لم تكن ثورة نوفمبر مجرد ثورة في تاريخ طويل مليئ بالحروب والانتفاضات، بل كانت حركة ثورية متكاملة أبدعها الشعب الجزائري بكل أطيافه.
وبدأ الإبداع من اسم الإطار الذي كان «جبهة»، ذابت فيها الاتجاهات الفكرية والإيديولوجية والسياسية وأصبحت علامة مسجلة، قلدّتها فيما بعد ثورات أخرى في إفريقيا والهند الصينية وأمريكا اللاتينية.
ولأن مجموعات بسيطة من الشباب قليل التكوين العسكري ومحدود السلاح، لم يكن باستطاعته مواجهة واحدة من أقوى الدول عسكريا في العالم مدعومة من الحلف الأطلسي، فكان الإبداع العسكري يكمن في ابتكار أساليب أخرى، أصبحت تدرّس في أعرق الأكاديميات العسكرية، مثل «معركة الجرف» الشهيرة.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه سلطات الاحتلال حربا شاملة على الثورة التحريرية، بدءا من سنة 1958، كانت المواجهة بأوجه أخرى من الإبداع، باستخدام الرياضة والفن والدبلوماسية، إلى جانب «الإبداع العسكري»، الذي لم يتوقف يوما رغم الحصار والتجويع الذي «أبدع» فيه المحتل.
استطاعت «فرقة جبهة التحرير الفنية» التي جابت أنحاء متفرقة من العالم، تقديم الوجه الفني والإنساني للثورة التحريرية التي لم تكن «حركة فلاقة»، كما كان يصوّرها إعلام المحتل بكل إمكانياته وثقله، واكتشف الناس من خلالها البُعد الإنساني للثورة، وثقافة الجزائر الحقيقية التي لم تكن تشبه ثقافة الغزاة، رغم التشويه والتجهيل الذي دام أكثر من قرن.
وأبدع شباب كانوا يلعبون في أعرق النوادي الكروية في فرنسا، وبعضهم كان مرشحا للعب في المنتخب الفرنسي في مونديال السويد، فتخلّوا عن الأضواء والأموال والامتيازات واستجابوا لنداء الثورة وأسسوا «فريق جبهة التحرير لكرة القدم» الذي قدّم الكثير للقضية، لعب بعض نجومه دورا أساسيا في بروز المنتخب الوطني بعد الاستقلال
ويعود الفضل إلى بعض نجوم فريق «الجبهة» الذين تحوّلوا إلى مدربين في أهم إنجازات الجزائر، على غرار ميدالية البحر المتوسط (1975) والتأهل إلى مونديال 1982 والفوز بأول كأس إفريقيا للأمم سنة 1990.
إنها وجوه إبداعية من «نوفمبر»، الذي ظلمه بعض من أهله قبل أن يظلمه الآخر وقد حاولوا اختصاره في وجه واحد.