المحطات الكبرى لتطوّر الأمم، تبدأ عادة بحدث ملهم يقوّم المسار العام للتاريخ، ويكون قاعدة لسيرورة كاملة من التغييرات تمتدّ إلى جميع أنحاء الحياة، وتصنع دينامية غير مسبوقة على جميع المستويات، فتتحقّق الإنجازات المذهلة التي توافق متطلّبات الواقع الحضاري..
ولا نشكّ مطلقا بأنّ احتفالية افتتاح ألعاب البحر المتوسط بالباهية وهران، هي واحدة من هذه المحطّات التي يمكنها أن تكون عنوانا يعلن عن تغييرات عميقة يكون لها أثرها الإيجابي على حياة المواطنين، فقد بلغت الاحتفالية مستوى من الإتقان يحلّق بها في ذرى العالمية، واعتمدت على معالم الثقافة الجزائرية الرّاسخة في التاريخ، كي تقدّم صورة رائعة عن الإسهام الجزائري في الجهد الإنساني، وحضورها الدّائم إلى جانب الإنسان..
ولقد عرف منظمو حفل الافتتاح كيف يربطون، بأناقة، بين الجهد المعرفي والنضالي والإنساني، من خلال صور الأمير عبد القادر الجزائري، وليوناردو فيبوناتشي صاحب المتتالية الشهيرة الذي درس بجامعة بجاية، وأخذ منها الرياضيات إلى أوروبا، وميغيل دي سيرفنتاس، أوّل روائي في التاريخ، وأسماء أخرى كثيرة، كان لها إسهامها الجاد في صناعة مسار التطور العالمي، كي يستعيدوا للباهية، وللجزائر كلّها، مقامها الذي يليق بها، ويليق بنضالات أبنائها التاريخية لصالح الإنسان، عبر العصور..
ولم يغفل المنظّمون عن الجانب الفني، موسيقىً وتشكيلا، فصاغوا لوحات رائعة، تُـحدّث عن الجدّية العالية التي تعاملوا بها مع الحدث، وتوافق المستوى الذي تفرضه مسؤولية إنجاح حفل من شأنه أن يكون أول فاتحة لمنجزات كبيرة قادمة، وهذا بالضّبط دور العمل الفنّي، والثقافي عموما، حين يحرص على استخراج الأفضل من الناس، كي يحوّله إلى منجز عظيم..
..وهذه تحيّة إكبار نرفعها إلى جميع من أسهموا في تقديم صورة مثالية عن القطر الجزائري كاملا، وعن الباهية وهران، درّة المدائن الجزائرية..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.