انطلاقة ألعاب البحر الأبيض المتوسط كان من مصر وتحديدا من مدينة الإسكندرية في 1951، لتصل إلى الجزائر العاصمة بعد 24 سنة، ثم تنطلق مرة أخرى نحو مدن إفريقية وآسوية، من تونس إلى لبنان ثم آتينا وغيرها من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم عادت مجددا إلى الجزائر وتحديدا بعاصمة الغرب وهران الباهية.
ودون شك، ستكون دورة الألعاب المتوسطية، التي ستحتفل بوهران بذكرى إنشائها الـ 71، فرصة مثالية لتقوية أواصر الوحدة والسلم والترابط بين شعوب المنطقة، مثل ما طمح له وتمناه صاحب الفكرة، المصري محمد طاهر باشا، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية آنذاك الذي انتظر إلى غاية انتهاء الحرب العالمية الثانية لتجسيد حلمه القديم في إقامة ألعاب اولمبية “مار نوستروم” وتعني البحر المتوسط باللاتينية.ذ
ومنذ الطبعة الأولى بالإسكندرية (1951)، التي عرفت مشاركة 10 بلدان، ما فتئ هذا الرقم يتجه للارتفاع مع مرور الدورات، ليصل في دورة الجزائر (وهران 2022) إلى 26 دولة مشاركة.
ومعلوم أن فكرة إنشاء الألعاب المتوسطية قد ظهرت خلال جلسة للجنة الاولمبية الدولية سنة 1948 بمدينة سانت موريس السويسرية.
الملك فاروق يعطي إشارة انطلاق دورة الاسكندرية
في 1951، أعطى الملك فاروق إشارة انطلاق الدورة الأولى التي تشرفت مدينة الإسكندرية المصرية باحتضانها بمشاركة 735 رياضي كلهم ذكور، تنافسوا في 13 اختصاصا اقتسموا خلالها مجموع 268 ميدالية حازت فيها ايطاليا على حصة الأسد بمجموع 62 ميدالية (28 ذهبية و 22 فضية و 12 برونزية).
من برشلونة إلى بيروت ثم نابولي
وبعد هذه التجربة الأولى، جاء دور برشلونة الاسبانية لاحتضان الدورة الثانية سنة 1955 بمشاركة 900 رياضي حملوا ألوان تسع دول تنافست في 19 رياضة.
والجديد في هذه الدورة تمثل في منع اللجنة الدولية الاولمبية استعمال الشعلة الاولمبية حيث تم استبدالها ب “أمفور” الذي يمثل إناء يحتوي على ماء البحر الأبيض المتوسط الذي يوحد المشاركين في هذا العرس الرياضي.
وباحترام مبدأ التداول بين دول الضفتين، رست السفينة المتوسطية في خرجتها الثالثة بالعاصمة اللبنانية، بيروت سنة 1959 بمشاركة 12 دولة منها دول التحقت بالركب لأول مرة، كتونس والمغرب المستقلتان حديثا، فيما شاركت مصر و سوريا في هذه الدورة تحت لواء الوحدة (الجمهورية العربية الموحدة).
في سنة 1963، جاء دور مدينة نابولي الايطالية لاحتضان الطبعة الرابعة بمشاركة 13 دولة، تنافست في 17 اختصاصا رياضيا.
والمميز في هذه الدورة هو الاهتمام الكبير الذي أولته الشخصيات السياسية لهذا الحدث الرياضي بدليل أن حفل الافتتاح عرف حضور رئيس الجمهورية الايطالية ورئيس اللجنة الاولمبية الدولية آنذاك، إفيري برونداغ.
أول مشاركة جزائرية
وعرفت الدورة الخامسة التي احتضنتها تونس سنة 1967 دخول الرياضة الجزائرية لأول مرة المنافسة مثلها مثل ليبيا التي دشنت بدورها مشاركتها الأولى في هذه التظاهرة المتوسطية.
وشكلت المشاركة النسوية في هذه الألعاب الحدث البارز، باعتبار أن المنافسة في دوراتها السابقة كانت حكرا على الذكور فقط، بالإضافة إلى تميزها بإجرائها لعملية مراقبة تعاطي المنشطات تطبيقا لتوصيات اللجنة الاولمبية الدولية.
أما الدورة السادسة التي نظمت بمدينة ازمير التركية سنة 1971، فأقيمت بعد عام من رحيل مؤسسها طاهر باشا الذي وافته المنية عن عمر ناهز ال91 سنة.
وبروح رياضية عالية تنافس رياضيو 14 دولة في 17 اختصاصا من أجل الفوز ب 430 ميدالية منها 139 ذهبية.
الجزائر العاصمة عروس المتوسط
بعد مدينة إزمير التركية، جاء الدور على الجزائر لتدشن بدورها كدولة منظمة للألعاب، باحتضانها فعاليات النسخة السابعة سنة 1975. وكانت هذه الطبعة بحق دورة الأرقام القياسية، بمشاركة حوالي 2000 رياضي في 18 لعبة منهم، النجمان الايطاليان بيتور مينيا (200 متر) وصارة سيمينوي (القفز العالي).
وبعيدا عن المنافسة، تميزت دورة الجزائر بالإضافة إلى النجاح الرياضي بتنظيم محكم أشاد به كل المشاركين.
وبلغ حصاد الجزائر في هذه الدورة 20 ميدالية منها أربع ذهبيات، حيث برز العداء بوعلام رحوي في 3000 متر موانع (08د و20ثا و02ج) بفارق أربع ثواني فقط عن الرقم القياسي العالمي، بالإضافة إلى الانتصار التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم على نظيره الفرنسي في النهائي (3-2 بعد الوقت الإضافي).
أربع سنوات من بعد، عرفت الدورة التي أقيمت بمدينة سبليت اليوغوسلافية (سابقا) رقما قياسيا جديدا من حيث عدد المشاركين بحضور 2500 رياضي و رياضية تنافسوا في 25 اختصاصا بثماني مدن مختلفة.
تلتها مدينة الدار البيضاء المغربية التي أرست فيها سفينة الألعاب في دورتها التاسعة سنة 1983 بمشاركة 16 بلدا. وكان أكبر انجاز للجزائر في هذه الألعاب من نصيب العداء عثمان بلفاع (القفز العالي) بقفزة 26ر2 متر، متفوقا بذلك على أحسن الاختصاصيين الأوروبيين.
ومن الدار البيضاء المغربية تحولت الألعاب إلى دولة سوريا ومدينتها اللاذقية التي استضافت الدورة العاشرة في 1987 بمشاركة 18 دولة.
وشاءت الصدف أن تحتفل الألعاب المتوسطية بعيدها ال40 بعاصمة ومهد الألعاب الاولمبية، أثينا باليونان التي كانت في الفترة الممتدة من 28 جوان إلى 12 جويلية 1991، مسرحا لتنافس 3000 رياضي و رياضية وضعوا نصب أعينهم ال663 ميدالية المقترحة للتنافس عليها.
تغيير اضطراري في البرمجة
خلافا لما كان معمول به في الدورات السابقة، أقيمت النسخة الموالية بعد سنتين فقط من دورة أثينا وكان ذلك بمدينة لانغ دوك روسيون بفرنسا عام 1993.
وجاء هذا التغيير في البرمجة لتمكين دورة الألعاب المتوسطية من أن تقام بعد سنة واحدة من إجراء الألعاب الاولمبية.
وفي سنة 1997، عادت الألعاب المتوسطية لعهدها السابق (أربعة أعوام) بمناسبة تنظيم مدينة باري الايطالية للطبعة الـ13 التي تجند لها حوالي 3000 رياضي من 15 دولة في منافسة عادت السيطرة فيها للدولة المضيفة بمجموع 73 ميدالية منها 28 ذهبية.
تألق سليم إيلاس في طبعة تونس
و بعد ايطاليا حطت قافلة الوفود مجددا بالمغرب العربي وتحديدا بتونس (2001) التي استضافت الدورة ال14 التي حطمت الجزائر خلالها رقما قياسيا من حيث عدد الميداليات الذهبية في تاريخ مشاركاتها حيث فازت ب10 ذهبيات من مجموع 32 ميدالية.
و كان بطلها بالنسبة للمشاركة الجزائرية السباح سليم إيلاس الذي توج بذهبيتين في ال50 متر و ال100 متر سباحة حرة.
وهران تستلم المشعل من تاراغونا
وفي سنة 2005، عادت الألعاب لتحط رحالها للمرة الثانية بإسبانيا حيث احتضنت مدينة ألميريا الإسبانية النسخة 15 بمشاركة 3203 رياضي من 21 بلدا، قبل أن ترسي السفينة المتوسطية للدورة الموالية، للمرة الثالثة بإيطاليا وتحديدا ببيسكارا (2009) ، ثم مرسين التركية (2013)، و تاراغونا الاسبانية (2018).
بعد دورة تارغونا الاخيرة، تسلمت الجزائر مشعل الألعاب التي ستستقبل خيرة رياضيي البحر الابيض المتوسط للمرة الثانية في تاريخها منذ الطبعة الأولى (1975)، وتحديدا بعاصمة الغرب الجزائري وهران التي تفتح ابوابها لاحتضان العرس المتوسطي في دورته الـ19 .واج