اعتراف، تقدير وامتنان هو عنوان التكريم الذي خص به رئيس الجمهورية منتسبي جيش التحرير وسليله الجيش الوطني الشعبي، في رسالة واضحة وقوية أن الجزائر قوية بأبنائها ممن ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن تحيا آمنة ومزدهرة، ليؤسسوا معادلة متميزة، لأن الجيش والشعب واحد، كل منهما من الآخر، فكما خاب سعي المستعمر الغاشم عندما أطلق على المجاهدين اسم «الفلاڤة» لكسر رابطة جيش التحرير والشعب، فشل أعداء اليوم كذلك، لأنهم عجزوا عن فهم، أو لا يريدون فهم، «رابطة الأمة» الأبدية والخالدة بين الجيش والشعب.
اللواء مجاهـد: هؤلاء ساهموا في بناء الجيش بنفس الروح والفكرة والقيم والمبادئ ونكران الذات
كان ولا يزال وسيبقى العلامة الفارقة لدولة استمدت قوتها من قوة شعب يأبى الخنوع والركوع، فكانت أيادي البسطاء من حملت سلاح المقاومة رافضة الخضوع لقوة استعمارية كانت تعد لقرون من أكبر القوى العالمية أنذاك، ليولد جيش التحرير من رحم الجزائر متشبعا بحليب الحرية، لتصبح التضحية ونكران الذات الفطرة التي زرعها أفراده في جيش وطني شعبي، حمل على عاتقه مهمة صون الأمانة والوديعة حتى تبقى الجزائر آمنة دولة وشعبا، يرابط أفراده على حدود طويلة عريضة ليكونوا الدرع الحامي والواقي والمانع لأي خطر، بينما يضع آخرون لدرع اقتصادي قوي هو الصناعة العسكرية، ليكون الرقم الصعب في معادلة الإقلاع الاقتصادي.
رمزية ودلالات
عن رمزية ودلالة التكريم الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية لقدماء جيش التحرير، قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الباحث في القضايا الاستراتيجية الدكتور عبد القادر سوفي في حديثه مع «الشعب»، إنها تمثل اعتراف الدولة الجزائرية بما قدمه هؤلاء من تضحيات للوطن، سواء كانوا قدماء جيش التحرير أو معطوبي الجيش الوطني الشعبي، ونحن نعلم ان الجزائر مرت بمراحل حالكات شكّل هؤلاء فيها السد المنيع امام كل أنواع التهديدات التي مست الجزائر، أكان ذلك في العشرية السوداء او في حرب التحرير حيث وضع افراده السلاح جانبا للمشاركة في بناء الدولة ما بعد الاستقلال.
في ذات السياق، ذكّر سوفي ان المستدمر بعد هزيمته النكراء أمام جيش التحرير وخروجه من الجزائر، ترك وراءه دولة محطمة نتيجة ممارسته سياسة الأرض المحروقة طوال 132 سنة بل عاث فسادا في الأرض ليتركها في 1962 خالية على عروشها تقريبا. لذلك ومنذ الساعات الأولى من الاستقلال تقلّد افراد جيش التحرير كل المناصب عسكرية كانت او مدنية، ليساهموا في إعادة بناء الدولة الجزائرية ومؤسساتها، من خلال مشاركتهم في التنمية الاقتصادية، او التنمية الفلاحية، وكذا مساندة الشعب الجزائري في مختلف القطاعات كالتربية والصحة، لتليها الكثير من المراحل والمحطات قدم فيها جيش الوطني الشعبي تضحيات كبرى وجساما.
وقياسا الى كل ذلك، اعتبر الأستاذ التكريم خطوة تؤكد على التلاحم ما بين الدولة وشعبها ومؤسساتها، يعد المكرمون في الذكرى الأولى لليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي هم أحد افرادها، لذلك «نحن نتحدث عن فعل يليق بهؤلاء ويليق بمقام الدولة الجزائرية التي اثبتت انها لا تنسى ابناءها.
عقيدة وطن
عن تحوير جيش التحرير الوطني الى جيش وطني شعبي، أكد سوفي انه قبل ان يكون جيش التحرير هو أولا انتفاضة الشعب التي تحولت المقاومة فيها الى مقاومة فعلية، حيث ذكر بيان اول نوفمبر 1954 في جملتيه الأولى والأخيرة، الأولى «إياكم أن تصدروا حكما في حقنا» وفي الجملة الأخيرة «سنضحي بالنفس والنفيس من اجل الوطن» لذلك يمكن القول في هذه المرحلة كان الشعب من مناضلين ومجاهدين أسسوا جيش التحرير الذي تحوّل الى الجيش الوطني الشعبي، ما جعله الجيش الوحيد في العالم الذي لم يوجد بقرار بل جاء بتلقائية بتطور وبإلهام، عقيدته هي عقيدة الدولة هي عقيدة الشعب الجزائري.
وشرح المتحدث ان هذه العقيدة تمثل فلسفة الدولة الجزائرية في أبعادها الدينية، على اعتبار ان الإسلام دين الدولة، بأبعاد التراث وثقافة الوطن الجزائري، الى جانب ان هذا الجيش يتماشى في تناغم تام مع مبادئ القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، على هذا الأساس نحن نتحدث عن تحوّل سلس وطبيعي بالنسبة لهذه المؤسسة التي أصبحت مؤسسة بحكم طبيعة الإنسان الجزائري الذي انتقل من العمل الجهادي وتكريس الفداء في سبيل الوطن، الى مؤسسة قائمة بحد ذاتها.
جيشنا يقوم بكل المهام المنوطة به وأكثر، ما بين حماية الحدود وبناء القوة استعدادا لأي خطر يهدد أمن الجزائر وشعبها، وقال سوفي: «نحن نتحدث في العلاقات الدولية أنه من اجل بناء السلم لابد من الاستعداد الى الحرب»، والله سبحانه وتعالى يقول أيضا في كتابه العزيز :»واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، ويتماشى هذا المنطلق مع بناء القوة لهذه المؤسسة المقدسة والعريقة في تحولها من جهة الى نظام مناعة يرد الأخطار المهددة للجزائر، وحامي الوطن والشعب، ومن جهة أخرى تساهم هذه المؤسسة أيضا في بناء الاقتصاد وفي كل المهام التي يمكن أن يقدمها خدمة للوطن والشعب.
اعتراف وعرفان
قال مدير معهد الاستراتيجيات الشاملة اللواء عبد العزيز مجاهد في اتصال مع «الشعب»، إن تكريم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع لمتقاعدي الجيش الوطني الشعبي المنحدرين من صفوف جيش التحرير الوطني وعائلات شهداء الواجب الوطني ومعطوبي وكبار جرحى الجيش الوطني الشعبي في مكافحة الإرهاب، في سياق الاحتفال باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي المصادف لـ4 أوت من كل سنة، يأتي اعترافا بجهود أعضاء جيش التحرير الذين ساهموا في بناء الجيش الوطني الشعبي بنفس الروح والفكرة والقيم والمبادئ لجيش التحرير، من خلال التضحية ونكران الذات في سبيل الذود وحماية الوطن.
في الوقت نفسه، أكد مجاهد أن المناسبة حملت رمزية مهمة وقوية لخصها في أنها عرفان وتقدير لمجموعة من إطارات الجزائر من أبناء جيش التحرير الذين ساهموا في تحوير جيش التحرير الوطني الى جيش وطني شعبي، حيث نقلوا له جوهر جيش حارب الاستعمار وهزمه، بالرغم من الفرق الشاسع في العتاد والأسلحة في تلك الحقبة، بين واحد حمل السلاح من اجل الحرية، وبين قوات احتلال تدافع عن سرقة أرض الجزائر وشعبها، حيث عمل أعضاء جيش التحرير بعد الاستقلال بنقل نفس الروح والأهداف والغايات الى الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير.
وحرص اللواء على التذكير بأن عناصر الجيش، سواء في حرب التحرير او الجزائر المستقلة من رحم الشعب وأبنائه، مؤكدا ان العلاقة بين الجيش والشعب هي علاقة أبدية، روحية، ما يجعل هدفهم واحدا في بناء الجزائر وحمايتها، لذلك هم حاضر ومستقبل الجزائر والدرع الحامي الذي يذود عن كرامتها وشرفها، ملخصا دور الجيش في الدفاع عن السيادة الوطنية وعن أمن الجزائر وشعبها وعن المواطن وكرامته وحريته ووجوده.