وجدت كثير من المشاريع التي ظلّت لعقود مطلبا بعيد المنال أو حلما، طريقها إلى التنفيذ، في السنتين الأخيرتين، لتبقى وتيرة التجسيد عاملا حاسما في تحقيق النتائج المرجوة.
مرة أخرى، حملت المقابلة الإعلامية الجديدة لرئيس الجمهورية، عبد الجيد تبون، الكثير من الحقائق المرتبطة بملفات عديدة ومترابطة فيما بينها من حيث القدرة على تحقيق «التغيير الشامل».
الرّئيس تبون، وفي آخر خرجة إعلامية له، واصل مصارحة الجزائريين، بشأن المقوّمات الهائلة للإقلاع الاقتصادي، وأيضا الذهنيات البيروقراطية التي لا زالت تشن حروبا نفسية مجانية ضد المواطنين.
وتحدّث رئيس الجمهورية بإسهاب، عن معركتين، «معركة استعادة كرامة الجزائري أينما وجد، ومعركة النهوض بالاقتصاد»، وبالنسبة للسيد الرئيس، فإنّ من حرم شباب جزائريين من ركوب طائرة نفّذت رحلتها وهي نصف شاغرة، لا يختلف عن أولئك الذين دقوا مسمارا في عجلة التنمية فتخور قواها كلما حاولت الحركة.
وإذا كان سلوك البيروقراطيّين السيئين، قد أدى مع مرور الوقت إلى أزمة خطيرة بين المواطن ومؤسسات بلاده، فإنّ كابحي النمو الاقتصادي برعوا في إنتاج اليأس، وقتل الأمل لدى فئة الشباب تحديدا.
وبصراحته المعهودة، تحدّث الرّئيس تبون، بفخر عن الاكتشافات الضّخمة التي حقّقتها شركة سوناطراك في الأشهر الستة الأخيرة، وبشّر باكتشافات أكبر خلال الأيام المقبلة، لكنه تساءل عن سبب «تحقيق ذلك اليوم وليس الأمس»، وقال: «كيف، في منطقة حوض بركين، حيث توجد منشآت نفطية تشتغل، لم تحدث مثل هذه الاكتشافات من قبل؟».
وتابع الرّئيس قائلا: «بالنسبة لي، هذا مدبّر من قبل البعض، حتى تحرم الجزائر من مواردها لتحقيق التنمية الاقتصادية وتتقهقر».
وقد تعرّض الجزائريّون طيلة 20 سنة مضت إلى تدفّق إعلامي غزير، يحمل رسالة الإنذار بزوال البترول والغاز في حدود 2025، وتمّ الترويج لذلك عن طريق من يحملون صفة «خبير طاقوي».
لكن، وفي ظرف سنتين، ومنذ إقرار قانون المحروقات الجديد، 19-13، الصادر أواخر سنة 2019، حقّقت سوناطراك بجهود ذاتية أو بشراكة مع مجمع إيني الإيطالي، اكتشافات تحافظ على وتيرة التصدير الحالية لمدة 20 سنة قادمة، في مجال البترول، بينما تشير تقارير دولية، إلى أن الجزائر صار في متناولها السيطرة على 25 بالمائة من سوق الغاز في أوروبا في ظرف وجيز.
استعادة هيبة الدولة
نفس الأمر، ينطبق على بقية الموارد الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، بمنجم مثل غار جبيلات بتندوف، المعروف بأكبر احتياطي عالمي لخامات الحديد، ظل الحديث عنه في خانة «الأسطورة الاقتصادية»، لكن لا أحد اقترب منه، إلى غاية السنة الماضية ثم ماي المنقضي حينما أعطي الضوء الأخضر للشروع في استغلاله بعد استكمال اجراءات الشراكة مع تحالف لشركات صينية.
وحتى هذا المشروع الضخم، الذي سيغير وجه الاقتصاد الوطني كليا مع مناجم الموارد الأخرى، تعرض لحرب شائعات هائلة، حيث تم التسويق لاستحالة استغلاله بسبب غياب المنشآت القاعدية، (الطرق وسكك الحديد)، ثم محاولة ضربه بالترويج لنسبة الفسفور العالية في خام الحديد، لكن كلها قصص من نسج خيال مثبطي عزام الأمم.
ربط الشمال بالجنوب وإلى آخر النقاط الحدودية، ظل هو الآخر، من المشاريع العملاقة التي ظلت قيد «التنظير»، «وإحصاء» مكامن القوة الاقتصادية والجيوسياسية للبلاد في الملتقيات الجامعية، لكن وزارة النقل، تعكف منذ فيفري الماضي، على إنجاز دراسة تقنية لتمديد خطوط السكة الحديدية باتجاه تمنراست وأدرار، بأمر من رئيس الجمهورية في اجتماع لمجلس الوزراء.
على صعيد آخر، ومن الملفات التي سيكون الأثر البالغ على التحول الشامل للبيئة السوسيو-ثقافية للجزائر، ملف تدريس الإنجليزية في الطور الابتدائي، إذ بدأت تسجيلات توظيف المعلمين الحاملين لشهادة الليسانس والماستر في هذه اللغة.
ويذكر المنتسبين إلى الأسرة التربوية، كيف أنّ تعزيز مكانة الانجليزية، كان أمنية قديمة تعود لسنوات التسعينات، ليعلن الرئيس تبون إدراجها كمادة في مرحلة التعليم الابتدائي بحجة أنّ «الوقت قد حان لانفتاح الجزائريّين على العالم بلغة عالمية».
وقبل هذا كله، استهلّ رئيس الجمهورية، عهدته الرئاسية، بإعادة الهيئة والشرعية الكاملة لمؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات الدستورية، عن طريق إبعاد المال الفاسد، في إطار مبدأ «فصل المال عن السياسة».
ولأنّ قوّة المال خاصة «الفاسد»، كان لها مفعول السّحر لتبرير ما لا يبرّر إلى درجة التمكين للعبث، الذي كاد أن يؤدّي إلى انهيار الدولة خلال العهد البائد، نجح رئيس الجمهورية، في سحق رأس الثعبان بقوة القانون، ومنعه من ولوج المجالس النيابية محليا ووطنيا.
وبرأي ملاحظين، فإنّ وجود مؤسّسات غير مطعون في شرعيتها، يمكّن من مناقشة القضايا الجادّة للأمة، بالشكل اللازم بعيدا عن المصالح الضيقة، فبرلمان اليوم، سيعرض عليه نص قانوني جديد يتعلق بالتدابير الإضافية لقانوني الرحمة والوئام، ويحمل أبعادا ترتبط بتعزيز اللحمة الوطنية والقطيعة النهائية مع «أحقاد الماضي، والتوجه نحو ترسيخ التسامح والتضامن».