ستبقى مرجعية الفاتح نوفمبر هي الإسمنت الذي يوحّدنا والذي يجب أن تتكسّر على أحجاره كل الخلافات والاختلافات، بل هو البوتقة التي يمكنها وحدها استيعاب الجميع والحصن الذي يحمينا من الانزلاقات أو الانحرافات؟
إن بيان الفاتح نوفمبر لم يرسم معالم الدولة الجزائرية فقط ولكنه أعاد جمع شتات أمة عانت من استعمار استدماري حاول طمس هويتها وانتمائها على مدار 132 سنة من التدمير الهوياتي الممنهج.
وبالرغم من الأضرار التي لحقت بالأمة الجزائرية، بعث ذلك البيان الجزائر من رماد المحن كطائر الفينيق.
كم من نفق مظلم دخلت فيه الجزائر وخرجت منه بسلام، بفضل تضحيات رجال تسري في عروقهم دماء نوفمبر التي لقّنتهم حب التضحية والشهادة في سبيل الله والوطن، كما فعل أسلافهم في الجهاد من شهداء هذا الوطن في ثورة التحرير، ثم في التصدّي لإرهاب دموي كان يرى جيّدا وليس أعمى كما كان يتصوّر البعض أو يصفه البعض الآخر؟ وكيف لا وكانت له أهداف محدّدة، مموّلون ومنظرون اعتقدوا أن اللحظة قد حانت للانتقام من شعب تجرّأ – بحسبهم- على كسر امبرياليتهم ومرّغ أنف الاستعمار في التراب، بل قوّض فلسفته فتحرّرت شعوب أوهموها أن العبودية قدر محتوم؟
لم يكن نوفمبر مشروع تحرير فقط ولكن خارطة طريق لتسيير شؤون دولة تقوم على أسس صلبة، مبادئ ثابتة وخيارات محسومة وبهذا فقط فرضت الجزائر احترامها على الأمم الأخرى، بالرغم ومن الاختلالات والانحرافات التي وقعت بسبب خيارات سلطوية ضيّقة حاول البعض أن يستغلّها للطعن في مرجعية نوفمبر لإدخالنا في مغامرات مجالس التأسيس أو مراحل الانتقال زجّت بشعوب في أتون الفوضى ثم دهاليز التيه بحثا عن دولة تفكّكت بين سذاجة، عمالة ويد أجنبية ترعى برامج التدمير الذاتي التي أبطل مفعولها نوفمبر الخالد والذي سيبقى البرنامج المضاد الذي يتصدّى لكل الفيروسات والبرامج التي تهدّد الجزائر.
إنه اليقين الذي بثّه نوفمبر فينا.