النّخب الفرنسيّة التي تسعى إلى محو اسم الجنرال بيجو من شوارع مدن فرنسا، تعبّر بصدق عن رغبتها في التّخلص من آثار الدّمار التي أحدثتها الكولونيالية الفرنسية بالجزائر، فـاسم «بيجو» مرتبط بمحرقة الظّهرة، وهو نفسه من وضع سياسة الأرض المحروقة، حين عجز عن مقارعة الأمير عبد القادر الجزائري في ساحات النزال، وهو نفسه الذي ارتكب جرائم بشعة في حق جزائريين عزّل، لم يكن لهم من ذنب ارتكبوه سوى جزائريتهم.
ولا ننكر على النخب الفرنسية العارفة والعالمة، أنّها عبّرت دائما عن رفضها المطلق لكلّ أشكال الظلم الذي تعرّض له الشعب الجزائري، ونعترف لـ»جان بول سارتر» وجميع من وقعوا معه بيان 121، تماما مثلما نعترف لـ»بول ريكور» و»إدغار موران» و»فلاديمير يانكيليفيتش» وآخرين كثيرين… قالوا كلمتهم المناهضة للاستعمار، قوية جهورية، وأنهم جميعا دعوا، ضمنا، أفراد الجيش الفرنسي إلى التّمرد على قياداتهم، بل إن هناك في النخب الفرنسية من رافقوا الكفاح التحرري الجزائري، ودفعوا أرواحهم ثمنا لمواقفهم النبيلة.
ونعتقد أن حرص النخب الفرنسية اليوم، على التّخلص من آثار الجنرال بيجو، ينبع من إحساس عميق بما تعرّض له الجزائريون من ظلم، وأن كفاح الجزائريين إنّما كان دفاعا عن النّفس، ولم يكن بغيا على الفرنسيين، كما تروّج له بعض الأبواق التي ما تزال تحلم بالفردوس المفقود.
وهنا، ينبغي لفرنسا أن تصغي لصوت العقل، وتعترف بأنّ القرار الطائش الذي اتّخذه شارل العاشر عام 1830، كان خطيئة كبرى في حق الإنسان، ولم يكن مسألة (ردّ اعتبار)، كما تروج له «أسطورة» المروحة التي لم يعد الفرنسيون أنفسهم يصدّقونها..
إن الجزائريين الذين واجهوا الرصاص بصدور عارية، واحترقوا بالنابالم وألوان من النيران الاستعمارية، لا يمكن أن يبغضوا الإنسان، ولا أن يناصروا ما يضادّ القيم الإنسانية..