آلة الإرهاب عادت بقوّة إلى حصد الأرواح في إفريقيا ومنطقة الشّرق الأوسط، بعد أن تراجع نشاطها الإجرامي في فترة الوباء، وأعتقد وقتها أنّ الإرهاب يقترب من التلاشي، لكن استمراره في الانتشار والفتك بالأرواح، والتّسبّب في نزوح الملايين من منازلهم وأوطانهم، مازال قائما ويهدد بالعديد من المخاطر، عبر تقوية شوكته من خلال الفدية، وبعد أن خفتت الدّعوات الدولية إلى تضافر الجهود والوقوف في صف واحد لاقتلاعه وتجفيف منابعه، يواصل جرائمه البشعة وحصد أرواح الضّعفاء، فأين تلك الأصوات التي تندّد بالحروب وتدّعي مدافعتها عن حق البشر في الحياة؟ خاصة إذا كان هذا الإنسان ينتمي إلى القارة السّمراء أو العالم الثالث من جنوب الكرة الأرضية، كون الإرهاب من الغرابة أن يتمركز بمنطقة واحدة.
صحيح يتخوّف أن تخلّف الحرب الروسية الأوكرانية، تهديدات حقيقية للقارة العجوز، أي تستقطب فلول الجماعات الإرهابية، وقد تصبح هذه القارة المتطوّرة ملاذا مفضّلا لجماعات الموت، إذا لم يتم مكافحة الإرهاب في إفريقيا والشرق الأوسط، لأنّ جميع شعوب العالم معرضة لتهديداته، خاصة أنّه يتمدّد وينتقل بشكل غير متوقّع، لارتكاب جرائمه في أي مكان، أي ليس فقط في مناطق تواجده.
مع استمرار التّنظيمات الإرهابية الدموية وعودة جرائمها البشعة في كل مرة، تتم إثارة العديد من الأسئلة، في ظل الإرادة الدولية المشتركة التي يعلن عنها عبر المنابر في كل مرة تنظّم فيها ملتقيات أو تفتح ملفات على مستوى المنظمات الإقليمية وخلال المحافل الدولية..من يتحكم في خارطة انتشارها؟ ومن يديرها ويوجّهها ويموّلها؟ فليس اعتباطيا أن تموّل بهذا الشكل المستديم والدقيق والمباشر بالسلاح والمؤونة والمعدات اللّوجستية والتكنولوجية المتطورة، بل إن سرعة تحوّرها، وبروزها أكثر شراسة يحتم على الدول إعادة النظر في طريقة التعاطي مع مكافحة الإرهاب، الذي ما زال يهدّد مستقبل الدول الفقيرة وحياة الشّعوب الضّعيفة، لأنه بالإضافة إلى أنه يبرز في بؤر التوتر ليزيدها تعفّنا، يتربّص بالمناطق الفقيرة ليفتك بالحياة، مثلما ما يفعل بدول إفريقية غنية بثرواتها الباطنية والطّبيعية، وأصبح بمثابة شوكة مسمومة في مسار تنميتها.
معركة القضاء على الإرهاب، أحيانا تتجاوز حدود دول فقيرة إلى مكائد تدبّر داخل مختبرات التآمر التي تحركها الأطماع والمصالح الخاصة بجهات معينة.. ولعل السّبيل الوحيد لتجاوز ذلك بوعي وفطنة الشعوب والحكومات التي تعاني من أجل تطهير أراضيها من تنظيمات إرهابية دموية تخفي وراءها الكثير من المخاطر، وتحمل شرّا مقيتا للبشر.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.