أعاده رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في 20 أوت 2020، وكان قد أطلقه الراحل هواري بومدين 23 جوان 1970، امتداد طبيعي وتاريخي يصل بين الجزائر المستقلة والجديدة، نصف قرن من الزمن ومحطات عديدة، قاوم المشروع خلالها، كل العراقيل.
قاومت غاباته قساوة الطبيعة وتغيرات المناخ. عاد اليوم إلى رزنامة الحكومة، وتجددت برامجه، تجدد الغابة بعد رأفة السماء بها، مرتوية بجهود إطارات جزائرية واعية بثقل المسؤولية وعظم الأمانة البومدينية.
من حملة تشجير شعبية مباشرة بعد الاستقلال، إلى مهمة تولاها أبناء الجزائر من شباب الخدمة الوطنية، إلى تكفل رسمي بالمشروع من طرف قطاع الغابات، محطات تاريخية، رغم اختلاف معطياتها، يبقى قاسمها المشترك، الوفاء لمكاسب الجزائر المستقلة والحفاظ عليها.
شعور جميل، وحديث مطول، بدا بذكريات مسار مدرسي عندما كان «السد الأخضر»، مقررا مشتركا بين مواد التاريخ والجغرافيا والتربية العلمية، تقاسمته مع مديرة مكافحة التصحر ورئيسة مشروع السد الأخضر، بالمديرية العامة للغابات، صليحة فرطاس، التي خصصت وقتا لمجلة «التنمية المحلية «رغم انشغالاتها المتزامنة وإحياء الذكرى الأولى لإطلاق المبادرة الوطنية لتأهيل السد الأخضر في 17 جوان 2021.
قدمت لنا شروحات عن تفاصيل المشروع ومدى حرص قطاع الغابات من خلال مسؤوليه وكل إطاراته على إعادة بعثه وتوسيعه وتطويره.
أطلق بقرار من الرئيس الراحل هواري بومدين في 23 جوان 1970، وربط الحدود الجزائرية الغربية بالحدود الشرقية، بمسافة 1500 كم ومتوسط عرض 20 كم، يمتد على مساحة 3.7 مليون هكتار، من الأراضي الرعوية والغابات والأراضي الزراعية والأراضي الرطبة. كما يعتبر موطنا لرواسب الأزهار الرائعة التي تتكون أساسًا من النباتات العطرية والطبية.
الهدف من هذا «الجدار الأخضر»، وقف زحف الصحراء نحو الشمال من خلال خلق حاجز حقيقي من المساحات الخضراء يحمي السهوب ويخفف من تدهور الموارد الطبيعية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه رطبة.
بداية حديثنا مع مديرة مكافحة التصحر ورئيسة مشروع أعادوا تأهيل وتطوير وتوسيع السد الأخضر، صليحة فرطاس، كانت فعلا من حيث يجب أن نبدأ، من جبال وسهوب ممتدة على أطراف بلادنا الشرقية والغربية، طالما كانت المأوى والملجأ للثوار أثناء الثورة الجزائرية
جارت عليها فيما بعد سياسة استعمارية استنزافية، أخضعت الثروة الحرجية إلى استغلال غير منضبط، مما أدى إلى التدمير الشامل للغابات، وتدمير التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، عندما اضطرت العائلات الفلاحة إلى هجر المناطق الجبلية التي كانت تقطنها بعد حرق الغابات .
ما أدى إلى الاختفاء التدريجي والواسع النطاق للغطاء النباتي، وبالتالي للإمكانات الرعوية للمراعي وتدهور السهوب، ونتيجة لذلك، تشكلت تكوينات الكثبان الرملية والمراعي الرملية معلنة عن البدايات الأولى للتصحر.
التزام وطني ودولي
إدراكا من الجزائر للآثار الخطيرة التي يسببها التصحر، والتي يمكن أن تؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن استقلالها الغذائي الذي أصبح هاجس الحكومة وأقصى أولوياتها، فقد قررت الشروع في برنامج واسع لمكافحة التصحر، يشمل ثماني ولايات هي: الجلفة، المسيلة، باتنة، خنشلة، تبسة، النعامة، الاغواط، البيض.
مهمة، نصت عنها صراحة المادة 09 من المرسوم التنفيذي رقم 20-128 المؤرخ في 21 ماي 2020، الذي يحدد صلاحيات وزير الفلاحة والتنمية الريفية، أين تم تكليفه بوضع إستراتيجية وطنية لمكافحة التصحر وخطة عمل لتأهيل وتوسيع وتطوير السد الأخضر وتنفيذها بالتشاور مع الشركاء المعنيين. دعمها قرار مجلس الوزراء بإعادة تأهيل السد الأخضر، كأولوية لمكافحة التصحر، في 30 أوت 2020.
مباشرة بعد إصدار القرار، تم استحداث مديرية مكافحة التصحر وإحياء السد الأخضر على مستوى المديرية العامة للغابات في 25 أكتوبر 2020، مسؤولة عن ضمان التنسيق بين القطاعات، للبرنامج الوطني لمكافحة التصحر وإحياء السد الأخضر، حيث بلغ عددها 15 وزارة و11 مؤسسة وطنية و03 منظمات.
بالنسبة للإطار الدولي فإن المشروع، يندرج في إطار اتفاقية مكافحة التصحر التي صادقت عليها الجزائر سنة 1996، التي تقضي بإسقاط الأراضي والحد من العواصف الرملية والترابية ومقاومة الجفاف. إلى جانب اتفاقية باريس سنة 2015، الذي يقضي بخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030، بنسبة 7٪ مقارنة بالسيناريو المرجعي (بتمويل وطني) وما يصل إلى 22٪ إذا قدم المجتمع الدولي موارد كافية.
إضافة إلى أهداف التنمية المستدامة التي تهدف إلى استرجاع 150 مليون هكتار، سنة 2020 و 350 مليون هكتار من أراضي الغابات المتدهورة بحلول عام 2030، مما سيضمن بيئة مواتية لتكوين الثروة والنمو الاقتصادي والأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.
الانتقال من 3.7 مليون هكتار الى 4.7 مليون هكتار
استندت الدراسة إلى حالة الغطاء النباتي الموجود بالفعل، حيث اقترحت خطة عمل لتوحيد وإعادة تأهيل الغابات الموجودة، وكذلك المسارات والتوسع في المساحات الفارغة المناسبة لاستيعاب غطاء نباتي محدد مقاوم لتغير المناخ. وهنا نذكر بعض المؤشرات.
تبلغ المساحة الفعلية الحالية للسد الأخضر 3.7 مليون هكتار بطول 1500 كم وعرض 20 كم، ستسمح لنا خطة العمل التي اقترحتها الدراسة بتوسيع مساحته إلى 4.7 مليون هكتار، وهو ما يمثل أكثر من 10٪ من منطقة السهوب.
تشمل هذه الدراسة مجموعة من 13 ولاية و183 دائرة من مجموع 427 و1200 منطقة، 900 منها مصنفة على أنها مناطق ظل. وهي من شرق إلى غرب تبسة، خنشلة، باتنة، مسيلة، البويرة، المدية، الجلفة، الأغواط، البيض، النعمة، سطيف، برج بوعريريج، بسكرة.
وقد كانت الملاحظة الأولى، أن أكبر مساحة يشغلها المجال الرعوي، مع 63٪ من المساحة الإجمالية. وتحتل الغابات، المرتبة الثانية بحوالي 18٪.
بالنسبة لخزانات المياه الجوفية الحزبية، تحتل ولايات السد الأخضر مع الجلفة والأغواط والبيض والنعامة والمسيلة وتبسة 1822425 هكتارا، أي 73٪ من طبقات المياه الجوفية الوطنية هذه المنطقة هي موطن لـ 5 أراضٍ رطبة على مساحة 663،035 هكتار، أي 18٪ من مساحة السد الأخضر وتمثل 22٪ من مساحة الأراضي الرطبة على الصعيد الوطني.
من حيث التنوع البيولوجي، تعد المنطقة موطنًا لـ 7 ٪ من رواسب النباتات الوطنية التي تتكون أساسًا من النباتات العطرية والطبية وفيما يتعلق بالحيوانات بشكل رئيسي، نجد 56 نوعًا من الثدييات و10 أنواع من الزواحف و10 أنواع من الطيور.
يشغل المجال الزراعي 15٪ من المساحة، 87٪ منها تذهب للمحاصيل الحقلية الجافة. فيما يتعلق بالتوظيف، فإن القطاع الأول الذي يوفر فرص عمل في ولايات السد الأخضر هو الزراعة بمعدلات (34 إلى 56٪) أعلى بكثير من الدرجة الوطنية (28٪)
من حيث تربية الأغنام، تعتبر ولاية الجلفة معقلاً حقيقياً لأنواع الأغنام بنسبة 12٪ من القطيع الوطني والمرتبة الأولى بلا منازع، كما أن هناك أربع ولايات أخرى تتجاوز المليون رأس هي البيض والمسيلة والأغواط والنعامة.
أما بالنسبة لقطيع الماعز، تتصدر الجلفة المقدمة، بحوالي 350 ألف رأس، أي 8٪ من قطيع الماعز الوطني. وتحتل المرتبة الثانية بعد ولاية الوادي. باتنة وتبسة تتجاوزان 200.000 رأس، تليها الأغواط والبيض والمسيلة بـ 100.000 رأس.
من الناحية الاقتصادية، تهيمن المراعي على القطاع الزراعي (79 إلى 20٪)، بالنظر إلى أن ولايات الجنوب الغربي والجنوب الأوسط هي الأكثر انتشارًا من حيث القدرات والمهن الرعوية. بالنسبة للحبوب، يظل الشعير هو التكهنات الأكثر شيوعا.
مبادرة وطنية لاستعادة السد الأخضر
تنفيذا لقرارات مجلس الوزراء، المنعقد في 30 أوت 2020 برئاسة السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية، حيث أكد على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل السد الأخضر كأولوية القطاع، ولا سيما وقف تدهور الأراضي، أطلقت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية «المبادرة الوطنية لإعادة تأهيل السد الأخضر» من ولاية مسيلة في 17 جوان 2021، وفي جيبوتي خلال اجتماع اللجنة الإفريقية للجدار الأخضر العظيم في 25 نوفمبر2021.
وتهدف المبادرة إلى مكافحة تدهور الأراضي والترمل والتصحر، لتحقيق الحياد، بشأن تدهور الأراضي، وتعبئة موارد المياه السطحية والجوفية، كما تهدف إلى مقاومة المساحات الفلاحية والرعوية والغابية المتدهورة لتغيير المناخ تخزين الكربون.
إضافة إلى تعزيز مقاومة المناخ لدى السكان المحليين من خلال إدارة المراعي وتحسين سلاسل القيم للمنتجات غير الزراعية ومنتجات الثروة الحيوانية.
التنمية في الولايات السهبية
تهدف خطة العمل المقترحة من اجل إعادة تأهيل وتوسيع وتطوير السد الأخضر، إلى تحسين مرونة سلاسل القيم لصغار الفلاحين والرعاة في ولايات مختارة من خلال تغيير مسار التنمية مع مراعاة تغير المناخ الحالي والمستقبلي. من أجل مواجهة التهديد المتزايد للتصحر، الذي يتفاقم بسبب الجفاف، و من المهم النظر في تنويع أنشطة الإنتاج الريفي نحو المنتجات الأقل اعتمادًا على المطر، مثل المنتجات الحرجية غير الخشبية (الخروب، والعسل، وما إلى ذلك) ومنتجات السهوب (النباتات العطرية والطبية) التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الغطاء النباتي الطبيعي وبالتالي مساعدة صغار المنتجين في المجتمعات الريفية على تحسين قدرتهم على التكيف مع التغيرات المناخية
في نهاية المرحلتين الأوليين من دراسة التأهيل، والمتعلقة بشكل أساسي بتقييم الإنجازات التي تم تحقيقها في منطقة السد الأخضر وإمكانيات تمديد العمل، تغطي خطة العمل المقترحة مجموعتين متميزتين ولكن متكاملتين، أولهما إعادة تأهيل وتطوير معظم الإنجازات القائمة، وخاصة المزارع بخصائصها المختلفة وثانيها توسيع الخزان الكبير من الأراضي غير المحمية بعد أو التي عانت من التدهور الناجم عن النمو السكاني وتوسع النشاط الرعوي في ظل الآثار المتفاقمة لتغير المناخ.
إن البيانات التي تم جمعها على أرض الواقع، أثناء إعداد تقرير الإنجازات، المتعلقة بكل إنجاز تم إنجازه، كانت بمثابة إطار منطقي لصياغة وتعريف مجموعة من الإجراءات للاستجابة للجوانب العالمية المتعلقة بكل نوع من أنواع المزارع والخصائص التي يعرضها كل موقع.
رفع التحدي.. تغيير في منحنى التنمية
ستعمل خطة العمل على تعزيز قدرة صغار المنتجين ومؤسسات الدولة المختلفة في المناطق المختارة لتحسين السياسات والممارسات الجيدة التي تعزز صمود المجتمع الريفي والاقتصاد الوطني في قطاعات الأغذية والزراعة والغابات وتربية الحيوانات.
يتجسد ذلك في الانجازات التي سيحققها تأهيل السد الأخضر أهمها:
إعادة التشجير: تغطي المزارع المنفذة مساحة تزيد عن 275 ألف هكتار. سيتم تعزيز هذا التقييم في السنوات القادمة مع التسجيل المتوقع للبرامج الجديدة وتنشيط وتيرة إنجازات خطة إعادة التحريج.
المزارع الرعوية: تهدف إلى تحسين إنتاجية المراعي وبالتالي تقليل ضغط القطيع على كتل الغابات وإعادة تشجير الشباب، وتغطي المزارع المنفذة مساحة تزيد عن 54000 هكتار. الأنواع الرئيسية المستخدمة هي كما يلي: أتريبليكس، أوبونتيا، أكاسيا، خروب، جراد العسل الأمريكي، بروسوبيس، شجرة زيتون بوهيمية والجوجوبا ….
تثبيت الكثبان الرملية: تشكل تكوينات الكثبان التي تمتد أكثر فأكثر في مناطق السهوب المرحلة النهائية للتصحر. في مواجهة الرمال التي تهدد بشكل خطير البنية التحتية والمستوطنات والأراضي، تم إصلاح أكثر من 8400 هكتار من خلال إدخال أنواع مختلفة.
زراعة 2041 كم من الممرات الخضراء ومصدات الرياح لحماية البنى التحتية والمناطق الزراعية
التشجير والتنمية الزراعية: يهدف مجال التدخل هذا بشكل أساسي إلى إدخال زراعة الفاكهة الريفية في إطار المزارع العائلية الصغيرة لزيادة وتنويع مصادر الدخل للسكان. تبلغ مساحتها حوالي 33000 هكتار بها عدة أنواع منها: المشمش والفستق واللوز والزيتون.
الحفاظ على المراعي المتدهورة بحماية 34500 هكتار
تطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير طرق الاتصال لفتح مناطق السهوب، من خلال إنشاء أكثر من 7082 كم في فتح المسارات وأكثر من 4955 كم في تطوير المسارات.
تطوير نقاط المياه. يهدف هذا التدخل إلى المساعدة في تعبئة الموارد المائية لتلبية احتياجات السكان والثروة الحيوانية. نتج عن الإنجازات إنشاء 2532 نقطة مياه و46882 مل و121 خزان تل.
تركيب 6120 مجموعة شمسية و4 كم من إمدادات الطاقة لإنارة المنازل.
تطوير 93 محيطًا قائمًا على مستوى 13 ولاية للسد الأخضر منها 45 على مستوى مناطق الظل بالمناطق.
استحداث أصول من خلال إنشاء بساتين شجرية بمساحة 16000 هكتار منها 107000 هكتار من أشجار الزيتون وإنشاء وحدات لتربية الأبقار والأغنام وتربية النحل والأرانب لصالح ما يقرب من 1325 من قادة المشروع بتوزيع أكثر من 3285 رأسا، كل القطعان مجتمعة ؛تحسين الأراضي على مساحة 638 هكتارا لتحسين الممارسات الزراعية والغلات لصالح 264 من سكان الريف..
نقلة نوعية
في الأخير يمكننا أن نخلص إلى إن اعتماد التنمية المستدامة والمتكاملة في إدارة السهوب والغابات، سيضمن نقلة نوعية كبيرة. من خلال الانتقال من نظام متآلف يستبعد الأنشطة البشرية ويعتمد على استخدام نوع واحد (إعادة التشجير المكثف على أساس الصنوبر الحلبي) إلى تنويع الأنواع (استخدام الأنواع المستوطنة مثل هولم أوك، أطلس الفستق، العرعر، وما إلى ذلك، ونهج تشاركي قادر على الحفاظ على المرونة المناخية طويلة الأجل للنظم الإيكولوجية للغابات والسهوب وتحسينها.
مع توفير الفرص البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لصالح سكان الريف وتحسين القدرة على التكيف مع تغير المناخ في مناطق السد الأخضر الجزائري وامتداده. كما سيعمل على إعادة تأهيل وتدعيم المزارع المختلفة وتحقيق الامتدادات المفرج عنها بحسب مدى تأثر المناطق بظاهرة التصحر والحفاظ على المراعي المتدهورة وإعادة تأهيلها وتكثيف إنتاج الأعلاف من خلال استغلال المياه السطحية.
إلى جانب دمج السكان المحليين من خلال تنمية الحراجة الزراعية وحشد الجمعيات والقطاعات الاقتصادية العامة للمساهمة في إعادة تأهيل وترميم السد الأخضر.