من حوادث إلى إرهاب إلى مجازر، تحوّلت طرقاتنا إلى مسرح يشهد يوميا سقوط ضحايا بالعشرات وجرحى ومعاقين بالآلاف، في صورة مأساوية مؤلمة، تسيل دموع من فقدوا أحباءهم في حوادث مميتة قد تصل خسارتهم الى هلاك جميع أفراد الأسرة، أرقام مهولة للوفيات والإصابات في حوادث تقع على مدار الساعة، استدعت مناقشة مجلس الوزراء، أمس، ملف أمن الطرقات للحد من المجازر المرورية.
3600 ضحية وخسائر بـ 100 مليار دينار سنويا
بلغة الأرقام تسجّل الجزائر سنويا 3600 ضحية، 25 ألف جريح وما يفوق عن 2000 معاق سنويا وخسائر قدرت بـ 100 مليار دينار. في السياق أكّد مختصّون لـ «الشعب» ضرورة تفعيل رخصة السياقة بالتنقيط، واستحداث آليات مراقبة تقنية، ومراجعة بعض قوانين المرور من طرف المختصين القانونيين، وإعادة النظر في تكوين السائقين الجدد من خلال اعتماد الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، الى جانب عرضهم على أطباء ونفسانيين قبل منحهم شهادة السياقة، خاصة أن أصحاب رخصة السياقة الاختبارية يمثلون 50 بالمائة من نسبة حوادث المرور.
ملف: فتيحة كلواز وحياة كبياش وكمال زقاي
كشف رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية وإمن الطرقات. علي شقيان. في اتصال مع «الشعب»، إن إحصائيات المندوبية الوطنية للأمن في الطرق أو لدى القطاعات الأمنية من درك وأمن وطني وحماية مدنية، سجّلت ما يفوق من 3600 ضحية سنويا، و25 ألف جريح وما يفوق عن 2000 معاق سنويا، بالإضافة الى خسائر معتبرة تقدر بـ 100مليار دينار سنويا هي بشرية اجتماعية واقتصادية، كاشفا في الوقت نفسه أن نهاية شهر جويلية وشهر اوت فقط سجّلت أكثر من 240 ضحية، معتبرا المجازر الأخيرة الأكثر دموية.
ومن أجل مرافقة مجهودات الدولة الرامية للتقليل من حوادث المرور، أكّد شقيان أن الاكاديمية قدمت مجموعة من المقترحات، فبالإضافة الى كل الحملات التحسيسية التي تطلقها على مدار السنة بالتنسيق مع القطاعات المعنية، تقترح اعتبار إرهاب الطرقات أولوية وطنية وتصنيفها كواحدة من الأخطار الكبرى، إلى جانب تنصيب مجلس وطني مشترك تشاوري موسع ومستقل تابع لرئاسة الجمهورية، يرأسه وزير منتدب مكلف بالأمن المروري.
ويضم المجلس ممثلين عن كل القطاعات الوزارية والأمنية وكل الفاعلين من مجتمع مدني، خبراء وأكاديميين ودكاترة للوقوف على السياسة الوطنية للسلامة المرورية على اعتبار أنها أولوية وطنية، وكذا تفعيل تمثيل مكانة المجتمع المدني في المندوبية الوطنية للأمن في الطرق بوزارة الداخلية كعضو فاعل ما بين القطاعات المشاركة على المستوى الوطني والمحلي.
الى جانب العمل على وضع منصة رقمية للإحصائيات حوادث المرور في الجزائر، تحتوي قاعدة بيانات ليستفيد منها كل المختصين في الأمن المروري، وأخيرا طلب تنظيم يوم برلماني لمناقشة الظاهرة، والوقوف على مراجعة بعض قوانين المرور من طرف المختصين القانونيين، منها القانون المتعلق بقانون المرور 17/05، والتي لم يتم تطبيقها في الميدان، وكذا إعادة النظر في القوانين الخاصة بالمخالفين من أجل تشديد الإجراءات الصارمة ضد السلوك الإجرامي في السياقة، خاصة بالنسبة لسواق النقل الجماعي والبضائع.
وفي مناقشته لأسباب حوادث المرور، اعتبر شقيان العامل البشري أهمها لغياب الثقافة المرورية ونقص الوعي، وعدم احترام قانون المرور لدى السائقين والمواطنين على حد سواء، مؤكدا أن نسبة كبيرة من الشباب المتحصلين على رخصة السياقة الاختبارية، ما يعني ان المُكَوَّنين الجدد يمثلون نسبة 50 بالمائة من حوادث المرور.
هذه الحقيقة تستدعي – حسبه – التعجيل بإعادة النظر في منظومة التكوين بإدخال وسائل التكنولوجيا العصرية، وتكوين المكونين وفق برنامج بيداغوجي تطبيقي وتقني، وتشجيع مدارس تعليم السياقة على تطوير منظومة التعليم والتكوين بما يسمى المدارس الذكية، وكذا العمل على تحديد عدد الدورات في السنة بالنسبة للامتحانات والمسابقات، مع ضرورة إشراك الأطباء والنفسانيين في الامتحانات.
كما اقترح إنشاء ديوان وطني للامتحانات والمسابقات يضم كل القطاعات الوزارية والأمنية الفعالة، وبحضور ملاحظين من الأسرة الإعلامية يعتمد العمل على وسائل التكنولوجيا، وبأرضية وطنية لإضفاء شفافية أكبر على العملية، وإعطاء مصداقية للشهادة، وإعادة النظر في آلية المسابقات ومنح شهادة الكفاءة المهنية، وكذا إعادة النظر في تكوين المكونين.
وإلى ذلك، إنشاء البطاقية الوطنية للمخالفات وقاعدة بيانات للبطاقية الوطنية لرخص السياقة والبطاقية الوطنية للبطاقة الرمادية، في إطار الإجراءات المتخذة من طرف وزارة الداخلية لعصرنة القطاع، ما يستوجب العمل برخصة السياقة بالتنقيط لما لها من فوائد في شقها البيداغوجي، حيث تعمد دائما في حالة ارتكاب مخالفات وسحب النقاط إلى إعادة التكوين والرسكلة لاستعادة النقاط، واكتساب ثقافة مرورية، مع وجوب العمل بالسائق المرافق في المسافات الطويلة والخطوط الطويلة بالنسبة للحافلات، وإيجاد آلية رقابية مشتركة وإعادة النظر في قانون العقوبات للمخالفين.
تفعيل آليات المراقبة
أما فيما يتعلق بالأسباب المرتبطة بالمركبة، أكّد المتحدّث ضرورة تفعيل المنشور الوزاري المتعلق بتثبيت جهاز مراقبة وتسجيل السرعة في الحافلات ومركبات الوزن الثقيل، لما له من دور في المراقبة البعدية للسائق.
وتوقّف عند أهمية تجديد الحظيرة الوطنية للحافلات لوجود 2000 حافلة سنها ما بين 20 و25 سنة، واقتناء حافلات محلية الصنع ذات جودة فهناك مؤسسات وطنية تصنع حافلات مطابقة للمعايير وذات جودة، مشددا على عدم استيراد الحافلات الجديدة غير مطابقة لمعايير السلامة، خاصة وأن الحوادث كشفت عن نوع واحد من الحافلات يكون دائما سببا في الحوادث.
وأكّد ضرورة إدخال ربط آلي، ورقمنة أجهزة الوكالة الوطنية للمراقبة التقنية للسيارات لتجنب تدخل العامل البشري في الفحص التقني لشفافية أكبر في منح شهادة صلاحية السير، وشهادة المراقبة التقنية للسيارات.
كما أرجع حوادث المرور إلى قطع غيار مغشوشة مقلدة، لذلك أبرز أهمية منع استيراد السيارات وقطع الغيار غير المطابقة لمعايير السلامة المرورية، الى جانب إنشاء مراكز ومخابر خاصة بتكوين المهندسين في مجال الرقابة في قطع الغيار، وتزويد المركبات خاصة في المؤسسات الخاصة بنظام مراقبة والمتابعة عن بعد، إلى جانب العامل البشري، المركبات، يوجد عامل ثالث يتمثل في وضعية الطرقات.
وكشف شقيان أنّ تردي حالة الطرقات يعد أيضا سببا في حوادث المرور، ما يستدعي تفعيل اللجان الولائية للوقاية من حوادث المرور، مؤكدا ضرورة إزالة النقاط السوداء التي تتسبب في حوادث متكررة، الى جانب فتح مراكز لمراقبة الحمولة الزائدة عبر مختلف الطرقات، وكذا تثبيت كاميرات ورادارات رقمية، مع إعادة تأهيل إشارات المرور وعصرنتها بلوحات إلكترونية وشاشات، وتوفير أماكن الراحة في الطرقات.
قناة إعلامية مرورية
أما فيما يتعلق بقانون العقوبات، اقترح المتحدث تشديد الإجراءات القانونية على المخالفين لتصل الى تعليق الرخصة، الى جانب إعادة النظر في العقوبات على المخالفين من طرف وزارة النقل، وكذا سن قوانين تعاقب الأولياء الذين يسمحون للأطفال القصر بسياقة سياراتهم ودراجاتهم النارية.
دون إغفال أهمية التحسيس، أكّد شقيان ضرورة توعية المجتمع حول أخطار حوادث المرور عن طريق الاستثمار في العنصر البشري ليكون الوسيط الأساسي في المعادلة الأمنية، من خلال تعريف المواطن بمسؤوليته في الحد من الظاهرة بجعله يساهم في التبليغ عن مخالفات السائقين، ولن نتمكن من ذلك إلا باعتماد آليات جديدة لتحسيس الشباب والاستثمار فيهم على اعتبار أنهم أكبر شريحة مستهدفة.
وأعطى في حديثه الى «الشعب» أهمية كبيرة لإشراك الجامعة في استراتيجية الوقاية والحماية من الحوادث المرور، من خلال عقد اتفاقية شراكة معها من أجل تكثيف المخابر الخاصة بالأمن المروري والاستفادة منها عن طريق دراسة اكاديمية محكمة.
في الإطار نفسه، شرح أهمية إطلاق قناة إعلامية مرورية تعمل على توعية المواطن مرافقته في الطرقات، بالإضافة إلى إدراج التربية المرورية في المناهج التربوية في قطاع التربية في الجزائر.
الرخصة بالتّنقيط ضرورة
ربط الخبير الدولي في السلامة المرورية الدكتور امحمد كواش، سبب ارتفاع حوادث المرور في الآونة الأخيرة، بعودة الحركية الاجتماعية والاقتصادية الى طبيعتها بعد سنتين من الجائحة، فإجراءات الغلق والحد من التنقلات والنشاطات أدى إلى نوع من الكبت على المستوى الأفراد والمجتمع، لذلك سجلنا انخفاضا ملحوظا في حوادث المرور في السنتين الماضيتين.
فالعودة الى النشاط العادي والتنقل الكبير للمواطنين في موسم الاصطياف، وعدم الالتزام بالقانون المرور وغياب الثقافة المرورية لدى الأفراد، بالإضافة الى السياقة لمسافات طويلة، كلها عوامل ساهمت في ارتفاع حوادث المرور، كما تزامن هذا الارتفاع مع فترة الذروة لحوادث المرور المرتبط بفصل الصيف، فنحن اليوم نعيش تقاطع ذروتين ذروة الدخول المدرسي والاجتماعي وذروة فصل الصيف.
في الوقت نفسه، قال إنّ حوادث المرور ازدادت بشكل رهيب، فقد انتقلنا من إرهاب الطرقات الى مجازر الطرقات، واليوم نتحدث عن الإبادة المرورية، حيث شاهدنا وفاة أسر كاملة في حادث واحد، لاجتماعها في نفس المركبة بسبب طبيعة النقلات في هذا الموسم سواء لزيارة الأهل والأقارب أو المشاركة في مواكب الزفاف، وعكس حادث منطقة «مسعد» بولاية الجلفة يوم الجمعة الماضي، الذي راح ضحيته 11 شخصا من عائلة واحدة بمثابة صورة واضحة عن الإبادة الأسرية في الطرقات.
إلغاء سحب الرّخص ليس سببا
نفى الخبير أن يكون إلغاء قانون سحب ورفع رخصة السياقة سببا في تنامي الظاهرة، لأن السبب متعلق بذروة حوادث المرور، وأيضا تساهل الجهات الأمنية بسبب الوضع الوبائي، ما اعتبره سببا في رفع احتمالية وقوع حوادث المرور، وقد لمسنا تهورا كبيرا في الطرقات، بالإضافة الى أن الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي شجّع الكثير من السائقين على التهور سواء بالنسبة لسائقي الحافلات أو سائقي الوزن الثقيل.
وعن الحلول المقترحة، أكّد كواش أنّ مشروع رفع العقوبات والغرامات الجزافية لن تؤتي ثمارها في الأيام المقبلة، فمن الضروري العمل على عاملين أساسيين هما الجانب الردعي المباشر والجانب التوعوي، الى جانب الاستثمار في العامل البشري من خلال إنشاء وتربية جيل يلتزم بتطبيق القانون، حيث يراه الحل المناسب والجذري للظاهرة.
في ذات السياق، طالب بتفعيل رخصة السياقة بالتنقيط على اعتبار انّه أسلوب بيداغوجي، ردعي ترصدي، لأنّه يترصد السائقين المخالفين الذي يكررون المخالفات، وأيضا تربوي بيداغوجي لأنه يمكِّن السائق من استرجاع نقاطه في حالة التزامه بشروط السلامة المرورية، وعدم القيام بأي مخالفات أخرى، الى جانب سماحه بالتزام السائق المخالف بالقانون إذا ما بقيت له نقاط قليلة.
«حان الأوان لمراجعة منظومة رخصة السياقة في الجزائر بالنسبة لشهادة التكوين والشهادة الطبية الممنوحة، وبالنسبة للسواق المحترفين يجب مراجعة القوانين المتعلقة بمهنة سائقي الحافلات والوزن الثقيل والمركبات، والتعامل بصرامة مع سائقي الدراجات النارية بمختلف أنواعها، دون أن ننسى نقطة مهمة جدا هي الانتقال الى مرحلة الصرامة في تطبيق القانون، وتفعيل القوانين السابقة، فهناك قوانين خاصة بالسلامة المرورية موجودة في قانون المرور في الجزائر لا تطبق بحذافيرها، ما ساهم في ارتفاع حالة الاستهتار واللامبالاة وحوادث المرور في الآونة الأخيرة».
وعن أهم الأسباب، شرح الخبير أنّ السرعة المفرطة، التجاوز الخطير، المناورات الخطيرة، والسياقة الليلية في حالة تعب شديد، الى جانب استعمال الهاتف النقال أثناء السياقة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي كـ «الفايسبوك»، وحتى الأجهزة الالكترونية الموجودة في المركبات تعد أحد أسباب حوادث المرور، السياقة للمسافات طويلة ونصف طويلة.
أما في الشق المتعلق بالمركبات، أوضح أن عدم صيانة المركبات خاصة الشاحنات والحافلات التي تعاني من مشاكل تقنية، في مقدمتها عدم صيانة المكابح، الفرملة ونظام التوازن وكذلك الأنظمة الالكترونية والميكانيكية الخاصة بالمركبات، تسبب بشكل كبير جدا في رفع حوادث المرور، خاصة وسط فئة الشاحنات والحافلات.
السرعة والتجاوز والمناورات الخطيرة.. ثالوث الموت
تسجل الجزائر سنويا أرقاما مخيفة في حوادث المرور بين قتلى وجرحى.. عدة إجراءات اتخذتها الحكومة لعدة سنوات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، لكن الرقم بقي يراوح مكانه، حيث شهدت السنة الجارية ارتفاعا جنونيا في عدد وفيات الحوادث وصلت الى 62 قتيلا في أسبوع فقط شهر ماي الماضي.
واستنادا إلى إحصائيات المركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرقات تزهق يوميا أرواح بمعدل 8 إلى 10 أشخاص يوميا مع تسجيل 80 جريحا، بالإضافة الى تسجيل ما يفوق عن 100 مليار دينار سنويا كخسائر جراء حوادث المرور.
يدق ناقوس الخطر حول حوادث المرور التي لم تعرف انخفاضا عدا سنتي الجائحة منذ سنوات، وعاد إرهاب الطرقات ليضرب بقوة ويخلف عددا كبيرا من الضحايا وفاة كل أفراد العائلة الواحدة، مع تسجيل أعداد لا تكاد تحصى من الجرحى، بالإضافة الى الخسائر المادية في ( المركبات ) ، وتوجه التهم وتحمل المسؤولية الى المركبات الثقيلة وحافلات النقل الحضري في هذه المجازر اليومية، مما دفع بالسلطات المعنية البحث عن مخرج تشريعي للحد منها .
عائلات تباد في الطرقات
تعتبر السنة الجارية أكثر السنوات ( مقارنة بالسنوات الخمس الاخيرة ) من حيث عدد ضحايا حوادث المرور ، حيث سجلت مصالح الحماية المدنية شهر ماي الماضي ، وفاة 46 شخصا وإصابة 1535 أخرين بجروح خلال 1209 حادث مرور وقع بعدة ولايات من الوطن في الفترة من 8 إلى 14 ماي ( اسبوع ) ، وأثقل حصيلة سُجلت بولاية الوادي بوفاة 8 أشخاص وجرح 33 أخرين على إثر وقوع 23 حادث مرور.
كما لقي 61 شخصا حتفهم وأصيب 1831 آخر بجروح متفاوتة الخطورة في 1422 حادث مرور، خلال الفترة الممتدة من الـ 31 جويلية إلى الـ 6 أوت الجاري عبر مختلف مناطق الوطن، حسب إحصائيات الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية والامن عبر الطرق.
والأخطر أن هذه الحوادث أصبحت تبيد عائلات بأكملها في لمح البصر أثناء غفوة أو لحظة تهور من سائق المركبة، وبالرغم من حملات التحسيس، إلا أن الرسالة لم تصل ولم تصب هذه الأخيرة المبتغى والدليل، والنتيجة ـ حسب ذات المصدرـ تسجيل ضحايا بمعدل 8 الى 10 يوميا وعشرات الجرحى.
مركبات الوزن الثقيل.. الخطر
ولما كانت مركبات الوزن الثقيل وراء وقوع اغلب حوادث المرور ، فقد وجدت وزارة النقل حلا يتمثل في جهاز قياس السرعة “ مرونو تاكي غراف “، جهزت به مركبات نقل المسافرين والنقل المدرسي ونقل البضائع بهذا الجهاز منذ سنة 2020 ، والذي بواسطته يتم التعرف على أماكن تنقل هذه المركبات وسرعتها والمسافة ومدة السياقة، ومدى التزام السائق بالحد الأقصى والأدنى للسرعة وكذا فترة الراحة.
كما لجأت الى إيقاف إجراء سحب رخصة السياقة والاكتفاء بغرامة مالية، لكن إجراء السحب أو إلغائه لم يأت بالفائدة المرجوة حسب المختصين، مما جعل البعض يطالب بإجراءات أكثر ردعية وهو السحب النهائي لرخصة السياقة باستعمال الرخصة بالتنقيط.
خياطي : 15 الى 20 بالمائة اعاقة سنويا
يعتقد البروفسور رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث مصطفى خياطي، أن عدد ضحايا حوادث المرور يصل الى 9000 ضحية في السنة، حيث أن تحديد العدد يتم بعد شهر من وقوع الحوادث حسبما تشير إليه منظمة الصحة العالمية، لان هناك مضاعفات تسجل بعد وقوعها، وهناك حالات حرجة تنتهي بالوفاة ليس مباشرة بعد الحادثة، بل تستغرق أياما أو أسابيع.
أفاد البروفسور خياطي في تصريح لـ«الشعب“، أن حوادث الطرقات تخلف بالإضافة الى عدد كبير من الضحايا والجرحى ، 15 الى 20 بالمائة من الإعاقات ، ما يجعل تكلفة تكفل الدولة بهم باهظة جدا، لأن هذه العملية تستمر في الزمان (على مدى سنين)، وليس أياما أو أسابيع يمضيها الناجي من إرهاب الطرقات في المستشفى.
وتعد حوادث المرور ـ حسب خياطي ـ المشكل الوحيد الذي “ لم نستطع التغلب عليه لحد الآن “، مشيرا الى أن كثيرا من الدول منها ألمانيا، استطاعت أن تقلل من عدد ضحايا الطرقات من 18 ألف ضحية في العام إلى 2000، من خلال إستراتيجية ناجعة وضعتها وطبقتها بصرامة، الجزائر يمكن ان تأخذ بها، وهناك تجارب مماثلة لكل من امريكا ، كندا وسويسرا.. مذكرا انه طالب في السنوات الماضية بعقد جلسات وطنية حول حوادث المرور، بدعوة كل الشركاء الاجتماعيين، لان الأمر لا يعني وزارة النقل لوحدها.
تتعدد أسباب حوادث المرور ـ حسب خياطي ـ الذي يرى انه لا يمكن أن تبقى محصورة في السرعة وبالتالي “العامل البشري”، كما لا ينبغي ـ يضيف ـ الاكتفاء بمطالبة إعادة النظر في قانون المرور، لان هناك أسبابا أخرى منها حالة الطرقات.
وحمل المتحدث المسؤولية للشركات التي “ تهاونت في الانجاز أو في الإضاءة واستعمال الألوان التي تتيح للسائق الرؤية بوضوح وهو يتنقل ليلا ، حيث ذكر أن ألوان الصبغة التي تستعمل لتنبيه السائقين لأخطار معينة من نوعية رديئة تزول بمجرد سقوط الأمطار، كما أن الصيانة تبقى إشكالية مطروحة.
وفيما يتعلق بالمركبات الثقيلة التي تسبب في أغلب حوادث المرور، يقترح خياطي رفع سن السائق لأكثر من 30 سنة مع خبرة لا تقل عن 5 سنوات، لأنه لا يعقل ـ يستطرد ـ أن تطبق هذه الشروط على قائد الطائرة ولا يخضع لها سائق الحافلة “ كلاهما ينقل أشخاصا تحت مسؤوليته “.
مختصون: أزمة الوعي وغياب ثقافة المرور وراء المأساة
أجمعت آراء عديد المختصين في السلامة المرورية “أن العنصر البشري يبقى احد الأسباب الرئيسية لاستمرار ظاهرة حوادث المرور عبر الطرقات التي تحصد أسبوعيا عشرات الأرواح والضحايا، وهي الآفة التي استحقت بجدارة وصف “المجازر” التي ارتبطت سابقا بالحروب والكوارث الطبيعية التي تتجاوز طاقة الإنسان وقدراته من حيث التحكم والتقليل من آثارها، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني.
أمام استفحال ظاهرة حوادث المرور التي تتسبب في مآس ووفيات شبه يومية عبر طرقات الوطن، ارتفعت أصوات الهيئات المختصة في مكافحة الآفة بضرورة مضاعفة حملات التحسيس والتوعية المستمرة في المجتمع بالتنسيق مع الجمعيات الناشطة في الميدان وبعض المؤسسات الفاعلة كقطاع التربية الوطنية، التكوين المهني وغيرها التي يمكن من خلالها وعبر التلاميذ نقل الرسالة الى الأولياء من أجل تذكيرهم وتوعيتهم بأهمية احترام قانون المرور والالتزام بقواعده حماية للأرواح البشرية.
كما أجمعت التقارير والدراسات الميدانية التي قامت بها عدد من المؤسسات والوكالات المختصة وكذلك تقارير مصالح الحماية المدنية والدرك الوطني”ان العنصر البشري يشكل أحد العوامل الرئيسية لحوادث المرور قبل حالة الطرقات والمركبات”، وفي هذه النقطة أكد رئيس المنظمة الوطنية للأمن والوقاية من الحوادث والأخطار والآفات منصور زاير في اتصال مع “الشعب”، أن 70 بالمائة من حوادث المرور مرتبطة بالعامل البشري والمقصود هنا السائق الذي يتجاهل أحيانا وهو ماسك بالمقود لكل التعاليم والتعليمات الخاصة بقواعد المرور بما فيها تلك البديهيات التي أخذها من مدارس السياقة على قلتها”.
وعن التدابير المتخذة في هذا الشأن لتوعية السائقين بخطورة الوضعية أمام استفحال ظاهرة حوادث المرور، ركز رئيس المنظمة في رده على ضرورة تكريس مفهوم الثقافة المرورية التي تبقى ضئيلة جدا في المجتمع ولدى السائقين بالخصوص وذلك بتكثيف حملات التحسيس والتوعية بالتنسيق مع الشركاء والفاعلين، الاهتمام أكثر بمجال التكوين المستمر لرفع مستوى الوعي والمسؤولية الكبيرة التي يتحملها الجميع وليس فقط أصحاب المركبات.
ثمن رئيس المنظمة زاير منصور الجهود التي تقوم بها مختلف المصالح المختصة للتوعية والتقليل من حوادث المرور بما فيها الإجراءات الردعية والمخالفات التي بإمكانها كبح جماح السائقين الذين حولوا الطرقات الى مقابر، مقابل الدعوى الى ضرورة “إعادة النظر في قواعد التكوين ومهام مدارس السياقة التي لم تواكب التحولات الجارية واكتفائها بتقديم معلومات نظرية سطحية للمتعلمين بعيدة عن الواقع وما تشهده الطرقات يوميا من تجاوزات وأحداث خطيرة، وعليه ندعو الى إنشاء مدارس أو مراكز تكوين حقيقية تعتمد على الجانب النظري والتطبيقي قبل تسليم رخصة السياقة”.
وفي سؤال عن نشاط المنظمة والمقترحات العملية التي اقترحتها مع الشركاء لمكافحة أزمة حوادث المرور والتقليل منها، أكد منصور زاير “أن المنظمة الوطنية للأمن والوقاية من الحوادث قد عقدت عدة جلسات مع الفاعلين من أجل إعداد برنامج مشترك وتنظيم حملات تحسيسية وإعلامية مستمرة خاصة مع بداية الموسم الدراسي الجديد من اجل مرافقة التلاميذ والأولياء والمساهمة في خفض نسبة الحوادث المسجلة والعمل على نقل هذه الرسالة لكل أفراد المجتمع للمساهمة في غرس الثقافة المرورية التي تبقى من الظواهر الخطيرة التي تسبب سنويا عشرات الوفيات والمعاقين نتيجة الاستخفاف بقانون المرور وتعمد القيام ببعض التجاوزات الخطيرة كالإفراط في السرعة.
وعن سبب تضاعف حوادث المرور في وسائل النقل العمومية وشاحنات الوزن الثقيل ومدى تحمل قطاع النقل والأشغال العمومية لهذه التبعات الخطيرة التي تضاعفت في الأشهر الأخيرة، اعتبر رئيس المنظمة “أن وضعية الطرقات المهترئة وحالة المركبات التي تفتقد لعامل الصيانة تعتبران أيضا من الأسباب الأخرى المباشرة لحوادث المرور المتزايدة مثل تلك التي شاهدنا مؤخرا في انقلاب حافلات وشاحنات أدت الى تسجيل عدة وفيات”.
ودعا في الأخير مسؤولي هذه القطاعات الحساسة الى ضرورة”تشديد الرقابة على المركبات وحافلات النقل الجماعي للمسافرين التي تبقى نسبة كبيرة منها غير صالحة للسير ناهيك عن أزمة الصيانة واستنزاف السائقين من قبل مسيري مؤسسات النقل الخاصة التي لا تحترم دفتر الشروط”، مع المطالبة أيضا بإنشاء قناة تلفزيونية خاصة بمكافحة حوادث المرور لنشر الثقافة المرورية نظرا لما يمثله الإعلام من أهمية في نقل هذه الرسالة للجميع”.
حملة وطنية لفائدة سائقي الدراجات النارية
أطلقت المديرية العامة للأمن الوطني، الأحد، حملة وطنية تستهدف سائقي الدراجات النارية من شأنها محاربة السلوكات السلبية الخطيرة وما يتبعها من أضرار على مستعملي الطريق, حسب ما جاء في بيان لها.
أوضح البيان أن هذه الحملة الوطنية التي ستستمر في مرحلتها الأولى إلى غاية 20 سبتمبر الجاري، ترمي إلى “محاربة ظاهرة السلوكات السلبية الخطيرة وما يتبعها من أضرار لمستعملي الطريق العام والساكنة” وإلى توعية هذه الفئة من مستعملي الدراجات للعدول عن هذه السلوكات قبل اللجوء إلى “الأساليب القانونية الردعية”، وما يتبعها من “إجراءات إدارية وجزائية صارمة ضد المخالفين كل حسب مسؤوليته”.
ومن بين الأخطار- يشير البيان – “عدم احترام قانون المرور و الذي يتجسد جليا في عدم ارتداء الخوذة، السرعة المفرطة، السياقة دون وثائق، المناورات الاستعراضية، قيادة الدراجات النارية من قبل القصر والإزعاجات الصوتية الناتجة عن إدخال بعض الإضافات على محركات الدراجات، ناهيك عن بعض السلوكات التي لها علاقة مباشرة بأشكال الجريمة كالسرقة بالنشل وحمل بعض المحظورات”.
ودعت المديرية العامة للأمن الوطني، جميع الفاعلين لاسيما الأولياء إلى المساهمة في محاربة السلوكات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية.