائيل الكبرى»، وهو مخطط أمريكي لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو مشروع غربي قديم كان يتحدث عن تقسيم كل الوطن العربي، غير أنه في الوقت الحالي، كل ما شهدناه من ثورات عربية ليس ببعيد عن هذا المشروع، وهي مراحل مخطط لها، من أجل تحقيق مخططات دنيئة وخبيثة، إذا لم يتفطن إليها العرب سيكون الوقت قد فات، ولن يسلم أحد من الضرر والخسارة.
ألا ترى أن العدوان الصهيوني في اجتياحه الاستفزازي للقدس وجنين، يخفي محاولة تمرير مخططات خطيرة، قد تكون بمثابة برميل بارود، يفجر الغضب نحو المواجهة، خاصة ما حدث مؤخرا بجنين والضفة الغربية؟
ربما في الوقت الراهن، وقفنا على حقيقة أن ما يحدث بالأراضي المقدسة، زاد من عزيمة الفلسطينيين والعرب للتكاتف، ويمكن أن يكون هناك تدابير استثنائية لمجلس الأمن، من خلال تشاور الدول العربية، بهدف الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أمام هذا التهويد الكبير، مع غياب رئاسة لجنة القدس عن أي عمل وعدم تأدية واجباتها، وشاهدنا كيف تخاذل المخزن المغربي الذي يرأس لجنة القدس إرضاء للمحتل الصهيوني.
باتت وحدة الفلسطينيين ضرورية لتوحيد الصف ومشروع التحرّر، هل اقترب الفلسطينيون بعد كل الذي حدث من تحقيق الهدف؟
يمكن القول أن كل المؤشرات، تؤكد أن هناك بوادر أمل جديدة بدأت تلوح بالأفق، خاصة بعد المشروع الجزائري، فيما يتعلق بتقريب وجهة النظر بين الفرقاء الفلسطينيين والتئامهم في الجزائر، من أجل إعادة بعث روح المقاومة بين كل الفصائل وتوحيد الفصائل والشعب الفلسطيني، من خلال قمة جامعة لهم بالإضافة إلى الحراك الدبلوماسي الذي قامت به الجزائر عبر كل العواصم العربية، لتقريب وجهات النظر والتحضير إلى قمة عربية، قبل نهاية السنة الجارية، من أجل دراسة كيفية مساندة ودعم القضية الفلسطينية، ونعلم جيدا أن الدول العربية مجتمعة، وفي قرار واحد يمكنها أن تؤثر في القرارات الأممية، بما فيها قرار الولايات المتحدة الأمريكية، وشاهدنا كيف بعض القرارات العربية في الأزمة الأوكرانية، بينت أنه بإمكان الوطن العربي أن يستعيد أمجاده، ومن ثم المكانة القوية الداعمة للقضية الفلسطينية لكن عبر مسار توحيد الصفوف.