بعد ستين سنة من الاستقلال، وجد الجزائريون أنفسهم في مفترق الطرق، أي اتجاه يكون الأجدى لبناء جزائر جديدة يكمل نقائص ويصحح إخفاقات عقود من الزمن، وسط ذهول عالمي أمام دولة ترفض أن تعامل بأقل من الاحترام.
يقول عضو مجلس الأمة والوزير السابق كمال بوشامة، عن تساؤل يحمله كل واحد منا، جوهره إيجاد طريق التحرر من التخلف والتطور لصناعة المستقبل، إن الجزائر بحاجة إلى مشروع مجتمع لبلوغ مرحلة نادى بها مختلف السياسيين منذ الاستقلال. لكن غياب التجسيد الفعلي للإرادة السياسية على الواقع، حولها إلى مجرد خطابات وكلمات خطها القلم على الورق.
إرادة سياسية تضع الخطوط العريضة لمشروع قوامه وهدفه صناعة الفرد ليكون مؤهلا للبناء والتغيير، بعيدا عن الفوضى والانحياز لحزب غير الجزائر وحدها، إرادة سياسية تُخرج الأحلام والأهداف من أدراج المكاتب إلى حقيقة الواقع، في خطوة تجمع وتوحد الجهود لوضع أولى لبنات مجتمع متصالح مع ذاته، حاضره وماضيه.
في عصر العولمة والانفتاح الرقمي على الآخر، تحولت صناعة الفرد إلى أحد أكبر التحديات التي نعيشها في وقتنا الراهن. لذلك كان من الضروري، بحسب «ضيف الشعب»، إعطاء الفرد «تطعيما» ثقافيا، اجتماعيا وتاريخيا يمنح الفرد المكلف بـ «البناء» مناعة ضد كل المراوغات التي تمارسها بعض الدول لإدخاله في متاهة تاريخية تفقده الثقة في هويته وجزائريته وانتمائه إلى أمة تمتد إلى الإنسان البدائي الذي عاش قبل مليون و800 سنة بعين الحنش بولاية سطيف.
المحاولات الفاشلة لزعزعة الجزائري كإنسان وكتاريخ ممتد على صفحات تاريخ الإنسانية، أبانت عن أهمية إعطاء الأولوية لصناعة الفرد، وفق مشروع مجتمع يحمل بين ثناياه كل أبعاد الهوية الجزائرية، فيكون التنوع والثراء الثقافي عاملا موحدا لا مفرقا.
في هذا السياق، وضع بوشامة المجتمع في المرتبة الأولى لصناعة المستقبل، لأن التهلهل الذي كاد أن يطيح بالجزائر، مصدره تهميش تكوين الفرد والمواطن، وفق ما تقتضيه رؤيا المستقبل لبناء جزائر جديدة يكون فيها الكل للفرد والفرد للجميع.
التمكن والاستيعاب أو الاقتدار، هو أول ما يجب العمل عليه لصناعة رجل الغد منذ نعومة أظافره، لأن الشاب اليوم هو نتاج مراحل مختلفة تطورت هويته من المنزل إلى المدرسة إلى الشارع إلى الجامعة إلى مكان العمل.
ولن يتأتى ذلك إلا بامتلاك الشجاعة لوضع «الإصبع على الجرح»، والتكلم بصوت عال عن الطريق الصحيح لتجسيد مشروع مجتمع لبناء أمة، تعطي الصورة الحقيقة لـ»جزائر جديدة» يكون فيها الصالح العام والضمير الجمعي المحرك الوحيد للفرد، والقاعدة الأساسية لمواطنة صالحة ترقى بالإنسان والوطن.
تحصين الفرد معرفيا في الأطوار التعليمية
«الحصانة الأخلاقية» أحد أهم أهداف المشروع الذي يجعل من الإنسان هدفه وغايته، وهو ما أكده «ضيف الشعب» في كون المجتمع الآن، وبسبب إخفاقات متكررة ومتعاقبة نتاج ظروف اقتصادية وعالمية قاهرة، وجد نفسه يعيش حالة من الاغتراب الروحي الذي برز في صور متعددة.
واعتبر العنف أقواها وأشدها وقعا على المجتمع، بل يصنع في كل يوم مآسي جعلت الواحد منا يتساءل عن سبب الانحطاط الروحي والأخلاقي الذي وصلنا إليه.
وهنا أبرز بوشامة، أهمية تحصين الفرد معرفيا من خلال مختلف الأطوار التعليمية وأكد أنها بحاجة إلى إصلاح حقيقي لمنع حالة التمييع في المدرسة الجزائرية، لأنها السبيل لبناء اقتصاد قوي وبلد يعتمد على سواعد شبابه لصناعة المستقبل.
إلى جانب تحصينه أخلاقيا بمنحه كل الأدوات الممكنة ليتعايش مع متغيرات العصر دون الانحلال فيها، أو الانسلاخ عن هويته وجزائريته، حتى لا يكون «معول» هدم بل «معول» بناء يملك من الكفاءة والإنسانية، ليقف ثابتا أمام كل الضربات والمؤامرات التي تحاك هنا وهناك من اجل تحول الجزائري إلى مجرد مسخ بلا هوية تصنع حاضره، ولا ماض يصنع مستقبله.