من بين المطالب العديدة التي رفعها المحتجون الليبيون الذين خرجوا إلى الشوارع في الأيام الأخيرة، استعجال تسوية ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب، الذي لا يزال يراوح مكانه ويشكّل تهديدا حقيقيا لليبيا، حيث يرهن أمنها واستقرارها، ويضعها تحت رحمة تجار الحروب ولصوص الثروات الذين لا يهمهم استقرار الشعوب ولا أمنها بقدر ما يشغلهم تحقيق مصالحهم وتنفيذ أجنداتهم التدميرية الخبيثة.
لقد استوعب الليبيون منذ البداية الخطر الذي يشكله وجود نحو 20 ألف من المرتزقة والقوات الأجنبية على أرضهم، خاصّة بعد أن تأكّدت مشاركتهم في العديد من العمليات القتالية لصالح هذه الجهة أو الأخرى، لهذا تمّ التعاطي بإيجابية مع هذا الملف، وقد شدّدت جميع المباحثات التي عقدت من أجل إعادة الاستقرار إلى ليبيا على إخراج المقاتلين الأجانب والتخلّص من شرهم، بل إنّ اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أكتوبر2020، ذهب بعيدا بتحديده موعدا لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية في غضون 90 يوماً، لكن الموعد فات ولم يسجل أي انسحاب لهم.
في الواقع، الكلّ في ليبيا متفق على حتمية إخراج المرتزقة، والكلّ مدرك بأنّ عودة السّلام إلى البلاد يمرّ عبر حلحلة هذا الملف المعقّد بشكل لا يمكن تصوّره لكثرة تشابكاته الدولية، وارتهانه بمجريات السياسة في البلاد.
فجميع الأطراف الخارجية التي أرسلت قواتها ومرتزقتها إلى ليبيا، وجميع الفواعل الداخلية التي تستفيد من «خدماتهم» لا تبدو متحمّسة لإخراجهم، بل على العكس تماما، وهذا التعثر في تسوية هذا الملف، هو ما زاد من نقمة الشعب الليبي الذي رفع صوته عاليا مطالبا بتخليص البلاد من قبضة المرتزقة، وتحريرها من شرّ التدخلات الخارجية التي لا تجلب غير البلاء والكوارث حيثما حلّت، مثلما حصل في سوريا الجريحة.
استقرار ليبيا مرهون بتحقيق العديد من العوامل، وعلى رأسها إنهاء التواجد الأجنبي، بفرعيه السياسي والعسكري، وترك الليبيين يعالجون مشاكلهم بأنفسهم وبأدوات سلمية بعيدة عن القوة والسلاح، ولا أشكّ مطلقا في مقدرة الأشقاء الليبيين – إذا تحرّروا من قبضة الخارج – على الخروج من أزمتهم،وإطلاق مسار انتخابي جدّي يفرز سلطة جامعة قادرة على إعادة الوحدة وإقرار المصالحة. لهذا لابد من قرار دولي صارم يضع الدول التي تؤجّج الصّراع في ليبيا عند حدّها، ويجبرها على سحب مرتزقتها وقواتها لتترك الليبيين يعيشون في سلام، فيكفي ما عانوه منذ 2011 من مآسي وويلات.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.