تبقى «السينما» أهم فاعل فيما يسمى «القوى النّاعمة»، وما تزال صامدة في زمن التّحولات الجذرية التي انسحبت على تفاصيل الحياة اليومية للإنسان، فالصّناعة السينمائية تحتفظ بكفاءتها العالية في تمرير رسائلها بأسلوب غاية في الإقناع، تماما مثلما تحتفظ بقدراتها الكبيرة على التّأسيس لمسارات قد لا تخطر على بال، بل إنّها يمكن أن ترسم بوضوح معالم ما هو آت، وفق استراتيجيات استشرافية ورؤى مستقبلية، لا تقرأها في الفنجان، ولا بحسابات الخرز، بطبيعة الحال، وإنّما توجّه إليها بطريقة محسوبة بدقّة، فتتحقّق لها على أرض الواقع، وتبدو منسجمة مع منطق الأشياء إلى درجة أنّ بعض النقاد لا يجدون حرجا في الحديث عن فيلم تنبّأ بهذا، وآخر تكهّن بذاك، مع أنّ الصّناعة المحكمة لا تتنبّأ أو تتكهّن، وإنّنا تشتغل وفق رؤية مضبوطة..
أمّا بلوغ هذا المستوى الرفيع في مجال الصّناعة السينمائية، فهو يحتاج بالدّرجة الأولى إلى الإلمام المعرفي بجميع مكوّنات هذه الصّناعة، فهذا حجر زاوية لا يمكن تجاوزه، وكلّ عمل فنيّ يرنو إلى الإبداع، بعيدا عن التأسيس الفلسفي، والإحكام الأدبي، يبقى في مستوى «المحاولة»، لا يتجاوزه، وهذا يعني أنّه غير مطالب باختراق الأفكار ولا بتسيير الآراء، وغاية مطمحه أن يعرض في صالة صغيرة، ثم يسجّل على رفوف الأرشيف؛ لأنّه يكون قد حقّق غايته، ونال بعض المديح من جمهوره الصّغير..
حينما نتحدّث عن الصّناعة السينمائية، فإنّنا نقصد قطاعا حيويّا منتجا، على جميع المستويات، لا فرق فيها بين الفنيّ والاقتصادي والاجتماعي، وهو قطاع يتحمّل مسؤولياته أمام جميع القضايا التي تهمّ الأمة، ولعلّ يكون الفرق واضحا بين «الصّناعة» و»ما يسمّى الصّناعة»، إن تمثّلنا بإضراب أعلن عنه اتحاد الكتاب الأمريكيين سنة 2007، فكلّف خزينة هوليود مائة وخمسين مليون دولار في يومه الأول..والحديث قياس..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.