تجاوز العالم عوائق التّواصل بطريقة مذهلة، ولم تعد اللّغة، مهما كانت اللّغة، عائقا أمام الاتصال، سواء أحسنها المتلقّي أم لم يحسنها، فقد صار في متناول الجميع أن يصطحبوا في هواتفهم «مترجما آنيا» يمكّنهم من الكلام، بلغاتهم الأصلية، مع جميع البشر، ويكفي «المترجم الرّقمي» أن يسجّل الكلام، ثم يترجمه في وقته إلى أيّة لغة..
أكثر من هذا، أنّ «الكتاب الرّقمي» يمكن قراءته في كلّ اللغات، باستعمال «المايكروسوفت وورد»؛ فقد تزيّن هذا البرنامج، في طبعته الأخيرة، بترجمان ذي كفاءة عالية، يمكن أن ينقل أيّ كتاب إلى اللغة التي يريدها القارئ في لحظات معدودة، دون عناء، ما يعني أنّ «المعرفة» صارت طوع من يرغب في اكتسابها، وتقدّم نفسها سهلة بسيطة، لا تفرض سوى الجدّيّة في الطّلب، غير أنّنا، في حاضنة اللّغة العربية، ما زلنا نراوح مكاننا، ولا نعرف كيف نستفيد ممّا يتوفّر لنا، ولا حتى كيف نضيف شيئا إلى صرح المعرفة الإنساني؛ ذلك أنّ كثيرين ممّن يتعاملون مع التطبيقات معاملة المستهترين، لا يكفّون عن «التلاعب» بـ «التّطبيقات»، فيطعّمونها بمعلومات خاطئة، يقصدون إلى «التسلية» و»المرح»، ولا يدركون أنّهم يتلاعبون بمصير لغة أمّة كاملة، وهذا يعرفه جيّدا مستعملو «ترجمان غوغل» حين يدخلون مصطلحا معيّنا للترجمة، فتأتيهم الآلة بما لا يخطر لهم على بال؛ لأنّ عددا من المستهترين روّجوا للخطأ وثبّتوه، وليس يمكن إصلاحه إلا بتوافق عدد كبير من مستعملي الترجمان..
ما ينبغي أن نتأكّد منه، هو أنّ الكمبيوتر لا يحظى بـ «عقل دودة أرض» (إن كان لها عقل)، وبالتالي، فإنّ الخدمات التي (يحسنها)، لا يمكن أن تتجاوز ما قدّمنا له؛ ولهذا، ينبغي التحلّي بروح المسؤولية في التعامل مع الترجمان، وعدم التلاعب به؛ لأنّ ما نعتقد أنّنا نتسلّى به، يمكن أن يتسلّى بنا..