قبل يومين، ورد خبر سارّ من ليبيا جاء ليعيد بعض الأمل في إمكانية الخروج من النفق المظلم، حيث نجح الليبيون في الوصول لاتفاق تاريخي لبدء عملية توحيد المؤسسة العسكرية التي ظلت منقسمة لأكثر من عقد من الزمن، وبلغ بها التشظي والخلافات إلى درجة الاصطدام المسلّح الذي كاد يدخل البلاد في حرب أهلية لا نهاية لها.
لأوّل مرّة، عقدت، في الأيام الأخيرة، بالعاصمة طرابلس، اجتماعات بين القيادة العسكرية لشرق ليبيا بقيادة رئيس أركان الجيش الليبي الفريق عبد الرزاق الناظوري ورئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد، وقيادات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5”، وتوّجت الاجتماعات بتحديد خطوات لتوحيد المؤسسة العسكرية وإخراج القوات الأجنبية من البلاد.
ومن أبرز ما تمخض عن اجتماع الإخوة الفرقاء هو الاتفاق على تسمية رئيس أركان واحد للمؤسسة العسكرية وتحديد خطوات واقعية لتوحيدها، مع قطع العهد بعدم العودة للاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، ونبذ العنف والدعم الكامل لمدنية الدولة، وإبعاد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية.
كما دعم الاتفاق جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والاستمرار في تنفيذ ما خلصت إليه في اجتماعاتها السابقة، بما في ذلك تأكيد خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية.
وتمّ التّأكيد على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة ملف المحتجزين والمفقودين للوصول إلى نتائج عملية في هذا الشأن، والمضيّ قدماً في برنامج المصالحة الوطنية وعودة المهجرين من جميع ربوع الوطن إلى بيوتهم.
اتفاق توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، يمكن وصفه بالتاريخي وهو فعلا كذلك، فإلى وقت قريب كان الجيش الليبي منقسم بين الشرق والغرب، تتجاذبه هذه الحكومة، والأخرى، واليوم يمكن أن يصبح الجيش الليبي الموحّد مثالاً يحتذى به في كلّ المسارات الليبية الأخرى، خصوصاً المسار السياسي، لتتوحّد السلطة في هيكل واحد موحّد من خلال إجراء الانتخابات في أقرب وقت، للانطلاق بعد ذلك في إقرار مصالحة شاملة، وإخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، والتخلّص من التدخلات الخارجية ومباشرة البناء.
لاشك أنّ الصرخة المدوّية التي أطلقها الشعب الليبي، قبل أيام، عندما خرج إلى الشوارع مطالبا برحيل كل الأجسام السياسية وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، قد وجدت صداها عند العسكريين الليبيين الذين قرّروا توديع الانقسام والعمل من أجل إنهاء الأزمة، يبقى فقط أن يطبّق الاتفاق بكلّ خطواته بعيدا عن تهديدات المليشيات المسلّحة التي يجب وقفها عند حدّها والعمل على حلّها، وبعيدا أيضا عن تأثيرات بعض الدول الخارجية التي تسعى لديمومة الأزمة الليبية، كما يجب أن يكون هنالك دعم دولي ورغبة دولية صادقة لإنجاح هذا المسار.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.