بين باحث عن استشارة وتربص بفرصة، توافد عدد كبير من الزوار على معرض الجزائر الدولي، حيث استغل عدد مهمّ من الراغبين في إطلاق استثماره الخاص أيام الصالون من أجل الالتقاء بالشركات الوطنية والدولية للاطلاع على آخر تطورات السوق العالمية والمحلية، وكذا الاستفادة من الدعم والتوجيه الذي وفرته أجنحة خاصة بالاستشارة والتكوين، في صورة تعكس بوضوح إرادة سياسية قوية وصادقة في إطلاق اقتصاد قوي ومتنوع يضع قطاعات الصناعة، الفلاحة، الخدمات والطاقات المتجددة كأولوية، بعيدا عن الاتكال على الطاقات الأحفورية.
المتجول في مختلف أجنحة المعرض يلاحظ التواجد الكبير للشباب الجامعي الطامح لإنشاء استثماره الخاص، انطلاقا من مشاريع جامعية ناشئة، وابتكارات صنعتها أياد جزائرية تلقت تكوينها في مختلف الجامعات الوطنية، فكان جناح منتدى الشباب والمؤسسات الناشئة وجهتهم الأولى، وهناك التقينا مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بمنتدى الشباب والمؤسسات الناشئة حمزة حريز.
الجامعة… المرافقة والتوجيه
في هذا الصدد قال حريز لـ «الشعب»، إن المنتدى يعمل بالتعاون مع الجامعة، حيث يوجد إقبال كبير على الاستثمار المالي والاستثمار الكفاءاتي والعلاقاتي لأن المنتدى يوفر للشاب الجامعي شبكة علاقات واسعة، حيث تعتبر مهمة في أولى خطوات إطلاق أي استثمار، ما يجعل منها بيئة محفزة تمكنهم من التواجد في هذه البرامج.
وتعتبر الكفاءات، من بين معايير التأسيس لمؤسسة ناشئة في المنتدى والتي تتجسد في اللجنة العلمية المتكونة من أساتذة جامعيين، وهنا يبرز دور الجامعة في المرافقة والتوجيه، حيث يقوم الأساتذة الجامعيون بتوجيه الراغبين في الاستثمار في أي قطاع كان، كالخدمات مثلا، فلذلك يمكن القول إن الأستاذ الجامعي هو بمثابة قيمة مضافة للشركة الناشئة بإمكانه منحها أساسات النجاح والاستمرارية، من خلال إعطاء الشباب الفرصة لاكتساب وإتقان فعلي للمهارات اللازمة لإطلاق مشروع ناشئ.
وذكر حريز وجود مشاريع مبتكرة في البحث العلمي، كتلك المشاريع الناشئة المتواجدة في قاعدة المنتدى، كمشروع إطفاء الحرائق عن طريق قنابل نيتروجينية، هو أول مشروع ناشئ في الجزائر وأخذ خطوات جبارة في القاعدة، بالإضافة الى مشروع مبتكر لطالب جامعي من ولاية مستغانم لإطفاء النار عن بعد عن طريق آلية أو دبابة يمكنها مساعدة الحماية المدنية على إخماد الحرائق عن بعد، خاصة عند حدوث حريق كبير في الغابة.
في ذات السياق، كشف المتحدث أن المخترع يطمح الى تطوير النسخة الثانية للمشروع وهو صنع طائرة دون طيار «درون» لكشف الحرائق عن طريق تحسس الحرارة في المناطق الغابية باستعمال الأشعة ما فوق الحمراء، لتقوم الدبابة أو الآلية المخترعة بعد ذلك بإطفائه عن بعد، ما يسمح بالاستغناء عن العامل البشري في عملية إطفاء الحرائق، خاصة بعد أن شكلت الحرائق كوارث حقيقية في السنتين الأخيرتين.
استطرد حريز في حديثة لـ «الشعب»، أن أهم إشكال يواجه هذا البرنامج هو عدم ترخيص صناعة الطائرات بدون طيار أو «درون» في الجزائر، رغم وجود عدد كبير من الشباب، خاصة الجامعي يستثمر في مؤسسات ناشئة لصناعة الـ «درون» والتي بإمكانها تقديم المساعدة في مختلف القطاعات، كقطاع الفلاحة بصفة خاصة في مجال تلقيح النخيل، فمثل هذه الطائرات تختصر الوقت والجهد، متأسفا في الوقت نفسه عن وقوف القانون الجزائري عائقا أمامهم لأسباب أمنية.
مرافقة الجامعة للمشاريع والمؤسسات الناشئة يأتي في إطار الاستفادة الاقتصادية من الابتكارات الجامعية القابلة للتحويل الى منتجات ملائمة للسوق، وفي سياق انفتاحها على ريادة الأعمال ونقل المعرفة من اجل تحقيق استغلال تجاري للتكنولوجيات في مختلف الجامعات الوطنية وتعزيز مهارات ريادة الأعمال من خلال مشاريع بحثية وحاضنات.
الرقم الأهم
اعتبر حريز في تصريحه لـ «الشعب»، المؤسسة الناشئة الرقم الأهم في الإقلاع الاقتصادي في الجزائر، خاصة بعد إعلان السنة الجارية سنة اقتصادية بامتياز، فمثلا لدى المنتدى ثلاث مؤسسات ناشئة متصدرة في الخارج يمكنها ان تساهم بطريقة إيجابية في الدبلوماسية الاقتصادية، حيث أول ما تعمل عليه هو تسويق الخدمات الإلكترونية والخدمات والمنتجات الجزائرية للشركات في مختلف دول العالم، بحيث تقوم بعملية استقطاب للاستثمارات الخارجية، فالجزائر على مستوى العالم بحاجة الى لتعزيز هذا النوع من الدبلوماسية من اجل تواجد أقوى وأكبر في الخارج، ما وصفه بـ «جوهر ما تقوم به تلك المؤسسات».
ولبلوغ هذه الأهداف، يقوم المنتدى بوضع برامج مع الإدارة في مختلف القطاعات لإطلاعها على آخر التطورات التكنولوجية للمؤسسات الناشئة في كل قطاع، بغية تقليص الهوة التكنولوجية على مستوى الإدارة. فبعض المؤسسات الناشئة، رغم نجاحها في الخارج، تجد صعوبة أمام الإدارة في الجزائر بسبب غياب التحيين التكنولوجي داخل الإدارة، ما يشكل عائقا أمام المؤسسات الناشئة.
في سياق ذي صلة، ذكّر حمزة حريز بأن المنتدى هو اول قاعدة للمؤسسات الناشئة بالجزائر وحاملي المشاريع والحاضنات، يضم أكثر من 300 مؤسسة ناشئة وشريك استراتيجي مع أكثر من 15 قطاعا حكوميا، وشريك لأكثر من 12 مؤسسة وطنية، حيث يعمل على توجيه المؤسسات الناشئة وإرساء القواعد الأساسية للشركات الناشئة والمشاريع الرائدة في الجزائر، بينما يتواجد بأكثر من 20 ولاية من مختلف مناطق الوطن.
واعتبره همزة وصل لربط الإدارة الجزائرية مع الشركة الناشئة حتى يتعرف الشاب على التوجهات الإدارية والقانونية ليتمكن من إطلاق مشروعه بأريحية وضمان، بعيدا عن التعسفات الإدارية. من جهة أخرى، يضم المنتدى عدة برامج ولائية، وطنية ودولية، بالإضافة إلى شركاء دوليين كـ: ليبيا، الشرق الأوسط، كندا والولايات المتحدة الأمريكية، حتى لا يبقى الشاب صاحب المؤسسة الناشئة بمعزل عن العالم وتمكينه من شبكة تواصل مع العالم من خلال برامج خاصة، ملتقيات وتظاهرات يحتكون فيها مع مختلف الخبرات الدولية.
وقد استطاعت ثلاث مؤسسات ناشئة من تصدير خدماتها نحو الخارج مختصة في الحلول المالية، وكذا مؤسسة ناشئة متواجدة في تونس، ومؤسسات ناشئة متواجدة بأكثر من 56 دولة تنشط في مجال الخدماتية والنقل.
«B to B»…عقد النجاح
وعن أهم الشرائح التي زارت جناح المنتدى بالمعرض الدولي، قال حريز «عرف الجناح توافدا كبيرا للشباب الراغب في إطلاق مؤسسة ناشئة، خاصة من الجامعيين من مختلف ولايات الوطن، وهو ما يصب في صلب الهدف المرجو من المشاركة في المعرض، حيث يتمثل في المؤسسات الناشئة التي بإمكانها الاحتكاك بالمؤسسات الوطنية والخاصة والشركات الدولية المتواجدة بالمعرض الدولي بغية تحويل المؤسسة الناشئة الى خدمة داخل مؤسسة وطنية أو خاصة عن طريق عقد «B to B»، وقد لاحظنا وجود استثمار كبير في هذا المجال».
وعن أهم المجالات التي يرغب الشباب الاستثمار فيها، كشف حريز أن قطاع الصناعة، التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني يشكلان الخيارات الأولى للشباب في مجال المؤسسات الناشئة، حيث يضم المنتدى منصة للمنح والدراسة في الخارج، وكذا أول منصة قانونية في الجزائر لأخذ مواعيد عن بعد والتسيير، وأخرى لبيع الكتب الإلكترونية لخدمة توصيل الطعام، المصنفة الثانية بعد منصة «يسير» على مستوى الشرق الجزائري والمتواجدة في تونس والسنغال.
ومن أجل تعريف الشاب الجزائري بقانون الاستثمار الجديد وما يضمه من تحفيزات وتسهيلات، سينظم المنتدى أياما دراسية حول مشروع قانون الاستثمار بمشاركة مختلف القطاعات الوصية، بالإضافة الى تعريفهم بكيفية وآلية الاستثمار للشركات الناشئة.
مشاركة نوعية للشركات الأجنبية
التقتها «الشعب» تتجول عبر مختلف أجنحة معرض الجزائر الدولي في اهتمام بالغ بكل ما هو متعلق بالاستثمار، آمال عراب طبيبة أسنان تبحث عن فرصة لجعل الفكرة واقعا معيشا في الميدان، التقيناها في جناح مستشار في الاستثمار الصناعي والسياحي وتجهيز المراكز التجارية، سألتها «الشعب» عن سبب تواجدها هناك فأجابت: «في الحقيقة أنا مهتمة بالمعرض الدولي وما يقدمه من عروض حقيقية وواقعية للاستثمار، لأنه يجمع كل ما يبحث عنه المستثمر المستقبلي في مكان واحد، ما يجعله يختصر الوقت والجهد، بل هو فرصة لا تعوض للتعرف على المنتوجات المحلية وما وصلت إليه من تطور وتقدم، لذلك سيكون بإمكان الزائر أخذ نظرة عامة حقيقية وواقعية على مجالات الاستثمار في مختلف القطاعات، وكذا خلق فرص عمل وتبادل بين المؤسسات والأشخاص».
وعن أهم ما جذب عرّاب في معرض الجزائر الدولي كشفت: «لعل أهم مع جذبني بعد زيارتي لمختلف أجنحته هي المشاركة الأجنبية التي اعتبرها نوعية وذات نجاعة اقتصادية، إن تم استغلالها بطريقة ذات فاعلية، من خلال عقد شراكات وصفقات مدروسة.
أما فيما يتعلق بالمشاركة المحلية أو الوطنية فقد أبهرتني جودة السلع والخدمات المعروضة، فحتى البنوك وضعت عروضا مغرية لتحفيز الشباب على الاستثمار، لكن جناح الصناعات التقليدية جذبني بصفة خاصة ربما لاهتمامي بالجانب السياحي، الى جانب أجنحة الرسكلة وإعادة تدوير النفايات وكذا الطاقات المتجددة، بصفة خاصة الشمسية».
التوجيه والدعم… لأول مرة في المعرض
قالت عراب، إن المعرض الدولي، ولأول مرة، ضمت أجنحته مؤسسات للاستشارة والتكوين وهو ما كان ينقص الراغب في الاستثمار من توجيه ودعم المختص، من أجل إطلاق أعمال حرة او استثمار خاص وفق معايير مضبوطة تضمن نجاحه مستقبلا، خاصة على ضوء ما تقوم به الدولة من اجل تحسين مناخ الأعمال حتى يكون مستقطبا للاستثمار ورجال الأعمال، من خلال تقديم تسهيلات بنكية للمستثمرين الجدد وكذا الرقمنة للحد من البيروقراطية وثقل الإجراءات الإدارية.
في نفس الوقت، تأسفت المتحدثة عن مدة المعرض التي وجدتها قصيرة وغير كافية للاطلاع على كل ما يوجد فيه من عروض، فمعرض بهذه الأهمية والفخامة يحتاج الى مدة أطول لزيارته، لأن أربعة أيام (يوم التدشين أو اليوم الأول لا يحتسب لعدم فتح المعرض للزوار) غير كافية للاستشارة وتحديد الاختيارات ولا لزيارة كل أجنحته وتفحص كل ما عرض داخله من فرص لا يمكن وجودها في نفس المكان وفي وقت واحد، وترى انه يحتاج على الأقل لأسبوع حتى يزور المعرض عدد أكبر من الزبائن ويجد الزائر عددا أوفر من الفرص».
فيما أكدت المتحدثة في سياق حديثها، أنها أتت الى المعرض من أجل أخذ أفكار تمكنها من إنشاء مؤسستها الخاصة، لأن الاستثمار بالنسبة لها داخلي يبدأ بفكرة يسبق الاستثمار الاقتصادي الذي يجسده مشروع في الواقع، وهو «الجزء الذي يستمد منه المعرض الدولي أهميته، لأنه فضاء مفتوح على الفرص، خاصة مع توفر مستشارين بإمكانهم توجيهك الى الأفضل بما يتوافق مع إمكاناتك وطلبات السوق».
الأجهزة الكهرومنزلية الأكثر طلبا
إلى جانب الزوار من شريحة «صائدي» الفرص للاستثمار، إلتقت «الشعب» زوارا كانت غايتهم من زيارتهم مختلف أجنحته، البحث عن شراء سلع بأقل سعر ممكن مقارنة بما هو موجود في السوق، وكانت الأجهزة الكهرومنزلية أهم ما يقبل عليه الزوار، حيث قال محمد شعباني، الذي التقيناه بجناح المؤسسة الوطنية «كوندور»، يبحث عن شراء ثلاجة بعد تعطل التي يمتلكها. وعبر عن تأسفه بسبب الارتفاع الكبير لأسعار الأجهزة الكهرومنزلية، فتدني القدرة الشرائية للمواطنين جعلتهم يلجأون اضطرارا الى شرائها بالتقسيط رغم نسبة الفائدة التي قد تصل إلى ثلث ثمن السلعة، لذلك جاء الى المعرض من اجل الاطلاع على العروض التي تقدمها مختلف الشركات الوطنية علّه يجد بينها مبتغاه.
من جهة أخرى، توافد عدد كبير من الزوار على جناح البيع المباشر بالمعرض، حيث أقبل الكثير منهم على شراء السلع التي بيعت بأسعار اقل من الخارج، خاصة زيت المائدة، المناديل الورقية وبعض الأجبان.
وأمام مدخل هذا الجناح، عرض الحرفيون سلعهم المختلفة من نحاس وفضة ومرجان وقلائد تقليدية للبيع، حيث أكدوا أن الاقبال قلَّ مقارنة بالسنوات الفارطة بسبب تدني القدرة الشرائية للمواطن الذي انحصر اهتمامه في توفير المواد الأولية.
كما حال اقتراب موعد عيد الأضحى دون إقبال الزوار على شراء بعض السلع المختلفة، بسبب تداول مواقع التواصل الاجتماعي لإشاعات كثيرة تؤكد الارتفاع الكبيرا في أسعار الأضاحي، لذلك اكتفى بعضهم بالتجول في مختلف أجنحة المعرض، وادخار المال لشراء أضحية أصبحت أسعارها تنافس المجوهرات والقلائد الثمينة.