من المؤكّد أنّ الحرب الرّوسية الأوكرانية، غيّرت من عديد المعطيات على السّاحة الدولية، سياسيا وعسكريا وأمنيا واقتصاديا، فبات التسابق على الظفر بتحالفات صغيرة أو كبيرة ذات تأثير وأهمية قصوى ضمن أجندة الدول المتطوّرة على وجه الخصوص، ولعل تجديد واشنطن تشبّثها واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، جاء ليفنّد العديد من توقّعات المحلّلين الاستراتجيّين، الذين كانوا يعتقدون بقناعة أن تتجه أمريكا نحو المحيط الهادئ وإلى القارة الأسيوية، مغيرة اهتمامها ومنوعة من مصالحها وامتيازاتها التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان، غير أنّ زيارة بايدن الأخيرة المدفوعة بمخاوف نشوب أزمة نفطية خلال فصل الشتاء المقبل، وإمكانية تعرض الآلة الصناعية الأوروبية لتحديات غير واضحة المعالم، بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات مفزعة بالنسبة للمستهلكين، جعله يتحرك نحو المنطقة، بهدف الظفر بترتيبات تسقط السيناريوهات السيئة.
دون شك لن يكتفي بايدن بهذه الأهداف، لأنه يبحث عن أبعد من ذلك، ولعل احتجاجات الفلسطينيين على هذه الزيارة، جاءت لأنّهم مدركون أنها لن تحمل لهم حلولا لاستعادة أرضهم المسروقة وحريتهم المسلوبة، ولن يقيهم من البطش والتنكيل اليومي والتوسع الاستيطاني البغيض الممارس ضدهم بشكل علني ومفضوح أمام الرأي العام العالمي.
الرّئيس الروسي بوتين منتظر أن يزور إيران خلال السّاعات القليلة المقبلة، وهناك من ينظر للزيارتين بالكثير من الفضول، أي بمعنى..ماذا تخفيان في ظل مسعى غربي حثيث لفرض حزمة سابعة من العقوبات على روسيا؟ حيث ستطال هذه المرة الذهب الروسي، في وقت تبقى أوروبا المتضرر الأكبر من الحرب الروسية الأوكرانية، لأن الأضرار ما زالت تتفاقم وتتراكم، آخرها انزلاق عملة الأورو إلى مستويات لم تسجّل منذ عام 2002، بعد أن أصبح معادلة في قيمتها للدولار.
الجميع يتنافس ويسارع نحو كل الاتجاهات، تحرّكه المصالح من جهة والمخاوف من جهة أخرى، في خارطة دولية مختلفة بدأت فيها العلاقات تتغير والمصالح تتصادم والأطماع تتسابق، وكالعادة قد يصبح عدو الأمس صديقا بل وحليفا استراتيجيا، فهل تنجح الدول العربية في فرض صوت موحّد لأنها في موقع قوة بهدف حفظ مصلحتها المشتركة؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.