تحدث محللون سياسيون وخبراء من داخل وخارج الجزائر، عن عمق العلاقات الجزائرية – الصينية، في ملتقى دولي نظم من قبل مركز الشعب للدراسات والبحوث بالتعاون مع المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة بعنوان “دور الصين في النظام الدولي الراهن، الآفاق والتحديات”.
في هذا الملتقى الذي يناقش الأدوار التي يمكن أن تؤديها الصين باعتبارها قوة أساسية في النظام الدولي الراهن، و تحديات وآفاق هذا الدور، هذا الأربعاء، المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة، تطرق المحلل السياسي إسماعيل دبش، إلى جوانب من علاقات البلدين التاريخية منذ مؤت/مر باندونغ إلى مبادرة الحزام والطريق، ودعم كل منهما الآخر في نضالهما ضد الهيمنة الخارجية.
علاقات تاريخية
وأشار دبش إلى ترقية العلاقات إلى علاقات إستراتيجية تعاون في مجال الصناعات الصيدلانية، خاصة من خلال تصنيع لقاح “سينوفاك” في قسنطينة. بناء ميناء شرشال باعتبار الجزائر بوابة أفريقيا لأنها الوحيدة التي نتقاسم حدودا ساشعة مع دول الساحل بمجموع 3000 كلم، من أصل 640 كلم حدود مع دول الجوار.
إلى جانب مشروع الطاقة الشمسية، بفعل امتلاك الصين الموارد اللازمة خاصة التربة النادرة.
أما سياسيا، تتقاسم الدولتان الرؤى نفسها حول قضايا المنطقة لتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية ومؤامرة الربيع العربي، والحل السلمي للازمة الأوكرانية مع ضمان أمن روسيا. وكذا القضية الفلسطينية.
من جانبه، تحدث البروفيسور وانف ييوي مدير مركز الدراسات الأوربية، جامعة رينمين الصينية، عن أهداف وأبعاد مبادرة الحزام والطريق ومضمونه الدولي.
الحزام والطريق
وقال البروفيسور إن السياسة الخارجية الصينية مبنية على مكافحة الامبريالية والاستعمار والهيمنة، وعلاقات مبنية على مبدأ رابح رابح.
واستعرض المتدخل أهداف المبادرة والطرق التي تمر بها والبلدان التي انظمت إليها. إلى جانب المجالات التي تمسها مشاريع المبادرة. من أجل بناء فضاء اقتصادي اوراسي.
وقال إن الصين تسعى لتنتقل من خلال الحزام والطريق من شعار صنع في الصين إلى شيد في الصين.
وفي مداخلة بعنوان موقع أوروبا في التنافس الأمريكي الصيني إلى الحوار عبر الأطلسي، واتفاق يوكوس بين الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا واستراليا، اعتبر الدكتور نايسن محبوبي من مركز دراسة الصين المعاصرة في جامعة بن سلفانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ان ما يميز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مؤخرا هو اتخاذ كل طرف إجراءات ضد الآخر في إطار الحرب التجارية التي نشبت بينهما.
وأوضح أن النظرة الأوروبية للصين مغايرة لتلك السائدة في الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يمنع من وجود بعض القلق والمخاوف من الانتشار الصيني، وأضاف ان التوتر بين أوروبا أمريكا والصين سيبقى ديناميكيا. وهنا يمكن لأوروبا كدول أو اتحاد أوروبي أن تلعب دور الوسيط في هذا التوتر الأمريكي الصيني لتهدئة تصاعد المواجهة ومنعها من أن تتحول إلى عدائية أكثر.
مصلحة الصين في الهندو- باسيفيك
قال البروفيسور يحيى زبير استاذ بكلية إدارة الأعمال، فرنسا، إن الصين لا تنظر إلى نفسها على أنها دولة متقدمة، بل تصنف نفسها في إطار الدول ألمانية او الصاعدة.
ولا ترى انها تنافس الغرب والاتحاد الأوروبي في منطقة المعرب الكبير، على اعتبار انه ليس لها سياسة واضحة تجاه المنطقة. وذلك على عكس الانشغال الذي ساد في الاتحاد الأوروبي خصوصا والغرب على العموم. بالقابل أكد أن مصلحة الصين تنحصر في منطقة الهندو باسيفيكي.
وأضاف المتحدث في مداخلة بعنوان الصين في جنوب البحر الأبيض المتوسط: دمج المغرب الكبير في طريق الحرير الجديد، انه لا يمكن مقارنة العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول المغرب العربي بنطيرتها الاوروبية، حيث أن الفرق هائل ويميل لصالح الاتحاد الأوروبي.
وبينما يسيطر الاتحاد الأوروبي على التجارة في المنطقة، تتعامل الصين مع دول المنطقة في إطار العلاقات الثنائية كل دول على حدة. وقال إنه لا يرى أية مصلحة للصين في تعويض الغرب في منطقة المغرب العربي. أضاف البروفيسور.
وأوضح ان نجاح الصين في ربط علاقات مع دول المنطقة ليس نتاج نهجها نهجا تنافس يا مع دول المنطقة، وإنما إلى رغبة هذه الأخيرة في التوجه شرقا. ولأن الصين لا تريد أن تكون مهيمنة او استعمارية، بل تهدف إلى تطوير التنمية، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول المعنية، على عكس السياسة الغربية.
حصار أمريكي
فصل الدكتور عبد القادر دندن من جامعة عنابة في موضوع موقع الصين في تفاعلات الهندو باسيفيكي كفضاء جديد للتنافس الاستراتيجي، إلى احتدام التنافس بين قوى نووية في المنطقة، وهي الصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند.
وأشار إلى توجس الصين من التسمية الجديدة التي يراد بها محو المفهوم القديم” آسيا الباسيفيكي، والذي يعني أن تنضم إلى المنطقة قوى مناهضة ومنافسة للصين. حيث من شأن ذلك ان يقوض نمط التنمية السلمي السائد فيها منذ عقود، من خلال محاولة الولايات المتحدة الأمريكية احتواء الصين وإضعافها، خاصة وأم هذه الأخيرة تمتلك قاعدة بحرية في جزيرة هاواي على مقربة من الصين.
الأزمة الأوكرانية في منظور الصين
ربط الدكتور موسى بن قصير من جامعة قسنطينة 03، بين التنافس الدولي- بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى- وبين الأزمة الأوكرانية.
وقال في مداخلة بعنوان “موقف الصين من الأزمة الأوكرانية” ، أن الصين تأخذ بعين الاعتبار مصلحتها إزاء مختلف القوى المتصارعة في أوكرانيا، فهي تريد ربط علاقات قوية مع روسيا، والحفاظ على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي باعتباره سوقا مهما لها. إلى جانب علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي امتازت منذ عهد ترامب بالتوتر.
وأوضح أن الصين وإن لم تعلن موقفا صريحا في مساعدة روسيا، إلا أن الدعم الصيني للاقتصاد الروسي قد ارتفع خلال العام الجاري تزامنا والعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين ب191 مليار دولار.
ولم يستبعد الباحث أن يكون الهدف الروسي من الحرب في أوك رانيا هو تعطيل توسع الصين على حساب مناطق النفوذ الروسية تقليديا، لتقويض مبادرة الحزام والطريق.
واختتم هذا الملتقى الدولي بنقاش عام واستعراض لتوصيات من طرف الحضور الذين اوصوا بضرورة الاهتمام بالدراسات التي تعني بالسياسة الخارجية للصين اتجاه المغرب الكبير بما فيهم الجزائر والاقتداء بتجربة الاصلاح والانفتاح الذي عرفته الصين.