قبل سنين قليلة، بثّت قناة «أرتي» الثقافية، الفرونكو- ألمانية، وثائقيا بعنوان «مكّة الثوار»، في محاولة استحضار للعصر الذهبي للدبلوماسية الجزائرية، والمناهضة لكلّ أشكال الهيمنة والامبريالية، انطلاقا من مقولة المناضل أميلكار كابرال، أحد أبرز الثوّار الأفارقة وملهم حركات تحريرية في مختلف أنحاء العالم.
كان كابرال يقول إنّ كلّ الحركات التحرّيرية تحجّ إلى الجزائر، مثلما يحجّ المسلمون إلى مكّة والمسيحيون إلى الفاتيكان، وكان ذلك في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، عندما كانت الجزائر رقما صعبا في المعادلة الدولية.
وكان المشاهد للوثائقي التأريخي، يتمتع بحنين إلى ماض اعتقد أنّه لن يعود، حيث كان أبرز الثوار وقادة الحركات التحريرية على غرار تشي غيفارا ونيلسون مانديلا وأميلكار كابرال يعيشون على هذه الأرض كأنّها أرضهم، ويخطّطون لتصفية آخر قلاع الاحتلال.
ولأنّ دولة جزائر الاستقلال، كانت نتيجة أعظم ثورات العالم في الجزء الثاني من القرن العشرين، فإنّ الثورة ضدّ كلّ أشكال الاستعمار قديمة وجديدة، هي بمثابة «الدي أن إي» الذي يشكّل وجودها.
ولأنّ الفرج يأتي بعد الضيق، فإنّ سنوات الأزمة التي مرّت بها البلاد، أفرزت واقعا جديدا، تصالحت فيه مع ماضيها الثوري، وفي عيد استقلالها الستين، «حجّ» كثير من الثّوار إلى هذه الأرض وقاسموا أهلها فرحتهم، وليس غريبا أن يأتي فرقاء فلسطين، من جهات مختلفة، لتؤلّف الجزائر بين قلوبهم، ليغادروا وقد تجاوزوا خلافاتهم، والكلّ يفكر في مستقبل تنتصر فيه كلّ القضايا العادلة على الظلم والطغيان العالمي الذي يرتدي أكثر من قناع.
لقد كان ذلك بعد استعراض غير مسبوق، استعرضت فيه البلاد قوّتها العسكرية، والهدف من كلّ تلك الترسانة هو السلم لا الحرب، لكنّه سلم على طريقة الثّوار الشرفاء الذين لا يرضون بكلّ أشكال الاستعمار.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.