أعلنت الرئاسة المالية، الأسبوع الماضي، حدادا وطنيا على كامل التراب المالي، وقامت بتنكيسَ الأعلام على المؤسسات الحكومية إثر مقتل أزيد من 132 شخص في هجمات إرهابية متعددة استهدفت قرى بوسط البلاد.
الهجمات الدموية في مالي جاءت بعد أقلّ من أسبوعين على مقتل حوالي 100 شخص في اعتداءات على قرية شمال دولة بوركينا فاسو المجاورة، و قد أعلن الرئيس كابوري أيضا الحداد لمدة ثلاثة أيام قائلا: «يجب أن نقف متحدين في وجه قوى الشر».
وقبل هذين الهجومين، تعرّض البلدان لاعتداءات دموية عديدة خلّفت العشرات من الضحايا، ما يعكس تنامي الظاهرة الإرهابية التي ازدادت استفحالا وتمدّدا في الساحل الإفريقي خاصة في المنطقة المعروفة باسم المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وفي الوقت الذي كان يسود فيه اعتقاد بانحسار وجودهم و تراجع قوّتهم بعد تصفية عدد كبير من قادتهم، عاد الإرهابيون في الفترة الأخيرة لتوسيع هجماتهم وارتكاب مذابح مروّعة في حق المدنيين الأبرياء ببعض بلدان الساحل، ما يعني أنهم أعادوا ترتيب صفوفهم وتعزيزها بتجنيد مزيد من الدمويين ممن كانوا يقاتلون في بؤر التوتر بسوريا والعراق وغيرهما.
واللافت أن توسّع الخطر الإرهابي في الساحل الإفريقي يتزامن مع التغيرات العسكرية والجيوسياسية الحاصلة هناك بعد إعلان فرنسا إنهاء عملية «بارخان»، والتوتر الحاصل بين باريس و باماكو الذي انتهى بقرار هذه الأخيرة وضع حد للوجود العسكري الفرنسي في مالي الذي استمر تسع سنوات دون أن يحققّ مبتغاه. ومعلوم أن العديد من سكان مالي لم يتقبلوا الوجود العسكري الفرنسي في بلادهم، لذا كانوا سعداء بنهايته، حيث خلصوا إلى أن هذا التواجد أدى على مدار السنوات الماضية إلى تدهور الوضع الأمني، وجعل مالي بلداً غير مستقر.
وبالرغم من ذلك، يثير الانسحاب الفرنسي مخاوف البعض حيال قدرة الجيش في مالي على المضي قدماً في تولي مهامه خاصة مواجهة هجمات الإرهابيين، وفي هذا السياق يربط مراقبون سياسيون استفحال الهجمات الدموية بالانسحاب الفرنسي الذي –بحسبهم- سيؤدي إلى فراغ يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية.
وأيا كانت تداعيات الانسحاب العسكري الفرنسي، لابدّ من البحث عن حلّ حقيقي لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة في منطقة الساحل الإفريقي وخاصة في مالي التي تتعرّض لضغوط كبيرة غير مبرّرة من فرنسا أوّلا، ومن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «ايكواس» ثانيا، والتي تفرض عليها حصارا خانقا يعمّق مصاعب هذه الدولة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، ويعقّد جهودها في محاربة التنظيمات الإرهابية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.