الانضمام إلى مجموعة «بريكس» أحد صور حتمية بناء وتطوير اقتصاد قوي لمواجهة أي ظروف استثنائية، بالنظر إلى انعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الوطني ومنحه الدفعة القوية والديناميكية المطلوبة للتحول الى قوة اقتصادية تملك مفاتيح سيادتها.
تكتل لأخلقة المنظومة الاقتصادية ومواجهة القطبية وتداعيات الأزمات
بحسب آخر الأرقام، تستغل الجزائر 20٪ فقط من طاقتها الوطنية، تملك 40 مليون هكتار أراض زراعية، منها 8 ملايين هكتار فقط مستغلة، ما يزيد عن 400 نوع من الرخام، أكثر من 34 مادة منجميه لم يتم استخراجها بعد، طاقات متجددة غير مستغلة، إلى جانب كل ما تملكه الجزائر من مقومات لتكون رقما إضافيا في الاقتصاد العالمي، لذلك كان لزاما الذهاب الى خيار الانضمام الى مجموعة البريكس من اجل تطوير اقتصادها من خلال الشراكات التي ستقيمها مع الدول الخمس كروسيا والصين الحلفين الاستراتيجيين للجزائر.
السكة الصحيحة
خطوة ستضع بين يدي الجزائر الفرصة الذهبية للانتقال من دولة طاقوية الى دولة صناعية، تملك القدرة الكافية على إنشاء مناطق حرة مع دول «بريكس» الخمس: روسيا، الصين، البرازيل، الهند وجنوب إفريقيا، بالإضافة الى قدرتها على إعطاء الجزائر الدعم الكافي لولوجها السوق الإفريقية من خلال منتجاتها المحلية، الى جانب إنشاء مناطق صناعية وتجارية حرة بين الجزائر ودول «البريكس».
في نفس الوقت، ستساهم هذه الخطوة، برأي مختصين، في تطوير الاقتصاد الوطني بصفة سريعة، لما تملكه دول المجموعة من تكنولوجيا في القطاعات الإستراتيجية كالطاقة والزراعة والصناعة، لذلك ستؤدي «بريكس» المتطورة في قطاع الزراعة مثلا، دورا مهما في نقل تجربتها الى الجزائر؛ القطاع الذي وصفه رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة الوطنية بأنه تقليدي بسبب اعتماده الطرق التقليدية في الزراعة، بل أكثر من ذلك أكد على ضرورة إعادة تعريف الفلاح من شخص يؤدي مهنة تقليدية ورثها عن أجداده الى عضو فعال ومهم واستراتيجي في الاقتصاد الوطني.
لذلك سيسمح الانضمام الى المجموعة بعقد شراكات، مثلا في بعض منتجات القطاع الفلاحي، ما سيمكن الجزائر من تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد سنوات قليلة في هذه المنتجات الفلاحية، وبالتالي يؤمِّن لها أمنها الغذائي، فعقد شراكة مع الهند أحد دول «البريكس» سيسمح بتطوير القطاع، فهي تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث المخرجات الزراعية، حيث يوظّف قطاع الزراعة فيها نسبة 42٪ من القوى العاملة، ويساهم بنسبة تتراوح بين 17 و18٪ من الناتج المحلي الإجمالي في هذا البلد.
الى جانب قطاع الطاقة، تقليدية أو متجددة، فدول البريكس من أهم الدول المصدرة للطاقة، خاصة الطاقة الكهربائية والشمسية. ومع الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الضعيفة للطاقة في الجزائر مقارنة بدول العالم، يمكن القول إنه سيكون حافزا لدول البريكس لإطلاق استثمارات كبيرة في الجزائر في مجال الطاقة النظيفة، بإنشاء مصانع ضخمة للطاقة، بالنظر الى خزان الجزائر الكبير في هذا القطاع.
تيغرسي: قوة دافعة وداعمة
في حديثه إلى «الشعب»، قال الخبير الاقتصادي البروفيسور الهواري تيغرسي، «بريكس» هو مجموعة متكونة من خمس دول على الأقل في البداية هي البرازيل روسيا ثم الهند ومؤخرا جنوب إفريقيا، دول ناشئة عرفت معدل نمو جد مرتفع، رأسمالها خيالي، هي مرشحة مستقبلا لأن تكون أكبر وأحسن خمس دول سواء من حيث المداخيل أو التنمية بصفة عامة، الفرق بينها وبين الدول الكبرى أنها وجدت لمواجهة القطبية الموجودة في الفترة السابقة، وإشكالية العولمة المتوحشة.
وعن انضمام الجزائر الى هذه المجموعة، أوضح المختص أنها من أكبر الدول غير المستفيدة من هذه العلاقات، بل يمكن القول إنها مهمشة فيما يتعلق بكل الشراكات التي عقدتها في مراحل سابقة، مستدلا بالشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي المبنية على ثلاثة أسس مهمة جدا، هي تحويل رأس المال لم نشاهد منه أي استثمار كبير في الجزائر، وتحويل التكنولوجيا من الغرب الى الجزائر وهو ما لم يحدث على أرض الواقع.
وعلى اعتبار أن «بريكس» فضاء اجتماعي اقتصادي وسياسي مستقبلا يُعد الملجأ الوحيد للجزائر، خاصة فيما يتعلق بعمل المجموعة على أخلقة المنظومة السياسية والمنظومة الاقتصادية، إضافة الى كونه ملتقى لنقاش وتبادل غير مقيد بعيد كل البعد عن الوحشية الاقتصادية الموجودة في العالم. ولأن الجزائر معروفة بمواقفها، خاصة عندما كانت دولة قيادية في حركة عدم الانحياز، يمكن القول إن المجموعة هي وريث الحركة اتخذت فقط شكلا وأنموذجا آخر.
إذا كانت حركة عدم الانحياز ذات بعد سياسي فقط، فإن أبعاد «البريكس» متعددة فهي اقتصادية، اجتماعية وطبعا سياسية في هذه المرحلة، ما يجعل منها مجموعة أوجدتها ضرورة أخلقة المنظومة السياسية والاقتصادية بعيدا عن التجاذبات القطبية.
في الوقت نفسه، كشف تيغرسي أن للجزائر في المجموعة آفاق كبيرة للتبادل بين هذا الفضاء الذي يعادل ناتجه الخام 25٪ من الناتج الخام العالمي بما يقارب 25 تريليون دولار، بينما تمثل مساحته 40٪ من مساحة العالم، لذلك تعتبر علاقة الجزائر قبل الثورة التحريرية مع جنوب إفريقيا، والصين وروسيا تاريخية.
والتعاون المستمر بينها منذ تلك الفترة، والتطور الكبير حتى من ناحية التصدير يعطي أولوية وأفضلية للجزائر، فتصدير منتجاتنا يجب أن يتنامى أكثر أمام حجم التعاملات التجارية لهذه المجموعة، لذلك هي مرحلة مهمة جدا ومن الضروري الانضمام الى هذا العالم، مؤكدا وجود طلبات كثيرة للانضمام الى المجموعة وربما ستتحول الى «بريكست» بعد انضمام تركيا إليها، بالإضافة الى دول أخرى بشرط امتلاكها لقدرات نمو مرتفعة حتى لا يكون تكتلا للدفاع فقط عن القوى الضعيفة، بل حركية وأكثر حرية وديمقراطية.