أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة، والخبير بالشؤون الدولية الدكتور مبروك كاهي، أن التحركات الدبلوماسية الجزائرية التي تجري في سبيل إنجاح القمة العربية المقررة في نوفمبر المقبل، كانت في أقصى طاقتها وفي أعلى مستوياتها وفي مختلف الاتجاهات.
أشار الاستاذ إلى أن الحضور الكمي والكيفي المنتظر خلال الموعد ذاته، هو رسالة من الجزائر للعالم، مفادها أن الدول العربية لن تكون أبدا على الهامش، وأن دورها يضطلع في وضع أسس النظام الدولي الجديد دون إقصاء أو تهميش، وهو ما يبرر دعمها للظفر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، لدعم لقضايا العادلة والدفاع عنها.
بدأ العد التنازلي لانعقاد القمة العربية في الجزائر بداية نوفمبر المقبل، كيف ترون التحضيرات لهذا الموعد، خاصة ما تعلق باستقبال الضيوف وتهيئة الظروف الملائمة لذلك؟
ستعقد القمة العربية في الجزائر يومي 1و2 نوفمبر القادم، حيث عملت الجزائر على التحضير لها منذ فترة طويلة، علما أنه تم تأجيلها بسبب جائحة كورونا، وقد أخذت حيزا وافيا من النقاش العربي حول أبرز الملفات التي سوف تُناقش وأهم القضايا التي ستُطرح على طاولة النقاش، على ضوء الظروف العصيبة التي يمرّ بها النظام الإقليمي العربي، فالجزائر لم تسع لتحضير قمة عربية بروتوكولية، وإنما سعت لتحضير أرضية مناسبة للقادة العرب من أجل تبادل الرؤى والتصورات حول القضايا الأساسية للأمة العربية والبحث عن تصور موحد اتجاه القضايا العالمية، في ظل التطورات المتسارعة التي أعقبت خروج العالم من تداعيات أزمة كوفيد 19، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأزمة الطاقة الدولية، وأزمة الغذاء التي تلوح في الأفق، وعليه، فالتحضير كان على قدم وساق لإنجاح القمة، وحتى التاريخ المقرر انعقادها فيه، تم اختياره بعناية، فهو ليس مهمّ للدولة الجزائرية فقط، باعتباره مرتبط بثورتها المجيدة، وإنما يأخذ طابعا جيوستراتيجيا ودوليا، على اعتبار أن في مثل هذا الوقت تضع الدول الكبرى استراتيجيتها وتوجهها، تزامنا مع انتهاء انعقاد الدورة العادية للأمم المتحدة، أما على صعيد استقبال الضيوف، فالجزائر تملك تاريخا زاخرا، بتنظيم قمم دولية ومؤتمرات إقليمية استقبلت فيهم زعماء دول وشخصيات دولية وازنة، ولعلّ أبرز مثال على ذلك القمة التأسيسية لمنظمة الاتحاد الإفريقي نهاية القرن الماضي التي حضرها عديد القادة الأفارقة، وتوجت بميثاق تأسيسي، مكّن الاتحاد الإفريقي من أداء دوره، والتكيّف مع جميع الظروف المحيطة، وسبق لها تنظيم عدة قمم عربية، إحداها أعلن فيه قيام الدولة الفلسطينية، فالجزائر لها تقاليد راسخة بالاحتفاء بضيوفها وتهيئة الظروف المناسبة لهم.
ماذا عن التحرّكات الدبلوماسية الجزائرية التي تسبق هذا التاريخ؟
بخصوص سؤالكم المتعلق بالتحركات الدبلوماسية التي تسبق تاريخ انعقاد القمة العربية، فهي ناجحة، ممثلة في تحركات وزيارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لعديد الدول العربية، والالتقاء بقادتها من أجل مناقشة القضايا العربية المهمة، والتأكيد على قمة الجزائر، فرئيس الجمهورية زار دولا عربية في القارة الإفريقية، على غرار زيارته لدولة مصر ودولة تونس، كما زار دولا خليجية، على غرار المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت أيضا، وكلها زيارات ناجحة احتفت بها هذه الدول، وأكدت على أهمية دور الجزائر في حل القضايا الإقليمية العربية، وعلى أهمية القمة التي ستعقد بالجزائر، كما استضاف رئيس الجمهورية رؤساء دول عربية أخرى بالجزائر العاصمة، على غرار زيارة رئيس دولة موريتانيا الإسلامية ولد الغزواني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومن جانب آخر، لم تكد تتوقف زيارة وزير الخارجية رمطان لعمامرة، لمعظم الدول العربية من أجل المشاورات وتبادل وجهات النظر إزاء القضايا ووضع الملفات في أجندة القمة العربية المقرر عقدها في الجزائر، فالتحركات الدبلوماسية الجزائرية كانت في أقصى طاقتها، وفي أعلى مستوياتها وفي مختلف الاتجاهات.
كيف تفسرون تجاوب الضيوف، وضيوف الشرف الذّين وجّهت لهم الجزائر الدعوات لحضور القمة العربية لحد الساعة؟
قوبلت الدعوات التي أرسلها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالترحاب والتأكيد على أهمية القمة العربية، وتأكيدا للحضور والمشاركة والعمل على إنجاحها، وتم توجيه الدعوة لكل الدول العربية الأعضاء المنضوية تحت لواء منظمة جامعة الدول العربية، ولم يتم إقصاء أي دولة، باستثناء دولة سوريا على اعتبار أن عضويتها معلّقة وملف عودتها تم تأجيله باتفاق الجميع، وهو أمر تفهمته سوريا.
أما ضيوف الشرف الذين وجهت لهم الجزائر دعوة الحضور، فكما ذكرت سابقا، بلادنا تملك تاريخا وتقاليد في تنظيم القمم، وتعطيها بعدا آخر مما يعطيها صدى دولى، وقيمة وأهمية للقرارات المنبثقة عنها، فقد تم توجيه دعوة لرئيس منظمة عدم الانحياز، ووجهت دعوة أيضا إلى رئيس الاتحاد الإفريقي، كما وجهت دعوة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، مما يعطي القمة عدة أبعاد دولية وإقليمية، وتجلب المتابعة الإعلامية الدولية واهتمام بالغ لقادة دول العالم، وهي رسالة واضحة من الجزائر أن الدول العربية جزء فاعل في المجتمع الدولي، وتحتل فيه مكانة بالغة الأهمية، ولا يجب أن تكون أبدا على الهامش، بل يجب أن تضطلع بدورها في وضع أسس النظام الدولي الجديد دون إقصاء أو تهميش.
شاركت الجزائر مؤخرا في الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، كيف تقيمون هذه المشاركة؟
مشاركة الجزائر في الدورة الـ77 العادية لمنظمة الأمم المتحدة، ناجحة، وكانت فرصة للتأكيد على مبادئ الدولة الجزائرية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحلّ الخلافات الدولية بالحوار والطرق السّلمية، والدّفاع عن القضايا العادلة وحق تقرير المصير، ونبذ الظلم والتمييز العنصري، والدفاع عن مبدإ العدالة الدولية في اقتسام الثروة العالمية ونقل التكنولوجيا والتنمية.
كما أجرى وزير الخارجية رمطان لعمامرة، عديد اللقاءات المثمرة والمهمة مع نظرائه من الدول الأخرى، ورؤساء دول شاركوا في القمة الأممية وفاعلين دوليين، وكانت فرصة لإسماع صوت الجزائر للعالم وموقفها من التحديات الدولية، مما أكسبها مزيدا من الاحترام، واعتبارها احد أهم الركائز الأساسية المدافعة عن ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية سيما لدول العالم الثالث.
قدمت الجزائر ترشيحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، وهو الترشيح الذي حظي بتزكية الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.. كيف ترون حظوظها؟ وما الدافع وراء هذا الترشح في اعتقادكم؟
بخصوص دعم عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وجب التذكير أن الجزائر من الدول القليلة المنادية بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، سيما في أهم جهاز لديها وهو مجلس الأمن الدولي وتمكين القارة الإفريقية من الحصول على مقعد دائم بكامل صلاحيات الدول الأخرى، هذا المقعد ليس بالضرورة أن يمنح لدولة افريقية معينة بقدر ما يتم تداوله بين الدول الإفريقية، وهو ما أكسب احتراما للدولة الجزائرية وجعل العديد من الدول والمنظمات على غرار منظمة عدم الانحياز، وجامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي، تؤيد ترشح الجزائر للعضوية غير الدائمة وتساند إصلاحات المنظومة الأممية التي طالبت بها الجزائر، حتى تتمكن من الاضطلاع بدورها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، في ظل التطورات الدولية المتسارعة، ودعم حصول الجزائر على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي هو دعم للقضايا العادلة التي سوف تدافع عنها الجزائر.